أسبوع على فقد والدي.. القلب ما زال يئن
تاريخ النشر: 27th, November 2025 GMT
في ذلك اليوم الذي وصلني فيه نبأ وفاة والدي الحبيب، شعرت وكأن الزمن توقف، عن الدوران لحظة سماع الخبر، وكأن الصوت خفت حولي، وأحسست بثقل لم أعرفه من قبل، ثقل الفقدان الذي لا يعوضه شيء، وكأن الدنيا بأسرها أظلمت حولي، كان الحزن يخيم على نفسيتي، والدموع لا تتوقف عن الانهمار، وقلبي يعتصر ألما على فقدان أعظم إنسان عرفته في حياتي.
شعرت بفراغ هائل في عالمي، فراغ لم أعرفه من قبل، كأن جزءا من روحي قد غادر إلى الأبد، كنت أريد الصراخ، البكاء، الحنين، كل شيء، لكن الكلمات لم تكف لتعبر عن حجم ما بداخلي.
كل ذكرى وكل لحظة قضيتها معه تعود إلي كالسيل الجارف، وكل نصيحة وكل لمسة حب من والدي الحبيب، رحمه الله، تتأجج في قلبي أكثر من أي وقت مضى، في تلك اللحظات، أدركت كم كان وجوده في حياتي كنزا لا يعوض، وكم سيكون فقده صعبا على نفسي وروحي.
تلقيت نبأ وفاة والدي الحبيب، في يوم 23 يناير 2023، ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد أب، بل كان رمزا للعطاء الوطني والقيم التربوية النبيلة، فقلبي يعتصر ألما وحزنا على الرجل الذي لم يكن مجرد أب، بل كان رمزا للعطاء والإخلاص، حاملا شعلة التعليم وراعيا للقيم الوطنية والتربوية النبيلة.
لم أفقد والدي فقط، بل فقدت عمودا من أعمدة التربية والتعليم في أسيوط، الرجل الذي لم يكن ينقل المعرفة فحسب، بل يشكل عقول وقلوب الأجيال، ويرسم لهم طريق النجاح بحب وإيمان برسالة التعليم.
شعرت وكأن العالم توقف عن الدوران لحظة سماع الخبر، وكأن الصوت خفت حولي، وأحسست بثقل لم أعرفه من قبل، ثقل الفقدان الذي لا يعوضه شيء، كان والدي، رحمه الله، بالنسبة لي أكثر من أب.
كان رمزا للعطاء والإخلاص، وعمودا في حياتنا وفي مجتمعنا، رجلا يزرع الحب والمعرفة في كل مكان يلمسه، من صغري وأنا أشعر بالأمان والحب تحت جناحه، وأشاهد الناس جميعا يقدرونه ويحترمونه، لم يكن غياب أي شخص عن حياتي سيترك أثرا كهذا، ولكن لم أكن أتخيل أن يوما سيأتي ويترك الفقد ثقله على قلبي بهذا الشكل.
كان والدي، رحمه الله، يؤمن أن التعليم رسالة مقدسة وأن كل طالب وكل معلم يستحقون الأفضل، ترعرع على يديه أجيال من رجالات الدولة، كل منهم يحمل جزءا من رؤيته ونصائحه الثاقبة، وقد ترك بصمة لا تمحى على كل من تعامل معه.
ومن خلال مسيرته، بدأ كمدرس للتربية الفنية، ثم انتقل عبر مدارس أسيوط المختلفة، مؤمنا أن كل بيئة تعليمية هي مشروع حياة، يعمل على جعله مليئا بالتحفيز والإبداع، لم يكن منصبه هدفا في حد ذاته، بل وسيلة لخدمة الطلاب وبناء مستقبل الوطن.
تدرج في المناصب حتى وصل إلى رئيس قطاع أسيوط بحري التعليمي، وكان قائدا ملهما، يحافظ على أخلاقه العالية ويعامل الجميع بعدل واحترام، ويستقبل الناس بحب، ويحرص على أن يتخرج كل طالب بثقة وقدرة على مواجهة الحياة.
شهدت مسيرته تحديات كثيرة، لكنه لم يتوقف يوما عن تطوير التعليم، وتحسين المناهج، وتوفير بيئة تعليمية مثالية، مجسدا رسالة واضحة: أن التعليم هو السلاح الأقوى لبناء مجتمع متقدم.
كانت مساهماته أكثر من مجرد إنجازات مكتوبة على الورق، بل تغييرات جذرية في عقول وقلوب الطلاب والمعلمين، وزرع قيم الحب والاحترام والاجتهاد، وجعل كل طفل يشعر بحقه في التعلم.
لقد علمنا منذ صغرنا أن التعليم ليس مجرد وظيفة، بل التزام ورسالة سامية يجب حملها بحب وإخلاص، واليوم، بعد مرور أسبوع على رحيله، لا يسعني إلا أن أناشد المسؤولين تكريمه، بأن يطلقوا اسمه على أحد المعالم التعليمية البارزة في أسيوط، ليظل اسمه حاضرا بين الأجيال، بين السقف الذي عمل فيه بإخلاص، وبين قلوب كل من تعلم على يديه.
نشأ والدي في بيت عريق بأسيوط، بيت عائلة جادالله التي عرفت بالنفوذ والاحترام، ونشأ على القيم الإنسانية والتربوية التي شكلت شخصيته وعقليته.
منذ صغره أظهر شغفا بالتعليم والفن، واستمر في رحلته الدراسية ليبدأ مشواره كمعلم للتربية الفنية، مؤمنا أن الفن والمعرفة أداة لتنشئة أجيال مبدعة.
ومن هنا بدأ صعوده الإداري، من ناظر للمدارس إلى موجة للتربية الفنية في إدارات متعددة، ثم رئيسا للقطاعات التعليمية الكبرى، تاركا أثرا عميقا في كل مدرسة وكل طالب وكل معلم.
كان محبوبا من الجميع، ليس فقط لكفاءته، بل لأخلاقه العالية وقدرته على التأثير الإيجابي في من حوله، ليصبح مرشدا وأبا للجميع، يمنح النصائح الحكيمة في التعليم والحياة، ويصنع علاقات إنسانية قوية تجعل كل طالب وزميل يشعر بقيمته واحترامه.
تكريمه لم يكن مجرد رسم اسم على ورقة، بل حقيقة ملموسة حين أطلق اسمه على أحد أكبر شوارع أسيوط عام 1984، شهادة على المحبة والتقدير الذي حظي به في حياته، وعلى الإرث الكبير الذي تركه في مجال التربية والفن.
رغم التحديات الصحية التي واجهها في أيامه الأخيرة، بقي قويا، يكافح المرض حتى آخر لحظة، ليترك وراءه ذكريات وإرثا لا يزول، رحيله لم يكن مجرد خسارة شخصية لنا، بل فقدانا كبيرا للمجتمع التعليمي في أسيوط، فقد فقد الوطن شخصية عظيمة أفنت حياتها لخدمة التعليم، وألهمت أجيالا كاملة.
رحل عبداللطيف يوسف، لكنه لم يمت حقا، لأنه لم يكن مجرد إنسان، بل مدرسة في الأخلاق والإدارة والفكر التربوي، وقامة وطنية ستظل مصدر إلهام لكل من يريد أن يسير على درب العلم والتفاني في خدمة وطنه.
سيبقى اسمه حاضرا في القلوب، محفورا على جدران المدارس، وفي شارع باسمه، رمزا للوفاء والعمل الجاد، شاهدا على حياة عاشها في خدمة العلم والمعرفة، وحلمها الأكبر أن يرى كل طفل في أسيوط يتعلم في بيئة أفضل ويصبح قائدا للمستقبل.
رحم الله والدي، وطيب ثراه، فقد ترك إرثا خالدا في تاريخ التعليم وأسهم في بناء أجيال مصرية متفانية ومبدعة، تظل ذكراه ودفء عطائه راسخة في وجدان كل من عرفه وعمل معه.
ورغم مرور الأيام، لا يخف شعور الفقد داخل قلبي، ولا يزول الألم الذي تركه رحيله، أحيانا أشعر وكأن صوته لا زال يهمس في أذني، وكأن خطواته لم تغادر البيت بعد، كل زاوية وكل ذكرى معه تحمل عبق حياته وعطائه، وغيابه ترك فراغا لا يمكن ملؤه.
ومع ذلك، يبقى اسمه خالدا في قلبي وقلوب كل من عرفه، وإرثه في التعليم وفي القيم الإنسانية سيظل منارة تهدي الأجيال القادمة، فقدان والدي علمني معنى الحب والاحترام والتفاني في خدمة الآخرين، وسأحمل ذكراه حية في داخلي دائما، كدرس حي في الإخلاص والعطاء، وكشعلة لا تنطفئ في دروب الحياة.
رحم الله والدي، وطيب ثراه، فقد كان بحق نموذجا للأب والمعلم والمواطن الصالح، واسمه سيظل محفورا في ذاكرة كل من عرفه وأحبه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وفاة الأب التعليم الحزن العاطفي أسيوط لم یکن مجرد فی أسیوط کل طالب
إقرأ أيضاً:
شريف سليمان يكتب: زهوة الانتخابات الغائبة
شهدت الساحة السياسية في السنوات الأخيرة حالة غير مسبوقة من الفتور الشعبي تجاه العملية الانتخابية، حتى باتت الانتخابات، التي كانت في الماضي ساحة حماس وتنافس وتفاعل شعبي واسع، أصبحت اليوم مناسبة باهتة لا تحظى بزخم أو اهتمام جماهيري حقيقي. هذا الغياب الملحوظ لما يمكن تسميته بـ “زهوة الانتخابات” لم يعد مجرد ملاحظة عابرة، بل أصبح ظاهرة سياسية لها انعكاسات مباشرة على صورة البرلمان القادم ودرجة شرعيته في الشارع.
ففي فترات سابقة، كانت الحملات الانتخابية تملأ الشوارع باللافتات والحوارات والمناظرات والنقاشات العامة، وكان المواطن يتابع ويحلل ويشارك، سواء بالتأييد أو المعارضة. أما اليوم، فقد تراجع الشعور العام بأن الانتخابات تمثل لحظة ديمقراطية كبرى أو أنها نقطة تحول قادرة على تغيير المشهد العام. غاب الحماس، وتراجع الاهتمام، وبدت المشاركة بالنسبة لقطاع واسع من المواطنين مجرد إجراء روتيني لا يشكل فارقًا في النتائج أو السياسات المتوقعة بعد تشكيل البرلمان.
هذا الفتور الشعبي لا يمكن فصله عن عوامل عدة؛ القوانين الانتخابية، ضعف المنافسة الحقيقية بين المرشحين، تراجع دور الأحزاب السياسية كمؤسسات فاعلة، إضافة إلى شعور بعض المواطنين بأن العملية السياسية لم تعد تستوعب أصواتهم أو تعبر عن إرادتهم بالشكل الكافي. ومع غياب المنافسة الحقيقية وتراجع الحوار السياسي البنّاء، تحولت الانتخابات إلى مشهد شكلي أكثر منه حدثًا جماهيريًا يعكس نبض المجتمع.
هذا الواقع يطرح سؤالًا محوريًا: كيف سينعكس ذلك على صورة البرلمان الجديد؟
من المؤكد أن البرلمان القادم، رغم شرعيته الدستورية والقانونية، سيواجه أزمة شعبية، وهو نوع من الشرعية لا يمكن اكتسابه من النصوص وحدها، بل من الرضا العام والثقة وتفاعل الناس وقناعتهم بأن ممثليهم وصلوا إلى مقاعدهم عبر منافسة عادلة ومشاركة واسعة.
فالشرعية في النظم السياسية الحديثة ليست مجرد ورقة نتائج تصدر من لجنة الانتخابات، بل حالة نفسية وسياسية لدى الجماهير تشعر خلالها أن أصواتها كان لها ثقل وتأثير، وأن البرلمان الذي يمثلها قادر على مساءلة الحكومة والمشاركة في صنع السياسات العامة. وإذا شعر المواطنون أن الانتخابات لم تكن ذات جدوى، فإن البرلمان يصبح منقوص الظهر السياسي، ويصعب عليه أن يملأ الفراغ الشعبي أو يعيد الثقة في مؤسسات الدولة دون تغيير جذري في أسلوب إدارة الحياة السياسية.
ومع ذلك، يبقى أمام البرلمان القادم فرصة لاستعادة جزء من هذه الشرعية الغائبة. فمهما كانت طريقة الوصول إلى المقاعد، فإن الأداء اللاحق هو الفيصل. إذا تحولت قاعة البرلمان إلى مساحة نقاش حقيقي، وصوت قوي للشارع، ورقابة فاعلة وسياسات ملموسة تخدم الناس، فقد يبدأ المشهد بالتغير تدريجيًا. أما إذا التزمت المؤسسة بذات النهج التقليدي الذي يبتعد عن هموم المواطن اليومية، فستترسخ الفجوة أكثر، وتستمر الأزمة بين الشارع ومؤسسات الحكم.
في النهاية، لا يمكن إنكار أن “زهوة الانتخابات” التي كانت علامة حيوية على تفاعل المجتمع السياسي قد غابت، وأن البرلمان الجديد يبدأ مسيرته وسط إدراك واسع بوجود أزمة ثقة تحتاج إلى جهد حقيقي لمعالجتها. فالشرعية الشعبية تُكتسب من الناس، وتُحافَظ عليها بالسياسات، وتُخسر بالإهمال والابتعاد عن أصوات الجماهير.