عامان على الحرب.. غزة تكتب عنوانا آخر للصمود
تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT
خلال عامين من المعاناة الإنسانية التي تعد إحدى أكثر الهجمات دموية في تاريخ غزة والعالم الحديث، خلال تلك الفترة الزمنية لم يكن مجرد وقت زمني ينزف من رزنامة الأيام، بل شهادة صمود وتحدٍ أمام الواقع المرير.
الآلاف من التقارير الإخبارية، والقصص المصورة والمكتوبة تعكس مدى قباحة «الصورة القاتمة» لشكل المعاناة الإنسانية التي عاشتها غزة ما بين قتل، وتجويع، وتشريد، وإبادة جماعية، واليوم وبعد أن تم الإعلان عن توقف ذلك الهجوم الغاشم، نجد أن الحرب لا تزال حاضرة في كل شيء، فالمباني المهدمة حاضرة في المشهد، والركام الذي لم يرفع لا تزال تحته أسرار الموت والشهادة، أما قواف العائدين إلى ديارهم فهي قصة أخرى يكتبها الأمل حتى وإن تغيرت وجوه ملامحهم من شدة الفقد والتهجير القسري.
خلال عامين كاملين كانت يوميات «سكان غزة» أو لنقل الناجين من آلة الحرب الإسرائيلية، يسطرون استبسالهم وصمودهم في أماكن لا تصلح للعيش الإنساني.
عاشوا خلال عامين من الزمن تحت وقع أصوات الصواريخ، وأطلال البيوت المهدمة، وحطام النفوس الموجوعة بألم الفقد، في العمق الغزاوي كانت الصرخات تتعالى من بين الخيام الممزقة والمباني التي تُنسف على رؤوس سكانها، كان نساء وأطفال ورجال غزة يؤكدون أن «لا زمن يمر عليهم كما ينبغي له أن ينجلي من جانبهم؛ فالوقت لم يضمد تلك الجراح المفتوحة، بل يفاقمها أكثر من أي جرح في مكان آخر».
الآلاف من الشهادات كان أهل غزة يدلون بها لمن ينقلون الحدث لحظة بلحظة، المشهد كان أكبر من أن يوصف في صفحات يسيرة أو في تقارير مصورة توجزها دقائق معدودة.
في بدايات أشهر الحرب، كان السكان يظنون بأن الحرب ستنتهي سريعًا، وتعود الأمور إلى طبيعتها.. لكن أمدها طال طويلًا، ولم تنتهِ سريعًا مثلما توقع البعض، وبعد عامين كاملين أعلن عن توقفها، فهل سيصمد هذا التوقف طويلًا، أم أن نيران العدو الغاشم ستعيد الكرة مرة أخرى في أجساد الباقين؟ توقفت الحرب ولم يعد شيء صامدًا فوق الأرض، الأبراج مهدمة، الشوارع لا وجود لها، الأسواق، الحياة كلها خراب ودمار، في المشهد يتجلى عودة أفواج من البشر التي نزحت قسرًا، يتبعون بعضهم البعض في طابور طويل، يحملون ما تيسر لهم من أمتعتهم الباقية، يلفونها بثوب من القلق الدائم، استوقفني وصف قاله أحد الصحفيين عن مشهد نفرة الأرواح قائلًا: «إنهم كأجساد معلقة في لحظة لا تنتهي.. والخيمة الممزقة لا تعد سكنًا آمنًا أو درعًا يحتمى بها من الاعتداء الغاشم.. فأي مصير هذا الذي ينتظرهم عند أبواب العودة؟». أهل غزة الذين رفعنا أكف الضراعة والدعاء إلى الله بأن ينقذهم من محنتهم، لم تكن معاناتهم اليومية محصورة ما بين فقدان البيوت والممتلكات، بل امتدت إلى إصابة الأبدان بشظايا الألم التي دمرت كل خطوط المقاومة النفسية، وأصبحت العيش عبارة عن حالة من خوف دائم لا راحة فيه ولا شعور بالأمان.. كانت غزة تنام وتصحو على أصوات الانفجارات والقصف والدمار، وكل شيء يتحول في لحظة صمت إلى جرح آخر يضاف إلى جراحها المفتوحة.
عبر شاشات التلفاز كنا نتسمر في أماكننا عندما نرى كل الناس تبدو في حالة نصب دائم، في بعض المرات كان البعض يخفي وجعه الدامي بابتسامة مصطنعة، لكن لسان الحقيقة يخبر بأنهم من الداخل منهارون تمامًا.
امرأة غزاوية كانت كلماتها تخلط بين نار الألم وقوة العزيمة، وهي تقول: «لا نملك رفاهية الأمل في المستقبل، لكن لدينا الإصرار للعيش إذا نجونا من نيران العدو»، ثم تقول: «تحسبوننا متماسكين، لكننا في أعماقنا متعبون.. خوف الفقد أصبح جزءًا من يومنا، والقلق ذلك الشبح الذي لا يغيب حتى عندما يسود الهدوء بعض ساعات النهار».. نحن أكثر إنهاكًا، لكننا أيضًا أقرب إلى بعضنا البعض ربما من أي وقت قد مضى في ساعات السلم.. الآن لم يعد لنا خيار آخر سوى أن نتقاسم شظف العيش، ونخفف عن بعضنا البعض ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.. في غزة الجريحة، التكاتف لم يعد خيارًا متعددًا، بل ضرورة يومية للبقاء والصمود إلى أقصى وقت ممكن.
شهادات كثيرة انطلقت من حناجر مبحوحة بالألم والغصة والحزن النابع من الأعماق، الكل يريد أن يعيش حياة آمنة، وبعض الناجين كانوا يتذكرون أيام الحرب حيث العالم كان مهتمًا بالحديث عما يدور في غزة، ثم بدأت الأصوات تخفت شيئًا فشيئًا، وكأن الحدث أصبح شيئًا من الماضي.
ربما المستقبل في غزة حتى هذه اللحظة غامض وفي علم الغيب، لكن نحن نرى بأن الحرب قد توقفت، ولذا لا بد أن يبدأ العالم في ترميم ما أفسدته الحرب، عليهم أن يبنوا البيوت والمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق.
رجل طاعن في السن يتكئ على بقايا منزل مهدم، يحدق نحو البعيد، ربما يهمس في أذن صماء، وربما هو رجاء وأمل بغدٍ آخر يأتي للوجود، يقول: «غزة لا تزال حاضرة في الوجود، نحن لا نزال على الأرض، نحلم بحياة جديدة. ننتظر أن يتحقق شيء من السلام على الأرض، كنا ولا زلنا صامدين من أجل الوطن والأجيال القادمة».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي عن اتفاق غزة: مصر تكتب فصلًا جديدًا في صناعة السلام
أكد النائب محمد البدرشيني، الخبير السياسي والبرلماني، على الدور التاريخي لمصر كراعية للسلام، مستشهدًا بقوله تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً".
وأضاف “البدرشيني”، خلال لقائه مع الإعلامي محمد قاسم، ببرنامج “ولاد البلد”، المذاع على قناة “الشمس 2”، أن الجهد المصري الماضي والأني والقادم كان مستوجبًا لرأب الصدع العربي ووقف ما يتم على الأراضي الفلسطينية، ورغم أهمية الهدنة أكد أنها البداية فقط، مشيرًا إلى أن الحديث عن نتائجها وما هو منتظر "محتاج كلام كتير قوي ونقاط كتير قوي لابد أن تغطى".
من جانبه، طرح الدكتور مايكل مورجان، الباحث السياسي، تساؤلاً حول مدى ثقة الغرب في هذه الهدنة وقدرتها على تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن الرأي العام الغربي يثق تمامًا في توصيات هذه المعاهدة، مشيرًا إلى أن الغرب "ابتدت تتفتح عينيهم لحاجة ما كانوش شايفينها قبل كده"، وأرجع ذلك إلى أن إسرائيل كانت تُصدر للغرب شكل غير حقيقي لأساس المشكلة في القضية الفلسطينية لسنوات عديدة.
وأشار إلى أن المشهد قد تغير بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر، حيث بدأت الأبواق الإعلامية واللوبي الصهيوني في الغرب تُسلط الضوء على خروج الحمساوية وأسر المواطنين الإسرائيليين، مشيرًا إلى أن أحداث السابع من أكتوبر نفسها كانت عليها علامات استفهام بسبب التساؤلات حول اختراق الموساد والأمن الإسرائيلي.
وأكد أن ما حدث أدى لظهور "مستوى جديد من الغربيين اللي عمرنا ما كنا نتخيل إنهم يبقوا ضد إسرائيل"، مستشهدًا بأسماء مثل تاكر كارلسن وكانديس أوينز، الذين كانوا يعتبرون أبواق اللوبي الصهيوني، موضحًا أن هذا التحول جاء نتيجة لفهم الغرب أن ما يحدث ليس مجرد هجمات إرهابية بل محاولة مقاومة واسترجاع الأراضي الفلسطينية لأصحابها الحقيقيين، مشيرًا إلى أن الإبادة الجماعية والمشاهد البشعة التي ظهرت في السنتين الماضيتين مثل إلقاء الطعام من الطائرات دفعت الغرب إلى الإفاقة وإدراك أن "في حاجة غلط".
اقرأ المزيد..