ترك الأبناء.. أول مباعث الخوف!
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
بعد رحلة طويلة في الحياة، أجدني متعبًا هذا الصباح، رأسي مثقل بالتفكير بعد أن عدت ظهر أمس من عيادة الطبيب الذي شخص لي ما أعانيه منذ فترة من وهن وضعف، أكد بأن الأمراض المزمنة بدأت تشحذ قواها نحو جسدي، أوصاني بأن أنتبه إلى نفسي وأصغي إلى كل عضو يبدأ في الشكوى أو ببث إشارات الألم.
نصحني وهو يعلم بأن الاهتمام الراغب فيه لن أستطيع أن أصنعه على أكمل وجه، تحدث الطبيب طويلًا عن مراحل العمر والضعف الذي يتعرض له الإنسان عندما يتقدم به الزمن، قرأ كثيرًا عن حالتي الصحية، ثم أغلق مدونة البحث من ملفي الإلكتروني، دعاني إلى رمي كل أوراق التفكير في سلة المهملات، ذكرني بأن الماضي لن يعود ويقصد "أيام الشباب"، وأن الحاضر هو الذي يجمعني به في هذه الغرفة، أما المستقبل فلا يعلم عنه شيئًا، فهو في علم الغيب، لكنه قال بأنه متفائل جدًا طالما أنني أحترس من مضاعفات المرض.
عندما تأمل نتائج الفحوصات السنوية، وجدته تارة يهز رأسه، وتارة أخرى يدقق النظر في وجهي، قال بأن الفحوصات ليست على أحسن حال، قطعت وعدًا على نفسي أن الفحص القادم سيكون للأفضل، عندها نسيت أن أخبره بأنني إنسان مثقل بالالتزامات وأوجاع الحياة، إنسان يتأثر بما يدور حوله وبما هو معلّق في رقبته من أعباء ومسؤوليات لا تنتهي، شدد على أن أتجنب الضغوطات النفسية مثل الحزن العميق والتفكير المفرط في الأشياء، مؤكدًا لي بأنها قد تزيد حالتي سوءًا، نصحني وهو يغلق أبواب النقاش: "اهتم بنفسك.. وأراك بعد أربعة أشهر".
قبل أن أوصد الباب خلفي، وأنصرف من عيادته، أدركت بأن ثمة وجعًا آخر لن أخبر به أحدًا "غير نفسي"، فأنا على دراية تامة بأن هناك تناقصًا يوميًا في قوة البصر، مرجعه مضاعفات الأمراض المزمنة من الضغط والسكر والخوف من وصولها إلى القلب.
كل يوم أرى بأن غيومًا سوداء تلاحقني، وهاجسًا مخيفًا ينتابني، ويومًا أسود سيأتي ليحجب عني رؤية وجوه أبنائي ويجبرني على الجلوس في البيت، عاجزًا عن رؤية الحياة بألوانها الجميلة، فالمرض يسرق منا الكثير من مباهج الحياة، ومع توقعي المسبق لكل السيناريوهات المقبلة، أجد أنه ليس لي قوة سحرية لدفع هذا البلاء القادم ببطء، بل يجب أن أتماسك أكثر من أي وقت قد مضى حتى أكمل مشوار ما تبقى من العمر بهدوء.
خرجت من العيادة وأنا مثقل بكل كلمة قالها الطبيب، وجدت نفسي عاجزًا عن الخروج من مواقف السيارات كعادتي كل مرة، حاولت أن أخفف على نفسي من وجع الروح قبل الجسد، أحسست بأن ثمة جرحًا قديمًا قد فُتح مجددًا.. لكن لا فائدة من الانتظار في المكان.. انصرفت ومعي كل خوفي وأوجاعي.
في وقت آخر من اليوم، عدت إلى الذاكرة، تمنيت لو سألني عن الذي يخيفني أكثر من أي شيء في الوجود؟ عندها لن أتردد في البوح وأخبره بأن كل مخاوفي تتجسد في "ترك عائلتي"، وعندها أنا متأكد جدًا بأنه سيقول لي: لماذا لم تذكر نفسك بقدر ما ذكرت الآخرين!
وبعد أن مضيت وقتًا على انصرافي من المكان الماضي، كان لدي رغبة شديدة في الحديث عن حب العائلة ومنزلتهم في القلب، تذكرت الوعد الذي قطعته على نفسي وأنا أهم بالانصراف من أمام الطبيب المعالج: "بأنني سوف أحاول أن ألتفت إلى نفسي قليلًا، ليكون الموعد القادم أفضل من اليوم".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أستاذ طب نفسي: بعض الأسر تربي أبناءها على العنف والسبب "خد حقك بإيدك"
أكد الدكتور ممتاز عبدالوهاب، أستاذ الطب النفسي، أن بعض الأسر أصبحت تربي أبناءها على مفاهيم خاطئة مرتبطة بالعنف، مشيرًا إلى أن هناك أولياء أمور يطالبون أبناءهم بـ"أخذ حقهم بأيديهم" بدلًا من اللجوء إلى المعلم أو القنوات التربوية السليمة.
أستاذ طب نفسي لـ"شريف عامر": رغم مظاهر العنف.. المجتمع المصري ما زال مسالمًا بطبعهوقال "عبدالوهاب"، خلال لقاءه مع الإعلامي شريف عامر، ببرنامج "يحدث في مصر"، المُذاع عبر شاشة "أم بي سي مصر"، إن أحد الآباء جاء يشتكي من أن ابنه "طيب أكثر من اللازم" ويريد أن يصبح أكثر عنفًا مع زملائه، موضحًا أن مثل هذه التصرفات تعكس خللًا في التنشئة الأسرية، لأنها تغرس في الأطفال سلوكًا عدوانيًا منذ الصغر.
وأضاف أستاذ الطب النفسي أن الطفل الذي يلجأ للعنف ضد زملائه ولا يستطيع التحكم في انفعالاته يعاني من ضعف في الشخصية ويعيش دور "الضحية"، مشددًا على أهمية ترسيخ مفاهيم التعاون والتفاهم بين الأطفال وتنمية مهارات التواصل الاجتماعي لديهم منذ الصغر.
وأشار عبدالوهاب إلى أن مرحلة المراهقة تشهد تغيرات نفسية وجسدية معقدة تجعل المراهق أكثر حساسية وتأثرًا بالمحيطين به، مؤكدًا أن التعامل السليم في هذه المرحلة يتطلب وعيًا أسريًا وتربويًا كبيرًا لتجنب الانحرافات السلوكية، موضحًا أن المجتمع المصري رغم ما يشهده من بعض مظاهر العنف ما زال مجتمعًا مسالمًا بطبعه.