السياسة والرياضة: التجربة السعودية
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
العين لا تخطئ تعاظم دور المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية، وقدرتها على اختبار أطراف المعادلة الدولية من أطراف السجادة أو مساحات القدرة الناعمة للدولة.
السعودية تختبر طرقاً مختلفة لتوسيع مجال نفوذها وقدرتها لتكون لاعباً دولياً
من آخر خيوط سجادة نسيج النظام الدولي، تختبر المملكة يوماً قدرتها على إيجاد مكانة أكبر لها، رغم أن هذه الخطوات تجد ردات فعل مضادة، ولكنها تستمر في المحاولة، وفي كثير من الأحيان تنجح في رسم صورتها الجديدة.
النظام الدولي ليس نظاماً واحداً ذا وجه واحد، وإنما هو نظام متعدد الوجوه.. هو شيء أشبه بالمكونات الجينية للإنسان التي تنعكس على السطح في ملامح الوجه ولون البشرة ولون الشعر وطبيعته، ناعماً كان أم أجعد.. بمعنى أن قوة الدولة ثلاثية الأبعاد -من قوتها الخشنة المتمثلة في القوة العسكرية للدولة، والقوة الناعمة المتمثلة في الثقافة والدبلوماسية، وكذلك القوة الذكية المتمثلة في خليط من الاقتصاد والثقافة والسياسة- هي التي تحدد موقعها في النظام الدولي.
في حالات السلم يكون التنافس بين الدول من حيث المكانة محصور في ثنائيات الاقتصاد والثقافة، والترويج للدولة من خلالهما.. وثقافة الدولة لا تعني فقط المكتوب والمرئي، ولكن تعني الثقافة بمعناها الواسع، من الترفيه، إلى المطبخ الوطني، وقدرتهما على جذب الآخرين إلى مجال الدولة الذي تتحرك فيه أو تريد توسيعه.
والمملكة -ولا يكن عندك شك- تختبر كل يوم طرقاً مختلفة لتوسيع مجال نفوذها وقدرتها على أن تكون لاعباً دولياً وليس مجرد لاعب فقط، وإنما لاعب بقدرات نيمار وكريستيانو، وليس لاعباً إقليمياً وحسب، وذلك باستعارة رياضية تناسب موضوع هذا المقال.
منذ بداية مجموعة العشرين الاقتصادية، وبعدها تجمع الدول المصدرة للنفط فيما يعرف بـ "أوبك بلس" أو "أوبك" مضافة إليها روسيا، والمملكة تختبر النظام الدولي، ليس بدفع غشيم يؤدي إلى الصدام، وإنما بنعومة دبلوماسية توصل رسائلها إلى الأطراف المقصودة، أن هناك لاعباً دولياً جديداً وطموحاً يريد أن يؤكد على مكانته في وسط سجادة النسيج الدولي، لا على أطراف خيوطها.
ويكون من الظلم أن نقول إن المملكة لم تحاول من قبل، فالمقاطعة البترولية في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز لتعزيز الموقف العربي في حرب 1973 كانت لافتة، ولكن المكانة الدولية في عهد الملك سلمان، وبذكاء تنفيذي لولي العهد محمد بن سلمان، استطاعت أن تضفر كل قدرات المملكة، ليس النفطية وحدها، بل الثقافية والاقتصادية، بشكل يجعلها كما الحبل المضفر الذي يصعب قطعه أو تهوينه.. وفي هذا السياق يمكننا الحديث عن الرياضة كجزء من قوة الدولة، ومن أدوات الترويج لقوتها الناعمة أو القوة الذكية.
يغرق البعض في الحديث قصير النظر والمدى، والقائل بأن الأموال التي أُنفقت على اللاعبين الدوليين ربما أرخص وأكثر تأثيراً من أن تشتري المملكة إعلانات في الشاشات والصحف العالمية للترويج لصورتها، ورغم ما في ذلك من وجاهة إلا أن ذلك طرح فقط يلمس سطح الإستراتيجية الأكبر لمكان المملكة ومكانتها في النظام الدولي.
عندما ذكرت في البداية أن النظام الدولي ليس نظاماً واحداً، بل عدة أنظمة، قصدت أن ساحات المنافسة لإثبات مكانة الدولة متعددة، والرياضة واحدة من هذه الساحات.. فمثلاً: تمثل رابطة كرة القدم البريطانية (أو الدوري البريطاني) واحدة من ملامح القوة الناعمة للمملكة المتحدة، فحجم صفقات الانتقالات -مثلاً- في هذا الشهر، بلغ أكثر من ملياري دولار، بينما تنافس المملكة هذا الرقم في موسم الانتقالات الصيفية.. ويتحدث البريطانيون والأوروبيون اليوم عن التهديد السعودي لدورياتهم التي كانت ولا تزال رمزاً لعلامة الجودة لهذه المجتمعات.
وكلمة التهديد هنا لا تعني تهديداً رياضياً وحسب، بل تعني تهديداً أوسع وأكبر.. إذن التهديد في ساحة الرياضة وفرض المكانة ليس ببعيد عن ساحات الاقتصاد والنفط، وغيرها من ساحات المنافسة، لإثبات المكانة وتثبيتها في النظام الدولي.
أعرف أن هذا كلام نظري مجرد على غرار المعادلات الرياضية، ولكن من يفهم نسيج العلاقات الدولية قد يكتب من هذا كتاباً مطولاً شارحاً المفاهيم المتضمنة في ثنايا هذا المقال القصير.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فی النظام الدولی
إقرأ أيضاً:
جهود السعودية في مكافحة انتشار التدخين تلفت الحضور الدولي في ملتقى "تنفّس 2025"
اختُتمت اليوم فعاليات ملتقى "تنفّس 2025" في العاصمة الرياض، بتبني رؤية طموحة نحو مستقبل خالٍ من أضرار التبغ، ترتكز على الابتكار، الوقاية، والتكامل التنظيمي. وقد مثل الملتقى منصة إقليمية لتعزيز الحوار وتبادل المعرفة حول السياسات الفعالة في تقليل الضرر وتشجيع البدائل الصحية.
جاء الملتقى بتنظيم من مبادرة "تنفّس"، وهي ثمرة شراكة استراتيجية بين: شركة "بدائل" (إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة)، وبرنامج "جودة الحياة" (أحد برامج رؤية 2030)، وشركة "الصحة الذكية" (الشريك العلمي للملتقى).
وشهد الملتقى مشاركة أكثر من 100 خبير وصانع قرار من داخل المملكة وخارجها، يمثلون منظمات صحية وهيئات تنظيمية ومؤسسات أكاديمية.
محاور علمية ونقاشات استراتيجية
شهدت الجلسات استعراض العديد من النماذج العالمية في دول مثل السويد والمملكة المتحدة لمكافحة التدخين كما تناولت جلسات الملتقى محاور جوهرية داعمة للاستراتيجية الوطنية، أبرزها:
· تصحيح المفاهيم المغلوطة حول استخدام النيكوتين كبديل أقل ضرراً من التبغ وأنه جزء من الحل وليس المشكلة.
· دراسة أثر الضرائب كأداة فعالة لتقليل استهلاك منتجات التبغ
· استعراض الابتكارات العلمية في المنتجات البديلة منخفضة الضرر.
نموذج سعودي لافت
أظهرت البيانات الرسمية من الهيئة العامة للإحصاء انخفاض نسبة انتشار التدخين بين البالغين من 17.5% إلى 12.4% خلال عام واحد. هذا التراجع يُعزى إلى تطبيق سياسات تنظيمية شاملة تشمل زيادة الضرائب وتوفير البدائل الأقل ضرراً.
وأكد المشاركون أن مبادرة "تنفّس" تمثل منصة تحول حقيقي، يتجاوز التوعية إلى تأثير فعلي في السياسات والسلوك المجتمعي، مما يعزز موقع المملكة كنموذج إقليمي يُحتذى به. وقد أعلن المنظمون أن هذا الملتقى سيكون بداية لسلسلة من الفعاليات المتخصصة في هذا المجال.
رؤى مشرقة وتصميم على النجاح
وخلال الملتقى، قال طولغا سيزار، الرئيس التنفيذي لشركة بدائل: "يُعدّ تقليل الضرر بوابة نحو مستقبل خالٍ من التدخين – والمملكة العربية السعودية تتصدر هذا التوجّه العالمي. ويشكّل ملتقى "تنفّس" خطوة وطنية جريئة إلى الأمام، تُبرز الدور الريادي للمملكة في تعزيز جهود مكافحة التبغ من خلال العلم والابتكار والتشريعات المتقدّمة"
وأوضح سلمان الخطاف، مستشار الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة، أن "الصحة ليست خياراً بل أساساً لحياة كريمة ومجتمع منتج. وملتقى 'تنفّس' يساهم في تعزيز صحة المجتمع وأنماط الحياة الإيجابية بما يتناسب مع أهداف المملكة ورؤيتها الطموحة." مضيفاً أن النجاح في تقليل أضرار التبغ يتطلب ربط الأدلة العلمية بسياسيات واقعية قابلة للتطبيق، وهذا ما نحاول العمل عليه عبر شراكتنا في متلقى تنفس.
وأشارت الدكتورة سارة الرشود المستشارة البحثية في شركة الصحة الذكية أن مبادرة تنفس تعكس التزام كافة الجهات في الحد من التدخين والوصول إلى مملكة خالية من التدخين وتحافظ على التعاون المستدام بين جميع الجهات وخاصة مع وجود ما يقارب 4.8 مليون مدخن كلهم يصنفون كبالغين.
وقدّر الدكتور كريستوفر راسل من المملكة المتحدة والمتخصص في دراسة إدارك وسلوك الأفراد تجاه منتجات التبغ والنيكوتين أن عدد الوفيات المبكرة المرتبطة بالتدخين في السعودية بنحو 14,200 حالة سنوياً. كما توقع أن يشهد العالم نهاية التدخين خلال الأربعين عاماً المقبلة.
من جهته، استعرض الدكتور كونستانتينوس فارسالينوس التجارب الدولية الناجحة في الحد من التدخين مشيراً إلى تجربة السويد في خفض معدلات التدخين من 15% إلى 5% خلال 15 عاماً، ما ساهم في تقليص نسب الإصابة بالسرطان بنسبة 41%، والوفيات المرتبطة بالتبغ بنسبة 39.6%. وأكد أن هذه النماذج تمثل فرصة استراتيجية للمنطقة.
توصيات إقليمية
وخلال جلسة "تقليل أضرار التدخين في الشرق الأوسط"، حذّر الدكتور عبد الرحمن القضيب طبيب الأسرة المتخصص في الأمراض غير المعدية وتقليل أضرار التبغ في السعودية، من استمرار نسب التدخين المرتفعة في بعض دول المنطقة مثل الأردن ولبنان.
في المقابل، أشار الخبير في الصحة العامة الدكتور محمد يمان أن 85% من المدخنين يعودون للتدخين خلال أشهر، حسب دراسات مايو كلينك. ولهذا اعتبر مبادرة تنفس خطوة مهمة نحو الحد من التدخين داعياً إلى تعميم التجربة وتكثيف التعاون الإقليمي.
وفي الختام، أكد المشاركون أن ملتقى "تنفّس 2025" يمثل خطوة محورية في مسار المملكة نحو مجتمع خالٍ من أضرار التبغ، حيث يجسد التقاء الإرادة السياسية بالمعرفة العلمية، ويعزز من مكانة السعودية كنموذج ريادي في تبني السياسات القائمة على تقليل الضرر وتحقيق جودة الحياة.