قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن ربُّنا عز وجل  نهانا عن السخرية بالمؤمنين؛ في ذواتهم، وفي أفعالهم، وفي أفكارهم، وفي آرائهم.

وتابع: ونهانا ربُّنا أن يسخر الرجالُ من الناس – من الرجال أو النساء – والنساءُ من الناس – من النساء أو الرجال – ونبَّهنا ربُّنا سبحانه وتعالى إلى ذلك، وأمرنا بالتوبة إن وقعنا فيها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي ذرٍّ رضي الله تعالى عنه: «إنك امرؤٌ فيك جاهلية» عندما سخِر من بلالٍ رضي الله تعالى عنهما.

وأشار إلى أن الإنسان يقع في ذلك على سبيل العَرَض، وقد يتمكَّن فيه ذلك فيكون مرضًا. وسواء أكان على سبيل العرض أو على سبيل المرض، فإنه يجب عليه أن يُبادر بالتوبة، وأن يستغفر ربَّه، وأن يتأسف لمن سخِر منه.

ونوه ان  الله – في شأن أولئك – أن نتركهم جانبًا، وأن نستمر في طريقنا، وأن يكون هدفنا هو الله، وأن يكون الله هو مقصودنا، وأن يكون الله سبحانه وتعالى هو غايتنا. “الله مقصودي، ورضاه مطلوبي”

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خطابٌ للمؤمنين، خطابٌ لمن صدَّق بالله ورسوله، ولكنه غفل عن نفسه فسخر من أخيه؛ فحينئذٍ يجب عليه أن يُبادر بالتوبة، فإن لم يفعل فقد ارتضى لنفسه أن يكون في دائرة الظالمين، والظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة.

وربُّنا سبحانه وتعالى يتكلَّم عن هؤلاء الأفراد الذين يسخرون من المؤمنين حتى في مجتمعات الإسلام، فيقول:

﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ۝ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ۝ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ۝ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ۝ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ۝ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ۝ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ۝ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المطففين: 29–36).

وفي قصة نوحٍ يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ (هود: 38).

يعني: فيه ردٌّ للعدوان، ورفعٌ للطغيان، ومحاولةٌ للإسكات، لكنه ليس من شأن المؤمن أن يبدأ بالسخرية، وأن يفعلها.

إذن هناك سخرية من الملأ:

﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ۝ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ (هود: 38–39).

ردَّ عليهم نوحٌ عليه السلام، لكن بأدبٍ راقٍ، لا يقصد السخرية منهم في نفسه، وإنما يقصد أن ينصر قضية الله سبحانه وتعالى.

إذن فهذا ديدنُهم من قديم؛ لم يكن في عصر نوحٍ فقط، ولا في عصر النبي ﷺ فقط، ولا الآن فقط.

وهو عنوان: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾.

وهو عنوان الضحك والسخرية والاستهزاء.

فالسخرية ليست من خُلُق المؤمن.

فماذا نفعل؟

وقد فعل المرسلون من قبل في التعامل مع أولئك: "المقاطعة".

إذا عرفت من أحدهم هذا، وعرفت أنه تحوَّل من عَرَضٍ إلى مرض – إن كان مؤمنًا – أو من حدِّ المودَّة إلى حدِّ الإجرام إن كان غير مؤمن، أو من حدِّ المفاصلة والعدوان إن كان من الملأ – فعليك أن تُقاطعه.

لا تقرأ له، ولا تسمع لكلامه؛ لأن كلامه من اللغو.

وسِرْ في طريقك.

علاج الاستهزاء والسخرية

وأوضح ان علاج آفة الاستهزاء والسخرية هو المعرفة والتحقّق بأن الاستهزاء – وإن كان مقصودُك منه إخزاءَ غيرك عند الناس – فأنت بذلك تُخزي نفسك عند الله.

فلو تفكرت في حسرتك، وجنايتك، وخجلك، وخزيك يوم القيامة، لكان هذا دافعًا لضبط سلوكك، ولعدم الإتيان بمثل هذا؛ ولذلك قالوا: إن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يتحكم في سلوك الإنسان في الدنيا.

وكما قيل: معظم النار من مستصغر الشرر.

طباعة شارك السخرية الاسنهزاء التنمر المستهزئ علي جمعة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: السخرية التنمر علي جمعة سبحانه وتعالى س خ ر وا م ن أن یکون إن کان

إقرأ أيضاً:

هل الحب حرام؟.. علي جمعة يوضح

الحب.. قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن الحب معنًى نبيلٌ جاء به الإسلام ودعا إليه، ومن سمات المسلم أنه محبٌّ لكل خلق الله، يرى الجمال أينما كان، ويعمل على نشر الحب حيثما حلَّ، إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا المعنى السامي الرفيع وبين ما قد يجري بين الجنسين من علاقة محرمة بدعوى الحب؛ فقد جعل اللهُ الزواجَ هو باب الحلال في العلاقة والحب بين الجنسين.

هل الحب حرام؟

قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: 165]، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلِّي».

وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواهما مسلم.

الحب في الإسلام 
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» رواه الترمذي.

مشروعية الحب
وقال: حديث حسن صحيح، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» رواه مالك في "الموطأ" بسند صحيح.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي» رواه الترمذي وصححه الحاكم.

الحب
وأوضح جمعة أن المسلم محب لكل خلق الله تعالى، يرى الجمال أينما كان، ويعمل على نشر الحب حيثما حلَّ، فهو رحمة للناس يحسن إليهم ويرفق بهم ويتمنى الخير لهم، متأسِّيًا في ذلك بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي وصفه ربه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وَعَظَّمَهُ بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

فليس الحب حرامًا في أي حال من الأحوال، إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا المعنى السامي الرفيع وبين ما يجري بين الجنسين من العلاقة المحرمة والانقياد لداعي الشهوة واللهاث وراء لذة الجسد في الحرام بدعوى الحب؛ فإن في ذلك ظلمًا لهذا المعنى الشريف الذي قامت عليه السماوات والأرض: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11].

الحب والزواج

وقد جعل الله تعالى الزواج هو باب الحلال في العلاقة والحب بين الجنسين، فمن ابتُلي بشيء من ذلك فليكتمه إن لم يستطع الزواج بمن يحب؛ لما ورد في الحديث: «مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» أخرجه الخطيب البغدادي وغيره وقوَّاه الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري في رسالة مفردة أسماها "درء الضعف عن حديث من عشق فعف".

مقالات مشابهة

  • ماذا تفعل حتى لا يصيبك هم ولا كرب؟.. علي جمعة يوصي بـ10 أذكار
  • حكم الغش ونسبة الأعمال الكتابية إلى غير كاتبيها
  • دماثة الخلق في المعاملات الإنسانية
  • من هدي القرآن الكريم: ثق بمن هو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير
  • ما هى أنواع شفاعات الرسولﷺ يوم القيامة؟.. أحمد الطلحي يُجيب
  • الإفتاء: أباح الله تعالى الكسبَ المبنيَّ على الرضا لَا على الغش
  • هل الحب حرام؟.. علي جمعة يوضح
  • دعاء الوسيلة وفضله بعد إقامة الصلاة.. يوجب لك شفاعة النبي يوم القيامة
  • علي جمعة: دخول الجنة لا يكون بلا ابتلاءٍ واختبارٍ وصبرٍ وجهاد