نقل أصول طهران المجمدة خلال أيام وتبادل للسجناء مع واشنطن.. تفاصيل الصفقة
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الاثنين، أن طهران تأمل في إنهاء نقل ستة مليارات دولار مجمدة في كوريا الجنوبية "في الأيام المقبلة" في إطار الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة في آب/ أغسطس للإفراج عن سجناء.
وقال المتحدث ناصر كنعاني في مؤتمر صحفي: "نأمل في أن ينجز النقل في الأيام المقبلة وأن تتمكن إيران من الوصول الكامل إلى أصولها".
هذه العملية تهدف إلى نقل ستة مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية إلى حساب خاص في قطر.
ستتمكن إيران بعد ذلك من استخدام هذه الأموال لمشتريات إنسانية مثل مواد غذائية وأدوية.
لكن كنعاني أكد، الاثنين، أن إيران يمكن أن تشتري "أي سلعة غير خاضعة لعقوبات" أمريكية وان "تستخدم بالكامل هذه الأموال المفرج عنها" ليس فقط لشراء "أدوية ومواد غذائية".
تم الإعلان عن هذه التسوية المالية في 10 آب/ أغسطس في إطار اتفاق بين طهران وواشنطن بوساطة من قطر للإفراج عن سجناء أمريكيين معتقلين في إيران، وإيرانيين معتقلين في الولايات المتحدة.
وقال كنعاني: "نحن متفائلون بأن تبادل السجناء سيحصل قريبا".
وفي إطار الاتفاق، نقلت إيران خمسة أمريكيين من السجن إلى الإقامة الجبرية في فندق خاضع للحراسة قبل نقلهم المحتمل إلى قطر للإفراج عنهم.
يرى خبراء أن هذا الاتفاق الذي أبرم بعد مفاوضات سرية للغاية، يدل على تهدئة التوتر بين إيران والولايات المتحدة اللتين لا تقيمان علاقات دبلوماسية منذ العام 1980، في أعقاب انتصار الثورة الإسلامية في 1979.
لكنهم لا يتوقعون اتفاقا محتملا حول الملف النووي الإيراني.
فقد فشلت مفاوضات أجراها الأوروبيون في 2022 في إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 والمجمد منذ انسحاب الولايات المتحدة منه بشكل أحادي في 2018 في ظل رئاسة دونالد ترامب.
تفاصيل
من جهتها نقلت وكالة "رويترز" عن ثمانية مصادر إيرانية مطلعة أن تسلسلا مصمما بعناية من الإجراءات سيبدأ عندما يتم تحويل ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المفرج عنها إلى بنوك في قطر في وقت قريب ربما الأسبوع المقبل، إذ سيؤدي ذلك إلى تبادل ما يصل إلى خمسة معتقلين أمريكيين من مزدوجي الجنسية بعدد مماثل من السجناء الإيرانيين وعودتهم للبلدين.
وكخطوة أولى، أطلقت إيران في العاشر من آب سراح أربعة أمريكيين من سجن إيفين بطهران ووضعتهم رهن الإقامة الجبرية، لينضموا إلى أمريكي خامس هو بالفعل قيد الإقامة الجبرية. وفي وقت لاحق ذلك اليوم، وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الخطوة بأنها الأولى في عملية من شأنها أن تؤدي إلى عودتهم إلى وطنهم.
وقالت الإدارة الأمريكية إن بينهم رجلا الأعمال سياماك نمازي (51 عاما) وعماد شرقي (59 عاما) إضافة إلى الناشط البيئي مراد طهباز (67 عاما) الذي يحمل الجنسية البريطانية أيضا. ولم ترد عائلتا طهباز وشرقي على طلبات للتعليق. كما رفض محام لعائلة نمازي التعليق.
ولم يتم الكشف عن هوية الأمريكيين الرابع والخامس، وأحدهما بحسب مصدرين امرأة. ولم تتمكن رويترز من تحديد السجناء الإيرانيين الذين ستعيدهم الولايات المتحدة في عملية التبادل تلك.
وقال مصدر مطلع على المناقشات إن الدوحة استضافت ثماني جولات على الأقل من المحادثات شارك فيها مفاوضون إيرانيون وأمريكيون يجلسون في فنادق منفصلة ويتواصلون عبر دبلوماسية مكوكية، حيث ركزت الجلسات المبكرة بشكل أساسي على القضية النووية الشائكة أما الجلسات اللاحقة فقد انصب تركيزها على إطلاق سراح السجناء.
وقال ثلاثة من المصادر إن الدوحة ستنفذ ترتيبا ماليا ستدفع بموجبه الرسوم المصرفية وتراقب كيفية إنفاق إيران للأموال المفرج عنها لضمان عدم إنفاقها على بنود تخضع لعقوبات أمريكية كما سيصل السجناء إلى قطر أولا في توقف قصير عند مبادلتهم.
وقال دبلوماسي كبير: "إيران أرادت في البداية الوصول المباشر إلى الأموال لكنها وافقت في النهاية على الوصول لها عبر قطر... إيران ستشتري الغذاء والدواء وستدفع قطر مباشرة".
وجمعت "رويترز" هذه الرواية لتفاصيل لم تُذكر مسبقا حول نطاق الوساطة القطرية في المحادثات السرية، وكيف تم التوصل لاتفاق ومدى المصلحة التي دفعت الطرفين لإبرام اتفاق تبادل السجناء. وأجرت رويترز مقابلات مع أربعة مسؤولين إيرانيين ومصدرين أمريكيين ودبلوماسي غربي كبير ومستشار لحكومة خليجية ومصدر مطلع على المفاوضات.
وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الاتفاق الذي لم يتم تنفيذه بالكامل بعد.
بناء الثقة
لم تعلق الإدارة الأمريكية على توقيت تحويل الأموال. ومع ذلك، قال وزير خارجية كوريا الجنوبية بارك جين في الخامس من أيلول/ سبتمبر إن الجهود جارية لتحويل أموال إيران.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران ليست علاقة تتسم بالثقة. نحكم على إيران من خلال أفعالها، لا شيء آخر".
وأشار المتحدث إلى أن واشنطن وافقت على نقل الأموال الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى حسابات مقيدة لدى مؤسسات مالية في قطر، لكن لن تذهب أي أموال إلى إيران مباشرة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني لدى سؤاله عن هذه المسألة في مؤتمر صحفي نقله التلفزيون إن طهران ستطلق سراح الأمريكيين "على أسس إنسانية".
تظهر رواية المصادر عن المفاوضات كيف تحاشى الاتفاق الخلاف الرئيسي بين الولايات المتحدة وإيران بشأن أهداف طهران النووية، وبلغ ذروته في لحظة نادرة من التعاون بين البلدين الخصمين منذ فترة طويلة إذ أنهما على خلاف واضح بشأن مجموعة من القضايا تتراوح من برنامج إيران النووي وحتى الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أيضا إنه لم يطرأ أي تغيير في نهج واشنطن الشامل تجاه إيران "الذي يواصل التركيز على الردع والضغط والدبلوماسية".
وأضاف أنه بمجرد تحويل الأموال، سيتم وضعها في حسابات مقيدة في قطر سيكون للولايات المتحدة الإشراف على كيفية وتوقيت استخدام هذه الأموال.
وأثارت عملية التحويل المحتملة انتقادات من الجمهوريين مفادها أن بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي يدفع في الواقع فدية مقابل إطلاق سراح مواطنين أمريكيين. لكن بلينكن قال للصحفيين في العاشر من آب/ أغسطس إن الاتفاق لا يعني أن إيران ستحصل على أي تخفيف للعقوبات، موضحا أن واشنطن ستواصل التصدي "بحزم لأنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة".
وقال المصدر المطلع على المناقشات إن الوساطة التي تقودها قطر اكتسبت زخما في حزيران/ يونيو 2023 مضيفا أن ثماني جولات على الأقل من المحادثات أُجريت منذ آذار/ مارس 2022 مع تكريس الجولات المبكرة بشكل أساسي للقضية النووية وجولات لاحقة للسجناء.
وتابع قائلا: "أدركوا جميعا أن (المفاوضات) النووية طريق مسدود وحولوا التركيز إلى السجناء. ملف السجناء أبسط. من السهل التوصل لاتفاق بشأنهم ويمكنك بناء الثقة... هذا عندما اكتسبت الأمور جدية مرة أخرى".
السجناء سيمرون عبر قطر
قالت المصادر الإيرانية والدبلوماسية والإقليمية إنه بمجرد وصول الأموال إلى قطر من كوريا الجنوبية عبر سويسرا، سيصدر مسؤولون قطريون تعليمات لطهران وواشنطن بالمضي قدما في عمليات تبادل السجناء بموجب شروط وثيقة وقعها الجانبان وقطر في أواخر تموز/ يوليو أو أوائل آب/ أغسطس. ولم تطلع "رويترز" على الوثيقة.
وقال المصدر المطلع على المحادثات إنه من المتوقع اكتمال عملية التحويل إلى البنوك في قطر في وقت قريب جدا قد يكون الأسبوع المقبل إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها. ولم تتمكن "رويترز" من تحديد البنوك المعنية.
وقال المصدر المطلع على المحادثات: "السجناء الأمريكيون سيسافرون جوا إلى قطر من طهران والسجناء الإيرانيون سيسافرون من الولايات المتحدة إلى قطر ثم ينقلون إلى إيران".
وبحسب اثنين من المطلعين الإيرانيين والمصدر المطلع على المفاوضات والدبلوماسي الغربي الكبير فإن الجزء الأكثر تعقيدا في المحادثات كان ترتيب آلية لضمان الشفافية في تحويل الأموال واحترام العقوبات الأمريكية.
وتم تجميد الأصول الإيرانية البالغة قيمتها ستة مليارات دولار، وهي من إيرادات مبيعات نفط، بموجب العقوبات النفطية والمالية الأمريكية الشاملة ضد إيران. وكان الرئيس السابق ترامب قد أعاد عام 2018 فرض العقوبات على إيران عندما سحب واشنطن من الاتفاق الذي بموجبه قيدت طهران برنامجها النووي.
وشملت القضايا التي تمت مناقشتها كيفية التأكد من إنفاق إيران للأموال فقط على السلع الإنسانية وتأمين ضمانات من قطر بشأن مراقبتها للعملية.
وقال مصدر إيراني مطلع على المحادثات لـ"رويترز": "لإنقاذ المفاوضات من الانهيار، تعهدت قطر بتغطية الرسوم المصرفية لتحويل الأموال من سول إلى سويسرا، ومن ثم إلى البنوك القطرية، مع تحمل مسؤولية مراقبة النفقات".
وقال مصدر إيراني مطلع ثان والمصدر المطلع على المحادثات إن محافظي البنكين المركزيين الإيراني والقطري اجتمعا في الدوحة يوم 14 حزيران/ يونيو لمناقشة تحويل الأموال. وامتنع البنكان عن التعليق.
وقال مسؤول إيراني ومصدران مطلعان على المفاوضات والدبلوماسي الغربي إن المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي، الذي هو الآن في إجازة بدون أجر لأن تصريحه الأمني قيد المراجعة، قاد المحادثات مع نائب المبعوث الأمريكي الخاص أبرام بالي وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني.
وقال دبلوماسي إيراني كبير إن مهدي صفري نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية انضم إلى الوفد الإيراني في اجتماعين في قطر لإجراء محادثات بشأن تحويل الأموال. وقام وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي بدور الوسيط.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الإيرانية سجناء قطر إيران امريكا قطر سجناء سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة کوریا الجنوبیة تحویل الأموال المتحدث باسم إلى قطر فی قطر
إقرأ أيضاً:
إيران تُفـْشِلُ محاولات ترامب ونتنياهو في إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوّة
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
الضربات المشتركة التي شنّتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران مؤخرًا، واستهدفت منشآت نووية، وبُنى أساسية، ومؤسسات رمزية للدولة تجسد إفلاس سياسة استمرت لعقود تجاه طهران تقوم على الضغط والإكراه، وزعزعة الاستقرار. هذه المحاولة الجديدة لا تبدو كتحوّل استراتيجي بقدر ما تعكس اندفاعًا يائسًا لتغيير النظام الإيراني، ودعم نظام إقليمي هش قائم على هيمنة إسرائيلية لا تحدها قيود.
وجاء توقيت الضربة الإسرائيلية الأولى في 13 يونيو بدقة لافتة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي لطالما سعى لإجهاض أي تقارب أمريكي إيراني- يبدو وكأنه دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دفعًا إلى هذا التصعيد الذي طالما حلم به. والنتيجة أشبه بفخ نُصب بعناية؛ إذ يبدو ترامب مرة أخرى وكأنه انجرّ إلى صراع شرق أوسطي يصب في مصلحة نتنياهو أكثر مما يخدم المصالح الأمريكية.
ورغم الأضرار الجسيمة التي سببتها هذه الضربات؛ فإنها استدعت ردًا إيرانيًا سريعًا. فالصواريخ الإيرانية اخترقت الدفاعات الإسرائيلية التي طالما عدت منيعة، ما أجبر الملايين على الاحتماء بالملاجئ، وكشف ثغرات استراتيجية لم تكن في الحسبان. والأهم من ذلك أن إيران كانت على ما يبدو قد توقعت الهجوم الأمريكي على منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، فأخلت الأجهزة الحساسة، وأغلقت مداخل الموقع قبلا. بل إن مسؤولين أمريكيين اعترفوا الآن بأن فوردو لم تُدمّر. وبدأت الإدارة الأمريكية تلوّح مجددًا بخيار التفاوض كالمسار الوحيد للتعامل مع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، في إقرار ضمني بأن الحل العسكري غير مجدٍ.
تكشف هذه التطورات عن حقيقة أعمق، وهي أن البنية الأساسية النووية الإيرانية صُممت لتصمد أمام هذا النوع من الهجمات. فالانتشار الجغرافي، وعمق المنشآت، وتعقيد البرنامج يعني أن تدميرًا فعليًا قابلًا للتحقق لن يكون ممكنًا إلا عبر غزو بري شامل، ما يعيد إلى الأذهان الكارثة الأمريكية في العراق. والواقع أن التصعيد العسكري قد يدفع إيران نحو التسليح النووي بدلًا من منعه، ويقضي على المسار الوحيد القابل للاستدامة، وهو المسار الدبلوماسي.
وما زاد الطين بلة أن الضربة لم تؤدِ إلى انتفاضة شعبية، أو إسقاط النظام كما تأمل واشنطن وتل أبيب. فبالرغم من سنوات القمع ينظر كثير من الإيرانيين من المتدينين والعلمانيين على حد سواء إلى هذه الهجمات كعدوان مباشر على السيادة، والهوية الوطنية، وسلامة أراضيهم. حالة من الالتفاف الشعبي حول «الوطن» تتصاعد؛ دفاعًا عن الكيان الإيراني في مواجهة عدوان أجنبي. من جهتها؛ أظهرت الحكومة تماسكًا سياسيًا واضحًا بين مختلف التيارات مدفوعة بإحساس متزايد بأنها تجاوزت الأسوأ، وباتت أكثر صلابة. أما محاولة نتنياهو إعادة تلميع رضا بهلوي نجل الشاه المخلوع؛ فبدت عبثية في نظر الإيرانيين الذين يعدونه شخصية من الماضي لا تمت للواقع بصلة. في الوقت ذاته؛ فإن قصف قنوات إعلامية، ومنشآت مدنية إيرانية في مسعى يائس لإشعال تمرد داخلي لم يؤدِّ إلا إلى زيادة فقدان هذا المشروع لمصداقيته.
وتواجه واشنطن اليوم مفترق طرق حاسما؛ فداخل فريق الأمن القومي التابع لترامب ظهرت انقسامات. فقد أبدى بعض مستشاريه، مثل نائب الرئيس جي دي فانس انفتاحًا على استئناف المفاوضات مشيرين إلى إمكانية إجراء محادثات بشأن مخزون إيران النووي. وهذا بحد ذاته إقرار بالفشل؛ فالإكراه بلغ مداه، ولم يعد أمام الولايات المتحدة سوى طريق الدبلوماسية.
لكن لا يمكن للدبلوماسية أن تنجح في ظل القصف، والاغتيالات، ولا يمكن أن تستمر إذا واصلت واشنطن تفويض سياستها تجاه إيران لحكومة إسرائيلية متطرفة هدفها الدائم هو إبقاء الولايات المتحدة رهينة صراع دائم في الشرق الأوسط؛ لخدمة أجندتها.
وغالبًا ما يُنظر إلى سلوك إيران النووي في واشنطن من منظور التهويل متجاهلين المنطق الاستراتيجي الكامن وراء قرارات طهران. فبرنامج إيران النووي لم يكن حملة أيديولوجية لامتلاك السلاح، بل أداة مدروسة للردع، وكسب النفوذ. لقد صممت طهران تموضعها النووي بدقة؛ كي تكون دولة «عند العتبة»، أي أنها تمتلك البنية الأساسية، والتقنية، والمعرفة اللازمة لتصنيع السلاح النووي، لكنها تتوقف قبل الوصول إلى إنتاجه فعليًا. هذا الغموض الاستراتيجي خدم أهدافًا متعددة منها: تقوية موقف إيران التفاوضي، وزيادة كلفة أي ضربة عسكرية، والحفاظ على هامش مناورة دون خرق معاهدة منع الانتشار.
وقد طرحت إيران برنامجها النووي مرارًا كورقة تفاوض، وليس كغاية في حد ذاته. وخلال مفاوضات الاتفاق النووي في 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) أبدت استعدادًا لفرض قيود يمكن التحقق منها على برنامجها النووي مقابل ضمانات أمنية موثوقة، وتخفيف العقوبات الاقتصادية.
لقد حان الوقت لمراجعة واقعية لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط بعيدة عن الأوهام القصوى تقوم على التوازن الاستراتيجي. إيران ليست مشكلة يمكن حلها بالقصف؛ فالعقوبات والضغوط لم تؤدِّ إلى الخضوع أو الانهيار، بل عززت المقاومة، وسرّعت تقدم إيران النووي. وأي استراتيجية تقوم على الإكراه وحده هي وصفة للفشل الذاتي.
والأهم من ذلك أنه يجب على واشنطن أن تواجه حقيقة التكاليف الاستراتيجية المتزايدة؛ نتيجة تبعيتها لحكومة إسرائيلية متصلبة. فبدلًا من أن تكون إسرائيل شريكًا للاستقرار؛ بات سلوكها سببًا للتصعيد، وإفشال المساعي الدبلوماسية، وسحب واشنطن إلى صراعات تُبعدها عن أولوياتها العالمية.
إن أي استراتيجية أمريكية مستدامة يجب أن تقوم على تحقيق توازن إقليمي، لا على دعم طرف واحد دون شروط. ويجب على الولايات المتحدة أن تستعيد قرارها السيادي بما يخدم مصالحها بعيدة المدى. هذه اللحظة تتطلب تحولًا ليس فقط في الأساليب، بل في الرؤية الاستراتيجية. لا يمكن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقنابل والحروب المدمرة. وإذا كانت واشنطن حقًا تسعى إلى الاستقرار فعليها أن تتخلى عن وهم السيطرة على المنطقة عبر تفوق إسرائيل، ودعم الطغاة، والسعي لإسقاط الأنظمة المناوئة. هذا المشروع فشل، والحرب الجارية دليل صارخ على ذلك. ما سيحدث لاحقًا يتوقف على ما إذا كانت واشنطن مستعدة أخيرًا لاختيار الواقعية بدلًا من الأوهام.
سينا طوسي زميل بارز غير مقيم في مركز السياسات الدولية يركّز في أبحاثه على العلاقات الأمريكية الإيرانية، وسياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وقضايا الملف النووي.