كيانو ريفز.. طفل بائس على دراجة بخارية بهوليود
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
تشبه الصعوبات التي يواجهها الشخص في حياته تعرض بعض المواد للنار، حيث يحترق بعضها وينتهي إلى رماد، بينما يصبح البعض الآخر أكثر نقاء.
وينتمي الممثل الكندي كيانو ريفز إلى النوع الثاني، ذلك أن الظروف التي واجهها منذ طفولته كانت قادرة وحدها على تحويله إلى بقايا إنسان.
استطاع الطفل الذي هرب والده، ولم يكن قد بلغ العامين بعد، واضطرت والدته للهجرة من بلد إلى آخر حتى تُؤَمّن له طعاما مع شقيقته، أن يكون واحدا من أكثر نجوم هوليود شعبية، واحتراما في تاريخها، ووصلت أرباح أفلامه إلى ما يقرب من مليار دولار، حصل منها على نسبة 15%، وتبرع بما يقرب من نصفها للأعمال الخيرية.
لم تكتب للطفل الذي ولد في الثاني من سبتمبر/أيلول 1964 النجاة فقط، بل حقق حلم النجاح كما لم يحلم به أولئك الذين يولدون في القصور، ورغم ذلك يمكنك أن تلتقيه مصادفة في أحد قطارات تورنتو الداخلية جالسا يقرأ جريدة في انتظار وصول القطار إلى محطته، أو تجده جالسا بجوار أحد المشردين في حديقة عامة يتبادل معه الطعام والحوار.
ويبقى مشهده الأشهر هو ذلك الشخص الذي يدور في شوارع المدينة بدراجته البخارية التي يعتبرها أقرب أصدقائه.
بيروت البدايةفي بيروت، التقت امرأة بريطانية ورجل تعود أصوله إلى جزر هاواي، وتزوجا، لكن الرجل لم يكن مستقيما تماما، فقد خرج على القانون، واضطر بعد إنجاب طفلين إلى الهروب من الشرطة ومن الأسرة أيضا، لتخوض الأم رحلة من بيروت في لبنان إلى سيدني بأستراليا، ونيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، بحثا عن مكان تحت الشمس، وتستقر أخيرا في تورنتو بكندا، لتؤسس حياة متواضعة لأم وحيدة مع طفليها.
كبر الطفل، وأصبح مراهقا، يملك أحلاما لا حدود لها، ويركب دراجته ليجوب الأفق بحثا عن مصير مختلف، بادر بالتقدم للتمثيل في الشركات، فوجد فرصا في إعلانات ساعدته وأسرته على مواجهة احتياجاتهم، ومن ثم وجد مكانا في أفلام المراهقين مثل "المغامرة الممتازة لبيل وتيد" 1989 (Bill & Ted’s Excellent Adventure) بجزأيه، محققا نجاحا كبيرا، كان كافيا للتنبؤ بمولد نجم.
وبعد عامين، شارك في أكثر من فيلم رعب منها "أيداهو الخاصة بي" 1991 (My Own Private Idaho)، ثم قدم دور "دراكولا" 1992 في فيلم عن اللورد الذي اشتهر بكونه أول مصاص دماء في التاريخ (Dracula)، ورغم النجاح، تعرض كيانو ريفز للنقد لما اعتبر وقتها برودا في التمثيل.
وتميز كيانو ريفز بهدوء واضح في أدائه بشكل عام في التمثيل وفي الحياة، ويحمل اسمه معنى "نسمات الجبال الباردة" بلغة أهل هاواي، لذلك اعتبر النقاد في ذلك الحين الاسم الغريب إشارة لذلك الهدوء أو البرود الذي أصبح -فيما بعد- واحدا من الملامح المميزة له.
النجاح والبلاءأصبح الممثل الكندي ذو الأصول المتواضعة نجما صاعدا وقدم أعمالا حصدت الملايين، لكن الخوف من الفقد طرق أبوابه مرة أخرى، وجاءت وفاة أفضل أصدقائه عام 1993 لتغرقه في أسئلة قاسية حول الحياة ومعناها، والفقد الذي لا ينتهي. كان الصديق الذي رحل هو ريفر فينيكس شقيق بطل الجوكر خواكين فينكس.
مرة أخرى يطارده شبح الفقد، إذ تصاب شقيقته "كيم" بمرض سرطان الدم. ترك كيانو ريفز أستوديوهات هوليود والملايين التي يتقاضاها مقابل التمثيل في أفلامه، وفرقته الموسيقية التي كان قد أسسها للتو، ليتفرغ لشقيقته فقط.
وقال -في تصريح صحفي- بعد أن أصبح ممرضها في المنزل، وأوقف مسيرته كممثل: "لقد كانت هناك دائمًا من أجلي، كما تعلمون. وسأكون دائمًا هنا من أجلها".
تعافت كيم من مرضها، وأنشأت جمعية خيرية مع كيانو لمساعدة الآخرين الذين يعانون من السرطان.
ثم عثر كيانو ريفز على رفيقة مشواره، وهي صديقة لشقيقته "كيم"، لكن الحزن الذي كان قد بدأ في نسيانه طارده مرة أخرى.
أيام قليلة مرت بعد لقائه صديقة شقيقته -والتي تدعى جينيفر سيم- أدرك كيانو بعدها أنه وقع في الحب، ولم يطل الأمر حتى ارتبط الثنائي، وقررا تكوين أسرة، وهو ما حدث.
بعد 8 أشهر من الحمل، وبينما تعد جينيفر غرفة الطفلة المنتظرة، شعرت بآلام رهيبة، فصرخت باسم ريفز الذي سارع إلى المستشفى، لكن الوقت كان قد فاتهم، إذ ولدت الطفلة ميتة، وتحول الفرح الغريب الذي ملأ حياة الأسرة إلى حزن كبير، لا يقوى على هزيمته إلا الفراق.
تحولت حياة الثنائي إلى جحيم بعد وفاة الطفلة التي كانت تمثل الأمل في سعادة دائمة، وبقيت بينهما شبحا يشعل نار الخلافات كلما خمدت، فطلب ريفز الانفصال بهدوء.
أراد الشاب أن يعود إلى صديقته الوحيدة التي لا تسبب له أزمات أو تختلف معه، دراجته البخارية، وانفصل عن الأم الثكلى جينيفر، والتي أصبح حزنها مزدوجا بعد فقد الطفلة والأب، وكانت من الضعف بحيث لم تقوَ على مواجهته فسقطت في شرك الإدمان على الكحوليات، وأثناء قيادة السيارة فقدت السيطرة، وتعرضت لحادث أودى بحياتها.
لم تمت جينيفر وحدها، كانت قد خطفت روح كيانو ريفز معها إلى مكان لا يعلمه هو نفسه، سار كالآلة في شوارع تورنتو ملفوفا في شعور قاتل بالذنب.
محطات لا تنسىيستعد كيانو ريفز للجزء الخامس من سلسلة "جون ويك"، وهو الفيلم رقم 80 في مسيرته الفنية التي بدأت في مراهقته عام 1985، ولعل أبرز ما في أداء ريفز هو تلك الاختيارات التي تتنوع بين الرومانسية و"الأكشن" والخيال العلمي، لكنها تكاد تصب في مقولات أخلاقية تتعلق بحياة الإنسان والعوائق التي تصادفه.
ومن المحطات المميزة في حياته المهنية "سلسلة الماتريكس"، التي لم يعتبرها النقاد منذ انطلاقها مجرد أفلام سينمائية عادية، فقد حققت على مستوى الإيرادات ما فاق كل التوقعات، كما حققت على مستوى الإبداع الدرامي ما أضاف "نوعا" أو "تيمة" جديدة للتيمات الـ28 التي تدور السينما في إطارها منذ نشأتها، وهي تيمة "قصص الفضاء"، أما كيانو ريفز نفسه، فقد تحول بغموضه ومظهره الهادئ وأدائه المدهش إلى حالة خاصة من الأداء الهوليودي، أضيفت إليها حالته الشخصية التي تميزت بالكثير من الاحترام والرقي والمساهمات العديدة في الأعمال الخيرية.
ويعد فيلم "سلسلة ردود الفعل" 1996 (Chain Reaction)، بمثابة محطة انطلاق قدمت الممثل الشاب، وكشفت عن طاقة مدهشة لأداء هذا النوع من الأدوار.
ويدور الفيلم حول إيدي كاسيليفيتش الكيميائي الشاب اللامع الذي يؤدي اكتشافه العلمي المثير إلى استهدافه وتدمير معمله بالكامل، وقتل أستاذه، فيبدأ رحلة مثيرة للكشف عن الحقيقة وراء استهدافه.
أما فيلم "شيطان النيون" 2016 (The Neon Demon)، فيكشف خلاله ريفز وفريقه الحقيقة وراء عالم الأزياء المتوحش وضحاياه.
وفي فيلم "البدلاء" 2000 (The Replacements)، يقدم عملا يبدو رياضيا، لكن المستوى الأعمق يقود المشاهد إلى الحديث عن الإرادة التي تفوق في أهميتها الموهبة أحيانا.
لم يتردد كيانو ريفز في التصميم على المشاركة في فيلم "نوفمبر اللذيذ" رغم التوقعات بأنه لن يحقق إيرادات عالية، وألح على المخرج لتنفيذه، لأن الفيلم يعالج قصة فتاة مصابة بمرض السرطان الذي عانت منه شقيقته، وكان ريفز يرغب في صنع الفيلم تحية للشقيقة التي صمدت في مواجهة المرض.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
شاب بلجيكي يقطع آلاف الكيلومترات على دراجة لأداء الحج – صورة
عند منفذ حالة عمار الحدودي شمال المملكة العربية السعودية، وعلى حافة الحدود الأردنية، توقفت عجلات دراجة الشاب البلجيكي أنس (26 عامًا)، بعد رحلة استثنائية استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، قاطعًا خلالها آلاف الكيلومترات، وعابرًا تسع دول أوروبية وعربية، في طريقه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، عبر أنس الرزقي طرقًا ممتدة بين مدن وقرى في أوروبا والشرق الأوسط، من بلجيكا مرورًا بألمانيا، والنمسا، وإيطاليا، والبوسنة والهرسك، وغيرها من بلدان القارة العجوز، وصولًا إلى تركيا، حيث اجتاز مضيق البوسفور إلى الضفة الآسيوية، وصولا إلى الأردن، حيث استقبلته وجوهٌ طيبةٌ وقلوبٌ مفتوحة في كل محطة توقف عندها. “واجهت تحديات لا تُحصى: من تقلبات الطقس إلى الشعور بالوحدة أحيانًا، لكن ما كان يمدّني بالقوة دائمًا هو الدعوات الصادقة والابتسامات الدافئة ممن قابلتهم في طريقي”، هكذا روى أنس تفاصيل رحلته بابتسامة صادقة.
وعند دخوله الأراضي السعودية، لم يستطع أنس إخفاء تأثره؛ توقّف قليلًا ليتأمل الطريق الممتد أمامه، كأنه يحاول احتواء لحظة اقترابه من حلمه الكبير.”إنها لحظة لا يمكنني وصفها بسهولة، شعرت بأنني أقترب من حلمٍ عشتُ سنواتٍ في انتظاره. الآن، كل ما يشغل بالي هو الوصول إلى أقرب نقطة أمام الكعبة، تلك اللحظة التي سأرى فيها الكعبة للمرة الأولى”، قال أنس بصوتٍ مفعمٍ بالترقب والأمل.
جريدة المدينة
إنضم لقناة النيلين على واتساب