سلط تقرير مطول نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية على مساعي السعودية لإحداث طفرة في استخراج المعادن (التعدين) والصناعات المرتبطة بها، باعتبار التعدين هو "الركن الثالث" للاقتصاد في رؤية 2030، بجانب الركنين الآخرين (البترول والبتروكيماويات)، ما يعني أن التعدين سيكون الجزء الأكبر من الاقتصاد بعد النفط والغاز.

ومن المنتظر أن يوظف قطاع التعدين في نهاية المطاف ما يتجاوز 250 ألف شخص وأن يسهم بنحو 75 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي السعودي مع حلول 2030، بحسب الأهداف الموضوعة.

ويقول التقرير إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستعد لضخ مليارات الدولارات لاستغلال أكثر من 1.3 تريليون دولار من المعادن التي تسعى الحكومة السعودية لاستخراجها، بعدما ضخت البلاد بالفعل ثروات الطاقة لإحداث تغييرات في مجالات الرياضة والسياحة والسينما.

ويضيف: قد تكون الخطة من بين المكونات الأقل بروزاً في رؤيته الكبرى 2030 لتحويل الاقتصاد السعودي، كما أن احتمال تحويل السعودية إلى مركز للمعادن يمكنه إحداث تأثير في الصناعة العالمية.

اقرأ أيضاً

تركيا والسعودية توقعان مذكرة تفاهم في مجال التعدين

لكن ولي عهد السعودية، البالغ من العمر 38 عاماً، لا يعاني من نقص في الثروة أو الطموح، بحسب التقرير، لكن العامل الرئيسي سيكون هو إقناع شركات التعدين الدولية بأن الأمر يستحق بذل الجهود.

وترى "بلومبرج" أنه إذا حقق "الحلم السعودي" نجاحاً جزئياً فقط، فستكون له آثار تتجاوز منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط بالنسبة لتعدين المعادن ولكن أيضاً على علاقات المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة والصين والأسواق الناشئة التي تقترب المملكة منها.

موقع "خنيقوية"

وتطرق التقرير إلى موقع "خنيقوية"، الذي يعد من أبرز أماكن التعدين في السعودية، قائلا إنه إذا آتت الجهود ثمارها  بحلول عام 2025، سينتج الموقع معادن بما في ذلك 100 ألف طن سنوياً من الزنك و10 آلاف طن من النحاس في مرحلته الأولى.

ورغم أن هذا رقم ضئيل حسب المعايير العالمية، (أي ما يعادل إنتاج النحاس في تشيلي خلال نحو 18 ساعة)، لكن الهدف هو مضاعفة الحجم، كونه واحد من عدة مشاريع في المملكة.

وبالإضافة إلى تطوير المناجم المحلية، هناك أيضاً عنصر آخر في الخطة يقول المطلعون على شؤون الصناعة إنه أكثر استقراراً وأسرع في البدء والتشغيل، حيث تريد السعودية شراء الموارد من أماكن أخرى ليتم تكريرها ومعالجتها في منشآت جديدة داخل المملكة.

اقرأ أيضاً

السعودية تتصدر العطاءات لشراء حصة في شركة التعدين البرازيلية العملاقة

ولأجل ذلك الغرض، وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت السعودية عن أول توجه كبير لها في مجال التعدين على الساحة الدولية. شاركت في صفقة بقيمة 3.4 مليار دولار بالبرازيل، حيث اشترت حصة في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة "فالي"(Vale SA) إلى جانب صندوق الاستثمار "إنجين نمبر 1" (Engine No. 1).

كانت هذه الصفقة هي الأولى التي تقوم بها شركة "منارة" للمعادن، والتي أسسها الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) وشركة التعدين السعودية، المعروفة أيضاً باسم "معادن".

وتمنح الاتفاقية المملكة، التي تغلبت على منافسة اليابان وقطر، حصة 10% في أحد الموردين الأساسيين في العالم لمعدني النيكل والنحاس، وهما معدنان أساسيان ضروريان لإزالة الكربون.

وتعتزم المملكة إبرام المزيد من الصفقات في مجال التعدين.

Crown Prince Mohammed bin Salman wants to turn Saudi Arabia into a hub for resources like copper — but mining giants are yet to back him.@MattMartin128 has more on the kingdom’s next big play https://t.co/SYTn8mfaAa pic.twitter.com/vgloFzKP2u

— Bloomberg (@business) September 7, 2023

وقال أشخاص مطلعون على الاستراتيجية إن المساهمين الاثنين في "منارة" سيقدمان في البداية حوالي 3 مليارات دولار لصفقتين أو ثلاث صفقات دولية سنوياً، وسيوفران المزيد من التمويل إذا لزم الأمر.

هذا جزء من هدف "معادن" لتعزيز دورها في الإنتاج المحلي، مع شراء حصص في شركات عالمية تعمل بالقطاع.

اقرأ أيضاً

الاستثمار في التعدين.. جذب رأس المال الأجنبي تحدي السعودية الرئيس

الهدف الشامل

باستخدام الدعم الحكومي والقروض التي تقدمها الصناديق التي تسيطر عليها الدولة، فإن الهدف الشامل هو وضع السعودية في مكانة مورد بديل للصين، في مجال الفلزات والمعادن الحيوية لإحداث تحول في مجال الطاقة عالمياً، مثل بطاريات السيارات الكهربائية.

باختصار، يعد التعدين القديم الملوث للبيئة أحد ركائز المستقبل النظيف الجديد، كما يقول التقرير.

ويلفت التقرير إلى تصريح سابق لنائب وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد المديفر قال فيه إن "المملكة تحتاج إلى أكثر من محرك لتحقيق رؤيتها".

وأوضح أن خطة بلاده تتمثل في أن تصبح قوة اقتصادية وصناعية، "ولهذا نحن بحاجة إلى المعادن"، على حد قوله.

المعدن الرئيسي الذي يهم الشركات هو النحاس، لكن السعودية تريد أيضاً استخراج اليورانيوم والفوسفات لبرنامجها النووي الناشئ. وأثار ذلك انتباه القوى الغربية والأمم المتحدة، التي تشعر بالقلق من الانتشار النووي في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً

لتعزيز قدراتها التعدينية والاستثمار.. معادن السعودية تؤسس شراكات جديدة

عوائق

مع ذلك، فإن بعض المديرين التنفيذيين والمستشارين في أكبر شركات التعدين في العالم يتشككون إزاء خطط التعدين المحلية في المملكة ويشيرون أولاً إلى طبيعتها الجيولوجية. وُصفت احتياطياتها من اليورانيوم بأنها "غير اقتصادية على الإطلاق"؛ فيما تكونت رواسب النحاس- وهو المعدن المرغوب فيه بالنسبة لمعظم شركات التعدين- بشكل رئيسي من خلال النشاط البركاني.

ويعني ما سبق أن العثور عليها سيكون على الأرجح في مناطق تتراوح من صغيرة إلى متوسطة الحجم فقط، ما يجعلها أقل جاذبية للتعدين مقارنة بالرواسب الممتدة عبر سلسة جبال الأنديز في أمريكا اللاتينية وتوفر القدر الأكبر من إمدادات العالم أو التكوينات الصخرية الرسوبية في مواقع على غرار منطقة وسط أفريقيا.

توجد أيضاً مشكلة المياه، إذ تعاني السعودية من شح الإمدادات، وتشكل الصحراء 95% من مساحتها.

وقالت كارول نخلة، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات "كريستول إنرجي" ويقع مقرها في لندن: "يمثل أيضاً توافر البنية التحتية تحدياً، لا سيما للطبقات الروسوبية بالمناطق الصحراوية النائية".

اقرأ أيضاً

نشاط التعدين السعودي يرتفع إلى أعلى مستوى خلال 19 شهرا

شركة "عجلان"

سيعتمد جزء كبير من الخطة السعودية على مدى نجاح مشروعات، على غرار تلك القائمة في منطقة الخنيقية، في الانتقال من تحديد مواقع بعينها لوجود الرواسب المعدنية إلى مرحلة الإنتاج التجاري. خصصت شركة "عجلان وإخوانه" السعودية التي تطور مشروع "خنيقوية" مع شركة "ميكسيكو ريسورسيز" (Moxico Resources) ويقع مقرها في المملكة المتحدة، 14 مليار دولار للاستثمار في تطوير المناجم ومرافق المعالجة مع حلول 2030.

ويقول فهد العنزي، الرئيس التنفيذي لشركة التعدين التابعة لمجموعة عجلان وإخوانه، أوضح أن الشركة - التي تسيطر عليها عائلة سعودية ثرية حققت ثروتها من بيع أغطية الرأس العربية التقليدية - تراهن على أن "المملكة العربية السعودية يمكن أن تصبح مصدراً جديداً للمعادن والعناصر الأرضية النادرة بعيداً عن الصين". أضاف أن تنافس الصين والولايات المتحدة الأميركية على الوصول للموارد الطبيعية يعد "أمراً صحياً بالنسبة لنا".

وتعتزم مجموعة عجلان تطوير أكبر محطة لمعالجة الزنك والنحاس بمنطقة الشرق الأوسط في مدينة ينبع على الساحل الغربي للسعودية. و

سينصب أغلب الاهتمام على تلبية الطلب المحلي، لكن الشركة تتلقى فعلاً عروضاً من شركات التجارة الصينية والأوروبية الكبيرة للحصول على أي سلع أساسية يمكنها إنتاجها، بحسب التقرير.

اقرأ أيضاً

السعودية تعلن تأسيس شركة لخدمات التعدين

شراكة مع الصين

بالإضافة إلى ذلك، قال مسؤولون في مؤتمر الأعمال السعودي الصيني خلال يونيو/حزيران الماضي إن السعودية تشارك مع هيئة المسح الجيولوجي الصينية في عقد قيمته 207 ملايين دولار للمساعدة في رصد مواقع المعادن في ما يسمى بمنطقة "الدرع العربي" بالمملكة، حيث تتواجد غالبية الرواسب.

وبالفعل قادت حكومة بكين جهود تحديد مواقع وجود رواسب يورانيوم في المملكة.

وتشير "بلومبرج" لتصريحات قالها مارك بريستو، الرئيس التنفيذي لشركة "باريك جولد" الكندية (Barrick Gold)، في مقابلة خلال زيارة للرياض في يناير/كانون الثاني الماضي، بأن "السعودية تعد منطقة واعدة بصورة استثنائية".

أما بالنسبة لوجود معادن في باطن الأرض تقدر بما يتجاوز تريليون دولار، فإنه "مهما كان هذا الرقم، فإنه جدير بالاستثمار"، على حد قول بريستو، الذي خاطرت شركته بالاستثمار في مالي منذ ما يفوق 25 سنة وساعدت في تحويلها إلى منتج أفريقي كبير للذهب.

وتدير "باريك" منجماً للنحاس يقع على الساحل الجنوبي الغربي للسعودية على مقربة من البحر الأحمر.

وأشار أشخاص على دراية بالموضوع مؤخراً إلى أنها بدأت أيضاً محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة حول حصة محتملة في مشروع للنحاس في باكستان، والذي قد يستقطب أموالاً سعودية ونفوذاً سياسياً.

اقرأ أيضاً

وزير البترول المصري يبحث مع نظيره السعودي التعاون في مجال التعدين

حوافز للشركات

وقال التقرير إن السعودية تقدم حوافز كبيرة للشركات لبدء أعمال التعدين.

ومن المقرر أن يمول صندوق التنمية الصناعية السعودي المشروع بنسبة تصل إلى 75%.

وتوجد فترة سماح 5 أعوام على مدفوعات رسوم الامتياز، وسقف لمستويات الضرائب، وتعهد بعدم فرض ضريبة أرباح استثنائية.

وستذهب كافة الإيرادات الحكومية من التعدين إلى صندوق خاص لإعادة استثمارها في القطاع.

مزادات التراخيص

وقد اجتذبت المزادات السعودية للحصول على تراخيص الاستكشاف في البلاد إلى حد الآن شركات صغيرة فقط.

وأعلنت المملكة في أغسطس/آب الماضي عن جولة أخرى لطرح الاستثمار وأعمال التطوير في ثماني مناطق تعدين بكافة أنحاء البلاد.

ورغم ذلك، فإن الشكوك بين كبار شركات التعدين لا تعني أنهم لا يراقبون بشدة الجهود السعودية المبذولة. في عهد ولي العهد السعودي، ترغب المملكة العربية السعودية في تحمل هذا النوع من المخاطر التجارية التي قد تتعرض لها دول أخرى لديها طموحات بقطاع التعدين. وتُبرز المدينة المستقبلية الجديدة في الصحراء، نيوم، والإنفاق الكبير على رياضة كرة القدم، إيمان المملكة بأهدافها.

اقرأ أيضاً

معهد التعدين السعودي يفصل طالبين بسبب «السمنة»

وقال مايك هنري، الرئيس التنفيذي لشركة "بي إتش بي جروب"، أكبر شركة تعدين بالعالم، في أثناء رحلة للمملكة العربية السعودية: "حدثني آخرون بالقطاع أن هذا أمر حقيقي وأنه يحتاج إلى أن تقترب منه، وأنه يشكل قطعاً صفقة رابحة".

جاء ذلك في يناير الماضي لدى حضوره لمؤتمر التعدين السنوي بالبلاد.

واختتمت "بلومبرج" تقريرها بالقول: "يبقى أن نتابع ما إذا كانت الشركات العملاقة على غرار (بي إتش بي) ستشارك".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: التعدين في السعودية رؤية 2030 محمد بن سلمان العربیة السعودیة فی مجال التعدین شرکات التعدین فی المملکة اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

المليارات السبعة التي أهدرناها لقصف بلد لا نعرف موقعه على الخريطة

ترجمة: أحمد شافعي -

أدت فضيحة سيجنال إلى صيحات غضب عارم من الطريقة التي تبادل بها المسؤولون في إدارة ترامب رسائل نصية غير مؤمَّنة عن الضربات العسكرية لليمن. ولكن من ينقب أكثر يجد فضيحة أكبر.

هي فضيحة سياسة فاشلة تقوي «عدوا» للولايات المتحدة، وتضعف أمننا وسوف تكبدنا وفاة آلاف الأنفس. وهي فضيحة تلوث أيضًا الرئيس جو بايدن لكنها تبلغ حضيضها في ظل حكم الرئيس ترامب.

يرجع الأمر كله إلى هجمة حماس على إسرائيل في أكتوبر من عام 2023، ورد إسرائيل الهمجي بتسوية أحياء كاملة من غزة بالأرض. إذ سعى نظام الحوثيين في اليمن إلى الظفر بدعم إقليمي من خلال مهاجمة سفن يفترض أنها موالية لإسرائيل حال مرورها على مقربة منه في البحر الأحمر. (وواقع الأمر أنهم ضربوا شتى السفن).

والمشكلات في العلاقات الدولية أكثر من الحلول، وقد كان هذا مثالا كلاسكيا: فقد كان نظام الحكم في اليمن يعوق التجارة الدولية، ولم يكن من سبيل يسير لإصلاح ذلك الأمر. فكان أن رد بايدن بعام كامل من الضربات لليمن استهدفت الحوثيين بتكلفة مليارات الدولارات لكن دونما تحقيق أي شيء واضح.

وبعد توليه السلطة، زاد ترامب من الضغط المفروض على اليمن. إذ قلل المساعدات الإنسانية في العالم كله، وتضرر اليمن بصفة خاصة. ولقد كانت آخر زيارة لي إلى اليمن في عام 2018، حين كان بعض الأطفال بالفعل يموتون جوعا، والآن بات الحال أسوأ: فنصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية - و«هذه إحصائية لا مثيل لها في العالم» بحسب اليونيسيف - وجاء تقليص المساعدات فأرغم ألفي برنامج تغذية على إغلاق أنشطتها وفقًا لتصريح توم فليشر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة. وقد ألغت الولايات المتحدة شحنة معجون فول سوداني كان يفترض أن تنقذ حياة نصف مليون طفل يمني.

ستكون الفتيات أكثر عرضة للوفاة، لأن الثقافة اليمنية تحابي الذكور. فقد أجريت ذات يوم حوارا مع فتاة اسمها نجود علي تزوجت رغم أنفها وهي في العاشرة. ويجري الآن أيضا تقليص برامج المساعدات الرامية إلى تمكين الفتيات اليمنيات بتقليل زواج الأطفال.

أشك أن إيلون ماسك - الذي تباهى بوضع برامج مساعدات التغذية في الطاحونة - سيقول إننا لا نقدر على مساعدة فتيات صغيرات في اليمن. فهو أغنى رجل في العالم، فقد تكون لديه دراية خاصة بالاستعمال الأمثل لمليون دولار يمثل التكلفة اليومية لستة أسابيع من معجون الفول السوداني الكفيل بإنقاذ حياة طفل جائع.

في الوقت نفسه، فإن الأموال الحقيقية التي تنفقها أمريكا في اليمن هي أموال القنابل، لكن فريق ماسك في إدارة الكفاءة الحكومية بما لديهم من مطاحن للتكاليف بدوا غافلين عن هذه التكلفة. وفي حين وفرت الولايات المتحدة مبالغ بسيطة من خلال السماح بجوع الفتيات الصغيرات، فقد صعدت حملة بايدن القصف في اليمن، بضرب أهداف على نحو شبه يومي. فكانت تكلفة الشهر الأول فقط من حملة ترامب للقصف أكثر من مليار دولار من الأسلحة والذخائر.

أسقط الحوثيون في ستة أسابيع فقط سبع مسيرات من طراز (MQ-9 Reaper) تكلفة الواحدة منها ثلاثون مليون دولار، وخسرت الولايات المتحدة طائرتين مقاتلتين من طراز (F/A-18 Super Hornet) بتكلفة سبعة وستين مليون دولار للواحدة.

يطرح مركز أبحاث «أولويات الدفاع» بواشنطن تقديرا مقنعا مفاده أن الولايات المتحدة أنفقت من خلال بايدن وترامب أكثر من سبعة مليارات دولار لقصف اليمن على مدى أكثر قليلا من عامين. ويبدو أن أغلب هذا الرقم قد تم إنفاقه بإشراف بايدن.

وافقت ليندا بيلمز -خبيرة تكاليف الصراع العسكري في جامعة هارفرد- على أن سبعة مليارات دولار تمثل تقديرا منطقيا بعد إدراج تكلفة نشر حاملات الطائرات وأجور القتال، وعوامل أخرى. وقالت: إن «إنفاق الولايات المتحدة لا يكافئ إنفاق الحوثيين، فنحن ننفق مليون دولار على الصواريخ للرد على مسيّرات الحوثيين إيرانية الصنع التي تتراوح تكلفتها بين مائتي دولار وخمسمائة».

ما الذي حققته مليارات الدولارات السبعة؟ قلل القصف الأمريكي من قدرات الحوثيين بدرجة ما وقتلت أيضا ما لا يقل عن مائتين وستة من المدنيين في شهر أبريل وحده وفقًا لـ(مشروع بيانات اليمن) غير الربحي. كما قللت حملة القصف أيضا من قدرة أمريكا العسكرية من خلال استهلاك ذخائر ثمينة. وعل مدى أكثر قليلا من عامين، يبدو أن الحوثيين قد أسقطوا نحو 7% من مخزون أمريكا الكامل من مسيّرات (MQ-9 Reaper).

لقد أعلن ترامب في مارس أن حملة القصف هذه سوف تؤدي إلى «إبادة كاملة» للحوثيين. لكنه تراجع في الشهر الحالي، وأعلن «توقفا» للعمليات الهجومية. وحفظ ماء وجهه بوعد من الحوثيين بعدم استهداف السفن الأمريكية، ولكن تلك لم تكن المشكلة الأساسية، فالغالبية الكاسحة من السفن التي تعبر البحر الأحمر ليست أمريكية. والنتيجة أن الحوثيين - الذين أتفهم شعورهم بالنصر - قد أعلنوا النصر من خلال هاشتاج «اليمن تهزم أمريكا [Yemen defeats America].

بالنظر إلى الأمر بأثر رجعي، نرى أن ترامب صعّد سياسة بايدن الفاشلة، لكنه أظهر أيضا مقدرة أكبر من بايدن على تصحيح أخطائه.

ما الذي يمكن أن يفعله ترامب لإيقاف هجمات الحوثيين على السفن؟ الخطوة الواضحة هي الضغط على إسرائيل بدرجة أكبر لقبول صفقة تيسر رجوع الرهائن جميعا وتحقيق هدنة دائمة في غزة.

في الوقت نفسه، لم يستأنف ترامب المساعدة الإنسانية، ولذلك يموت أطفال اليمن جوعا.

أخبرتني ميشيل نان ـ رئيس منظمة كير CARE - أن تقليل المساعدات الأمريكية تعني ألا تستطيع منظمتها الاستمرار في مساعدة أكثر من سبعمائة وثلاثين ألف يمني في الحصول على المياه النظيفة وعلى خدمات أخرى. وحكت لي عن فتاة عمرها عامان، تدعى مريم، وصلت إلى عيادة متنقلة ووزنها لا يتجاوز أحد عشر رطلا وتشارف على الموت بسبب سوء التغذية. استطاع مسؤولو الصحة في كير أن ينعشوا مريم، فبدأت تتعافى، ثم أوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية البرنامج. ولا يعرف عمال المساعدة الآن إن كانت مريم قد نجت.

إنني أتفهم الشك الأمريكي في تقديم المساعدة الإنسانية لأطفال اليمن، إذ يدير الحوثيون دولة بوليسية مدعومة من إيران لها تاريخ في تسليح المساعدات. غير أن حملتنا القائمة على القصف والتجويع قد تقوي الحوثيين، وتجعل نظامهم الحاكم قليل الشعبية أشبه بحامي حمى الأمة ويزيدهم قربا من إيران.

قال لي جريجوري دي جونسن خبير شؤون اليمن في معهد دول الخليج الغربي إن «تقليل المساعدات الإنسانية لليمن لا يرجح أن تفيد أحدا عدا الحوثيين، فمع تفاقم الوضع الإنساني المزري أصلا بسبب قطع المساعدات، لن يكون للأسر المقيمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلا أن تقف في صف الجماعة سعيًا يائسًا منها إلى النجاة».

والخلاصة حسبما قال جونسن: هي أن الحوثيين سوف «يزيدون ترسيخ وجودهم في السلطة، بما يزيد من صعوبة اقتلاعهم منها لاحقا». واليمن لم يطرح لنا قط خيارات جيدة. ولكن في خياراتنا السيئة على نحو غير معهود أرى حكاية تحذيرية عن النتائج المترتبة على تكاليف السياسة الخارجية المتخبطة: جوع، وصبية وفتيات يموتون، وإضعاف للأمن الأمريكي وانتصار لخصومنا، وكل ذلك بتكلفة سبعة مليارات دولار من ضرائبنا. وإذن، هذه فضيحة.

نيكولاس كريستوف يكتب في صفحة الرأي بنيويورك تايمز منذ عام 2001

خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • مدبولي يستقبل رئيس مجلس الشورى السعودي: مصر تتطلع لتفعيل المجلس التنسيقي المشترك
  • عاملة منزلية تنهار بالبكاء لرحيلها عن المملكة وتركها الطفلة التي ترعاها.. فيديو
  • أسعار الذهب تفقد بريقُها.. فرصة شراء أم بداية انهيار
  • إطلالات متميّزة لنجمات المملكة العربية السعودية في مهرجان كان السينمائي
  • سيدي جلالة الملك: هذا حل تحديات العطش والفقر والبطالة والطاقة والأمن الغذائي في المملكة، ولكي نستمر أيضا
  • المليارات السبعة التي أهدرناها لقصف بلد لا نعرف موقعه على الخريطة
  • محافظ السيادي السعودي: سنضاعف استثماراتنا في أوروبا إلى 170 مليار دولار
  • انطلاق الدفعة الأولى من الحجاج السوريين إلى المملكة العربية السعودية
  • بالأرقام.. كريستيانو رونالدو أعلى الرياضيين أجرًا في العالم
  • الأهلي يهزم الخلود برباعية في الدوري السعودي للمحترفين