صدى البلد:
2025-10-22@21:09:32 GMT

منى أحمد تكتب: أنوار ولي النعم

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

عبر أكثر من 8 قرون، يحتفل المصريون بمولد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه مرتين في العام، المرة الأولى في ذكرى ميلاده الشريف، والثانية في ذكرى وصول رأسه من عسقلان إلى مصر، حيث اعتبرها المصريون ميلادًا جديدًا بقدومه إلى مصر التي أصبحت مقصدًا للمولعين والمتيمين بمحبة آل البيت النبوي.


والاحتفال بالإمام الحسين المجرد من المذهبية هو امتداد لحالة عشق لسيدنا رسول الله ومحبة آل بيته، حيث يفد زوار سبط النبي وأحباؤه من جميع أنحاء المحروسة للتبرك بمولد سيد شباب الجنة ,الذي يحمل مكانة خاصة في وجدان أهل مصر.

 


ورغم أن الاحتفال بالإمام يحمل عند الشيعة طقوسًا حزينة، إلا أنه يحمل للمصريين السكينة والفرح بالذكر والابتهالات ومقارئ القرآن ومجالس الحديث، لذلك اقترن ضريح الحسين وكل من تعلق به بالراحة والطمأنينة والبركة، يعانقون بأرواحهم السماء، مادحين الإمام في وصلة حب لا تنتهي، غير مكترثين بآراء المتشددين.  


وظاهرة دينية تحمل الطابع الفلكلوري بالمشاركات المليونية وقد أسقطت الحاجز بين الإبداع والتلقي، فموالد الأولياء والصالحين حولها الضمير الشعبي والعقل الجمعي للمصريين من مجرد احتفالية دينية إلى صيغة طقسية دنيوية ودينية، تندمج فيها ذات الفرد مع ذات الجماعة لتخلق إحساسًا بالترابط والتآلف.

 
ومهرجان احتفالي جسد عبقرية خاصة وموروثا شعبيا شديد الخصوصية لدى المصريين دون غيرهم من الشعوب، وأطلق عليها في الثقافة الشعبية المصرية اسم الموالد، والتي لا تقتصر على ديانة واحدة، فتذوب فيها كل الأديان، فالمسيحي يحرص على زيارة أولياء الله المسلمين تبركًا، والمسلم يزور القديسين حبًا وكرامة، وأشهر تلك الموالد موالد ستنا العذراء والسيدة زينب والسيدة نفسية والإمام الحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي و مارجرجس ومارمينا. 


وعلى امتداد ربوع مصر تناثرت آلاف الأضرحة والمقامات على جغرافيا الواقع المصري، فلا توجد قرية مصرية إلا وبها مقام أو أكثر لأولياء الله والصالحين، ولا تخلو محافظة أو مدينة مصرية من مولد يجدد لغة الوصل بين البشر وموروثهم الروحي والديني.

 
مصر تأصلت بها الموالد الشعبية قبل الدولة الفاطمية بقرون، وتحديدًا منذ عهد ملوك فراعنة الدولة المصرية القديمة، وكانت الاحتفالات الدينية تقترن بتقديم النذور والقرابين تمجيدًا وتضرعًا للآلهة صاحبة الخوارق والمعجزات، وهي تشبه إلى حد كبير الكرامات التي يتحدث عنها المحتفلون حاليًا، ويتم ذلك في جو احتفالي مبهج يقدم فيها الطعام والشراب.


ومشاهد غنائية سجلتها جدران المعابد الفرعونية، مرورًا بقديسي عصر الشهداء المسيحيين الأوائل بمصر الرومانية، وصولًا إلى تقليد موالد الأولياء الصالحين في مصر الإسلامية التي لا يزال المريدون يرتحلون خلف تجلياته في طول البلاد وعرضها، علهم يحظون بجانب من بركاته. 


وجذور ضاربة في عمق التربة الثقافية المصرية، وأصبحت تمثل جزءًا من الثقافة الشعبية، فالولي أو القديس يُنظر إليه باعتباره حلقة وصل بين الحياة والموت، فهو حي في الفكر الجمعي رغم رحيله، يجسد عالمًا ماديًا وروحيًا لشخص تحول إلى رمز ديني يطلقون عليه صاحب كرامات يستمدون منها الأمل في الغلبة على العجز والمرض وكافة أشكال الصعاب.

 وتشهد الموالد سقوط كل الحواجز الاجتماعية بين طبقات المجتمع المصري على اختلافها، فالأغنياء والفقراء على مائدة طعام واحدة على حد سواء يصطفون في حلقات ذكر متصلة لا فارق فيها بين هذا وذاك، فالجميع يذوبون عشقًا في حب الله يرددون دعوات متبركين بصاحب الكرامات.


ومظاهر ارتبطت في الأذهان بعادات ذات طقوس خاصة، ومع الوقت ذابت في نسيج المجتمع المصري، ووحدت بين عنصري الأمة مسلمين ومسيحيين، فجمعت بين الأولياء والقديسين، ورويدًا رويدًا تسللت إلى الموروث الشعبي في ثقافة الأمة وأصبحت جزءًا من الهوية المصرية. 


وسواء كان المولد مسيحيًا أو إسلاميًا فهناك طقوس شبه ثابتة في الاحتفالات، تتمثل في زيارة الضريح وعقد حلقات الذكر والإنشاد، أوالترانيم والسير في مواكب كبيرة تحمل أعلامًا وبيارق، علاوة على تقديم النذور التي لا تقتصر على النقود، فقد تكون أطعمة أو ذبائح توزع على الفقراء وجمهور الحاضرين، أو مفروشات وسجاجيد لصاحب المقام، أو تكون في شكل شموع تقدم لتضاء، كما ارتبطت الموالد بعقود الزواج والطهور والتعميد تبركًا بالمناسبة. 


ومظاهر ترفيهية شعبية، فتقام سرادقات كبيرة وينتشر بائعو الحلوى ولعب الأطفال والأطعمة الشعبية والحلي والسبح والملابس، كما تنتشر الألعاب النارية والمراجيح وعروض العرائس في مزيج يجمع الطقس الديني بالترفيهي تغلفه سعادة وبهجة شكلت المزاج الشعبي الديني الذي يربط بين الروحانيات من جهة والاحتفالات من جهة أخرى، وحتى يومنا هذا لا يزال المصريون يتمسكون بموروثاتهم رغم شيطنة البعض لتلك الطقوس فهم شعب محب للحياة.

طباعة شارك مولد الإمام الحسين الإمام الحسين بن علي الإمام الحسين

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مولد الإمام الحسين الإمام الحسين بن علي الإمام الحسين الإمام الحسین

إقرأ أيضاً:

التصوف الحق.. وانحرافات الأدعياء

التصوف الحق، أو مدرسة الزهد والسلوك، يمثل في جوهره أرقى درجات السعي الإنساني نحو "الإحسان"، وهو أن تعبد الله كأنك تراه. إنه ليس مذهبا فقهيا أو مجموعة من الطقوس الظاهرية، بل هو علم تطهير القلوب وتهذيب النفوس، والانخراط في الحياة الدنيا بقلب متعلق بالآخرة. أما الزهد، فليس يعني الفقر أو ترك الدنيا، بل يعني "زهد القلب" في كل ما هو زائل، وتسخير الماديات لخدمة الروح والغايات السامية.

لكن للأسف، مع مرور الزمن، تراكمت على هذه الحقيقة الناصعة شوائب عارضة، تجسدت بشكل مؤلم في بعض مظاهر احتفالات الموالد التي تقام لأولياء الله الصالحين. هذه المظاهر، التي لا يقرها شرع ولا عقل، أصبحت تشكل إحراجا كبيرا وتسيء إلى صورة التصوف الحق والتدين الحقيقى في نظر الجمهور الواعي.

لقد كان هدف الصوفية الأوائل هو "السفر إلى الله" بالتقوى والمجاهدة، والتحلي بصدق النية، والزهد في الشهرة والمظاهر. فكان الولاء والانتماء لديهم قائما على الحب الإلهي والاتباع الدقيق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

إن كرامة الولي الحقيقية تكمن في استقامته وأخلاقه وعلمه، لا في قدرته المزعومة على خرق العادات أو إظهار الكرامات. أما ما نشاهده في العديد من الموالد، فهو تحويل هذه المناسبة الروحية إلى مهرجان صاخب يطغى عليه ظهور أدعياء للمشيخة والولاية يستغلون بساطة بعض الناس وسذاجتهم للحصول على المال، ويصدرون فتاوى أو ممارسات لا تمت للدين بصلة، ناهيك عن الاختلاط غير المنضبط بين الجنسين، وشطحات حركية (كبعض أنواع الرقص) تتحول إلى فوضى لا تتفق مع جوهر الذكر والعبادة.

إن الذين يرفضون هذه المظاهر المسيئة ليسوا "أعداء" للتصوف أو الأولياء، بل هم مدافعون عن حقيقة الدين النقي والتصوف الراقى، وعن سيرة أولئك الأولياء الصالحين الذين عاشوا حياتهم بعيدا عن صخب الدنيا ومظاهرها.

وبالعودة إلى أقوال كبار أئمة التصوف نجدها تثبت براءتهم الكاملة من هذه السلبيات المحدثة. فالإمام الجنيد البغدادي، كان يقول: "الطريق إلى الله مسدود إلا على المقتفين آثار الرسول". والإمام أبو حامد الغزالي، في كتابه "إحياء علوم الدين"، نبذ بقوة كل مظاهر الشطح والتهريج التي لا تتوافق مع الشرع.

وفي العصر الحديث، تصدى كبار المشايخ المعتبرين لهذه المظاهر، محذرين من تفريغ التصوف من محتواه الحقيقي. فقد نادى الأئمة والمجددون بضرورة تطهير الموالد من الدخيل، مؤكدين أن الكرامة الحقيقية هي الاستقامة، وأن الولاية لا تنال بالخوارق، بل بالالتزام الصارم بالكتاب والسنة والآداب الشرعية. هم يرون أن هذه الممارسات المشينة تسيء إلى سيرة الأولياء الصالحين وتضعهم في موضع اتهام هم براء منه.

إن المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات الدينية الرسمية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، وتقع كذلك على شيوخ الطرق الصوفية الحقيقيين، لإطلاق حملات تصحيح وتوجيه شاملة، ويجب التمييز بوضوح بين الاحتفال بذكرى الصالحين بالدعاء والذكر وقراءة السيرة، وبين الممارسات الدخيلة التي تلوث صفاء القلوب، وينبغى تحويل الموالد إلى ملتقيات علمية تركز على الأخلاق والزهد الحقيقي والجهاد الأكبر "جهاد النفس"، لا مجرد حلقات إنشاد دون وعي. ويجب علينا أن نعمل جميعاً على إنقاذ هذه الروحانيات النبيلة من الأفعال المشوهة التي تضعها في قفص الاتهام، مع التأكيد على أن أعظم كرامات الولي هي اتباع السنة، وليس مخالفتها.

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت
  • بالصور.. زحام شديد في الليلة الختامية لمولد الإمام الحسين
  • التصوف الحق.. وانحرافات الأدعياء
  • مصر.. احتفالات بذكرى قدوم رأس الإمام الحسين بمشاركة 80 طريقة صوفية
  • سيرة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
  • كلفه النبي بتأليفه.. قصة كتاب لأحمد عمر هاشم لم يعش حتى يراه (فيديو)
  • فعاليات وموعد الليلة الختامية لإحياء ذكرى قدوم رأس الحسين لمصر
  • من كربلاء للقاهرة.. دليل استقرار رأس الإمام الحسين في مصر