جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@22:04:09 GMT

قوة الإيمان

تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT

قوة الإيمان

 

 

 

 

محمد بن رامس الرواس

 

شمس غزة تشرق عليها هذه الأيام بعد عامين من الحصار والتجويع والإبادة والتنكيل، فتبث نورها ودفء حرارتها في أرجاء القطاع وتبعث الأمل بعد ما كتبه الله لها من تغيير من حال إلى حال، لقد أراد لها الأعداء أن تباد وتزال وتهجر فبعثت مرة أخرى من رحم الصبر والمعاناة والصلابة والإيمان والكرامة، ها هي غزة تستعيد أنفاسها وتنفض الغبار والألم والجراح عن نفسها، فلقد اختفت روائح البارود وتوقفت أصوات الطائرات وصمتت أصوات الدبابات وبقيت روح غزة الأبية الخفاقة تلهج بشكر المولى العلى القدير.

نعم، غزة التي أرادها العدو أرضًا بلا بشر، وسماءً بلا طيور، تعود اليوم لتثبت أن إرادة المولى عز وجل، لقد تكسّرت فوقها أحلام المعتدين كما تتكسر الأمواج على صخورها العنيدة بساحلها، وغرقت كل الحسابات الباردة أمام حرارة نبضها الإنساني. فمن يستطيع أن يخالف مشيئة الرحمن، حتى الأعداء لا يستطيعون بكل قوتهم وجبروتهم أن يردوا فضل الله ورحمته قال تعالى: "ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (فاطر: 2).

لقد ظنّوا أن الركام سيكتم صوتها، وأن الأطفال الذين نجوا من تحت البيوت لن يعرفوا إلا البكاء، لكنهم خرجوا من تحت الردم حاملين دفاترهم وألوانهم، يرسمون الشمس فوق جدارٍ لم يبقَ منه إلا نصفه، كأنهم يقولون: "نحن هنا.. وما زلنا أهل القدس".

غزة، المدينة التي علّمت العالم معنى الثبات وقوة الإيمان وصناعة الشجعان، تعود اليوم لتكتب فصلا جديدا في تاريخها العريق، فلقد فشلت كل خطط الإبادة التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي وذلك لأنهم نسوا أن الحياة بيد الوهاب عز وجل يهبها من يشاء ويختار من الشهداء من يريد، وفي غزة لا تأتي المعونة من الخارج، بل ترسل لهم من السماء جراء صبرهم وثباتهم فالمقاومة ليست بندقية وقنبلة؛ بل روح تبث في النفوس سعيًا منها لنيل الشهادة أو النصر.

إنها الآية الكبرى التي لم يدركها العالم، أن مدينةً بهذا الحجم الصغير تحمل في صدرها طاقة إيمان تكفي دولا وبلدانا؛ فاليوم، غزة لا تنتظر التعمير في البنيان؛ بل ستُعيد إعمار نفسها من داخلها، تزرع أشجارها وستُخرج من بين ركام الحرب ترتل آيات النصر ومن بين الأطلال تحتفل بعُرس شباب انتظروا طويلًا ليفرحوا.

ها هي غزة اليوم، تُعيد تعريف "قوة الإيمان" كما لم يعرفها أحد، حياةٌ لا تَخلو من الدموع والألم، لكنها لا تَخلو من الأمل فها هم الأسرى الذين لم يكونوا يحلمون بالفرج يمشون في أحيائها.

مدينةٌ تحيا رغم أن الدبابات طوقتها وأسراب الطيران العسكري حلقت فوقها لكنها "تحلق تحت عرش الرحمن" كما قل الشهيد عمر المختار لا فوق العرش.

غزة لا تنتظر عدالة الأرض، لأنها تعرف أن عدالة السماء قد كتبت لها الحياة، كلما حاول الطغاة دفنها.

إنها تُذكّرنا اليوم أن النصر ليس كلمةً تُقال في نشرات الأخبار، بل نَفَسٌ طويل من الصمود، وصبرٌ من فولاذ نادر وإيمانٌ راسخ بأن الله عزوجل لا يخذل المؤمنين ليكون العالم شهيدا على معنى قوله تعالى: "إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران: 160).

غزة لا تموت بإذن الله تعالى؛ لأنها ليست مدينة وبنيانا وأرصفة وشوارع وساحلا وبحرا، إنها روح، عنوانها الإيمان الراسخ بأقدار المولى عز وجل، لذلك سقطت مرةٍ أخرى أسطورة قوة الكيان الإسرائيلي على أعتابها، وأثبتت غزة مرة تلو المرة أن الشعوب التي تعشق النصر والكرامة والعزة لا تُهزم بإذن الله تعالى.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قاعدة النصر الإلهي ووعي الأُمَّــة

 

 

من أهم الثوابت التي يستند إليها المؤمنون في مسارهم الجهادي والفكري، أن مسألة العدوّ ليست لغزًا غامضًا ولا معادلة معقّدة، بل قضية محسومة بنصّ القرآن الكريم وسنن الله التي لا تتبدل.. فالله سبحانَه بيّن للأُمَّـة طبيعة الصراع ومكامن القوة وشروط النصر، وحدّد الطريق الذي لا يمكن أن تضل معه الأُمَّــة مهما واجهت من قوى أَو تحالفات.
وقد استلهم شهيد القرآن، السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- هذه القواعدَ من آيات واضحة تؤكّـد أن النصر بيد الله، وأن الهداية عنصر أَسَاسي في مواجهة أعداء الأُمَّــة من قوى الطغيان والاستكبار، وعلى رأسهم أمريكا والكيان الإسرائيلي المحتلّ وأدواتهم الإقليمية.
ويؤكّـد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في خطاباته أن الأُمَّــة لا تنتصر بقدراتها المادية وحدها، ولا بصوت إعلامها، بل تنتصر حين تكون علاقتها بالله واضحة وراسخة، وحين تتحَرّك وفق الهداية والبصيرة.
ومن هنا جاء تأكيدُه على أن مواجهةَ العدوان السعوديّ الإماراتي، المدعوم أمريكيًّا و”إسرائيليًّا”، لا تتم فقط عبر السلاح، بل عبر وعي شامل يحدّد طبيعة المعركة ويكشف أساليب التضليل التي يعتمد عليها الأعداء لخلخلة جبهة الداخل، ويثبت أن الصمود الحقيقي يبدأ من قوة الوعي والهداية.
والرجوع إلى القرآن وتصديقًا لقول الله تعالى: ﴿لن يضروكم إلا أذى﴾، يؤكّـد أن قدرة العدوّ – مهما ضخّم من ترسانته العسكرية والإعلامية – تبقى محدودة، وأن معظم ضرره يتمثل في الحرب النفسية، والحصار، والإعلام الموجّه، وإثارة الإرباك داخل المجتمعات.
وهذا ما بدا واضحًا في العدوان الأمريكي-السعوديّ-الإماراتي على اليمن، حَيثُ حاول الأعداءُ إسقاط الشعب عبر التضليل والحصار أكثر من الاعتماد على القوة العسكرية، غير أن وعي الشعب اليمني وإدراكه لطبيعة الصراع أفشل تلك المساعي، وأثبت أن الصمود يبدأ من القلب والفكر قبل الميدان.
كما أن وعد الله في قوله: ﴿وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبارُ ثم لا يُنصَرون﴾ يضع معادلة حاسمة بأن الغلبة النهائية ستكون لمن يرتبط بالله ارتباطا واعيًا.
وقد أثبتت التجربة اليمنية خلال سنوات العدوان أن المجاهد اليمني استطاع الصمود أمام أحدث التقنيات العسكرية السعوديّة والإماراتية المدعومة أمريكيًّا و”إسرائيليًّا”، ليس لقوة السلاح فحسب، بل لقوة المعنويات وصلابة الوعي المستند إلى مشروع متكامل يحدّد العدوّ الحقيقي، وفي مقدمته الاحتلال الأمريكي والكيان الإسرائيلي المحتلّ ومن يتحالف معهما.
ومع أن القرآن يقدّم وعودًا واضحة بالنصر، إلا أنه يربطها بقاعدة عملية صارمة: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾.
وهذا ما انعكس على الواقع اليمني من خلال بناء القدرات العسكرية المتطورة، وتعزيز القوة البحرية والصاروخية، وحماية الجبهة الداخلية، وتطوير الوعي الجمعي في مواجهة التضليل الإعلامي الموجّه من قبل أمريكا وكَيان الاحتلال الإسرائيلي المحتلّ وأدواتهم في المنطقة.
فالإعداد في الرؤية القرآنية ليس عسكريًّا فقط، بل يشملُ الوعيَ والسياسةَ والاقتصاد والإعلام، وهو ما شدّد عليه السيدُ القائدُ في كُـلّ مراحل المواجهة، مؤكّـدًا أن التحصينَ الداخلي هو مفتاحُ كُـلّ قوة، وأن الصمودَ لا يكتملُ إلا بالتماسك الاجتماعي والفكري والديني.
كما يوضّح السيدُ القائد أن الهدايةَ ليست مُجَـرّدَ التزام فردي، بل مشروعٌ جماعي يصنعُ وعيًا عامًّا يميزُ الحق من الباطل، ويصون الأُمَّــة من الانحراف والانقسام.
فالأمة التي تفقد بُوصلة الهداية تصبح فريسةً سهلةً للتضليل النفسي والإعلامي، بينما الأُمَّــة التي تمسك بها تتجاوز المحن، وتحوّل التحديات إلى قوة، وتبني مجتمعًا قادرًا على مواجهة العدوان الأمريكي-الإسرائيلي والسعوديّ-الإماراتي بكل ثبات.
إن معادلةَ النصر في القرآن الكريم ليست شعارًا، بل نظام حياة يعيد الأُمَّــة إلى مركز قوتها الحقيقي: ارتباطها بالله، وتمسكها بالقيم، واستعدادها العملي.
وهذا الفهم هو الذي جعل الشعب اليمني نموذجًا للصمود أمام تحالف العدوان السعوديّ-الإماراتي المدعوم أمريكيًا و»إسرائيليًّا»، وحوّل سنوات الحرب إلى مرحلة وعي وتماسك وبناء داخلي.
وبهذا الإدراك تنتقل الأُمَّــة من موقع الدفاع إلى موقع الفاعلية، ومن حالة الخوف إلى اليقين، ومن واقع الاستضعاف إلى موقع القدرة على رسم مستقبلها بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية والصهيونية الإسرائيلية ومشاريع الاحتلال في المنطقة، مع تعزيز البناء الفكري والثقافي الذي يضمن بقاء الأُمَّــة متماسكة على الهداية والوعي.

مقالات مشابهة

  • قاعدة النصر الإلهي ووعي الأُمَّــة
  • حكم الوضوء بماء المطر وفضله.. الإفتاء توضح
  • علي جمعة: العفاف الظاهر يؤدي إلى الباطن وفقدان أحدهما يعني فقد الآخر
  • علي جمعة: طريق الإنسان مقيد بـ «الذكر والفكر» لله تعالى
  • هل يجب على المرأة خدمة زوجها؟ عالم أزهري يجيب
  • علي جمعة: التواضع أصل العفاف الباطني.. والجهاد الأكبر يبدأ من تهذيب النفس
  • حكم إعطاء وجبات غذائية للمتطوعين من أموال الصدقات والزكاة.. دار الإفتاء توضح
  • علي جمعة: الاستغفار والصلاة على النبي ولا اله الا الله طريق المسلم للثبات
  • كيفية التوبة من المعاصي؟.. بـ3 خطوات تخرج من ضيق الذنب ومصائبه
  • هل الساحر لا توبة له عند الله ؟