ترجمة: أحمد شافعي -

أدت فضيحة سيجنال إلى صيحات غضب عارم من الطريقة التي تبادل بها المسؤولون في إدارة ترامب رسائل نصية غير مؤمَّنة عن الضربات العسكرية لليمن. ولكن من ينقب أكثر يجد فضيحة أكبر.

هي فضيحة سياسة فاشلة تقوي «عدوا» للولايات المتحدة، وتضعف أمننا وسوف تكبدنا وفاة آلاف الأنفس. وهي فضيحة تلوث أيضًا الرئيس جو بايدن لكنها تبلغ حضيضها في ظل حكم الرئيس ترامب.

يرجع الأمر كله إلى هجمة حماس على إسرائيل في أكتوبر من عام 2023، ورد إسرائيل الهمجي بتسوية أحياء كاملة من غزة بالأرض. إذ سعى نظام الحوثيين في اليمن إلى الظفر بدعم إقليمي من خلال مهاجمة سفن يفترض أنها موالية لإسرائيل حال مرورها على مقربة منه في البحر الأحمر. (وواقع الأمر أنهم ضربوا شتى السفن).

والمشكلات في العلاقات الدولية أكثر من الحلول، وقد كان هذا مثالا كلاسكيا: فقد كان نظام الحكم في اليمن يعوق التجارة الدولية، ولم يكن من سبيل يسير لإصلاح ذلك الأمر. فكان أن رد بايدن بعام كامل من الضربات لليمن استهدفت الحوثيين بتكلفة مليارات الدولارات لكن دونما تحقيق أي شيء واضح.

وبعد توليه السلطة، زاد ترامب من الضغط المفروض على اليمن. إذ قلل المساعدات الإنسانية في العالم كله، وتضرر اليمن بصفة خاصة. ولقد كانت آخر زيارة لي إلى اليمن في عام 2018، حين كان بعض الأطفال بالفعل يموتون جوعا، والآن بات الحال أسوأ: فنصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية - و«هذه إحصائية لا مثيل لها في العالم» بحسب اليونيسيف - وجاء تقليص المساعدات فأرغم ألفي برنامج تغذية على إغلاق أنشطتها وفقًا لتصريح توم فليشر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة. وقد ألغت الولايات المتحدة شحنة معجون فول سوداني كان يفترض أن تنقذ حياة نصف مليون طفل يمني.

ستكون الفتيات أكثر عرضة للوفاة، لأن الثقافة اليمنية تحابي الذكور. فقد أجريت ذات يوم حوارا مع فتاة اسمها نجود علي تزوجت رغم أنفها وهي في العاشرة. ويجري الآن أيضا تقليص برامج المساعدات الرامية إلى تمكين الفتيات اليمنيات بتقليل زواج الأطفال.

أشك أن إيلون ماسك - الذي تباهى بوضع برامج مساعدات التغذية في الطاحونة - سيقول إننا لا نقدر على مساعدة فتيات صغيرات في اليمن. فهو أغنى رجل في العالم، فقد تكون لديه دراية خاصة بالاستعمال الأمثل لمليون دولار يمثل التكلفة اليومية لستة أسابيع من معجون الفول السوداني الكفيل بإنقاذ حياة طفل جائع.

في الوقت نفسه، فإن الأموال الحقيقية التي تنفقها أمريكا في اليمن هي أموال القنابل، لكن فريق ماسك في إدارة الكفاءة الحكومية بما لديهم من مطاحن للتكاليف بدوا غافلين عن هذه التكلفة. وفي حين وفرت الولايات المتحدة مبالغ بسيطة من خلال السماح بجوع الفتيات الصغيرات، فقد صعدت حملة بايدن القصف في اليمن، بضرب أهداف على نحو شبه يومي. فكانت تكلفة الشهر الأول فقط من حملة ترامب للقصف أكثر من مليار دولار من الأسلحة والذخائر.

أسقط الحوثيون في ستة أسابيع فقط سبع مسيرات من طراز (MQ-9 Reaper) تكلفة الواحدة منها ثلاثون مليون دولار، وخسرت الولايات المتحدة طائرتين مقاتلتين من طراز (F/A-18 Super Hornet) بتكلفة سبعة وستين مليون دولار للواحدة.

يطرح مركز أبحاث «أولويات الدفاع» بواشنطن تقديرا مقنعا مفاده أن الولايات المتحدة أنفقت من خلال بايدن وترامب أكثر من سبعة مليارات دولار لقصف اليمن على مدى أكثر قليلا من عامين. ويبدو أن أغلب هذا الرقم قد تم إنفاقه بإشراف بايدن.

وافقت ليندا بيلمز -خبيرة تكاليف الصراع العسكري في جامعة هارفرد- على أن سبعة مليارات دولار تمثل تقديرا منطقيا بعد إدراج تكلفة نشر حاملات الطائرات وأجور القتال، وعوامل أخرى. وقالت: إن «إنفاق الولايات المتحدة لا يكافئ إنفاق الحوثيين، فنحن ننفق مليون دولار على الصواريخ للرد على مسيّرات الحوثيين إيرانية الصنع التي تتراوح تكلفتها بين مائتي دولار وخمسمائة».

ما الذي حققته مليارات الدولارات السبعة؟ قلل القصف الأمريكي من قدرات الحوثيين بدرجة ما وقتلت أيضا ما لا يقل عن مائتين وستة من المدنيين في شهر أبريل وحده وفقًا لـ(مشروع بيانات اليمن) غير الربحي. كما قللت حملة القصف أيضا من قدرة أمريكا العسكرية من خلال استهلاك ذخائر ثمينة. وعل مدى أكثر قليلا من عامين، يبدو أن الحوثيين قد أسقطوا نحو 7% من مخزون أمريكا الكامل من مسيّرات (MQ-9 Reaper).

لقد أعلن ترامب في مارس أن حملة القصف هذه سوف تؤدي إلى «إبادة كاملة» للحوثيين. لكنه تراجع في الشهر الحالي، وأعلن «توقفا» للعمليات الهجومية. وحفظ ماء وجهه بوعد من الحوثيين بعدم استهداف السفن الأمريكية، ولكن تلك لم تكن المشكلة الأساسية، فالغالبية الكاسحة من السفن التي تعبر البحر الأحمر ليست أمريكية. والنتيجة أن الحوثيين - الذين أتفهم شعورهم بالنصر - قد أعلنوا النصر من خلال هاشتاج «اليمن تهزم أمريكا [Yemen defeats America].

بالنظر إلى الأمر بأثر رجعي، نرى أن ترامب صعّد سياسة بايدن الفاشلة، لكنه أظهر أيضا مقدرة أكبر من بايدن على تصحيح أخطائه.

ما الذي يمكن أن يفعله ترامب لإيقاف هجمات الحوثيين على السفن؟ الخطوة الواضحة هي الضغط على إسرائيل بدرجة أكبر لقبول صفقة تيسر رجوع الرهائن جميعا وتحقيق هدنة دائمة في غزة.

في الوقت نفسه، لم يستأنف ترامب المساعدة الإنسانية، ولذلك يموت أطفال اليمن جوعا.

أخبرتني ميشيل نان ـ رئيس منظمة كير CARE - أن تقليل المساعدات الأمريكية تعني ألا تستطيع منظمتها الاستمرار في مساعدة أكثر من سبعمائة وثلاثين ألف يمني في الحصول على المياه النظيفة وعلى خدمات أخرى. وحكت لي عن فتاة عمرها عامان، تدعى مريم، وصلت إلى عيادة متنقلة ووزنها لا يتجاوز أحد عشر رطلا وتشارف على الموت بسبب سوء التغذية. استطاع مسؤولو الصحة في كير أن ينعشوا مريم، فبدأت تتعافى، ثم أوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية البرنامج. ولا يعرف عمال المساعدة الآن إن كانت مريم قد نجت.

إنني أتفهم الشك الأمريكي في تقديم المساعدة الإنسانية لأطفال اليمن، إذ يدير الحوثيون دولة بوليسية مدعومة من إيران لها تاريخ في تسليح المساعدات. غير أن حملتنا القائمة على القصف والتجويع قد تقوي الحوثيين، وتجعل نظامهم الحاكم قليل الشعبية أشبه بحامي حمى الأمة ويزيدهم قربا من إيران.

قال لي جريجوري دي جونسن خبير شؤون اليمن في معهد دول الخليج الغربي إن «تقليل المساعدات الإنسانية لليمن لا يرجح أن تفيد أحدا عدا الحوثيين، فمع تفاقم الوضع الإنساني المزري أصلا بسبب قطع المساعدات، لن يكون للأسر المقيمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلا أن تقف في صف الجماعة سعيًا يائسًا منها إلى النجاة».

والخلاصة حسبما قال جونسن: هي أن الحوثيين سوف «يزيدون ترسيخ وجودهم في السلطة، بما يزيد من صعوبة اقتلاعهم منها لاحقا». واليمن لم يطرح لنا قط خيارات جيدة. ولكن في خياراتنا السيئة على نحو غير معهود أرى حكاية تحذيرية عن النتائج المترتبة على تكاليف السياسة الخارجية المتخبطة: جوع، وصبية وفتيات يموتون، وإضعاف للأمن الأمريكي وانتصار لخصومنا، وكل ذلك بتكلفة سبعة مليارات دولار من ضرائبنا. وإذن، هذه فضيحة.

نيكولاس كريستوف يكتب في صفحة الرأي بنيويورك تايمز منذ عام 2001

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة ملیون دولار فی الیمن من خلال أکثر من

إقرأ أيضاً:

روسيا تفجر مفاجأة وتكشف الأسباب الحقيقية التي دفعت ’’ترامب’’ للاتفاق مع اليمن (تفاصيل خطيرة)

يمانيون /

كشفت مصادر عسكرية روسية عن تفاصيل جديدة تكشف الأسباب الحقيقية التي دفعت الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب إلى اللجوء للحلول الدبلوماسية مع اليمن، بعد فشل ذريع للحملة العسكرية التي أطلقها ضد صنعاء. وفقاً لمجلة “فوينيه أوبزرينيه” الروسية المتخصصة في الشؤون العسكرية، فإن الأحداث الأخيرة كشفت عن مفاجآت استراتيجية غيرت موازين القوى في المنطقة. الصحيفة قالت إن الوثائق تشير إلى أن قوات صنعاء نجحت في تحقيق إنجازات نوعية ضد القوات الأمريكية، حيث تمكنت من إسقاط ما لا يقل عن 20 طائرة مسيرة من طراز MQ-9 Reaper، التي تعد من أكثر الأنظمة الأمريكية تطوراً وباهظة التكلفة.
لكن الصدمة الكبرى جاءت مع الادعاءات اليمنية بإسقاطها لطائرة مقاتلة من الجيل الخامس F-35A Lightning II، بالإضافة إلى عدة طائرات F-16C Fighting Falcon، وهو ما شكل ضربة استراتيجية للتفوق الجوي الأمريكي. وأضافت: في مارس الماضي، أطلق البنتاغون عملية عسكرية واسعة أطلق عليها اسم “الفارس الخشن”، تحت إشراف الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية.
شملت الخطة نشر مجموعتين من حاملات الطائرات، بالإضافة إلى أسراب من القاذفات الاستراتيجية وطائرات الاستطلاع، بهدف تدمير البنية التحتية الصاروخية اليمنية خلال 30 يوماً. لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال الأمريكية. وأردفت إن المصادر العسكرية تشير إلى أن القوات اليمنية استخدمت تكتيكات مبتكرة في مواجهة التفوق التكنولوجي الأمريكي.
حيث نجحت أنظمتها الدفاعية -التي يعتقد أنها من طراز “بوك” الروسية- في إقامة كمائن ناجحة للطائرات الأمريكية، مستفيدة من المعرفة الدقيقة بالجغرافيا اليمنية وتضاريسها الصعبة.
وقد أدت الخسائر المتتالية في الطائرات المسيرة إلى شل قدرات المراقبة والاستهداف الأمريكية بشكل ملحوظ. وبينت أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نقلاً عن مصادر في البنتاغون، كشفت أن الخسائر الأمريكية تجاوزت السبع طائرات مسيرة من طراز MQ-9 خلال شهر واحد فقط، مما أثر بشكل كبير على القدرات الاستخباراتية الأمريكية في تتبع تحركات المقاومة اليمنية.
كما أشارت التقارير إلى أن الطائرات المقاتلة الأمريكية واجهت صعوبات غير متوقعة في اختراق المجال الجوي اليمني، حيث كشفت الأحداث أن تقنيات التخفي في طائرات F-35 لم تكن فعالة كما كان متوقعاً. وأوضحت أن النتائج غير المتوقعة للعملية العسكرية أدت إلى تحول جذري في الموقف الأمريكي.
فبعد أسابيع من الحملة المكلفة التي لم تحقق أي من أهدافها الاستراتيجية، اضطر الرئيس ترامب إلى تغيير مساراته، حيث بادر باللجوء إلى الوساطة العمانية لإنهاء التصعيد.
القرار الأمريكي جاء بعد تقييم واقعي للمخاطر، حيث أدركت الإدارة الأمريكية أن الاستمرار في المواجهة العسكرية قد يؤدي إلى مزيد من الإحراج الاستراتيجي وخسائر مادية وبشرية غير مبررة. واختتمت بالقول: المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية أكد أن هذه التطورات ستمكن اليمن من تحويل تركيزه بالكامل نحو الجبهة الفلسطينية، في إشارة واضحة إلى استمرار العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية.
الخبراء العسكريون يرون أن هذه الأحداث تشكل نقطة تحول في موازين القوى الإقليمية، حيث أثبتت قوة محلية قدرتها على مواجهة أعتى الجيوش العالمية بأسلوب غير متماثل، مستفيدة من الإرادة القتالية العالية والمعرفة التكتيكية العميقة بمسرح العمليات.

مقالات مشابهة

  • حاملة طائرات بريطانية تمر قبالة اليمن وتوجه أسلحتها للرد على هجمات الحوثيين
  • الأمم المتحدة تخفض أهداف المساعدات في اليمن والصومال
  • نيويورك تايمز: ترامب عزز سياسية بايدن الفاشلة في اليمن وخسائر أمريكا بلغت 7 مليار دولار (ترجمة خاصة)
  • روسيا تفجر مفاجأة وتكشف الأسباب الحقيقية التي دفعت ’’ترامب’’ للاتفاق مع اليمن (تفاصيل خطيرة)
  • بزشكيان في حيرة: لا نعرف أي كلام نصدق من ترامب
  • الأمم المتحدة تخفض مساعداتها في اليمن
  • الأمم المتحدة تخفض مساعداتها في اليمن والصومال
  • وزارة الدفاع: المفاوضات التي تفرضها الأمم المتحدة مع الحوثيين لم تكن إلاّ لشرعنة إنقلابهم والحسم العسكري هو الخيار الوحيد لفرض السلام
  • البيت الأبيض: وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن صفقة جيدة لأميركا ولأمنها