جاءت الطعنة فوق الطعنة، وتلقى العالم بعد أسابيع من انقلاب النيجر خبر انقلاب جديد في الغابون، إحدى أهم الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية، لتكون باريس أمام متغير جديد ينضاف إلى سلة أزماتها الأفريقية.

في النيجر، ما زالت تداعيات طرد سفير فرنسا تتفاعل بعد أن سلك انقلابيو النيجر طريق سلفهم في مالي، فأمهلوا السفير الفرنسي 48 ساعة ليحزم حقائبه ويغادر البلاد التي تمثل أحد أهم روافد الطاقة لفرنسا.

ثم تواصلت معركة لي الأذرع بين باريس ونيامي، بعد أن قررت الأخيرة ترحيل السفير وعائلته قسرا من البلاد، وذلك ضمن مآخذ أخرى تجاه باريس التي تعمل بالنسبة لهم على الإضرار بمصالح النيجر، في حين هددت فرنسا بالرد على أي تصعيد ضد وجودها العسكري والدبلوماسي هناك.

لكن الغضب الفرنسي تجاه النيجر لم يتكرر بالقوة ذاتها في تعامل باريس مع انقلاب آخر جرى في الغابون، بل كانت اللهجة أقل حدة، والخطابات أكثر لباقة من تلك الموجهة إلى الجنرال عبد الرحمن تياني ورفاقه الحاكمين في نيامي، وبين الموقفين تعيش فرنسا أزمة شديدة في توقع الانقلابات والتعامل معها، بعد أن كانت صانعة الحرب والسلام والحكم والإطاحة في أفريقيا.


طموح الضباط وغضب الجماهير

تصاعدت لهجة الغضب الأفريقي تجاه فرنسا منذ نحو عقدين من الزمن، قبل أن تبلغ مداها مع المتحور العسكري الذي يجتاح القارة، وخصوصا في منطقة الساحل، حيث يضع الانقلابيون الجدد فرنسا على رأس لائحة الخصوم التي تضم أيضا الحكام السابقين والشخصيات المالية والسياسية المحسوبة عليهم وعلى فرنسا.

وفي مقابل ذلك، يتعزز الحضور الروسي والصيني والتركي بشكل عام، ومع الانقلابيين الجدد بشكل خاص.

ولا يختص باب واحد من العلاقة الفرنسية بالغضب الأفريقي، بل يشمل مختلف السياسات الباريسية من الثقافة والاقتصاد إلى الأمن والسياسة، ومع تفاقم الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، وعجز الأنظمة المحلية عن مواجهتها، رغم حضور وكثافة القواعد الفرنسية، اجتمع غضب الضباط الشباب الذين واجهوا الموت من دون سند ولا حماية، ليتحول غضبهم إلى حريق لاهب لإسقاط النظام، ينضاف إلى ذلك غضب جماهيري تجاه فرنسا تحول إلى إسناد شعبي للانقلابيين، رغم ضبابية البديل عن باريس.

وجاء هذا الإجراء الغاضب بعد آخر ليس أقل حدة، ويتعلق الأمر بطرد السفير الفرنسي لدى بوركينا فاسو لوك هاليد في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بعد طرد دبلوماسيين فرنسيين آخرين بتهمة التجسس، لكن الفتيل الذي أدى إلى طرد هاليد كانت تصريحاته المنتقدة لتدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو وتحوله إلى حالة أشبه بالحرب الأهلية، ولم ينجح اعتذار هاليد في إلغاء البطاقة الحمراء ضده ليخرج مطرودا من بلد كان قادته ينظرون إلى فرنسا بكثير من التقديس والتقدير.

وإلى جانب النيجر وبوركينا فاسو، فإن فرنسا قد تلقت بطاقة حمراء أيضا من مالي، عندما قررت باماكو طرد القوات الفرنسية، وإلغاء المعاهدات العسكرية مع فرنسا، كما قررت أيضا طرد السفير الفرنسي من البلاد يوم 31 يناير/كانون الثاني 2022، وأمهلته 72 ساعة لمغادرة البلاد، وكالعادة أيضا كان السبب تصريحات معادية لمالي صدرت من مسؤولين فرنسيين.

وفي وقت تدخل فيه الغابون زمنا عسكريا جديدا مع سقوط الرئيس الثاني من عائلة بونغو، تكون مصالح فرنسا السياسية والاقتصادية والأمنية قد واجهت سؤالا كبيرا بشأن استمرارها واستقرارها، خصوصا إذا ما بدأ الانقلابيون لعبة البحث عن إسناد خارجي جديد، مع تصاعد التنديدات الفرنسية والأوربية والأفريقية تجاههم.

ولا تمثل الغابون بالنسبة لفرنسا مجرد بلد أفريقي، فهي مرتع أساسي للشركات الفرنسية العاملة في مجال الطاقة والتعدين، كما أنها أيضا محضن لواحدة من 4 قواعد عسكرية دائمة هي التعبير الأبرز المتبقي من طابع القوة الفرنسية في أفريقيا.

وطوال العقود الستة المنصرمة، رسخت فرنسا وجودها العسكري القوي في الغابون، فهي شريك أساسي لمختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الغابونية، في مجالات التدريب والتسليح والعتاد والتعاون الاستخباراتي القوي، وأي اضطراب سلبي في العلاقة بين البلدين -وصولا إلى طرد القاعدة الفرنسية- يعني أن باريس فقدت جزءا رئيسيا من المتبقي من قوتها الأفريقية، ومع استمرار التراجع الفظيع في حضور ومكانة فرنسا، فإنها ستتحول -وفق عبارة الرئيس الغابوني السابق عمر بونغو- إلى "سيارة بدون وقود".


نهاية "العظمة الفرنسية"

فرنسا المطرودة أفريقيًا ليست فرنسا الاستعمارية التي غرست أظافرها في الجسد الأفريقي لأكثر من قرنين، فلم تسمح باريس منذ الاستقلالات الأفريقية -خلال ستينيات القرن الماضي- للحركات التحررية والزعماء المناضلين بترسيخ أقدامهم، إذ نفذت أكثر من 40 تدخلا عسكريا في القارة لتثيبت حكم صديق أو منع متمرد مفترض من الوصول إلى السلطة.

وفي عقد السبعينيات، أصبحت فرنسا المسيطر والصانع الأساسي للسياسات العامة في بلدان أفريقيا، لتواجه اليوم حصادا مرا يجتمع فيه غضب الانقلابيين بصيحات رجال الثقافة والدين ضد الزمن الفرانكفوني الذي مد ظلاله على أفريقيا لعدة عقود.

وباستثناء حالات قليلة لم تكن فرنسا في مرمى نيران الغضب الأفريقي الذي كان يعود حسيرا كلما حاول النظر بتذمر إلى باريس، ومن تلك الحالات النادرة الخروج الفرنسي البشع من غينيا كوناكري حين اختار شعبها -بقيادة الثائر أحمد سيكو توري- سنة 1958 التصويت لصالح الاستقلال عن فرنسا، على عكس المستعمرات الفرنسية الأخرى، وكان رد الفرنسيين غاضبا بالخروج وتحطيم كل ما كان بيدهم من عقارات، ومنشآت وسيارات، وحتى المواشي لم تنج من الغضب الفرنسي إذ تم قتلها حنقا على الخروج الاضطراري.

ومنتصف السبعينيات، قرر الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه مراجعة الاتفاقيات المبرمة بين بلاده وفرنسا، وهو ما أغضب باريس التي لم تجد بدا من الاستجابة للمراجعات التي خلصت موريتانيا من قيود ضخمة في الاقتصاد والسياسية، ولاحقا سيطرد الرئيس الموريتاني الآخر معاوية ولد سيدي أحمد الطايع مستشارين عسكريين فرنسيين احتجاجا على اعتقال ضابط موريتاني في فرنسا.

إستراتيجية جديدة

يجمع السياسيون الفرنسيون على أن بلادهم تتلقى بشكل مستمر صفعات قوية، خصوصا أنها لم تعد صانعة الانقلابات الأفريقية كما كانت قبل 5 عقود، وتزداد حدة هذه الصفعات مع تأثيرها السلبي على الاقتصاد الفرنسي الذي يعتمد في كثير من مفاصله على الثروات الأفريقية، وخصوصا في الطاقة.

ومع إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون إستراتيجية جديدة للعلاقة مع أفريقيا، فإن خيارات باريس محدودة ويمكن أن تنحصر في ما يلي:

تنفيذ ورعاية انقلابات استباقية في القارة: تدفع من خلالها بشخصيات وألوية عسكرية تتبع لها أو تملك الثقة فيها، ويذهب عدد من المراقبين إلى اعتبار انقلاب الغابون رد فعل فرنسيا على المتغيرات الجديدة في أفريقيا، وفي الغابون بشكل خاص التي كان يسوقها فوز بونغو الابن والتحضير لخلافة بونغو إلى مصير مجهول قد يكون الاقتتال الداخلي، خصوصا أن العلاقات بين الغابون وفرنسا قد اضطربت في الفترة الأخيرة، مع توجه بونغو إلى دول الكومنولث البريطانية، وتصاعد الحراك القضائي في فرنسا ضد أملاك وثروات آل بونغو، مما يرجح -وفقا لهذا الطرح- أن الأصابع الفرنسية لم تكن بعيدة من زناد قادة الانقلاب في الغابون. السير إلى شراكة أفريقية جديدة: تتراجع فيها فرنسا عن قيم منظومة "فرانس آفريك" التي أطرت عملها طيلة العقود المنصرمة بإصرارها على لعب دور الشرطي وفق الكاتب الفرنسي أنطوان غلاسر.
ومن شأن الشراكة الندية بين فرنسا وأفريقيا أن تنقذ بعض المصالح الفرنسية في القارة السمراء، لكنها ستحولها مع الزمن إلى مجرد عنصر ضمن آخرين في دائرة التوجهات الدبلوماسية للأفارقة، لكن باريس والأفارقة على حد سواء سيحتاجون وقتا طويلا لوضع أسس هذه الشراكة. الاستمرار في الانهيار: خصوصا إذا تواصلت حدة الانقلابات بشكل أسرع من الفهم البطيء لسادة الإليزيه، وحينها ستكون فرنسا قد خرجت قسرا من أغلب الدول الأفريقية التي يمتد إليها تسونامي الانقلابات، لتحيل بذلك "فرانس آفريك" إلى التقاعد السياسي من دون نفوذ، مثلما أحال انقلابيو الغابون السيد بونغو إلى سلة الرؤساء المتقاعدين من دون حقوق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الغابون

إقرأ أيضاً:

تحديات تعيق قوة السلام الأفريقية في الصومال

رغم الإعلان الرسمي عن بدء عملياتها في الأول من يناير/كانون الثاني 2025، لا تزال بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوصوم) تواجه مجموعة من التحديات المتداخلة والمعقدة التي تحول بينها وبين القدرة على نشر كامل قواتها، ملقية بظلالها على فعاليتها وقدرتها على العمل بجاهزيتها التشغيلية الكاملة.

رسمت هذه التحديات مجموعة من علامات الاستفهام التي تجاوزت الإعاقات المرتبطة بتشكيل البعثة وطبيعة مشاركة الدول المساهمة فيها إلى إلقاء الأضواء على مشكلات عميقة وجذرية تهدد مستقبل القوة الأفريقية في بلاد البنط بكل ما لذلك من تداعيات محلية وإقليمية.

الصومال استضافت 3 بعثات لدعم السلام تابعة للاتحاد الأفريقي على مدى عقدين (وكالة الأناضول) التزام أفريقي بأمن الصومال

استضاف الصومال 3 بعثات لدعم السلام تابعة للاتحاد الأفريقي على مدى عقدين من الزمان:

الأولى، بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) بين عامي 2007 و2022. تلتها، بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) بين عامي 2022 و2024. والآن، بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوصوم).

ومثلت هذه البعثات المتتابعة أطول مشاركة أمنية للقارة بدعم سياسي دولي كبير ومساهمات عسكرية، مما يشير بوضوح إلى خطورة التهديد الإرهابي الذي تمثله حركة الشباب، والذي لا تبدو في الآفاق القريبة أي بوادر لإعلان فصله الختامي.

وقد تمت الموافقة على إنشاء "أوصوم" من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في الأول من أغسطس/آب 2024، وأيدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال القرار 2767 المتخذ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، ووفقا للمنشور على موقع البعثة في الشبكة العنكبوتية، فإن الهدف النهائي لها هو نقل المسؤوليات الأمنية كاملة للقوات الصومالية في ديسمبر/كانون الأول 2029.

إعلان أهداف البعثة

وفي سبيل بلوغ هذه الغاية، يناط بالبعثة إنجاز مجموعة من الأهداف ومنها:

دعم الحكومة الفدرالية الصومالية في الحفاظ على المكاسب الأمنية وتعزيز قواتها الأمنية. إضعاف حركة الشباب والجماعات التابعة لها المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك تعطيل حركتهم وتقييد وصولهم إلى التمويل غير المشروع. دعم الاستقرار في الصومال وتمكين أولويات بناء الدولة، وبناء قدرات قوات الأمن والشرطة الصومالية وتسهيل النقل المنظم للمسؤوليات الأمنية إلى الصومال.

وبالنظر إلى طبيعة تركيبها وأهدافها، يمكن القول إن "أوصوم" بعثة متعددة الأبعاد تتألف من مكونات عسكرية وشرطية ومدنية.

ويبلغ العدد المعتمد لأفرادها من قبل مجلس الأمن الدولي 11 ألفا و826، منهم 680 من أفراد الشرطة، وقد دعت قمة الدول المساهمة فيها المعقودة في أبريل/نيسان 2025 إلى زيادة قوام القوات بـ8 آلاف فرد إضافي لمواجهة التحديات الأمنية.

عجز مالي خطير

ومنذ إقرار تشكيلها في أغسطس/آب 2024 واجهت "أوصوم" عددا من التحديات التي أخرت تشكيلها ونشرها، ويمثل الشق المتعلق بالتمويل أهم هذه التحديات، ويشير تحليل مطول منشور في "معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية" إلى الطبيعة المزمنة لهذه العقبة المالية، موضحا أن أوصوم "ورثت المشاكل المالية" التي عانت منها بعثة "أتميس" التي سبقتها.

ووفقا للتقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن في السابع من مايو/أيار 2025، فإن الميزانية التقديرية من يوليو/تموز 2025 إلى يونيو/حزيران 2026 تبلغ ما قيمته 166.5 مليون دولار، في حين برزت الحاجة العاجلة لتأمين نحو 96 مليون دولار لتغطية نفقات البعثة بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران 2025.

ويوضح تحليل صادر عن مركز "أماني أفريكا" أن تحدي التمويل يتجاوز هذا الرقم ليشمل الديون الكبيرة الموروثة من "أتميس" التي تبلغ 92 مليون دولار، بجانب المتأخرات المستحقة للدول المساهمة بقوات فيها بين 2022 و2024 والتي تقارب بدروها 94 مليون دولار.

وقد كشفت كل هذه الأرقام عن عجز واضح في سد الفجوة التمويلية بالنظر إلى أن ما تم جمعه لم يتجاوز قرابة 16.7 مليون دولار، وهو ما يُعزى إلى مجموعة من الأسباب، يأتي على رأسها إرهاق المانحين، والإحباط من النتائج، وطغيان أولويات جيوسياسية أخرى.

وفي هذا السياق، فإن الاتحاد الأوروبي -الذي يعد أكبر مساهم في دعم البعثات المتوالية بما يقرب من 2.7 مليار يورو- يبدي الآن رغبة متضائلة في تحمل هذه المسؤوليات معلنا عن تعهده بـ70 مليون يورو فقط مقارنة بـ270 مليونا خصصت للفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول 2023.

وبينما أبدت العديد من القوى الدولية والإقليمية اهتمامها بهذه البعثة، فإن مساهماتها لا تتجاوز مبالغ متواضعة قياسا إلى الرقم المستهدف.

من جهة أخرى، كشفت الخلافات حول تطبيق القرار الأممي 2719 عن عمق الأزمة التي تواجهها البعثة، ولهذا القرار آلية أقرها مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2023 تسمح بتمويل 75% من عمليات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي.

إعلان

وبعد عام من هذا التاريخ، اشترط المجلس ذاته إمكانية تطبيق القرار في الحالة الصومالية بموافقة مجلس الأمن في جلسة قُرر لها أن تعقد بحلول 15 مايو/أيار 2025.

وهنا برزت معارضة الولايات المتحدة، ولا سيما تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، لاستخدام القرار لتمويل البعثة في الصومال بذرائع مختلفة، كعدم التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمساءلة المالية، وهو ما قاد في النهاية إلى فشل مجلس الأمن في اعتماد القرار في جلسته المنعقدة 12 مايو/أيار 2025، ملقيا بالكثير من الضباب حول آفاق استمرارية "أوصوم".

الولايات المتحدة عارضت استخدام قرار تمويل البعثة في الصومال لعدم التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمساءلة المالية (أسوشيتد برس) توترات سياسية تعيق تشكيل البعثة

لم تكن العقبة المالية وحدها التي أعاقت "أوصوم" فقد أثرت التوترات السياسية على سرعة تشكيل القوات المنضوية تحت لوائها وبالتالي على فعاليتها الميدانية.

وفي هذا السياق، برزت الأزمة التي اندلعت بين الصومال وإثيوبيا مطلع عام 2024 على خلفية توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، حيث أعلنت مقديشو رفضها القاطع لمشاركة إثيوبيا التي مثلت أحد المساهمين الرئيسيين في البعثات الأفريقية في الصومال، مما أدى إلى تأخير حسم التشكيل النهائي لـ"أوصوم" إلى فبراير/شباط 2025 بعد نجاح الوساطة التركية في قيادة مبادرة للمصالحة بين مقديشو وأديس أبابا.

كذلك أدت الخلافات بين الصومال وبوروندي بشأن أعداد القوات المخصصة لها إلى سحب الأخيرة نهاية عام 2024 لتعهدها بالمساهمة في "أوصوم"، وهو ما أخر بدوره تشكيل البعثة.

كما حذر مراقبون من أن انسحاب بوجمبورا يهدد بفقدان الخبرة التي اكتسبتها بوروندي من مشاركاتها في البعثة منذ عام 2007، مما سيزيد من ضعف البعثة ومن الضغط على قدرتها التشغيلية.

وبينما أدى عدم اليقين بشأن حجم المساهمة العسكرية المرتقبة للدول إلى عدم الوضوح بشأن البنية التشغيلية وتصميم وقيادة وتحكم "أوصوم"، فإنه قاد أيضا إلى ضبابية في نوع القدرات التي تحتاجها القوة ونوع الدعم اللوجيستي الذي ستوفره الأمم المتحدة لها، وفقا للأستاذ بجامعة جورج ميسون الأميركية بول ويليامز.

عدم اليقين بشأن حجم المساهمة العسكرية المرتقبة للدول أدى إلى عدم الوضوح بشأن البنية التشغيلية وتصميم وقيادة وتحكم أوصوم (الفرنسية) الملكية المحلية

ويربط مراقبون بين عواقب الخلافات السابقة واستخدام "الملكية المحلية" لعمليات السلام، وهو مفهوم أقرته الأمم المتحدة عام 2001 كوسيلة لتمكين الجهات الفاعلة والمجتمعات المحلية في عملية بناء السلام، ويشير في السياق الحالي إلى رغبة مقديشو في تولي زمام المبادرة والقيادة في جميع جوانب عمليات دعم السلام على أراضيها.

وعلى خلاف البعثات السابقة حيث كان للاتحاد الأفريقي اليد العليا في كيفية تكوين البعثة، فقد لعبت الحكومة الصومالية دورا محوريا في تحديد مساهمات الدول المشاركة في "أوصوم" من خلال تفاهمات ثنائية، مما أدى إلى انعكاس التوترات والخلافات بين بعض الدول المشاركة في البعثة والدولة المضيفة على سرعة تكوين القوة وفعاليتها.

وبينما ترى بعض القراءات -ومنها تحليل منشور على مركز "أماني أفريكا"- أن استخدام الحكومة الصومالية لمفهوم الملكية المحلية أدى إلى "تسييس" البعثة بشكل أكبر وجعل تشكيلها "عرضة للنزاعات السياسية الداخلة والخارجية" للصومال.

تذهب السلطات في مقديشو إلى تأكيد أن هذا المفهوم ضرورة عملية لتكون البعثة متوافقة مع الأولويات الوطنية للبلاد، بما يتماشى مع خطة التنمية الأمنية الصومالية والهيكل الأمني الوطني مما يضمن للبعثة النجاح وللبلاد الاستقرار على المدى الطويل.

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (وسط) يغادر عقب دورة جمعية الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا (الفرنسية) مخاوف من انهيار البعثة

رغم الخلافات في تقييم كفاءة ومدى نجاح دور البعثة الأفريقية في الصومال، فإن هناك دعوة واسعة لدعم استمرار عمليات "أوصوم" ولإيجاد بدائل تمويلية تتيح لها الصمود للأعوام القادمة، حيث أدى نقص التمويل إلى زعزعة استقرار عمليات البعثة وتفاقم مشكلة المساهمين في قواتها، كما أن انقطاع الرواتب لشهور يقوض الروح المعنوية لأفرادها، ويلقي بظلال سلبية كثيفة على قدرتها على القيام بمهامها.

إعلان

من جانب آخر، يقود ضعف التمويل إلى تراجع أداء البعثة وإحداث فراغ أمني تستغله حركة الشباب التي تصاعد نشاطها في الأشهر الأخيرة، كما يضعف قدرتها على إعداد قوات الأمن الصومالية لتولي مهامها في الموعد المخطط له (2029)، مما يزيد من الاعتماد على الدعم الخارجي ويدخل البلاد في دوامة عدم استقرار جهنمية.

ويشير المحلل الأول في مجموعة الأزمات الدولية دانييل فورتي إلى أن غياب حل تمويلي مستدام قد يضطر الاتحاد الأفريقي إلى تقليص عمليات بعثته في الصومال قبل أن يصبح مستعدا لذلك بوقت طويل، وحينها "قد تندم الدول على التكاليف طويلة الأجل لقرارها، حتى لو وفّر لها ذلك المال اليوم".

وعلى المدى البعيد يشير تحليل صادر عن "معهد الدراسات الأمنية" إلى أن تداعيات فشل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ستتردد في جميع أنحاء المنطقة، وستشجع المتطرفين، وستثير تساؤلات عن قدرة الاتحاد الأفريقي على تحقيق الاستقرار في بؤر الصراع الساخنة.

هل من حلول بديلة؟

في المقابل تذهب بعض التقديرات إلى منحى أكثر تفاؤلا بشأن احتمال أن تؤدي أزمة "أوصوم" إلى حلول بديلة، إذ يؤكد مقال شارك في كتابته سليمان أدييل ديرسو المدير المؤسس لـ"مركز أماني أفريكا" أن هذه الاحتمالية على خطورتها قد تكون لحظة مناسبة لتغيير المسار ومحاولة اتباع نُهج جديدة بدلا من التشبث بنموذج يتمثل دوره في إدارة الأزمة التي تواجه الصومال وليس حلها.

وفي هذا السياق، يشير المقال إلى أن إنهاء مهمة الاتحاد الأفريقي في الصومال قد يفتح الباب أمام قيام شراكات أمنية ثنائية أو تحالف عسكري إقليمي مؤقت لمواجهة حركة الشباب، وهو ما يشبه قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات في حوض بحيرة تشاد، كما أنه قد يجبر القوى السياسية والاجتماعية الصومالية على العمل لرسم خريطة طريق مدعومة اجتماعيا لحل الصراع سياسيا بما يتجاوز الحلول العسكرية التي تدعمها عمليات دعم السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

مقالات مشابهة

  • تحديات تعيق قوة السلام الأفريقية في الصومال
  • رئيس الغابون يطلق حزبا سياسيا جديدا تحضيرا للانتخابات البرلمانية
  • تشكيل بايرن ميونخ المتوقع لمواجهة باريس في كأس العالم للأندية
  • تشكيل باريس سان جيرمان المتوقع لمواجهة بايرن ميونخ في كأس العالم للأندية
  • النيابة العامة الفرنسية تطلب تأييد مذكرة توقيف بحق الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية
  • إلغاء 40% من الرحلات الجوية في مطارات باريس بسبب الإضراب
  • من واشنطن إلى لوس أنجلوس.. الغضب يجتاح أمريكا ضد قانون المليارديرات
  • إلغاء رحلة مصر للطيران من وإلى باريس بسبب إضراب مراقبي الحركة فرنسا
  • عبد النباوي يُنتخب رئيسًا لجمعية المحاكم العليا التي تتقاسم ‏استعمال اللغة الفرنسية
  • لماذا تدافع باريس عن صنصال وتخلت عن باقي أبنائها ؟!