كان خريف 2023 قد حلّ ببَرده على أوروبا، فظنّت الطيور أن مسار الهجرة الذي تعبره سنوياً من شمال الكوكب إلى جنوبه الدافئ، سالكٌ وآمن كما في كل عامٍ تقريباً. إلا أن الحرب كانت بالمرصاد فقضى عددٌ منها.

التغيير ــ وكالات 

عصفور الشمس من نيل مصر إلى نار السودان

مطبّ ناري آخر تصطدم به الطيور المهاجرة إذا أكملت رحلتها من مصر إلى أفريقيا عبر السودان.

لذلك، فمن الملاحظ مؤخراً، أنه وبسبب القتال الدائر داخل الأراضي السودانية، ما عادت الطيور تهبط للاستراحة هناك. تفاجئها النيران المتبادلة بين الفصائل المتقاتلة، وتستنتج أن الموائل التي اعتادت الإيواء إليها تدمّرت وفقدت أمانها، وبالتالي فهي تغيّر مسارها.

غالباً ما تكون تلك المسارات المستجدّة أطول وأكثر استهلاكاً للطاقة، وهذا يؤثّر على دورة التكاثر الطبيعية للطيور، وبالتالي تتعرّض أعدادها للتناقص.
يحذّر سعد من أن هذا الخلل في مسار الهجرة «سيؤثّر حكماً على النظام البيئي العالمي. فبعض الطيور يأكل الحشرات والقوارض التي تؤذي الزرع، وفي حال فقدنا تلك الطيور تتفشى الأوبئة، ولا يمكن معالجتها سوى بالمبيدات السامة التي تؤذي التربة والبشر».

عصافير نازحة

فور استشعارها بالخطر، تغادر الطيور أعشاشها وموائلها الأصلية وتطير بحثاً عن مأوى جديد. هذه الظاهرة المرافقة للحروب هي أشبه بالنزوح، فحال العصافير من حال البشر.
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على جنوب لبنان، التهمت نيران القصف عشرات آلاف الأشجار، وقضت على غاباتٍ ومساحاتٍ خضراء كانت تُعدّ ملاذاً آمناً للطيور المهاجرة وتلك المقيمة. كما أدّى استخدام الأسلحة الفوسفورية، وفق سعد، إلى تضرّر التربة والحشرات والبذور التي تقتاتها الطيور. ما كان من عصافير الجنوب سوى البحث عن مكان إقامة جديد، فاتجهت صوب جبل لبنان وشماله.

إلا أنّ هذا النزوح دونه عقبات، إذ يحدث أن «يدور نزاع بين الطيور النازحة وتلك الموجودة أصلاً في الأماكن التي تحاول الإيواء إليها». ويضيف سعد أن المعاناة في إيجاد موئل جديد يضاعف أخطار الجوع والوفاة لدى الطيور.
عصفور الشمس الفلسطيني بخطَر

مثلما قضت الحرب الإسرائيلية على عائلاتٍ فلسطينية بأكملها في قطاع غزة، فهي تهدّد كذلك بالقضاء على نحو 200 صنفٍ من الطيور، واضعةً سلالاتها تحت خطر الانقراض.

وسط أخبار المجازر والدمار والمجاعة، ربما غاب عن بال كثيرين أنّ منطقة وادي غزّة كانت بمثابة واحة خضراء، ومحطّة حيويّة بالنسبة إلى الطيور المقيمة وتلك المهاجرة من وإلى القارة الأفريقية. أما اليوم، وبفعل استخدام إسرائيل للأسلحة المحرّمة دولياً، فقد خسر الوادي أشجاره واخضراره وهجرته الطيور التي نزح بعضها، فيما مات بعضها الآخر.
زينةُ ذلك الوادي وسائر الأراضي الفلسطينية، طائرٌ صغير يتميّز بلون ريشه الذي يمزج ما بين الأخضر والأزرق والأسود. إنه التَّمير الفلسطيني أو عصفور الشمس، وهو رمز البلاد. غادرت أسرابٌ كثيرة منه موطنها الأصلي، ولجأت إلى الأردن ولبنان وعُمان وغيرها من دول المنطقة، إلا أنّ ذلك لم يَحُل دون اعتبار الخبراء أنّ أعداد عصفور الشمس الفلسطيني في تناقصٍ مقلق.

ومن بين الطيور التي كانت تجد لها موطناً في وادي غزة وفلسطين عموماً، الهدهد والحمام القمري. إلا أنّ تلك الأصناف أيضاً هي على قائمة الطيور المهددة حالياً، بسبب دمار موائلها والتدهور البيئي.
لفت شادي سعد إلى أنه «في مقابل رحيل الطيور الأصلية وابتعاد تلك المهاجرة عن مناطق الحروب، تتكاثر الطيور الجارحة التي تأكل الجيَف». من أبرز تلك الطيور التي تحوم فوق الجثث والأشلاء لتقتات منها، الغراب والنسر والصقر.

في حمأةِ الصواريخ والمضادات الجويّة التي كانت تشعل سماء فلسطين وإسرائيل مطلع الحرب على غزة (أكتوبر 2023)، قُتل كثير من طيور البجع والكركي. لم يميّز الجنود الإسرائيليون بينها وبين المسيّرات، خصوصاً أنها تحلّق على الارتفاع ذاته وبالسرعة نفسها، فأطلقوا النار عليها.
يشرح مراقب الطيور شادي سعد بحسب «الشرق الأوسط»، أنّ خطّ لبنان – فلسطين هو الممر الأساسي لمئات أصناف الطيور المهاجرة من أوروبا باتّجاه أفريقيا لقضاء فصل الشتاء هناك. وهو الممر ذاته الذي تعبره ربيعاً لدى عودتها إلى مواطنها الأوروبية. لكنّ هذا الممر يعاني اهتزازاً منذ سنتَين، ما انعكس تراجعاً في أعداد الطيور المهاجرة. قبل 2023، كان يُرصَد عبور 50 ألف طائر كركي في سماء المنطقة خلال موسم الهجرة، وقد تضاءل إلى 15 ألفاً في العامَين الأخيرين.

الطيور تستشعر الاضطرابات

«مثلُها مثلُ البشر، تتأثر الطيور بكل ما يدور من حولها»، يقول سعد. فكيف إذا كان ما يدور هو حربٌ بما فيها من انفجاراتٍ تؤذي سمعها وقلبها وجهازها العصبي والتنفسي، ومن نيرانٍ تقضي على موائلها أي الأماكن التي تقطن وتأكل وتتكاثر فيها.طيور في مواجهة مطبّات ناريّة

تستشعر الطيور الاضطرابات المحيطة بها، فتحاول قدر المستطاع تجنّب المطبّات النارية التي تصادفها فوق المنطقة الممتدة من جنوب لبنان إلى جنوب فلسطين.

يخبر سعد كيف أنّ الطيور المهاجرة التي اصطدمت بخط النار في سماء الجنوب اللبناني الخريف الماضي، «اضطرّت للانحراف صوب البحر». وهو يصف تلك الرحلة بالخطرة بما أن كل الطيور ليست قادرة على أن تحطّ في المياه. يُضاف إلى مخاطرها التأخير الذي تتسبب به والذي يؤثّر على حياة الطيور، فهي قد تموت إذا طال الطيران من دون استراحةٍ ولا طعام.
في مايو  2024، لوحظ أن مجموعة كبيرة من النسور المهاجرة عبر أوكرانيا، غيّرت مسارها المعهود من أجل تجنّب مناطق القتال. وقد وجد باحثون في «جامعة إستونيا لعلوم الحياة»، أن تلك الانحرافات الكبيرة أدّت إلى سفر أطول بـ85 كيلومتراً.

وتُعدّ الحروب سبباً أساسياً في تغيير الطيور مسار هجرتها الموسمية. ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي تحيد عن سماء فلسطين المشتعلة وموائلها المدمّرة لتسلك مساراً أكثر أماناً هو خليج السويس، وصولاً إلى مصر ومنها إلى أفريقيا. فأولوية الطير المهاجر هي إيجاد مسار آمن لهجرته، بما في ذلك من استراحات يتوافر فيها الغذاء والماء. أما الشرود عن المسار الآمن لأسباب خارجة عن إرادته كما الحرب، فيقلّل من فرص وصول الطير سالماً.

الوسومأوكرانيا الحرب الحرب في السودان الطيور تغيير مسارات الهجرة عصافير نازحة غزة مأوى جديد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أوكرانيا الحرب الحرب في السودان الطيور غزة مأوى جديد

إقرأ أيضاً:

تعرف على الهدن وجولات التفاوض خلال عامين من حرب غزة

على مدى عامين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تكررت محاولات التهدئة والتفاوض دون أن تنجح في كبح آلة الحرب أو وضع حد لمأساة الغزيين.

وبين كل جولة وأخرى، كانت الأبواب توصد أمام الحلول الدبلوماسية مع إصرار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية– على الحسم العسكري ورفض أي اتفاق نهائي لوقف النار.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4كيف أفشلت المقاومة أهداف الاحتلال في غزة على مدار عامين؟list 2 of 4القدس في عامَي الحرب.. انتهاكات طالت البشر والحجر والشجرlist 3 of 4عامان من الإبادة.. أطفال غزة بقبضة الموت تجويعا ومرضاlist 4 of 4بعد عامين من الإبادة: هنا غزة، هل تسمعوننا؟ أوقفوا الحربend of list

وخلال تلك الفترة الطويلة، تعاقبت المبادرات والوساطات، وتبدلت الخرائط السياسية، لكن المشهد الإنساني في غزة ظل على حاله من القتل والحصار والدمار، فيما تتسع دائرة الجهود الدولية بحثا عن مخرج من نفق الحرب.

واستعرض تقرير أعدّته مراسلة الجزيرة نسيبة موسى، تسلسل أبرز الهدن والمفاوضات منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم، حيث شهدت هذه المدة أكثر من محاولة لوقف القتال أو تبادل الأسرى، جميعها اصطدمت بتعنّت الحكومة الإسرائيلية ومراوغتها السياسية.

أول هدنة

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نجحت الوساطة القطرية المصرية في إبرام أول هدنة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، استمرت 7 أيام فقط، وأسفرت عن الإفراج عن 109 أسرى إسرائيليين مقابل 240 أسيرا فلسطينيا، قبل أن تنهار الهدنة وتستأنف إسرائيل عملياتها العسكرية.

مع بداية ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وسّعت قوات الاحتلال اجتياحها البري لتشمل مدينة خان يونس جنوبي القطاع، في فصل جديد من حرب الإبادة التي أودت بحياة الآلاف ودمّرت مساحات واسعة من البنية التحتية.

وفي مايو/أيار 2024، طُرح مقترح جديد تضمن خطة من 3 مراحل، تمتد كل منها بين 40 و42 يوما، على أن تفضي في نهايتها إلى وقف شامل لإطلاق النار وعودة النازحين إلى ديارهم، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت المقترح، وواصلت تصعيدها العسكري هذه المرة على مدينة رفح المحاصرة.

وفي نهاية الشهر نفسه، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خارطة طريق لوقف كامل لإطلاق النار، تستند إلى مقترح إسرائيلي ذي 3 مراحل.

إعلان

ورحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالخطة من حيث المبدأ، بينما أصر نتنياهو على المضي في الحرب بحجة تحقيق "أهدافها الأمنية".

قرار مجلس الأمن

وفي العاشر من يونيو/حزيران 2024، تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2735، الذي دعا إلى تنفيذ مقترح بايدن ودعم وقف إطلاق النار، ومع ذلك، بقي القرار دون تنفيذ فعلي وسط رفض الحكومة الإسرائيلية لأي التزام بوقف دائم للحرب.

وبحلول ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، دخل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على خط الأزمة، مهددا بـ"جحيم في الشرق الأوسط" إذا لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة قبل تنصيبه، في خطوة أعادت الحراك الدبلوماسي مجددا إلى الواجهة.

ثم جاء يناير/كانون الثاني 2025 ليحمل ملامح اتفاق جديد هو الثاني منذ اندلاع الحرب، إذ أُعلن في منتصف الشهر عن تفاهم لوقف إطلاق النار من 3 مراحل.

بدأت أولى هذه المراحل في التاسع عشر من الشهر ذاته واستمرت 42 يوما، وشهدت الإفراج عن 33 أسيرا إسرائيليا مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين.

حصار خانق

غير أن إسرائيل أعلنت مطلع مارس/آذار من طرف واحد استئناف الحرب، وفرضت حصارا خانقا على القطاع، لتعود المواجهة أشد ضراوة وتغيب معها أي آفاق حقيقية للسلام.

ومع تصاعد الدمار والجوع، بدأت تتسرب إلى الساحة الإسرائيلية خطط تتحدث عن تهجير سكان غزة وتحويل أراضيهم إلى مشاريع استثمارية، بينما كان أهل القطاع يترقبون أي بادرة لوقف نزيف الحرب.

ومع دخول الحرب عامها الثالث، تبدو غزة غارقة في كارثة إنسانية متواصلة، فيما تتمسك حكومة نتنياهو برفضها لأي مسار سياسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار أو صفقة تبادل شاملة، غير أن المشهد تغيّر مجددا مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة جديدة للسلام تتألف من 20 بندا.

خطة ترامب

وتنص الخطة، التي أيدها نتنياهو، على وقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين خلال 72 ساعة، إلى جانب نزع سلاح حركة حماس، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

كما تتضمن إنشاء سلطة انتقالية بإشراف مباشر من ترامب، وبمشاركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير أحد مهندسي الخطة.

وردت حركة حماس على المقترح بإيجابية، معلنة استعدادها لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، أحياءً وجثامين، مقابل وقف شامل للحرب وانسحاب كامل من القطاع، كما أبدت موافقتها على تسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين، والدخول فورا في مفاوضات عبر الوسطاء لمناقشة تفاصيل التنفيذ.

وقد شكّل هذا الموقف من حماس نقطة تحول في مسار التفاوض، إذ فُتح الباب أمام جولة جديدة من المحادثات في مدينة شرم الشيخ المصرية، لبحث آليات تطبيق المرحلة الأولى من خطة ترامب المتعلقة بتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.

وبين هدنة وأخرى، ومبادرة تتلوها أخرى، يبقى الواقع الميداني في غزة على حاله، إذ تتبدل الأسماء والمبادرات لكن المعاناة مستمرة، فيما ينتظر الفلسطينيون أن تثمر أي من هذه الجهود عن سلام حقيقي ينهي أطول الحروب وأكثرها دموية في تاريخ القطاع.

مقالات مشابهة

  • شهيد وجريح في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان
  • “اليد التي حركت العالم من أجل غزة.. كيف أعاد اليمن كتابة قواعد الحرب البحرية بعد الطوفان؟”
  • غزة تدمر وإسرائيل تدفع ثمنها اقتصاديا| وسياسي: الحل يبدأ من الاعتراف بحقوق الفلسطينين
  • قاسم: الإنتصارات ضدّ إسرائيل كانت على يديّ نصرالله
  • ما رؤيا الرسول التي كانت سببًا في تخصص د. أحمد عمر هاشم في الحديث؟ - فيديو
  • تعرف على الهدن وجولات التفاوض خلال عامين من حرب غزة
  • صدمة الإبادة التي تغيّر العالم.. إذا صَمَت الناس فلن يبقى أحد في أمان
  • شهيدان في غارة للاحتلال جنوب لبنان
  • سلامة الغذاء: تصدير 180 ألف طن مواد غذائية.. والجزائر والسودان والسعودية في مقدمة المستوردين