ما زالت دولة الاحتلال منشغلة بعد مرور عامين على هجوم حماس في أكتوبر 2023، بما تصفه الخداع الاستراتيجي الذي نجحت الحركة في تسويقه عليها، وقد كان ناجحاً لاسيما في تحقق الأهداف التي وقفت وراءه، رغم أنها بدت بعيدة المنال، وغير عقلانية، وبالتالي غير محتملة التنفيذ، لكن المفاجأة وقعت، وجاء ثمنها مكلفاً وباهظاً.



الضابط دان شيون، قائد سابق للفيلق الجوي، أكد أننا "في السابع من أكتوبر 2023، شهدنا مرة أخرى مفاجأة استراتيجية كاملة، بعد 50 عامًا بالضبط من حرب أكتوبر 1973، حيث نجح هجوم حماس في اختلال توازن النظام الأمني الإسرائيلي، وشلّ ردة فعله لساعات حرجة، وتحقيق أهداف بدت غير واقعية، مما يدفع للتساؤل: كيف حدث هذا مرة أخرى؟".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أنه "كي نفهم ذلك، لابد من العودة إلى جوهر المفاجأة الاستراتيجية، وخصائصها، وهي أحد أهم مبادئ الحرب، ويمكن أن تكون على جميع المستويات: القتالية التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، وكذلك في البعد الفني، والغرض منها اختلال توازن الخصم، والإضرار بقدرته على القيادة والسيطرة، وتدمير معنوياته، وتعطيل خططه، واستغلال الوقت كي لا يتعافى لتدمير قواته، وتحقيق التفوق في ساحة المعركة، وفي ظل ظروف معينة، قد تؤدي المفاجأة لمعركة حاسمة".

وأشار إلى أن "هجوم حماس مثال ممتاز على أسلوب المفاجأة، فقد ألغى ميزة القوة التي يتمتع بها الجيش لفترة قصيرة، وسمح لها بتحقيق أهدافها الاستراتيجية بداية الحرب، لأنها ركزت على الفرص الناشئة، والإنجازات التي أمكن تحقيقها على حين غِرّة، وحينما نرجع للوراء، نعلم أن الجيش لم يُعدّ خطة دفاعية ضد أهدافها الطموحة، التي بدت غير واقعية، عندما خططت لاحتلال شمال النقب بـ6000 مقاتل من النخبة، وربط الهجوم بالضفة الغربية، رغم أن الخطة وقعت بين يدي الجيش لأكثر من عام، وتلقى إشارات حول التدريب عليها".

وأوضح أن "حماس نجحت بمعادلة المخاطرة التي جعلت الجيش ينكر قدرتها على خداعه، بسبب الفكرة السائدة في المستويين السياسي والعسكري بأن الحركة مردوعة، وتعمل من أجل رفاهية سكان غزة، رغم المعلومات الاستخبارية المتضاربة، لكن مفاجأتها الناجحة انطوت على خداع ناجح، وتضمنت خداعًا استراتيجيًا تم إعداده مسبقًا، مما أدى إلى سوء الحكم الإسرائيلي على نواياها، وأحيانًا على قدراتها أيضًا، كما أن الخداع الناجح للحركة احتوى على حقائق وبيانات لا يمكن إخفاؤها، مما عزّز شعور "الفهم والسيطرة" لدى الاحتلال".

وأشار أن "هناك العديد من الأمثلة التاريخية على ذلك: فقد عزز الألمان قبل عملية بربروسا في يونيو 1941 اعتقاد ستالين بأنهم لن يشنوا عملاً عدائياً دون تقديم إنذار نهائي، لكن هذا هو بالضبط ما فعلوه، كما نفذت سوريا ومصر أعمال خداع استباقية قبل حرب 1973، وسمحت لوكالات الاستخبارات الإسرائيلية بإنكار معلومات معينة حول الاستعدادات للحرب والالتزام بنهج "الاحتمال المنخفض".

وأكد أن "الجانب القوي وهو هنا الجيش يميل للتركيز على جدلية الحرب المألوفة، وحتى لو كان القوي يعرف خطط العدو، فسيُحلّل الوضع بطريقة خطية، حسب قوة القوات ونسب الاستنزاف، لذلك، وفقا لحساباته، يمكنه وقف هجوم العدو، أي حماس، أما الجانب الضعيف، وهي الحركة، فتفكر بطريقة معاكسة، وغير خطية، وتخطط من خلال المفاجأة التي تلغي تماما ميزة القوي، وتحقق إنجازات طموحة دون مقاومة على الإطلاق".

وأضاف أن "الجيش فشل في الرد لعدة ساعات بعد أن وجد نفسه متفاجئًا صباح السابع من أكتوبر 2023 على مستويات القتال الثلاثة: الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي، وعندما تزول المفاجأة، تعود الحرب لكونها صراعًا بين الأقوياء والضعفاء، إلا إذا أدت المفاجأة لمعركة حاسمة، أحيانًا يجد الضعيف الذي يبدأ الهجوم نفسه متفاجئًا، لأنه يخطئ في المبالغة في تقدير نجاح خططه".

وختم بالقول أن "حماس أدركت التفوق الهائل للجيش الإسرائيلي، لكنها اعتقدت أن الرد سيكون محدودا، كما حدث في جولات القتال السابقة، ولم تعتقد أنه سيعلن حربا شاملة عليها، ويقتل عشرات آلاف المقاتلين، ويدمّر غزة تماما".

وتكشف هذه السطور أن الاحتلال بعد عامين على هجوم الطوفان ما زال يدرس أسباب وعوامل نجاح مفاجأة حماس في ذلك اليوم، التي جسّدت تطلعها لإمكانية تحقيق أهداف طموحة وبعيدة المدى، تتجاوز الشرعية المقبولة للحرب، ولعل الدرس الرئيسي للاحتلال أن مفاجأة الحركة الاستراتيجية تمثلت في كونها خارج نموذج التفكير المعقول، ولذلك، فإن إجراءاته الروتينية، مهما كانت قوية وفتاكة، تميل إلى الفشل، وهي حصيلة عامين من حرب الإبادة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال حماس غزة حماس غزة الاحتلال طوفان الاقصي صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

قطر ونزع سلاح حماس.. هل تبدل موقف الدوحة من الحركة فجأة؟

وتقول الصحيفة إن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، قد صرّح في وقت سابق خلال مقابلة في بودكاست Taking the Edge Off the Middle East، بأن الشرق الأوسط أصبح رهينة لشخصين – القائد السابق لحماس يحيى السنوار ونتنياهو – مضيفًا: "واحد مات والآخر ما زال ينشر الفوضى." اعلان

بينما تتصاعد التساؤلات حول مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، يبرز دور قطر كوسيط محوري ليس فقط في الصفقة الحالية بل وفي مرحلة ما بعد الحرب.

ويُعزى هذا الدور، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى النفوذ الذي تتمتع به هذه الدولة الخليجية على حركة حماس، بوصفها أحد أبرز رعاتها في المنطقة. إلا أن الصحيفة تشير إلى أن الدوحة غيّرت من تعاطيها مع الحركة منذ وقت طويل.

وتلفت "الغارديان" إلى أن قطر، بتوقيعها "إعلان نيويورك" في 29 يوليو/تموز إلى جانب دول عربية أخرى، وافقت للمرة الأولى على مبدأ إنهاء حكم حماس في غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية، "تماشيًا مع هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة".

كما تذكر الصحيفة بأن قطر سبق وأدانت "الهجمات التي نفذتها حماس ضد المدنيين في 7 أكتوبر"، في خطوة وصفتها بأنها نوع من التماهي مع مواقف السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وتستطرد "الغارديان" بالقول إن دور الدوحة لم يقتصر على التصريحات الرسمية فحسب، بل تجلى في ممارسة ضغوط متزايدة على حماس، حيث لوحظت تغييرات في السياسة التحريرية لشبكة الجزيرة - الوسيلة الإعلامية الأضخم - إذ أصبح تغطية القناة لحماس "أكثر تعقيدًا وتوازنًا".

كما تشير إلى أن المفاوضين القطريين أصبحوا "أكثر حزمًا" في التعامل مع ملف تسليم آخر الرهائن المتبقين في غزة.

Related عقب الهجوم الإسرائيلي.. قطر في حماية أمريكا بموجب مرسوم تنفيذي والدوحة ترحّبتقرير: واشنطن رحّلت عبر الدوحة 100 مواطن إيراني إلى بلادهم بعد اتفاق مع طهرانكواليس مقترح ترامب بشأن غزة: هل غيّر هجوم الدوحة المعادلة؟ تداعيات الضربة الإسرائيلية على الدوحة

تستعرض الصحيفة آثار الضربة الإسرائيلية على الدوحة في 9 سبتمبر الماضي، والتي وصفتها بالكبيرة، نظرًا لمكانة قطر لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وتقول إن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، قد صرّح في وقت سابق خلال مقابلة في بودكاست Taking the Edge Off the Middle East، بأن الشرق الأوسط أصبح رهينة لشخصين – القائد السابق لحماس يحيى السنوار ونتنياهو – مضيفًا: "واحد مات والآخر ما زال ينشر الفوضى."

ويضبف الأنصاري أن قطر تعرضت للهجوم "في اليوم التالي لتسليمنا اقتراح وساطة من الرئيس ترامب إلى المكتب السياسي لحماس وطلبنا منهم مناقشته في اجتماع". وأضاف: "ثم استهدفت الطائرات F-35 الإسرائيلية ذلك الاجتماع، الذي كان معروفًا للجمهور، دون التشاور مع الولايات المتحدة. ماذا يقول هذا عن الوضع الدولي اليوم؟"

ورغم أن الهجوم أربك العلاقات بين قطر والولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أنه فتح الباب - وفقًا للصحيفة - للاتفاق على آلية ثلاثية رسمية بينهم، وُصفت بأنها "بداية لحوار لتعزيز الأمن المشترك وتصحيح المفاهيم الخاطئة".

تحول استراتيجي أم رد فعل؟

تشير "الغارديان" إلى أن بعض الجهات تختزل تغير موقف قطر تجاه حماس بمسألة ضرب الدوحة، حيث تعتبر مؤسسة FDD أن "الضربة الإسرائيلية الفاشلة" أجبرت قطر على تعديل موقفها. لكن الصحيفة تؤكد أن هذا التحليل يتجاهل التحول في سياسة الدوحة الذي بدأ في الصيف.

التحديان الأساسيان

تواجه قطر وفق التقرير تحديين مباشرين: الأول، استخدام خبرتها الطويلة في الوساطة، الممتدة منذ عهد جورج بوش الابن، لإقناع حماس بتفكيك أسلحتها، وهي عملية معقدة تشمل تحديد طبيعة الأسلحة، ومستقبل شبكة الأنفاق، والجهة التي ستستلم الأسلحة. أما التحدي الثاني، فيتمثل في تحويل الاهتمام نحو دعم السلطة الفلسطينية وتعزيز الإصلاحات استعدادًا للانتخابات المقبلة.

وكانت قطر قد دعمت في السابق ترتيبات مؤقتة أدت إلى ضخ نحو 4 مليارات دولار في غزة منذ 2012، لتطوير البنية التحتية ومساعدة الأسر الأكثر فقرًا، لكنها واجهت اتهامات بأن جزءًا من هذا التمويل ذهب لدعم الأنشطة العسكرية لحماس، كما طالت الانتقادات مسؤولين إسرائيليين تلقوا أموالًا قطرية. ومع الدمار الهائل في غزة وتركيز العالم على دور قطر كوسيط، تسعى الدوحة الآن إلى تقليل القنوات الخلفية والاعتماد على آليات رسمية متعددة الأطراف مع تقدم عملية وقف إطلاق النار.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • محلل سياسي إسرائيلي: نتنياهو ترك العصابات التي موّلها في غزة تواجه مصيرها
  • حماس توضح حول تصريحات قيادي في الحركة بشأن قضايا نزع السلاح والقوات الدولية
  • FBI : أحد سكان لويزيانا ساعد حماس في هجوم 7 أكتوبر
  • إعلام عبري يعترف: الجيش قتل أسيرًا إسرائيليًا في غزة
  • الجيش و«المشتركة» يصدّان هجومًا عنيفًا للدعم السريع على الفاشر
  • فيديو.. هجوم إسرائيلي عنيف بعشرات الصواريخ على جنوب لبنان
  • رئيس الأركان الإسرائيلي: الجيش فشل في صد هجوم حماس في 7 أكتوبر
  • بيروت تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من المناطق التي يحتلها في أراضيه
  • قطر ونزع سلاح حماس.. هل تبدل موقف الدوحة من الحركة فجأة؟