المجلس الأطلسي: صفقة أمريكا والبحرين بداية لاتفاقيات مماثلة بمنطقة الخليج
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
سلط السفير الأمريكي لدى البحرين في الفترة من 2007 إلى 2011، آدم إيريلي، الضوء على الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة بين البلدين، واصفا إياها بأنها "مجرد البداية لمنطقة الخليج".
وذكر إيريلي، في تحليل نشره بموقع مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية وترجمه "الخليج الجديد"، أن توقيع الاتفاقية فاجأ العديد من المراقبين، فبينما كانت كل الأنظار تركز على الملحمة المستمرة للصفقة الأمريكية السعودية الإسرائيلية المحتملة، كانت واشنطن والمنامة تتفاوضان بهدوء حول تعزيز التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ما سيكون له عواقب بعيدة المدى على منطقة الخليج وخارجها.
وأضاف أن البحرين والعديد من جيرانها يرغبون في التزام دفاعي أمريكي من جانب، وفي ثبات هذا الالتزام من جانب آخر، مشيرا إلى أن بعض الحلفاء العرب يرون واشنطن حليفا متقلبا، "إذ ربما تمطرك إدارة اليوم باهتمام شديد، بينما تعاملك خليفتها وكأنك منبوذ".
ويكمن هذا التفاوت في توقعات القادة الخليجيين في منطق لتفكير الكثيرين من صناع القرار في واشنطن، مفاده أن دول الخليج العربية تحتاج إلى الولايات المتحدة، بأسلحتها وقواتها وتقنياتها، أكثر مما تحتاج إليها الولايات المتحدة، وهو ما يصفه إيريلي بأنه "منطق معيب". بل إن إيريلي يرى في الاتفاق الأمريكي البحريني الأخير "اعترافا ضمنيا من الولايات المتحدة بأن هذا المنطق لم يعد قائما".
ففي الاتفاقية، الملزمة قانونًا، تلتزم الولايات المتحدة بـ "التشاور وتقديم المساعدة إذا واجهت البحرين تهديدًا أمنيًا وشيكًا"، وهو تعهد أمني لم تقدمه الولايات المتحدة لدولة عربية من قبل.
وكما أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فإن الاتفاقية ستعمل أيضًا على "تعزيز التنسيق بين قواتنا المسلحة وتكامل قدراتنا الاستخباراتية"، ولذا فإن الذين يؤكدون على أن الاتفاقية لا ترقى إلى مستوى الضمانة الأمنية على غرار المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يخطئون الفهم، حسب تقدير إيريلي.
وأوضح السفير الأمريكي السابق لدى البحرين بأن الاتفاقية تشتمل على معيار جديد، ملزم ولا يمكن التراجع عنه، وسيكون بمثابة "إطار وأساس لجميع الاتفاقيات المستقبلية مع القوى الإقليمية الأخرى".
لماذا البحرين ولماذا الآن؟
وبدأ قادة البحرين محادثات حول هذه الصفقة منذ أكثر من عام، وكانت حكومة المملكة الخليجية الصغيرة ترغب منذ فترة طويلة في الارتقاء بعلاقتها التاريخية الوثيقة مع الولايات المتحدة إلى مستوى أعلى.
وكانت البحرين آنذاك الدولة الأولى في المنطقة التي تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية كبرى على أراضيها (القيادة المركزية للقوات البحرية)؛ وأول من وقع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة؛ وأول من تم منحه وضع الحليف الرئيسي من خارج الناتو.
ومع ذلك، فإن مجموعة من التهديدات المتطورة في المنطقة وضغوط العولمة جعلت من تنظيم شراكة أكثر قوة ضرورة بالنسبة للمنامة، وأعطتها اتفاقيات إبراهيم زخماً إضافياً.
اقرأ أيضاً
ولي عهد البحرين يصل واشنطن ويوقع اتفاقية أمنية مع بلينكن (صور)
وهنا يشير إيريلي إلى أن التعاون السريع والشامل بين إسرائيل ودول الخليج العربية خلق واقعا استراتيجيا جديدا أنتج فرصا وإمكانيات جديدة، وكانت البحرين عازمة على اغتنام هذه الفرص.
وخلال الحملة الانتخابية لبايدن عام 2020، كتب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي المستقبلي آنذاك وكبير المفاوضين في صفقة الاتفاقية مع البحرين اليوم، لمجلة فورين أفيرز: "بقدر ما تغيرت مصالح الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، فإن هذا لا يعني أنها تستطيع، أو ينبغي لها أن تترك المنطقة على الفور. وبدلاً من ذلك، ينبغي لها أن تقود بالدبلوماسية إلى تحديد الظروف التي ستسمح بتخفيضات مستدامة لوجودها العسكري، مع حماية المصالح المهمة في المنطقة، والتي لا تزال مهمة للولايات المتحدة وستظل مهمة لسنوات قادمة".
وبعد عامين ونصف من ولايته، أصبح بايدن مقدرا، بشكل كامل، ليس فقط لمركزية الخليج بالنسبة للمصالح الأمريكية، بل للحاجة إلى قدر أكبر من المعاملة بالمثل أيضًا، حسب تقدير إيريلي.
فسحب القوات الأمريكية من أفغانستان عام 2021، والخلافات مع المملكة العربية السعودية بشأن إنتاج النفط في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفشل المفاوضات النووية مع إيران، والمنافسة المتزايدة مع الصين، كلها عوامل رسخت قناعة صناع القرار الأمريكيين بأهمية عدم اعتبار شراكة الخليج أمرا مفروغا منه، وأدت إلى حملة لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع تلك الدول.
أهمية استراتيجية خاصة
وفي السياق، يرى إيريلي أن اختيار الولايات المتحدة للبحرين كأول شريك إقليمي لإضفاء هذا الطابع الرسمي "لا ينبغي أن يكون مفاجئًا"، إذ "لا تقدم أي من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مزيجاً مماثلاً من الأهمية الاستراتيجية" لواشنطن.
فمن الناحية الاستراتيجية، تعد البحرين العقدة المركزية للوجود البحري الدولي الذي يؤمن أهم نقاط الاختناق في العالم، وهي أيضًا الدولة التي تطالب إيران بأراضيها تاريخيا، وتوجه له طهران بعضًا من جهودها الأكثر عدوانية لزعزعة استقرارها.
كما أن رأس تنورة، أكبر محطة لتصدير النفط في السعودية، تبعد عن ساحل البحرين أقل من 40 ميلاً، وتمثل مراكز المنطقة الشرقية المجاورة في الدمام والخبر والجبيل مجتمعة الغالبية العظمى من إجمالي الطاقة الإنتاجية للنفط والبتروكيماويات في السعودية.
ومع مرور ما يقدر بنحو 9.7 مليون مركبة تجارية سنويًا، يعد جسر الملك فهد، الواصل بين السعودية والبحرين، واحدًا من أكثر المعابر الحدودية البرية ازدحامًا في الشرق الأوسط.
ومن الناحية السياسية، تقف البحرين في موقف رباعي مع الولايات المتحدة بشأن القضايا ذات الأهمية القصوى لواشنطن، وكانت دائمًا حليفًا ثابتًا وموثوقًا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه، ولم تثبت السنوات القليلة الماضية أي استثناء لهذا الوضع، بحسب إيريلي.
فخلافاً لبعض جيرانها، لم تقم المنامة بإظهار قدرتها على التحوط في رهاناتها من خلال التقرب من الصين أو عقد صفقات مع روسيا.
ويتوقع إيريلي أن تحذو دول عربية أخرى حذو البحرين، إما من خلال التوقيع على اتفاقية شبيهة أو من خلال التفاوض على اتفاقيات منفصلة من شأنها البناء على سابقتها.
وفي كلتا الحالتين، فإن البحرين، كما فعلت في كثير من الأحيان، قادت الطريق من خلال إظهار ما يمكن أن يحققه "الخيال والتصميم" للدول الأخرى، حسب تعبير إيريلي.
اقرأ أيضاً
اتفاقية تسمح لأسر العسكريين الأمريكيين بالعمل خارج القاعدة في البحرين
المصدر | آدم إيريلي/المجلس الأطلسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: البحرين الولايات المتحدة جيك سوليفان الناتو الولایات المتحدة من خلال
إقرأ أيضاً:
أمريكا ترامب وصدام حضارات مع أوروبا
في أوروبا تعرضت استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب الى انتقادات قاسية. لكنها رغم ذلك وثيقة مثيرة حقا. فهي تحاول أن تفعل شيئا طموحا وهو إعادة تعريف الأمن القومي على أسس حضارية.
ترتكز الآراء التقليدية حول الأمن القومي على المقتضيات العسكرية والاقتصادية. ولا تتجنب الاستراتيجية الخوض في هذه القضايا الشائكة، لكن المرء يشعر أن قلب من أعدَّها ليس مع هذه الضرورات حقًا.
في الجزء الخاص بقضية تايوان وهي بالغة الأهمية تؤكد وثيقة الاستراتيجية بوضوح أن «منع اندلاع حرب حول تايوان... أولوية». وتضيف: «نحن أيضا نحافظ على سياستنا المعلنة والراسخة حول تايوان». هذا هو بالضبط تعريف البيان المؤقت. (في السياسة الخارجية يعبر مثل هذا البيان عن موقف مؤقت إزاء قضية معيَّنة الى أن يتبلور موقف نهائي بشأنها - المترجم).
تصبح الوثيقة أكثر حيوية وابتكارا عندما تتجه إلى القضايا الحضارية. في هذا الجانب يوجد عنصر عرقي قوي بشكل واضح في تعريف الإدارة الأمريكية للحضارة، ولو إنه لم يُفصح عنه تماما.
الأولوية القصوى المدرجة في الوثيقة فيما يخص السياسات هي «الهجرة الجماعية». فالاستراتيجية تصر على وجوب «أن نحمي بلدنا من الغزو... من الهجرة غير المقيَّدة».
ثم تمدِّد تلك الفكرة عبر الأطلسي الى أوروبا. وهذا ما يشكل أساس الزعم الإشكالي في الاستراتيجية بأن أوروبا تقف على حافة «محو حضاري».
تحاجج وثيقة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة «بأن الغالبية في شعوب بلدان معينة في الناتو ستصبح خلال عقود قليلة على أفضل تقدير من أصول غير أوروبية». وفي نظرها هذا الاحتمال «أكثر من معقول».
هذا الزعم يبدو شبيها بما يدعوه علماء النفس أحيانا الإسقاط النفسي (بمعنى أن هذه مشكلة تعاني منها أمريكا وتسقطها على أوروبا- المترجم.) في الواقع، شعب الولايات المتحدة هو الذي تشير البيانات الإحصائية الى أنه سيصبح في معظمه «من أصول غير بيضاء» بحلول عام 2045. وبناء على الاتجاهات الحالية ستمر عدة عقود أخرى قبل أن تتخطى بريطانيا أو ألمانيا عتبة سكانية مماثلة لها.
مع ذلك، لمنع «المحو الحضاري» في أوروبا تقترح إدارة ترامب «رعاية مقاومة من داخل الشعوب الأوروبية ضد المسار الحالي الذي تمضي فيه أوروبا.» وهذا يعني بوضوح دعم الأحزاب القومية والمعادية للهجرة من شاكلة حزب البديل لألمانيا وحزب التجمع الوطني في فرنسا وحزب الإصلاح البريطاني.
من أين جاءت هذه الانعطافة الحضارية في السياسة الخارجية الأمريكية؟ يُعتقد أن المؤلف الأكثر تأثيرا لاستراتيجية الأمن القومي هو مايكل انتون الذي كان حتى وقت قريب مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية.
أكبر أسباب شهرته في السابق تأليفه مقالا في عام 2016 تحت عنوان «انتخابات الرحلة 93». حاجج انتون في المقال بأن الحيلولة دون انتخاب هيلاري كلنتون مسألة «بقاء قومي» للولايات المتحدة والتي هي بحاجة إلى انتخاب ترامب لمنع «الاستيراد الذي لا يتوقف للأجانب من بلدان العالم الثالث.» وفي عام 2016، وصف ذلك التسامح مع الهجرة الجماعية بأنه مؤشر على «حضارة تريد أن تموت». هل يبدو هذا القول مألوفا؟
لكن بأي قدر من الجدية على الأوروبيين التعامل مع كل هذا؟ هنالك ثلاثة طرق عامة للنظر الى استراتيجية الأمن القومي. أولها أن استراتيجيات الأمن القومي في معظمها هراء لا معنى له. تدرسها مراكز الأبحاث بعناية لكن لا علاقة لها تذكر بالعالم الحقيقي.
حقيقة أن انتون نفسه ترك الآن الإدارة الأمريكية، وأن ترامب لا يعتبر عموما مفكرا منهجيا يجعل من اليسير تجاهل «اللغة التي تتحدث عن الحضارة» واعتبارها لا تزيد كثيرا عن مجرد خطاب تعبوي لليمين المتطرف الأمريكي.
وجهة النظر الثانية هي أن كل هذا جزء من مساعي الولايات المتحدة لتشديد الضغط على الاتحاد الأوروبي؛ كي يمتثل لها في القضايا التي تهتم بها إدارة ترامب حقا وخصوصا عقد اتفاق سلام مع روسيا وإنهاء الجهود الأوروبية لفرض ضوابط إجرائية على شركات التقنية الأمريكية.
في هذا الشهر نشر كريستوفر لانداو نائب وزير الخارجية الأمريكية تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي اتهم فيها الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة « بالانتحار الحضاري.» أشار لانداو الى أن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها «التظاهر بأننا شركاء» مع بلدان الاتحاد الأوروبي التي تتبنى سياسات «مخالفة تماما» للمصالح الأمريكية.
من بين السياسات التي عدّدها «رقابة إعلامية» مزعومة وأيضا «الغلُوّ في حماية المناخ».
يبدو هذا مثل تهديد لا يكاد يَخْفَى وفحواه هو «اسحبوا سياسات الاتحاد الأوروبي التي تكرهها إدارة ترامب أو ستراجع الولايات المتحدة دعمها للناتو.»
لغة استراتيجية الأمن القومي عند اقترانها بتهديدات لانداو يمكن أيضا أن تدعم تفسيرا ثالثا أكثر جذرية. وفقا لهذه النظرة، ليست فقط سياسات الاتحاد الأوروبي هي التي تعترض عليها الإدارة الأمريكية ولكن وجود الاتحاد نفسه والذي يُصَوّرَ كمشروع عولمة مُعادٍ للمصالح الأمريكية.
النتيجة المنطقية لهذا التفسير هي احتمال انفصال الولايات المتحدة عن الناتو وتخليها عن حكومات أوروبا الحالية واقترابها أكثر وبشكل دائم من روسيا.
امتدح الناطق باسم فلاديمير بوتين استراتيجية الأمن القومي الأمريكية وأشار الى أنها تتّسق مع تفكير الكرملين. واستخدم الروس القريبون من بوتين منصة «اكس» المحظورة في روسيا لتأييد زعم إدارة ترامب بأن حرية الكلام مهددة في أوروبا.
أوضحت الاستراتيجية أن هنالك معركة تدور رحاها الآن بين نسختين للغرب تضعان الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة.
نسخة إدارة ترامب تعكس نظرة «للحضارة الغربية» ترتكز على العرق والمسيحية والقومية. أما النسخة الأوروبية فنظرة ليبرالية قائمة على الديموقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون بما في ذلك القانون الدولي.
في أوروبا أكبر مهدِّدَين للنسخة الليبرالية للحضارة الأوروبية هي أحزاب أقصى اليمين التي تروِّج لها الولايات المتحدة والدولة الروسية التي تتودَّد لها إدارة ترامب. ولا غرابة في أن يشعر الكرملين بوجود فرصة ينبغي اغتنامها.
جدعون راكمان كبير معلقي الشئون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز