حكم الشماتة في الموت وبيان عواقبها
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
الموت.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه لا يجوز شرعًا للإنسان أن يَشْمَت في نزول المصائب على أحد سواء في الموت أو غيره من المصائب؛ فإنها خَصلةٌ ذَميمة، تأْبَاهَا النفوس المستقيمةُ، ويترفَّع عنها أصحاب المُروءات؛ فإن المولى سبحانه وتعالى لا يَرْضى عن هذه الفِعْلة، ومن المعلوم أن الإنسان لا يثبت على حال واحدة؛ فإنَّه يعيش الحياة يومًا حزينًا، ويومًا مسرورًا؛ وقد يرحم المولى سبحانه وتعالى المُبتلَى ويبتلي الشامت رَغْمًا عن أنفه.
والشَّمَاتَةُ في الموت: هي الفرح والسرور بِحُلُول هذه النازلة بأحد الناس. ينظر: "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري (11/ 226، ط. دار إحياء التراث العربي).
التحذير من الشماتة في الموت وبيان عواقبها:
وقالت الإفتاء إن القرآن الكريم عبر عن الموت بأنه مصيبة في قول الله تعالى: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: 106]، والشَّمَاتة بنزول هذه المصيبة –أي: الموت- على أحد النّاس هي صفةٌ غير مرضية، وخَصلةٌ ذَميمة تأْبَاهَا النفوس المستقيمةُ، ويترفَّع عنها أصحاب المُروءات؛ ولذا نهت عنها الشريعة الإسلامية؛ فعن وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «لا تُظْهِرِ الشَّمَاتةَ لأخيك فَيَرْحَمَهُ اللهُ ويَبْتَلِيكَ» رواه الترمذي في "سننه" وحَسَّنه.
فهذا الحديث النبوي الشريف يُفِيدُ أنَّ الشماتةَ أمرٌ منهيّ عنه شرعًا، وأَنَّ الله تعالى لا يَرْضى عن هذه الفِعْلة؛ فيرحم المُبتلَى رَغْمًا عن أنف الشامت؛ قال العلامة علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7/ 3048، ط. دار الفكر-بيروت): [(لا تُظهر الشماتة)؛ أي: الفرح بِبَلِيَّةِ عَدُوِّكَ (لأخيك)؛ أي: لأجل أخيك المسلم الذي وَقَع في بَلِيَّة دينيةٍ أو دُنيويةٍ أو ماليةٍ (فَيَرْحَمَهُ الله).. والمعنى: يرحمه رَغْمًا لأنْفِك (ويَبْتَليك)؛ حيث زَكَّيْتَ نفسك ورَفَعْتَ مَنْزِلَتَك عليه] اهـ.
الشماتة في الموت:
بل إنَّ مِن كمال الأخلاق الإسلامية عدم إظهار الشماتة في نزول الموت بالخصم أو مَن كان بينهما عداوة؛ ولذلك يقول العلامة الكرماني في "شرح مصابيح السنة" (5/ 254، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [لا تُظْهِر الشماتة لأخيك؛ أي: لا تَفْرح بذنبٍ صَدَر من عدُوِّك، أو بِنَكْبةٍ وَرَدت إليه، فلعلك تَقَعُ في مثل ذلك] اهـ.
وفلسفة هذا الأمر -أي: عدم إظهار الشماتة في الموت-: أنَّ الموت من المقادير التي كتبها الله تعالى على جميع الخلق؛ فكلُّ إنسان لا بد أنّه سيموت؛ فلا ينبغي لأحد أن يشْمَت عند موت غيره، فالموت ممَّا لا يمكن أن يَفِرَّ منه المرء مهما طال عمره؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [الأنبياء: 34-35].
قال الله تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140].
وممَّا يدلّ على عدم جواز الشماتة في الموت: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد رضي الله عنهما قاعدين بالقادسية، فمرّوا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما إنّها من أهل الأرض، أي: من أهل الذمة، فقالا: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنّها جنازة يهودي، فقال: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الموت الشماتة عند الموت إعلام الموت الشماتة فی الموت الله تعالى ة فی الموت ر الشماتة
إقرأ أيضاً:
حكم التصديق بأرصاد الطقس المتوقعة في المستقبل
الطقس.. قالت دار الإفتاء المصرية لا مانع شرعًا من التصديق بالتوقعات المُعْلَنة والمنشورة من هيئة الأرصاد الجوية المُتَعَلِّقة بحالة الطقس لفترةٍ قادمة، لَا سِيَّمَا وأنَّها مَبْنِيَّةٌ على قواعد ونظريات علمية متخصصة، ولا تزيد تلك الأخبار عن كونها أمورًا أغلبية يمكن أن يحدث خلافها، ولا علاقة لها بالتنجيم المُحرّم شرعًا والذي هو مبني على التخمين والحدس وادِّعاء معرفة الأمور الغيبيَّة واعتقاد أنَّ هناك مؤثِّرًا في الكون غير الله تعالى.
تسخير المولى سبحانه وتعالى الكون للإنسان:وأوضحت أن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان الكون بما فيه بما يُحَقِّقُ وظيفته التي خُلِقَ من أجلها وهي: الخلافة في الأرض، ويُلَبِّي حاجاته الدينية والدنيوية، وكلما تَقَدَّمَ الزمن وارتقى عِلْمُ الإنسان، كُلَّمَا عظمت الاستفادة، وكثرت المنافع؛ قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: 3١ؤ ىس ب٢ا٤٤يصي٢3].
الطقس:
قال الإمام النَّيْسَابُورِي في "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (4/ 247، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾، معنى تسخيرهما للناس: تصييرهما نافعين لهم بحسب مصالحهم على سنن واحد يتعاقبان دائما كالعبد المطواع، وكذا الكلام في تسخير الشمس والقمر والنجوم] اهـ.
حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة لحالة الطقس في المستقبل:
وأضافت أن ما تقوم به هيئات الأرصاد الجوية من نَشْرِ تقارير ونشرات دورية عن الطقس تشتمل على معلوماتٍ تَتَعلَّق بعمليات الرصد الجوي في منطقة مُعَيَّنة من الأرض، وبخاصةٍ العمليَّات الطَّبيعيَّة التي تَحْدُث على مدار اليوم كتغير درجات الحرارة، واحتمالات تساقط الأمطار والسحب المنخفضة، ومستوى الرُّطوبة، ومقدار الضَّغط الجوِّيِّ وغيرها من الظواهر، يتم معرفته بناءً على اطِّلاعهم على خرائط طبقات الجو العُليا موضحًا عليها المرتفعات والمنخفضات الجوية والكتل الهوائية، ثم قياسها فوق منطقة مُعَيَّنَة، وذلك باستخدام نظرياتٍ علمية، ومعادلاتٍ رياضية، وأجهزةٍ متطورة تعتمد عليها الجهة المتنبئة قبل إصدارها نشرتها الدورية عن الطقس خلال مُدَّةٍ مُعَيَّنةٍ كيوم أو يومين أو ثلاث. يُنْظَرُ: "معجم المصطلحات العلمية والفنية المستعملة في الأرصاد الجوية" الصادر عن منظمة الأرصاد الجوية العالمية، (ص: 506، مطبوع المنظمة رقم: 135)، و"معجم اللغة العربية المعاصرة" (2/ 898، ط. عالم الكتب).
ولا تَصْدُرُ النشرات عن الطقس إلا بعد إجراء حساباتٍ علميةٍ دقيقة مبنيَّة على نظرياتٍ عامة وقوانين كونية وتجارب متكررة قام بها العلماء عبر الأجيال، مع الاستفادة العظمى بالعلوم والتكنولوجيا المتقدمة التي لا يمر يوم إلا وينبع عنها جديد، ومعلومٌ أنَّ تلك المعرفة للأحوال الجوية المرتقبة للطقس هي أمرٌ قائمٌ على غلبة الظن لا اليقين، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر بعض العلامات التي يمكن من خلالها العمل بمثل هذه التوقعات، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْشَأَتِ السَّمَاءُ بَحْرِيَّةً، ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَهُوَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» أخرجه الأئمة: الطَّبَرَانِي في "المعجم الأوسط"، ومالك في "الموطأ" من رواية أبي مصعب الزهري، والبَيْهَقِي في "معرفة السنن والآثار" عن الإمام الشافعي بلفظ: «إِذَا أُنْشِئَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً فَهُوَ أَمْطَرُ لَهَا».
قال الإمام مالك بن أنس: [معناه: إذا ضربت رِيحٌ بَحْرِيَّةٌ فأنشأت سحابًا، ثم ضربت ريحٌ من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير] اهـ؛ كما ذكره الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 335، ط. مطبعة السعادة).
وقال العلَّامة النَّفَرَاوِي في "الفواكه الدواني" (2/ 344، ط. دار الفكر): [والواجب اعتقاده: الجزم بِأَنَّ ظهور بعض الأشياء عند ظهور بعض النجوم أمرٌ أغلبي، ويجوز تخلفه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ»، أَيْ: إذا طلعت السحابة من جهة الغرب ومالت إلى الشام فتلك السحابة غزيرة المطر] اهـ.
حكم التصديق بالأرصاد الجوية المتوقعة لحالة الطقس في المستقبل:
دلَّ على ذلك حديثُ القرآن الكريم عن التهدي بهذه العلامات ومطلوبية العلم بها شرعًا، فقال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: 96-97]، وقوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: 16]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].