سباق #رئاسة #البرلمان_الأردني… هل يتحوّل #مجلس_النواب إلى “ #ديكور_سياسي ”؟

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

تشهد الساحة السياسية الأردنية هذه الأيام حراكًا ملحوظًا حول انتخابات رئاسة مجلس النواب، وهو حدث يُفترض أن يجسّد أعلى معاني الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسة التشريعية. غير أن ما يُتداول من معلومات ومؤشرات حول تحوّل عملية انتخاب رئيس المجلس إلى “اختيار” مُسبق أو “توافق مُوجّه” يثير القلق العميق ويطرح تساؤلات مشروعة حول مدى صلابة التجربة البرلمانية الأردنية وصدق التزامها بمبدأ الشرعية الشعبية.

لقد عُرف مجلس النواب الأردني تاريخيًا – رغم كل ما واجهه من تحديات – بأنه الرمز المؤسسي لصوت الشعب، والمنبر الذي يفترض أن يجسّد الإرادة العامة من خلال انتخابات حرّة داخلية وخارجية على حدّ سواء. غير أن الاتجاه نحو “هندسة النتائج” أو “التوافق المسبق” على رئاسة المجلس، لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه سابقة خطيرة في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية، وانحرافًا واضحًا عن القاعدة الذهبية في أي نظام نيابي: حرية الاختيار.

مقالات ذات صلة النائب الهروط يصف استقبال عضو كنيست في بلاده بـ “الطعنة في ضمير الأمة” 2025/10/21

فالانتخاب البرلماني لا يقتصر على عملية التصويت الشكلية، بل هو تجسيد لمبدأ المسؤولية السياسية الفردية للنائب تجاه ضميره ووطنه وناخبيه. أما حين يتحول “الانتخاب” إلى “اختيار”، فإننا نكون قد انتقلنا من روح الديمقراطية إلى مجرد تمثيلها، ومن الممارسة إلى الطقس البروتوكولي، ومن البرلمان كمؤسسة سيادية إلى البرلمان كديكور سياسي.

وهنا لا بد من القول بوضوح إنّ هذا السلوك غير الديمقراطي يتناقض كليًا مع الرؤية الملكية للإصلاح، ويتعارض مع أبجديات التحديث السياسي، بل يُشكّل مسمارًا في نعش مشروع الإصلاح الوطني الذي أطلقه جلالة الملك ووجّه إلى تعزيزه وترسيخه في مؤسسات الدولة كافة. إنّ العبث بحرية الانتخاب داخل المجلس يسيء لصورة المسيرة الديمقراطية الأردنية، ويتناقض تمامًا مع مضامين الأوراق النقاشية الملكية التي أكدت مرارًا على التمكين الشعبي، والمشاركة الواعية، والاختيار الحرّ. وإذا استمر هذا النهج، فإن نتائجه ستكون كارثية على مسار التحديث السياسي في البلاد، وسيؤدي إلى تآكل ما تبقّى من الثقة الشعبية بالمؤسسات المنتخبة.

هذا التحوّل، إن صحّت المؤشرات عليه، يمسّ بصورة المجلس وهيبته أمام الرأي العام، ويقوّض ما تبقّى من الثقة الشعبية به، وهي ثقة باتت أصلاً هشّة ومتراجعة نتيجة الأداء البرلماني الضعيف والانفصال المتزايد بين النواب والناس. فكيف يمكن إقناع المواطن بأن صوته في صناديق الاقتراع له قيمة، إذا كان من يمثله في البرلمان لا يملك حرية التصويت لرئيس مجلسه؟

إن أي تدخل في إرادة المجلس أو توجيه مسبق لنتائج انتخاباته الداخلية هو انتقاص مباشر من مبدأ السيادة الشعبية الذي تقوم عليه شرعية البرلمان ذاته. فالنائب الذي لا يختار بحرية، لن يراقب بحرية، ولن يحاسب بحرية، وسينتهي الأمر بمجلسٍ بلا روح ولا تأثير، أشبه بما وصفه أحد رؤسائه السابقين – وهو حي يُرزق – حين قال بمرارة إن “المجلس أصبح ديكورًا سياسيًا.”

إن أخطر ما في الأمر أن مثل هذا النهج يرسّخ ثقافة التعيين بدل الانتخاب، ويحوّل البرلمان من سلطة مستقلة إلى ملحقٍ بالسلطة التنفيذية. وبذلك نفقد التوازن الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، ونتراجع عن الإصلاح السياسي الذي طالما تغنّينا به في الخطاب الرسمي دون أن نراه في الواقع العملي.

الحفاظ على كرامة البرلمان لا يكون بالشعارات ولا بصور النواب في الإعلام، بل بصون استقلالهم في القرار، وضمان أن رئاسة المجلس هي ثمرة اقتراعٍ حرّ ونزيه، لا صفقةٍ أو إملاءٍ مسبق.
وإن لم يتمسك النواب أنفسهم بحقهم في اختيار رئيسهم بإرادتهم الحرة، فإنهم يشاركون – عن قصد أو عن ضعف – في تقويض ما تبقّى من شرعية المجلس وهيبته.

لقد آن الأوان لأن يدرك الجميع أن الانتخاب ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو جوهر الديمقراطية، وأن المساس به يعني المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه الدولة الدستورية الحديثة. فإما أن يبقى مجلس النواب عنوانًا للحياة الديمقراطية، أو أن نقرأ الفاتحة على روحه، ونعلن رسميًا أنه تحوّل إلى ديكور في مشهد سياسي بلا مضمون.

“حين يُختار الرئيس بدل أن يُنتخب… وداعًا لمجلس النواب!”

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: رئاسة البرلمان الأردني مجلس النواب مجلس النواب

إقرأ أيضاً:

صدور الدليل الرقمي الثالث للتغطية الإعلامية لأنشطة مجلس النواب

 

الثورة /

صدر عن دائرة الأعلام والعلاقات العامة بالأمانة العامة لمجلس النواب كتاب الدليل الرقمي لمحتوى التغطية الإعلامي لجلسات مجلس النواب أو أنشطته البرلمانية للعام الهجري 1446 -الإصدار الثالث-
ويعد الدليل مرجعاً برلمانيًا مهمًا للباحثين والمهتمين بالشأن البرلماني ..
يحوي الدليل ثلاثة فصول ، يتضمن الفصل الأول البيانات والمواقف السياسية الصادرة عن المجلس، فيما خصص الفصل الثاني لجلسات مجلس النواب والقوانين والتعديلات التي أقرها المجلس والتوصيات وأسئلة النواب وردود الوزراء عليها
وكرس الفصل الثالث لأنشطة وفعاليات المجلس ولقاءات رئيس المجلس وملحق خاص بالصور.. تمنياتنا لهم بالتوفيق في مهامهم الإعلامية

مقالات مشابهة

  • رئاسةُ النوّاب… والمعازمةُ بدلَ الديموقراطيّةِ الهشّة…!
  • صدور الدليل الرقمي الثالث للتغطية الإعلامية لأنشطة مجلس النواب
  • البرلمان يؤجل مناقشة تعديل لائحة انتخاب رئاسته للجلسة المقبلة
  • بدء العد التنازلي.. المراحل المتبقية في سباق انتخابات مجلس النواب 2025
  • شجار بين النائبين الخصاونة وابو حسان على خلفية انتخابات رئاسة النواب
  • النحيب للأحرار: جلسة اليوم لم تناقش إقالة عقيلة
  • نائب:المواطن لايثق في الحكومة ولا في البرلمان ولا في الانتخابات
  • عاجل | اشتباك بالأيدي بين نائبين في مجلس النواب بسبب انتخابات الرئاسة
  • رسميًا.. تاكايتشي أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في اليابان