لجريدة عمان:
2025-11-23@09:37:50 GMT

«دفتر مذيع»: شهادة على الإعلام العُماني

تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT

في بدايات صيف عام 1982، سمع شاب عُماني لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره في الإذاعة عن وظائف في وزارة الإعلام، فتقدم لها بعد أخذ إذن أبيه، الذي اشترط ألا تعيقه عن إكمال دراسته. ولكي يستعد لامتحانات القبول لجأ إلى استشارة مثله الأعلى في تلك المرحلة، المذيع المعروف إبراهيم اليحمدي، الذي منحه ما يشبه «مفاتيح الاختبار»، فدخله واثقًا، وأجاب عن الأسئلة بحضورٍ أثار إعجاب لجنة القبول.

ولم تمض فترة قصيرة على هذه المقابلة حتى قُبِل الفتى موظفًا رسميًا في دائرة الأخبار والشؤون السياسية بالإذاعة العُمانية، في الأول من يونيو 1982، ليبدأ المشوارُ الإعلامي لمن سيُصبح بعد ذلك أحد أبرز إعلاميي إذاعة وتلفزيون سلطنة عُمان: محمد المرجبي.

سرد المرجبي هذه الحكاية بتفاصيلها في كتاب سيرته الذاتية «دفتر مذيع» الصادر حديثًا بنشر خاص من المؤلف وغلاف جميل صممّه الفنان يوسف البادي. في هذا الكتاب يقدّم المرجبي شهادة حيّة عمّا يزيد عن أربعة عقود قضاها في الإذاعة والتلفزيون، تمتدّ من بدايات النهضة العُمانية الحديثة وصولًا إلى ما نشهده اليوم من تطورات إعلامية كبيرة. يُخبرنا في المقدمة أنه لم يخض هذا الطريق صدفة، وإنما قاده إليه شغفه المبكر، متدرجًا فيه من وظيفة مندوب أخبار عام 1982، إلى مذيع في الإذاعة عام 1983، قبل أن يصبح بعد عشر سنوات مذيعًا في التلفزيون أيضا، رافضًا طوال مشواره الإعلامي المناصب الإدارية ومفضِّلًا أن يظلّ مذيعًا يجري حوارات مع الناس، وتغطيات ميدانية، وبرامج منوعة في الإذاعة والتلفزيون، بعضها لقي صدى كبيرًا من المشاهدين والمستمعين، مثل «الوجود العُماني في شرق إفريقيا»، و«من السواحل»، و«لقاء الظهيرة» في التلفزيون، و«سهرة من عربة النقل» و«بلدي عُمان» و«الروزنامة العُمانية» في الإذاعة.

يفتتح المرجبي الكتاب بفصل عن طفولته في ولاية المضيبي أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات؛ التي كانت كما غيرها من مدن عُمان بلا كهرباء ولا شوارع معبّدة، ولا إذاعة ولا تلفزيون، إلا عند قلّة من «النخبة» التي تمتلك مذياعًا كبيرًا. ولذا فإن والده يقرر «بعد تجارب هجرة سابقة إلى إفريقيا والسعودية» أن يهاجر بالأسرة إلى مطرح، التي يخصّها المرجبي بأحد أطول فصول الكتاب، يتحدث فيه عن طفولته فيها، واصفًا سوقها، والحضور القديم للتجّار البانيان، وأصحاب المهن القديمة كالشمّار والصفّار والعطّار، دون أن ينسى التعريج على حكاية والده الذي هاجر إلى تنجانيقا، وتعلّم مهنة يدوية على يد سوداني وكتب العربية بحروف لاتينية بسبب ضعف بصره، ثم عاد إلى مطرح تاجرًا صغيرًا، يتابع إذاعة BBC وبعض الإذاعات العربية، ثم الإذاعة العمانية بعد 1970، ويعوّض حرمانه من التعليم بالحرص الشديد على تعليم أبنائه. كما يروي المؤلف بعض ذكرياته في مدرسة حسّان بن ثابت في روي وهو طفل، ومنها مشاركته في مسيرة يوم 11 ديسمبر 1975 احتفالًا بنهاية حرب ظفار؛ ومشاهدته للسلطان قابوس وهو يلقي خطاب النصر في ذلك اليوم الذي سيتحول إلى «عيد النصر»، ثم إلى «يوم القوات المسلحة». كما يتذكر أول دراجة هوائية اشتراها له والده بعد نجاحه، وشعوره من شدة الفرح بأنه امتلك «سيارة فارهة».

يختار محمد المرجبي محطات مفصلية في مسيرته لسردها في هذا الكتاب، كما هي الحال في رحلته الأولى إلى القاهرة عام 1982 ضمن مجموعة من نحو عشرين مذيعًا وموظفًا مبتدئًا ابتعثتهم وزارة الإعلام لدورة تدريبية في معهد الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو. كانت تلك الرحلة «السفرة الأولى» له بطائرة، وبداية التكوين الحقيقي لشخصيته الإذاعية. وقد تلقى وزملاؤه تدريبًا نظريًا وعمليًا في اللغة العربية وفنون الإلقاء والإعلام على أيدي خبراء مصريين، ما شكّل حجر الأساس لمسيرتهم المهنية. كما يروي في فصل آخر حكاية رحلة عربية كُلِّفَ بها مع زميليه المذيع عمر صعر والمخرج سالم الإسماعيلي لإعداد برنامج إذاعي بعنوان «رحلة في الوطن العربي»، يقوم على تسجيل سهرات وحوارات مع شخصيات فنية وثقافية في عدة دول عربية، مستعيدًا لقاءه المؤثر مع الملحن الراحل محمد سلطان في القاهرة، الذي لم يتمالك دموعه وهو يؤدي آخر لحنٍ لزوجته فايزة أحمد، وموقفًا طريفًا ومُحرِجًا في دمشق أثناء تسجيل حلقة مع الفنانة سلمى المصري، حين تبيّن له أثناء الحوار أن زوجها هو المخرج شكيب غنام، بينما كان قد اعتمد على معلومة خاطئة من مرافق سوري ظن أن زوجها ضابط جمارك!، ويستذكر تسجيله في تونس حوارًا مع الفنان أحمد حمزة صاحب أغنية «جاري يا حمودة»، ومع الفنانة عُليّا التونسية، دون أن يعرف أن ذلك الحوار هو الأخير لها، فقد بلغه خبر وفاتها بعد ثلاثة أيام فقط من مغادرته تونس.

ومن فصول الكتاب الممتعة الفصل الذي سرد فيه المرجبي حكاية لقائه الوحيد بالسلطان قابوس رحمه الله. وتبدأ الحكاية بتلقّيه، خلال وجوده في تايلند لعلاج ابنته، رسالة عاجلة من الديوان تطلب حضوره إلى مسقط خلال أيام. وبعد عودته القلِقة والمتسائلة، اكتشف عند وصوله إلى مسقط أنه واحد من نحو عشرين إعلاميًا استُدعوا بشكل شخصي، دون معرفة مسبقة بسبب هذه الدعوة، ليتفاجؤوا بعد ذلك بأنه لقاء في صحار مع السلطان قابوس جرى يوم الأحد 2 يونيو 2019، أي قبل رحيل جلالته بستة أشهر فقط.

عدا أنه سيرة مهنية يمكن اعتبار «دفتر مذيع» وثيقة لمرحلة تأسيسية في الإعلام العُماني، يرصد فيه المرجبي من خلال التفاصيل اليومية، والمواقف العفوية، والحوارات العابرة ملامح مجتمع عُماني ينتقل من بساطة السبعينيات إلى اتساع أفق الدولة الحديثة. تتجاوز قيمة الكتاب حدود التوثيق الشخصي، ليغدو مرآةً لتحوّلات الإعلام العُماني، كاشفةً - أي المرآة - أن الإعلامي شاهدٌ على عصره أكثر مما هو صانع له، وأن سرد تجربته هو في جوهره مشاركة في كتابة ذاكرة جماعية يحتاج إليها الجيل الجديد لفهم الطريق الذي سار عليه روّاد المهنة.

سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الإذاعة الع مانی مذیع ا ع مانی

إقرأ أيضاً:

مسير وطني احتفاءً باليوم الوطني العُماني في مسندم

 

 

مسندم – الرؤية

نظّم مجموعة من هواة رياضة المشي بمحافظة مسندم مسيراً وطنياً انطلق من المنفذ الحدودي المنذ–الدارة وصولًا إلى المجمع الرياضي بولاية خصب، احتفاءً بالعيد الوطني العُماني المجيد.

وجاء المسير تحت شعار «مسيرنا ولاء… وخُطانا انتماء» بمشاركة شباب من مختلف ولايات السلطنة، في فعالية هدفت إلى تعزيز روح الانتماء الوطني وإبراز المقومات الطبيعية والسياحية التي تزخر بها محافظة مسندم.

واختُتمت الفعالية بتكريم المشاركين وسط أجواء وطنية مفعمة بالفخر والاعتزاز، بدعم وتنظيم ومشاركة الدكتور ماجد بن علي السعيدي الرئيس التنفيذي لمركز السلامة الطبي العالمي.

مقالات مشابهة

  • مسير وطني احتفاءً باليوم الوطني العُماني في مسندم
  • دولة التلاوة تُكرم قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت
  • «دولة التلاوة» تكرم هرم من أهرامات التلاوة.. الشيخ محمد رفعت
  • واشنطن تفتح تحقيقا بحق بي بي سي ووسيلتين إعلاميتين أميركيتين
  • العجارمة ينتصر للمعلمين ردّا على مذيع قلّد صوت معلمة كما “النباح” / شاهد
  • وفد جامعة بني سويف يشارك في احتفالية اليوم الوطني العُماني
  • هيئة الكتاب تصدر ديوان مرآتان لوجه واحد للشاعر عدنان الصائغ
  • خطوات إصدار شهادة خبرة عبر منصة قوى
  • انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب بشعار عاصمة الثقافة.. وطن الكتاب