عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "فتح مكة الحديث والعبرة"، بحضور كل من د. حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، ود. نادي عبد الله محمد، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الدكتور فؤاد حسان، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

الدكتور حسن القصبي: دراسة السيرة النبوية هي في جوهرها دراسة للإسلام 

في مستهل الملتقى، أوضح الدكتور حسن القصبي أن دراسة السيرة النبوية هي في جوهرها دراسة للإسلام وتطبيق عملي لقواعده ومبادئه، وأن كل حدث من أحداث السيرة هو بمثابة منهج إسلامي لهذه الأمة، يحتوي على العبر والدروس التي تحتاجها الأمة، فلو نظرنا إلى كيفية خروج المسلمين من مكة ضعفاء، وقد تركوا كل شيء، لوجدناهم قد عادوا إليها في عزة وفخر، لأنهم ضحوا من أجل الله سبحانه وتعالى، وهذه المفارقة العظيمة توضح كيف خرج النبي من مكة مستخفياً، وعاد إليها خاشعاً له كل من كان في مكة.

وبيّن الدكتور حسن القصبي أن التضحية يجزئ الله عليها خيرًا، فلو نظرنا في صلح الحديبية؛ نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يريد أن يفتح مكة عنوة أو أن تراق دماء فيها، ورغم أن البنود التي عقدت في صلح الحديبية كانت ظاهرة ظلم للمسلمين وقد استاء منها بعض الصحابة، إلا أن جزاء ذلك جاء سريعًا بقوله تعالى: "فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا"، حيق جاء هذا الصلح بعد حروب أنهكت المسلمين، وعندما تم عقده، شعر المسلمون بالأمان، واستطاعوا خلال فترة الهدنة أن ينشروا الدعوة بحرية، لهذا كان الصلح ترتيبًا حكيمًا من النبي صلى الله عليه وسلم للدخول إلى مكة فاتحًا لا غازيًا، دون أن تراق دماء.

وذكر الدكتور حسن القصبي، كيف جسد النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، مجموعة من الأخلاق العظيمة، منها نصرة المظلوم؛ فنصر الله به قبيلة خزاعة عندما غدر بها في مكة، كما علمنا نبذ العهد مع الخائن والوفاء به مع الموفي، وهي أخلاق الفرسان الذين لا يغدرون ولا يقبلون الغدر، كما علمنا ألا ننسى سابق الأخلاق الكريمة عند الخلاف، وهو ما ظهر جليًا في موقف حاطب بن أبي بلتعة، الذي أخبر قريش بقدوم النبي، وعندما سأله النبي عن سبب فعله، قال: "أردت أن يكون لي يد عند قريش". فغفر النبي لحاطب ذلك من أجل سابق فعله وكونه من أهل بدر، وعلمنا أيضاً حظر الشعارات والهتافات غير الأخلاقية، ففي موقف سعد بن معاذ الذي قال: "اليوم يوم الملحمة"، صحح له النبي قائلاً: "بل اليوم يوم المرحمة"، وتجلى تواضع الفاتحين عندما وصف الصحابة النبي وهو يدخل مكة خافضاً رأسه من شدة التواضع، وتوج هذه الأخلاق بالعفو عند المقدرة، عندما قال لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

الدكتور نادي عبد الله: تطبيق السيرة النبوية في حياتنا ضرورة

من جانبه، أكد الدكتور نادي عبد الله، أننا في حاجة ملحة لتطبيق السيرة النبوية في حياتنا، وأن تعود الأمة إلى هذا التاريخ العامر الذي فيه الحل لمشكلات الأمة وكل قضاياها، فالإسلام متمثل في شخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد وجهنا الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك، فلو أردنا الهدي الصحيح فعلينا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"، ولو نظرنا في فتح مكة لأدركنا أنه حدث عظيم فيه من العبر والدروس الكبيرة، وهذا الفتح من النعم التي منَّ الله بها على سيدنا رسول الله، إذ دانت له قريش والعرب به، وكان هذا الفتح مطهراً لأعظم بقعة في الوجود، وارتفعت راية الإسلام في ذلك اليوم بعز من الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ".

وأشار الدكتور نادي عبد الله إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قابل نعمة الفتح العظيم بالاستجابة الربانية المثلى، وهي التواضع الجم والشكر المطلق والرجوع إلى الله واليقين به سبحانه وتعالى، متمثلاً ذلك في كثرة الاستغفار فور وقوع النصر، وقد كان وراء هذا الفتح جهد عظيم وتخطيط عميق؛ حيث رتب النبي صلى الله عليه وسلم لدخول مكة ترتيبًا دقيقًا، مستعيناً بالسرية التامة في ذلك حتى لا تتفشى أخباره إلى العدو، مطبقاً بذلك أعلى درجات الحكمة العسكرية.

أستاذ بالأزهر: صلاح الآباء أول طريق حفظ الأبناء.. والتربية الصالحة ليست بجمع المالهاتفياً.. شيخ الأزهر يعزّي رئيس مجلس إدارة المعارض والمتاحف الدولية للسيرة النبوية في وفاة والدته

وفي ختام كلمته، عقد الدكتور نادي عبد الله مقارنة تاريخية قائلا: "لو نظرنا إلى أخلاق المسلمين في فتح مكة مقارنة بما فعله أعداء الإسلام، كأحداث عام 472 هـ عندما دخلوا بيت المقدس وقتلوا سبعين ألفاً من النفوس البشرية، أو ما فعله التتار عندما دخلوا بغداد وقتلوا ثمانمائة ألف، لأدركنا أن المسلمين لا يعرفون البطش وسفك الدماء"،  مشيرًا إلى أن فتح مكة لم يشهد إراقة دماء ولا قتلاً؛ فلم تقطع شجرة، وما قتلت نفس، وما هدم منزل، إنما كان فتحاً عنوانه الرحمة والتسامح، لأن الفتوحات الإسلامية قامت على إعمار الأرض لا إفسادها.

يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.

طباعة شارك الجامع الأزهر الأزهر ملتقى السيرة النبوية ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر السيرة النبوية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأزهر ملتقى السيرة النبوية ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر السيرة النبوية النبی صلى الله علیه وسلم ملتقى السیرة النبویة سبحانه وتعالى فتح مکة

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر للطلاب الوافدين: كل علمٍ يوصل إلى معرفة الله وخشيته محمود في الإسلام

أكَّد فضيلة أ.د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن جامعة الأزهر تمد ذراعيها لأبنائها الوافدين، وتفتح لهم أبوابها لتستقبل جيلًا جديدًا من طلاب العلم الذين نهلوا من معين الأزهر الشريف وتربوا على رسالته الوسطية، داعيًا الله أن يبارك فيهم وفي علومهم، وأن يوفقهم ليكونوا حملة الأمانة ومشاعل النور التي يضيء بها الأزهر العالم كله.

وأعرب رئيس جامعة الأزهر، خلال حفل تكريم الطلاب الوافدين المتفوقين بمراحل التعليم قبل الجامعي بالأزهر، عن سعادته الكبيرة بلقاء طلاب العلم، مشيرًا إلى أن من يضع قدميه على طريق العلم فقد اختار بابًا شريفًا وغاية سامية، لأن العلم هو الرسالة السامية التي بها تُبنى الأمم وتُصان الأمانات، مؤكدًا أن قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يعبِّر عن شرف العلم ومكانته في الإسلام دون أن يحدّه بنوع أو مجال، لأن كل علمٍ يوصل إلى معرفة الله وخشيته هو علمٌ محمود في الإسلام، سواء أكان في علوم الدين أو كان في علوم الكون والطبيعة.

مستشارة شيخ الأزهر في حفل تكريم الوافدين: العلم عبادة ومسيرة لا تنتهيرئيس قطاع المعاهد للطلاب الوافدين: أنتم سفراء الأزهر في نشر سماحة الإسلام

وأضاف أن القرآن الكريم أشار إلى شمول المعرفة وتنوع مجالاتها، فقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾، إشارة إلى علماء النبات، وقوله: ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾، إشارة إلى علماء الجيولوجيا، وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾، إشارة إلى علماء الحيوان والإنسان، ثم ختمها بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، ليؤكد أن العلم طريق إلى الخشية، وأن الخشية ثمرة العلم.

واختتم رئيس الجامعة كلمته بالدعاء للطلاب بالتوفيق والسداد، وأن يجعل الله قابل أيامهم خيرًا من ماضيها، وأن يوفقهم ليكونوا نماذج مضيئة تمثل الأزهر الشريف في أوطانهم، وتنشر رسالته القائمة على العلم والوسطية والرحمة والسلام.

وشهد مركز الأزهر للمؤتمرات اليوم احتفالية كبرى لتكريم الطلاب الوافدين المتفوقين في مراحل التعليم قبل الجامعي، بحضور عدد من علماء الأزهر الشريف وقياداته، وتضمنت فقرات قرآنية وإنشادية وكلمات بعدة لغات عبّر فيها الطلاب عن تقديرهم للأزهر الشريف ودوره في رعايتهم علميًّا وتربويًّا، واختُتمت بتوزيع شهادات التقدير على المكرَّمين تقديرًا لتفوقهم، مع خالص الدعوات لهم بدوام النجاح والتميز.

طباعة شارك جامعة الأزهر رئيس جامعة الأزهر مركز الأزهر للمؤتمرات الطلاب الوافدين سلامة داود

مقالات مشابهة

  • الجامع الأزهر يعقد ملتقى القراءات للختمة المرتلة برواية الإمام قالون عن الإمام نافع.. اليوم
  • دعاء الوسيلة وفضله بعد إقامة الصلاة.. يوجب لك شفاعة النبي يوم القيامة
  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة يناقش نظرة الإسلام إلى الآثار والحضارات القديمة
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يناقش: "فتح مكة.. الحدث والعبرة" غداً
  • تعرف على إكرام الإسلام للمرأة وحفظ حقوقها
  • هل تعلم محبة النبي في الكتاب والسنة؟
  • ملتقى الأزهر اليوم يناقش مفهوم السلام في الإسلام
  • سعد الدين الهلالي: النبي الذي نزل عليه الوحي منع هدم الآثار
  • رئيس جامعة الأزهر للطلاب الوافدين: كل علمٍ يوصل إلى معرفة الله وخشيته محمود في الإسلام