الهروب إلى الأمام
تاريخ النشر: 14th, December 2025 GMT
خالد بن حمد الرواحي
في بعض الملفات الحكومية، لا تكمن الإشكالية في غموض القضية أو تعقيدها؛ بل في طريقة التعامل معها. فهي ملفات تمس حياة الناس اليومية، واستقرارهم الوظيفي، ومعيشتهم، وأمنهم الاجتماعي، وتقع بطبيعتها في صميم اختصاص الجهات المعنية. ومع ذلك، يُفاجأ المواطن أحيانًا بأن ما يُقدَّم له ليس حلًا حقيقيًا؛ بل إجراءً مؤقتًا، أو معالجةً ترقيعية، أو قرارًا لا يبدو منسجمًا مع منطق المشكلة ولا مع حجم أثرها الإنساني.
قد تبدو هذه الحلول في ظاهرها مخرجًا سريعًا يخفف الضغط الآني، لكنها في جوهرها لا تُنهي الأزمة؛ بل تُرحّلها. وكأننا أمام سياسة غير معلنة يمكن وصفها بـ«الهروب إلى الأمام»، حيث تُؤجَّل المواجهة بدل تفكيك جذور المشكلة، ويُؤجَّل الحل بدل بنائه على أسس واضحة. غير أن المشكلة المؤجَّلة لا تختفي؛ بل تعود لاحقًا بصورة أكثر تعقيدًا، وبكلفة أعلى على المواطن والمؤسسة معًا.
ومع مرور الوقت، تبدأ آثار هذه القرارات في الظهور على أرض الواقع. هنا لا يتأخر الناس في التعبير عن قلقهم وتساؤلاتهم، فتتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى مساحة مفتوحة للنقاش والشكوى وطلب الفهم. وهذا التفاعل لا يعكس نزعةً للصدام بقدر ما يعكس حاجةً طبيعيةً للإجابة: لماذا اتُّخذ هذا القرار؟ ما أبعاده؟ وما مصير المتأثرين به؟
وعند هذه النقطة تحديدًا، ومع تصاعد الأسئلة واتساع دائرة القلق، يصبح غياب التفاعل الرسمي مشكلةً بحد ذاته. فالصمت الطويل لا يهدئ القلق؛ بل يوسّعه، ويترك المجال للاجتهادات والتأويلات، وربما لتآكل الثقة. وحين يأتي الرد أخيرًا، غالبًا ما يظهر في شكل بيانٍ مقتضب، يعالج جانبًا واحدًا من القضية، ويتجاهل جوانب أخرى لا تقل أهمية. وهكذا يجد المواطن نفسه أمام بيانٍ يحتاج إلى بيان، وتوضيحٍ يحتاج إلى توضيح.
ومن الإنصاف الإشارة هنا إلى التوجه الحكومي الواضح بضرورة أن يكون لدى كل جهة حكومية متحدثٌ رسمي يتولى توضيح مواقفها حيال القضايا التي تشغل الرأي العام. فهذا التوجه لا يأتي من فراغ؛ بل يهدف إلى ضبط مسار المعلومة، ومنع انتشار الأخبار غير الدقيقة أو الشائعات، وضمان أن يستقي المواطن معلوماته من مصدرها الرسمي المختص، لا من اجتهادات أو مصادر غير رسمية قد تملك صورةً ناقصة أو فهمًا غير مكتمل للموضوع. فالمتحدث الرسمي ليس واجهةً إعلامية فحسب؛ بل حلقة وصلٍ أساسية بين المؤسسة والمجتمع، ويزداد دوره أهميةً كلما كانت القضية أكثر حساسيةً وتأثيرًا على حياة الناس.
الإشكال إذن لا يتعلق بوجود هذا التوجه من عدمه؛ بل بتفعيله على أرض الواقع، وبسرعة الاستجابة، وشمولية التوضيح؛ فالتواصل المتأخر لا يُرمم الفجوة؛ بل يعمّقها، والتوضيح الجزئي لا يُقنع؛ بل يثير مزيدًا من الأسئلة. ومع تكرار هذا النمط، تتشكل فجوةٌ صامتة بين الجهة المعنية والمجتمع؛ فجوة لا تصنعها القرارات وحدها؛ بل طريقة شرحها، وتوقيتها، ونبرة التعامل معها.
إن إدارة الملفات الحساسة لا تقتصر على اللوائح والأنظمة؛ بل تتطلب شجاعةً مؤسسية في الاعتراف بأن الحلول المؤقتة لا تصنع استقرارًا، وأن القضايا الجوهرية لا تُدار بمنطق ردّ الفعل. الحل الجذري قد يكون أصعب وأطول زمنًا، لكنه أقل كلفة على المدى البعيد، وأكثر احترامًا لعقل المواطن وثقته.
خلاصة القول.. لا تُقاس المؤسسات بقدرتها على تجاوز العاصفة مؤقتًا؛ بل بقدرتها على معالجة أسبابها من الجذور. فالهروب إلى الأمام قد يؤجل المشكلة، لكنه لا يلغيها. أما المواجهة الواعية، القائمة على حلولٍ منطقية وتواصلٍ صادق وفي الوقت المناسب، فهي وحدها التي تصنع استقرارًا حقيقيًا… لا بيانًا يحتاج إلى بيان.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استشهاد مواطن متأثرا بجروحه في مواصي خانيونس
أعلنت مصادر طبية، استشهاد مواطن، بعد ظهر اليوم السبت، 13 ديسمبر 2025، متأثرا بجروحه في مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة .
ووفق المصادر، فقد استشهد المواطن محمد أبو حسين، متأثرا بجروحه أُصيب بها جراء استهداف الاحتلال خيمته قبل أسابيع في مواصي خان يونس.
وباستشهاد المواطن أبو حسين، ترتفع حصيلة الشهداء منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 387 شهيدا، و1018 مصابا.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من أخبار غزة المحلية غزة: إصابة فتى بجروح خطيرة بنيران مُسيرة إسرائيلية صحة غزة تُصدر تقريرا جديدا لضحايا العدوان الإسرائيلي الإعلام الحكومي بغزة: 4 ملايين دولار خسائر المنخفض القطبي "بيرون" الأكثر قراءة حين نتوحد نصير شعبا لا يهزم بالفيديو: مواشي غزة تأكل من مكبّات النفايات وزير الخارجية التركي: نتخوف من فشل خطة ترامب في غزة محدث: 9 شهداء بنيران إسرائيلية في مدينة غزة وشمالي القطاع خلال اليوم عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025