دور التمويل الإسلامي في تعزيز المرونة المناخية
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
في وقت حيث يجتمع وزراء يمثلون 57 دولة عضوا في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في الجزائر العاصمة لحضور الاجتماع السنوي الحادي والخمسين للبنك الإسلامي للتنمية، من الواضح أن تجاهل الآثار المدمرة المترتبة على تغير المناخ بات في حكم المستحيل. فحرائق الغابات تلتهم مجتمعات بأكملها، والفيضانات تشرد ملايين البشر، وموجات الحر تودي بحياة مئات الآلاف.
مع ثبوت عدم كفاية الاستجابات التقليدية في التصدي لهذا التهديد المتصاعد، يجب أن يحتل التمويل المبتكر الـخَـلّاق مركز الصدارة. وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يعيش حاليا ما يصل إلى 3.6 مليار إنسان في مناطق معرضة بشدة لتغير المناخ.
بين عامي 2010 و2020، كانت الوفيات الناجمة عن الفيضانات، وموجات الجفاف، والعواصف في هذه المناطق أكثر تواترا بنحو 15 مرة مقارنة بالمناطق الأقل عرضة للخطر، وهذا يؤكد على الخسائر الفادحة وغير المتكافئة التي تخلفها أزمة المناخ.
وفقا للمعتقد التقليدي السائد، يُـعَـد العمل المناخي بالنسبة للاقتصادات التي تعتمد على الموارد مسألة بقاء اقتصادي، بينما يوفر للاقتصادات النامية مسارا إلى النمو والتنمية المستدامة. لكن اقتصادات عديدة تندرج ضمن الفئتين ــ النامية والمعتمدة على الموارد ــ وهذا يضاعف من صعوبة التحدي المتمثل في تصميم وتنفيذ استراتيجيات مناخية فعالة.
في حين تشكل الاستراتيجية الشاملة لبناء القدرة على التأقلم مع المناخ ضرورة أساسية لتعزيز قدرة الاقتصادات النامية على تحمل الصدمات، فإن جهود تعزيز المرونة والقدرة على التكيف يجب أن يسيرا يدا بيد. في البلدان المعرضة للخطر، قد ينطوي ذلك على تعزيز البنية الأساسية للحماية من الفيضانات، والاستثمار في المحاصيل المقاوِمة للجفاف، وتنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على القطاعات الحساسة للمناخ.
إلا أن الأنماط التقليدية لتمويل القدرة على الصمود لا تزال مقيدة، سواء من حيث المصادر أو آليات التسليم. ونتيجة لهذا، تخضع الضمانات الاجتماعية الحيوية ونظم الدعم غالبا لنقص التمويل أو عدم كفايته. وتتفاقم المشكلة بفعل حالة انعدام اليقين المتنامية بشأن توافر التمويل الميسر من جانب البلدان المتقدمة.
بالنظر إلى هذا الواقع، يجب أن يصبح الإبداع المالي ركيزة أساسية في القدرة على التكيف مع تغير المناخ. لتحقيق هذه الغاية، يتعين على المؤسسات المالية، والحكومات، وغير ذلك من أصحاب المصلحة العمل معا لتطوير آليات تمويل جديدة تهدف إلى حماية المناطق المعرضة لتغير المناخ.
ما يبعث على التفاؤل ظهور عدد كبير من صناديق وآليات التمويل المبتكرة لدعم جهود المرونة والتكيف. وتشمل هذه الأدوات صندوق المناخ الأخضر، الذي يقدم المساعدة المالية للبلدان النامية؛ ومبادرة سندات المناخ، التي تشجع نمو سوق سندات المناخ؛ والتأمين المناخي الذي يساعد على إدارة وتقليص المخاطر المرتبط بالمناخ؛ والتكيف المجتمعي، الذي يعمل على تمكين المجتمعات المحلية من تصميم وتنفيذ استراتيجيات التكيف التي تخصها؛ والحلول القائمة على الطبيعة، التي تركز على استعادة وحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية. ومع ذلك، يظل هذا التمويل أقل كثيرا من الطلب.
تضطلع بنوك التنمية المتعددة الأطراف بدور محوري في توفير التمويل اللازم للبلدان المعرضة للخطر لخفض الانبعاثات والاستثمار في مشاريع التكيف. وفقًا لأحدث تقرير مشترك حول التمويل المناخي من جانب بنوك التنمية المتعددة الأطراف، قدمت بنوك التنمية المتعددة الأطراف رقما قياسيا قدره 125 مليار دولار أميركي في هيئة تمويل عام للعمل المناخي في عام 2023. الجدير بالذكر أن 60% من هذا الإجمالي ــ 74.7 مليار دولار ــ كان موجها إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وهذا يسلط الضوء على التزام بنوك التنمية المتعددة الأطراف بدعم البلدان الأكثر عُـرضة لمخاطر المناخ.
من الأمثلة البارزة على ذلك البنك الإسلامي للتنمية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وافق البنك الإسلامي للتنمية على تمويل بقيمة 1.15 مليار دولار أميركي لتعزيز الأمن الغذائي والمائي في كازاخستان من خلال ري 350 ألف هكتار من الأراضي بطرق مستدامة. يهدف المشروع إلى زيادة متوسط غلة المحاصيل بنسبة 30%، وبالتالي تعزيز قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ وتحسين الرفاهة الاقتصادية لنحو 1.3 مليون شخص من الفئات المستضعفة.
كغيره من بنوك التنمية المتعددة الأطراف، يواجه البنك الإسلامي للتنمية التحدي المتمثل في تعزيز القدرة على التأقلم مع المناخ في بلدانه الأعضاء (57 دولة)، والتي يعتبر أكثر من نصفها أكثر عرضة لتغير المناخ من المتوسط العالمي. تتطلب معالجة نقاط الضعف هذه ما يقدر بنحو 75-90 مليار دولار سنويا حتى عام 2030 لتمويل مشاريع الزراعة المستدامة، والمياه، والبنية الأساسية. تبلغ التدفقات المالية المرتبطة بجهود التكيف إلى هذه البلدان 23.9 مليار دولار سنويا في المتوسط، وهذا يخلف فجوة تمويلية بنسبة 68% يعمل البنك الإسلامي للتنمية بنشاط لسدها.
يوضح المعروض المتزايد من تمويل التكيف المساهمة التي لا غنى عنها من جانب بنوك التنمية المتعددة الأطراف في الجهود العالمية المرتبطة بالمناخ. ولكن لا ينبغي أن يقاس النجاح فقط بحجم الأموال المصروفة؛ بل يجب الحكم عليه من خلال النتائج الملموسة والواقعية. فعلى الرغم من تنامي التمويل المناخي، فإن فعاليته تتوقف على الرصد الدقيق وتقييم الأثر.
وعلى هذا فإن إنشاء أطر قوية لإعداد التقارير أمر بالغ الأهمية لبناء ثقة أصحاب المصلحة وتوجيه مزيد من التمويل نحو مشاريع التكيف. لتعزيز تأثيرها، ينبغي لبنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تتبنى أيضا نماذج تمويل موجهة قائمة على النتائج والسياسات.
إلى جانب تعزيز قدرة المقترضين المؤسسية وتوسيع نطاق التمويل الموجه، تحظى بنوك التنمية المتعددة الأطراف أيضا بالفرصة لتعزيز حشد الموارد من خلال اجتذاب رؤوس الأموال من مصادر غير تقليدية. ويُعد إطار الاستدامة الذي يتبناه البنك الإسلامي للتنمية مثالا رئيسيا على ذلك. بموجب هذا البرنامج، قام البنك الإسلامي للتنمية بحشد أكثر من 6 مليارات دولار أميركي عن طريق إصدار سندات إسلامية (صكوك)، ليجتذب المستثمرين المسلمين وغير المسلمين.
الواقع أن التمويل الإسلامي الذي يضرب بجذوره في دعم الأصول وتقاسم المخاطر يتماشى مع مبادئ الاستدامة. في السنوات الأخيرة، برزت أدوات مثل التأمين التعاوني (التكافل)، والأوقاف الخيرية (الوقف)، ومنصات التمويل الجماعي القائمة على الإيمان كمصادر بديلة للتمويل المناخي في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
إدراكا منه للحاجة إلى حلول موجهة للتمويل المناخي، عمل البنك الإسلامي للتنمية بنشاط على تعزيز هذه الآليات ودعمها. بالاستفادة من صناعة التمويل الإسلامي التي تبلغ قيمتها 4.5 تريليون دولار أميركي وتَـبَـنّي نموذجها المدعوم بالأصول وتقاسم المخاطر، يصبح بوسع بنوك التنمية الأخرى المتعددة الأطراف توسيع وتنويع مصادر تمويلها، على النحو الذي يمكنها من دعم مبادرات التكيف والتخفيف في أكثر مناطق العالم عُـرضة للخطر.
لكن زمن المشاريع التجريبية والتدخلات المجزأة ولى وفات. لبناء مستقبل مستدام وقادر على التكيف مع المناخ، يتعين على بنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تسارع إلى توسيع نطاق الحلول العالية الأثر، واحتضان الإبداع المالي، وتعزيز التعاون العالمي. واعتمادا على أكثر من نصف قرن من الخبرة، أصبح البنك الإسلامي للتنمية جاهزا للاضطلاع بدوره.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البنک الإسلامی للتنمیة دولار أمیرکی ملیار دولار القدرة على أکثر من
إقرأ أيضاً:
لمواجهة التغيرات المناخية.. الزراعة تنظم ورشة عمل بالتعاون مع منظمة سيكا
نظمت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ممثلة في مركز البحوث الزراعية ، ورشة عمل افتراضية بالتعاون مع منظمة مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا (سيكا)، وذلك لمناقشة سبل تحقيق استدامة الأمن الغذائي في ظل تحديات التغيرات المناخية المتزايدة، تحت رعاية علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي.
وشهدت ورشة العمل مشاركة واسعة من ممثلي المنظمة سيكا وعدد من الدول الأعضاء، شملت روسيا الاتحادية، تركيا، بنجلاديش، الأردن، أذربيجان، وإيران، بما يعكس الأهمية الإقليمية والدولية، لدعم الأمن الغذائي في مواجهة التغيرات المناخية.
وافتتح ورشة العمل الدكتور سعد موسي، نائب رئيس مركز البحوث الزراعية والمشرف على العلاقات الزراعية الخارجية، والذي نقل للحضور تحيات علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، والدكتور عادل عبدالعظيم رئيس مركز البحوث الزراعية، كما وجه الشكر إلى وزارة الخارجية المصرية، التي تأتي هذه الورشة بالتعاون المشترك والتنسيق معها، مشيرا الى دعم القيادة السياسية لقضية الامن الغذائي في مصر.
وأكد موسى في كلمته أن الأغذية والزراعة هما العاملان الرئيسيان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشددا على ضرورة تعزيز النظم الغذائية والزراعية المستدامة في جميع أنحاء العالم.
وأشار الى أن التحديات المتزايدة التي تواجه المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالتغيرات المناخية، تستدعي تكثيف وتنسيق الجهود بين الدول للخروج بحلول تكاملية تستفيد من التقدم التكنولوجي وفرص الشراكة والتعاون مع شركاء التنمية لتحقيق الأمن الغذائي المستدام.
كما استعرض أيضا أهمية الدور الذي تقوم به المشروعات الزراعية القومية الكبرى التي تم إطلاقها مؤخرا بهدف المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
وتضمنت الفعاليات عروضاً تقديمية سلطت الضوء على الأبعاد المختلفة للأزمة، من بينها عرضاً قدمه رئيس مركز معلومات التغيرات المناخية تناول خلاله التغيرات المناخية وتأثيرها المباشر على القطاع الزراعي.
كما استعرض مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية، أهم التحديات التي تواجه إنتاج المحاصيل الحقلية وسبل مواجهتها.
كما شهدت الفعاليات عددا من المداخلات والنقاشات المثمرة للوقود المشاركة، حيث تم التأكيد على ضرورة توفير الغذاء الآمن والصحي للجميع وترسيخ مبدأ "الصحة الواحدة"، فضلا عن تفعيل التعاون المشترك بين دول منظمة سيكا من خلال تبادل الخبرات والتعاون البحثي، إضافة إلى العمل على تسهيل حركة التجارة بين الدول الأعضاء في المنظمة، والدعوة لتبني نظم زراعية تتسم بالمرونة والاستدامة لمواجهة الصدمات المناخية.
وفي ختام الورشة، وجهت منظمة سيكا الشكر للحكومة المصرية ووزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية على التنظيم المتميز للفعالية، معربة عن تطلعها لمزيد من الأنشطة المشتركة.
الجدير بالذكر أن منظمة سيكا (CICA) هي منتدى للحوار والتشاور بشأن قضايا الأمن الإقليمي في آسيا، تأسست بمبادرة من رئيس كازاخستان عام 1992. وتضم المنظمة في عضويتها 27 دولة كعضو دائم، من بينها مصر، إلى جانب 13 مراقبًا.