بوابة الوفد:
2025-10-25@17:40:29 GMT

فلسطين والوعي المهدَّد

تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT


ما يحدث اليوم في فلسطين ليس مجرد احتلالٍ للأرض، بل هو احتلالٌ للوعي ذاته. إنها معركةٌ تُدار في العقول قبل أن تُدار في الميادين، لأن الكيان الصهيوني أدرك مبكرًا أن السيطرة الفكرية تسبق السيطرة الجغرافية. لم يكتفِ باغتصاب التراب، بل حاول أن يغتصب التاريخ والمعنى، وأن يُقنع العالم بأن الضحية هي الجلاد. هكذا تُصنع الأكاذيب حين يغيب الوعي، وهكذا تُهزَم الأمم حين تُصدق ما يُروى عنها بدلًا من أن تكتب روايتها بيديها.


منذ معاهدة السلام في قمة شرم الشيخ، أُوهم العرب بأن صفحة جديدة قد فُتِحت، وأن الماضي طُوي إلى غير رجعة. غير أن الواقع أثبت أن «السلام» الذي بُني على خداعٍ فكريٍّ لا يمكن أن يُثمر عدلًا. فالاحتلال الذي يمد يده للمصافحة هو ذاته الذي يمد الأخرى لضمّ الضفة الغربية، ويتحدث عن «التهدئة» بينما يغتال الطفل ويهدم البيت. هذا ليس تناقضًا في السلوك، بل تجسيدٌ لجوهر فكرٍ يرى في الخداع وسيلةً للبقاء، وفي ضعف الوعي العربي فرصةً للتمدد من دون حرب.
لكن الفلسفة تعلّمنا أن الوعي ليس رفاهية فكرية، بل فعل مقاومةٍ عميق. أن تفكر يعني أن ترفض أن تُقاد. أن تعي يعني أن تُدرك الفارق بين ما يُقال لك وما يُراد منك. وهنا تتجلّى الفلسفة كفنٍّ للحرية، كما وصفتها بعض الأبحاث التي تناولت «فلسفة الوعي»؛ فهي الكفاح الصامت ضد الزيف، وهي السلاح الذي لا يُرى لكنه يغيّر مجرى التاريخ. فالأمم لا تُهزم بالسلاح وحده، بل حين يُصادر عقلها ويُدار وعيها من الخارج.
نحن اليوم أمام احتلالٍ مزدوج: احتلال الأرض واحتلال الوعي. الأول يُقاوَم بالبندقية، والثاني يُقاوَم بالفكر. فالعدو لا يخاف من صاروخٍ بقدر ما يخاف من فكرةٍ تُوقظ أمة. وكل شابٍّ عربيٍّ يقرأ التاريخ بعين ناقدة، وكل أمٍّ تُعلّم أبناءها أن الحق لا يُشترى باتفاقيات، هم جميعًا جزءٌ من المقاومة الكبرى، المقاومة التي تبدأ في العقل قبل أن تنتهي في الميدان.
في مصر، كما في سائر العواصم العربية، يُختبر وعينا كل يوم أمام طوفان الأخبار المضللة، والوجوه التي تتحدث باسم «السلام» بينما تُخفي في أعماقها شهوة الهيمنة. وهنا يصبح الوعي مسؤولية جماعية، لأنه الخط الفاصل بين أن نكون شهودًا على الحقيقة أو ضحايا للوهم. إن من يتنازل عن وعيه، يتنازل عن وطنه دون أن يدري.
كما لو أن الفلاسفة الكبار – فرانز فانون، وأنطونيو غرامشي، وإدوارد سعيد – قد تواطؤوا على نبوءةٍ واحدة: «حين يُحتلّ وعي الإنسان، يصبح كلُّ شيءٍ بعد ذلك ميسورًا – حتى احتلالُ روحه». وهذه هي الكارثة التي نقترب منها إذا استسلمنا للغفلة. فالقضيةُ الفلسطينية ليست مجرّد ملفٍّ سياسي، بل مرآةٌ لوعينا الجمعي، واختبارٌ لقدرتنا على التمييز بين ما يُراد لنا أن نراه، وما ينبغي أن نراه بأنفسنا.
عزيزي القارئ، الفكر الحرّ ليس ترفًا تُمارسه النخبة في أبراجها العالية، بل هو شرط البقاء الإنساني ذاته. فالمعنى هو ما يُبقي الأمم متماسكة حين تتداعى، والفلسفة هي الحارس الأخير لوعيها حين تُحاصرها الأكاذيب. وإذا كان العدوّ يسعى إلى مصادرة وعينا قبل أرضنا، فواجبنا أن نحرس هذا الوعي كما نحرس حدودنا، لأنّ السور الحقيقي للأوطان ليس من حجارةٍ وجدران، بل من عقولٍ يقظة تعرف كيف تميّز بين الزيف والحقيقة.
وفلسطين، يا صديقي، لا تحتاج إلى تعاطفٍ عابرٍ يذوب مع العناوين، بل إلى يقظةٍ دائمةٍ لا تخدعها الشعارات ولا تُسكِتها المسكّنات. لأنّ الذين يملكون الوعي لا يُحتلّون مرّتين: مرّةً في الأرض، ومرّةً في الفكر. وما دامت العقول مستيقظة، فإنّ الهزيمة لا تكتمل أبدًا، بل تبقى مؤجَّلة حتى ينهض الوعي من جديد، ويقول كلمته التي لا تُقال إلّا من موقع النور.
[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تواصل توجيه قوافلها إلى شمال سيناء لنشر الوعي الصحيح

واصلت دار الإفتاء المصرية إرسال قوافلها الدعوية والتوعوية إلى محافظة شمال سيناء، بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، في إطار جهودها المشتركة لنشر الفكر الوسطي المستنير، وترسيخ قيم الانتماء والمواطنة، وتعزيز الوعي الديني والمجتمعي في ربوع الوطن.

دار الإفتاء تواصل قوافلها إلى شمال سيناء بالتعاون مع الأزهر والأوقاف

وشملت فعاليات القافلة الإفتائية التي توجهت هذا الأسبوع إلى شمال سيناء عددًا من الندوات والمحاضرات والدروس الدعوية، إضافةً إلى إلقاء خطبة الجمعة في عددٍ من مساجد المحافظة، من بينها مساجد الشيخ زويد، الجورة، ورفح.

وضمت القافلة هذا الأسبوع الشيخ أحمد صالح محمد، والدكتور بدر كمال أحمد، أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وكان في استقبالهما الشيخ محمود مرزوق، مدير مديرية أوقاف شمال سيناء، كما التقيا الشيخ عرفات خضر من شيوخ ومشايخ سيناء، حيث أكد الجميع على أهمية هذه الزيارات الميدانية في دعم التواصل المباشر مع أبناء المحافظة، وبث روح الأمل والوعي الديني الرشيد.

وفي يوم الخميس، أقام أعضاء القافلة مجلسًا للصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمشاركة الوعاظ من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، كما التُقطت صور تذكارية في ميدان الشهداء تقديرًا لتضحيات أبناء سيناء الأبرار.

كما ألقى عضوا القافلة من أمناء الفتوى خطبة الجمعة في عدد من مساجد الجورة، وتناول موضوع الخطبة البيئة وأهمية التعاون في الحفاظ عليها لتحقيق التنمية المستدامة للبلاد والعباد، حيث أكد الخطباء أن البيئة هي كتاب الله المنظور وصنع الله الذي تتجلّى فيه قدرته وعظمته، مشددين على أن الحفاظ عليها عبادة وقيمة إيمانية أصيلة في ديننا الحنيف، وليست مجرد شعارات تُرفع أو فعاليات تعقد.

حكم تكرار السورة بعد الفاتحة في كل ركعة.. الإفتاء تجيبما حكم صلاة تحية المسجد والإمام يخطب الجمعة؟.. الإفتاء تجيبهل تجب إعادة الصلاة لمن تكلم أثناء خطبة الجمعة؟.. الإفتاء تجيبآداب شرعية ينبغي التحلي بها أثناء خطبة الجمعة.. الإفتاء توضح

وأوضح الخطباء أن تعمير الأرض والمحافظة على نظافتها يُعدّ صدقةً وعبادةً متواصلةً، وأن مسؤولية حماية البيئة مسؤولية فردية وجماعية تبدأ من البيت وتمتد إلى المجتمع والدولة، مستشهدين بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما مِن مسلمٍ يغرسُ غرسًا، أو يزرعُ زرعًا، فيأكلَ منهُ إنسانٌ، أو طيرٌ، أو بهيمةٌ، إلا كانَ لهُ بهِ صدقةٌ».

كما تطرقت الخطبة إلى قضية العنف ضد الأطفال بوصفها ظاهرةً مرفوضةً دينيًا وأخلاقيًا، حيث دعا الخطباء إلى ترسيخ ثقافة الرحمة والتربية القائمة على الرفق والعطف، محذرين من كل أشكال الإيذاء اللفظي أو الجسدي أو الإلكتروني التي تُهدد براءة الأطفال وتضرّ بتوازنهم النفسي والاجتماعي، مؤكدين على أنَّ «مَن لا يرحمْ لا يُرحمْ».

وعقب صلاة الجمعة، عقد أعضاء القافلة مجلسًا للفتوى تناول عددًا من أحكام الطهارة والصلاة، وتلقى فيه المشاركون أسئلة حول أحكام المياه والتيمم والنجاسات، حيث تمت الإجابة عنها وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها بأسلوب مبسط وواضح.

وتأتي هذه القوافل في إطار الدور الوطني والدعوي الذي تضطلع به دار الإفتاء المصرية بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، لنشر الفهم الصحيح للدين، ومواجهة الفكر المتشدد، وترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية في ربوع الوطن، دعمًا لمسيرة البناء والاستقرار والتنمية.

طباعة شارك دار الإفتاء الإفتاء دار الإفتاء تواصل قوافلها إلى شمال سيناء دار الإفتاء تواصل قوافلها إلى شمال سيناء بالتعاون مع الأزهر والأوقاف وزارة الأوقاف الأزهر

مقالات مشابهة

  • فلسفة الذكاء الاصطناعي.. الوعي بين الفكرة والآلة
  • غوتيريش يطلب من إسرائيل الامتثال لرأي العدل الدولية باعتبارها قوة احتلال
  • غوتيريش يطلب إسرائيل الامتثال لرأي العدل الدولية باعتبارها قوة احتلال
  • محمد موسى: الإخوان وإسرائيل وجهان لعملة واحدة في حرب الوعي ضد مصر
  • خبيرة أسرية: انفتاح المرأة لا يعني الانفلات الأخلاقي بل الوعي والنضج
  • محافظة القدس الفلسطينية: إسرائيل تسعى لتزييف الوعي والتاريخ
  • دار الإفتاء تواصل توجيه قوافلها إلى شمال سيناء لنشر الوعي الصحيح
  • الاحتلال يخشى سيناريو مرعب في الشمال.. احتلال نهاريا ونقل مئات الأسرى
  • 100 سنة من الكلمة الحرة.. روزاليوسف تحتفل وتكرّم صنّاع الوعي «صور»