الشهادة.. قيمة الانتصار للمشروع الإلهي
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
أصبح «سبيل الله» هو العنوان الجامع لمسار التضحية والجهاد والاستشهاد، وهو خلاصة طبيعة الصراع الوجودي الحتمي، وعلى ساحة «حتمية الصراع» و»وجوب التضحية» تلتقي المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان، بمختلف عقائدها وأيديولوجياتها وثقافاتها، كلٌّ يخوض حربه الوجودية الحتمية، ويقدم تضحياته المقدسة، في سبيل ما يؤمن به، وهذا هو الإطار العام لمفهوم وطبيعة الصراع، في تاريخ المجتمعات البشرية، لكنه في جوهره وحقيقته، يرتكز على الصراع بين الخير والشر، حيث يحاول الأخير تدمير المشروع الإلهي، الذي فيه خير وسعادة البشرية، ويقدم المشروع الشيطاني الإجرامي، بكل ما فيه من انحراف وتوحش وظلم، ليصبح الناس عبيدا لفراعنة مجرمين، يحملون النهج الشيطاني المدمر، ولا يكتفون باستعباد البشر، بل يسوقونهم إلى مشروع الإجرام الشيطاني، ليخوضوا حروب الإبادة والمجازر الجماعية، ويمارسوا القتل والتدمير والتوحش، تحت راية الشيطان نفسه، وفي سبيل الاستكبار والأهواء والرغبات والمطامع الشيطانية، وما من عدو لهم سوى المشروع الإلهي، ليدخلوا بذلك في حرب مباشرة ضد الله جل وعلا، من خلال إعلان الحرب على أنبيائه وأوليائه، بهدف تعطيل إقامة القسط، الذي يرونه تهديداً وجودياً، لمشروعهم العنصري الإجرامي؛ وأمام ذلك النهج الضلالي الاستكباري، وقف نهج الانتصار للمشروع الإلهي القويم، تحت عنوان الجهاد والاستشهاد في «سبيل الله».
طالما سعت قوى الشر والاستكبار، في تنفيذ مشروع الشيطان الرجيم، القائم على الظلم والبغي والطغيان، واستهداف المشروع القرآني، وحملته من الأنبياء والمرسلين الكرام، والأوصياء والأولياء والصالحين من الناس، القائمين بالقسط والحق، وقد اتصلت محاولاتهم في وأد المشروع القرآني، باغتيال رموزه وحامليه، عبر الزمان والمكان، وصولا إلى استهداف وقتل الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي- رضوان الله عليه-، في رمزيته الدينية والروحية، فهو علم الهدى ومؤسس المسيرة القرآنية، واغتيال الشهيد الرئيس صالح الصماد، في رمزيته السياسية القيادية، واستهداف رئيس حكومة التغيير والبناء الشهيد المجاهد/ أحمد الرهوي، وعدد من وزراء الحكومة، في رمزيتهم السياسية ومشروعهم الإنساني الحضاري، بالتزامن مع عمليات اغتيالات وتصفيات مماثلة لحاملي المشروع الإلهي التحرري الحضاري، على امتداد جغرافيا مشروع الجهاد والمقاومة، من اليمن إلى لبنان إلى غزة إلى العراق إلى إيران، بلا حد لتلك الجرائم النكراء.
انطلاقا من ثقافة الشهادة في سبيل الله، قدم يمن المشروع القرآني، أعظم قادته المدنيين والعسكريين، وأصدق مجاهديه وخيرة أبطاله، واتصلت قوافل العطاء والتضحية، من أعلى هرم السلطة إلى أسفله، ومن أقصى الشعب اليمني إلى أقصاه، ولم يكتف المسؤولون من رجال الدولة، في المستوى الرسمي الحكومي، بتصنيفهم في الصفوف الأول والثاني والثالث، في مقامات المسؤولية، ومسميات المناصب الإدارية، ولم تعد صورة السلطة مغرية في أعينهم، ولا أبهة السلطان مطمعاً في أنفسهم، لأن المشروع القرآني والثقافة القرآنية، قد أعادت صياغة تصوراتهم وفكرهم وثقافتهم، حتى أصبحت السلطة لديهم معدومة القيمة صفرية المعنى، إلا بمقدار ما أقامت من الحق وأزهقت من الباطل، ولم تعد المناصب وسيلة لبلوغ الجاه والتشريف، بل هي محطات تكاليف إضافية في ميدان خدمة الأمة، كما أن تصنيفهم سلطوياً وإدارياً – في تلك المراتب الثلاث الرفيعة – لم يعد قادراً على إقناعهم بالبقاء في أبراجهم العاجية، كما كان سائدا في العرف السياسي سابقا، بل أصبح رجال الصفوف الأول والثاني والثالث، القائمين على السلطة وصناعة القرار، هم رجال الصف الأول مطلقا في ميدان المواجهة العسكرية والأمنية والاقتصادية والتنموية، وفي ميدان الجهاد والتضحية والشهادة، انطلاقاً من إيمانهم الراسخ، بطبيعة المسؤولية العامة، في إطار صورة الدور والتكليف، التي قدمها المشروع القرآني العظيم، حيث معيار النجاح في المسؤولية، هو مدى توفيق الله وتسديده وتمكينه، وتحدد مؤشرات قبول الأعمال، بمدى الشعور بالرضى والارتياح الجمعي، وهكذا استعادت المسؤولية مفهومها العام، في طبيعتها الدينية الإيمانية، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الطقوس والشعائر الدينية، كما استعادت مرتكزات تجسيدها الفعلي، في مقام العمل والالتزام بالحق والعدل والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من منطلق تكامل الأدوار، بين المستوى الفردي والمستوى الجمعي، للقيام بفريضة الاستخلاف المقدس، التي أعاد إليها المشروع القرآني، معناها ومضامينها وقيمتها وقداستها وروحيتها، واستطاع خلال عقدين من الزمن، أن يزهق تصورات واستراتيجيات قوى الشر، لمفهوم المسؤولية القائمة على الاستبداد والاستعباد، وصورة الاستخلاف؛ المفرغ من مضامينه الدينية وقيمه الروحية، ولذلك سارعت قوى الشر والطغيان – كعادتها – إلى إعلان الحرب على هذا المشروع العظيم، واستهداف رموزه وأعلامه وممثليه، القائمين بالحق الآمرين بالقسط، وها هي المعركة القائمة اليوم بين طرفي الإيمان والكفر، ولا توسط أو حياد بينهما، وقد أصبح الجهاد في سبيل الله لزاما، والشهادة هي خاتمة السعادة، ما دام الله سبحانه وتعالى قد «اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم».
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: فتح مكة يؤكد أن الانتصار في الإسلام للرحمة لا البطش
عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "فتح مكة الحديث والعبرة"، بحضور كل من د. حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، ود. نادي عبد الله محمد، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الدكتور فؤاد حسان، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.
الدكتور حسن القصبي: دراسة السيرة النبوية هي في جوهرها دراسة للإسلامفي مستهل الملتقى، أوضح الدكتور حسن القصبي أن دراسة السيرة النبوية هي في جوهرها دراسة للإسلام وتطبيق عملي لقواعده ومبادئه، وأن كل حدث من أحداث السيرة هو بمثابة منهج إسلامي لهذه الأمة، يحتوي على العبر والدروس التي تحتاجها الأمة، فلو نظرنا إلى كيفية خروج المسلمين من مكة ضعفاء، وقد تركوا كل شيء، لوجدناهم قد عادوا إليها في عزة وفخر، لأنهم ضحوا من أجل الله سبحانه وتعالى، وهذه المفارقة العظيمة توضح كيف خرج النبي من مكة مستخفياً، وعاد إليها خاشعاً له كل من كان في مكة.
وبيّن الدكتور حسن القصبي أن التضحية يجزئ الله عليها خيرًا، فلو نظرنا في صلح الحديبية؛ نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يريد أن يفتح مكة عنوة أو أن تراق دماء فيها، ورغم أن البنود التي عقدت في صلح الحديبية كانت ظاهرة ظلم للمسلمين وقد استاء منها بعض الصحابة، إلا أن جزاء ذلك جاء سريعًا بقوله تعالى: "فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا"، حيق جاء هذا الصلح بعد حروب أنهكت المسلمين، وعندما تم عقده، شعر المسلمون بالأمان، واستطاعوا خلال فترة الهدنة أن ينشروا الدعوة بحرية، لهذا كان الصلح ترتيبًا حكيمًا من النبي صلى الله عليه وسلم للدخول إلى مكة فاتحًا لا غازيًا، دون أن تراق دماء.
وذكر الدكتور حسن القصبي، كيف جسد النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، مجموعة من الأخلاق العظيمة، منها نصرة المظلوم؛ فنصر الله به قبيلة خزاعة عندما غدر بها في مكة، كما علمنا نبذ العهد مع الخائن والوفاء به مع الموفي، وهي أخلاق الفرسان الذين لا يغدرون ولا يقبلون الغدر، كما علمنا ألا ننسى سابق الأخلاق الكريمة عند الخلاف، وهو ما ظهر جليًا في موقف حاطب بن أبي بلتعة، الذي أخبر قريش بقدوم النبي، وعندما سأله النبي عن سبب فعله، قال: "أردت أن يكون لي يد عند قريش". فغفر النبي لحاطب ذلك من أجل سابق فعله وكونه من أهل بدر، وعلمنا أيضاً حظر الشعارات والهتافات غير الأخلاقية، ففي موقف سعد بن معاذ الذي قال: "اليوم يوم الملحمة"، صحح له النبي قائلاً: "بل اليوم يوم المرحمة"، وتجلى تواضع الفاتحين عندما وصف الصحابة النبي وهو يدخل مكة خافضاً رأسه من شدة التواضع، وتوج هذه الأخلاق بالعفو عند المقدرة، عندما قال لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
الدكتور نادي عبد الله: تطبيق السيرة النبوية في حياتنا ضرورةمن جانبه، أكد الدكتور نادي عبد الله، أننا في حاجة ملحة لتطبيق السيرة النبوية في حياتنا، وأن تعود الأمة إلى هذا التاريخ العامر الذي فيه الحل لمشكلات الأمة وكل قضاياها، فالإسلام متمثل في شخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد وجهنا الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك، فلو أردنا الهدي الصحيح فعلينا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"، ولو نظرنا في فتح مكة لأدركنا أنه حدث عظيم فيه من العبر والدروس الكبيرة، وهذا الفتح من النعم التي منَّ الله بها على سيدنا رسول الله، إذ دانت له قريش والعرب به، وكان هذا الفتح مطهراً لأعظم بقعة في الوجود، وارتفعت راية الإسلام في ذلك اليوم بعز من الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ".
وأشار الدكتور نادي عبد الله إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قابل نعمة الفتح العظيم بالاستجابة الربانية المثلى، وهي التواضع الجم والشكر المطلق والرجوع إلى الله واليقين به سبحانه وتعالى، متمثلاً ذلك في كثرة الاستغفار فور وقوع النصر، وقد كان وراء هذا الفتح جهد عظيم وتخطيط عميق؛ حيث رتب النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة ترتيبًا دقيقًا، مستعيناً بالسرية التامة في ذلك حتى لا تتفشى أخباره إلى العدو، مطبقاً بذلك أعلى درجات الحكمة العسكرية.
أستاذ بالأزهر: صلاح الآباء أول طريق حفظ الأبناء.. والتربية الصالحة ليست بجمع المال
هاتفياً.. شيخ الأزهر يعزّي رئيس مجلس إدارة المعارض والمتاحف الدولية للسيرة النبوية في وفاة والدته
وفي ختام كلمته، عقد الدكتور نادي عبد الله مقارنة تاريخية قائلا: "لو نظرنا إلى أخلاق المسلمين في فتح مكة مقارنة بما فعله أعداء الإسلام، كأحداث عام 472 هـ عندما دخلوا بيت المقدس وقتلوا سبعين ألفاً من النفوس البشرية، أو ما فعله التتار عندما دخلوا بغداد وقتلوا ثمانمائة ألف، لأدركنا أن المسلمين لا يعرفون البطش وسفك الدماء"، مشيرًا إلى أن فتح مكة لم يشهد إراقة دماء ولا قتلاً؛ فلم تقطع شجرة، وما قتلت نفس، وما هدم منزل، إنما كان فتحاً عنوانه الرحمة والتسامح، لأن الفتوحات الإسلامية قامت على إعمار الأرض لا إفسادها.
يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.