الخليج الجديد:
2025-06-01@02:22:43 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

كوارث بلا حدود: سياسات بامتياز

تستشرف الكوارث الطبيعية الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.

الكوارث بلا حدود، لكنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية بامتياز لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة.

للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.

يوم تسونامي دخل احتلال أمريكا للعراق يومه الـ 656، وأنفقت 148 مليار دولار لتغطية الاحتلال، فالمبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي تسونامي يعادل يوماً ونصف يوم من إنفاق أمريكا لنكبة العراق!

* * *

المقاربات الأسهل بصدد الكوارث الطبيعية، الزلازل في المغرب والسيول وإعصار دانيال في ليبيا على سبيل الأمثلة الراهنة، هي تلك التي تبدأ من مشاعر التعاضد الإنساني والتضامن الإغاثي، وتنتقل إلى نمط من التسليم القدري بأنّ الطبيعة غاشمة ولا رادّ لتقلباتها العاتية.

وتمرّ بتلك العوامل التي تستفزّ الطبيعة أو تُفسد موازينها وقوانينها جراء سوء استغلال الموارد الطبيعية ومضاعفة الاحتباس الحراري؛ وقد تنتهي، وإنْ على استحياء غالباً، عند مسؤولية الأنظمة الحاكمة في صيانة البنى التحتية واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستباق وقوع الكوارث.

وأمّا النادر، المطلوب والضروري والأقلّ تكاسلاً، فإنه خيار تصنيف الكوارث الطبيعية ضمن نسق أوسع نطاقاً وأعمق توجهاً نحو الجذور.

تعتبر الحرائق والزلازل والسيول والفيضانات، وكلّ وأيّ «غضبة» للطبيعة، بمثابة جزء لا يتجزأ من فشل سيرورات التنمية على اختلاف ميادينها وجغرافياتها ومستوياتها، وبمثابة تكديس (عن سابق إهمال وتقصير، أو فساد واستبداد) لعوامل الأخطار المحدقة.

وأصحاب هذا الخيار، وهم غالباً منظمات أهلية وغير حكومية، مستقلة بهذه الدرجة أو تلك، يقود أشغالهم مبدأ بسيط ولكنه ثمين المنهج وهائل النتائج: أنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود، من جانب أوّل.

ولكنها، من جانب ثانٍ، لا تُلحق الأذى بالبشر والعمران على نحو متساوٍ متماثل، بل طبقاً لما يتكفل به البشر أنفسهم من طرائق تحسّبٍ واستعداد واستباق، طبقاً لهذا النظام السياسي أو ذاك، في هذه البيئة أو تلك، وعند مستوى الجوع أو التخمة.

في الوسع إذن، ولكن خارج مقاربات الكسل والتكاسل، عقد مقارنة بين المشاهد المريعة في مدينة درنة الليبية مؤخراً، وبين مشاهد تسونامي أندونيسيا سنة 2004؛ والاستنتاج بأنّ الكوارث الطبيعية بلا حدود من حيث باطن الأرض وأعاصير البحار، ولكن حدودها قائمة وفعلية وقاطعة من حيث طرائق التعامل ومقادير الاهتمام وأشكال التضامن.

في الحالة الأولى ثمة الكثير من التصريحات والوعود، محلية وإقليمية ودولية؛ وفي الحالة الثانية كانت المشاهد أكثر انطواء على الخير والسخاء والتضامن من أنّ يصدّقها ناظر بعين واقعية.

وكان مشروعاً أن يتساءل المرء: أكان العالم إزاء تسونامي هو نفسه الذي شهد كوارث رواندا والكونغو ودارفور؟ فلسطين المحتلّة والعراق المحتلّ وأفغانستان المحتلّة؟ معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب ومجازر الفلوجة؟ ثمّ، مؤخراً، زلازل الشمال السوري، والمغرب، وسيول ليبيا؟

وبعد ثمانية أيام على وقوع كارثة تسونامي ظهر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في البيت الأبيض، محاطاً بأبيه وبسلفه بيل كلينتون، وأعلن أنّ واشنطن سوف ترفع قيمة تبرعاتها من 35 إلى 350 مليون دولار.

أحد الأذكياء، الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، أهدى هواة المقارنات الدراماتيكية هذه الإحصائية، الطريفة والسوداء في آن معاً: نهار الكارثة، كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد دخل يومه الـ 656، وكانت واشنطن قد أنفقت حتى ذلك التاريخ 148 مليار دولار في تغطية الاحتلال، وهذا يعني أنّ المبلغ الذي تبرّعت به واشنطن لإغاثة منكوبي جنوب شرق آسيا يعادل يوماً ونصف يوم من مصروفات أمريكا… على منكوبي العراق!

وإذا صحّ أنّ الكوارث بلا حدود، فإنّ الأصحّ في المقابل هو أنّ ثورات الطبيعة ليست أقلّ من حوادث سياسية، وربما بامتياز أيضاً، لأنها تتكفل بكشف أنماط القصور والخلل وانعدام المسؤولية ساعة وقوع الكارثة، وتستشرف الكثير من جوانب الجرد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي لأداء النخب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.

وبمعزل عن تشخيص عاتق المسؤولية، أو التحلل منه أو حتى خيانته، للكوارث فضيلة تعريف المواطن المهمّش على تفاصيل ملموسة تشخّص تهميشه، ليس في شروط استثنائية كارثية فقط، بل عموماً على أصعدة الحقوق المضيّعة والوجود المنتقَص.

وتلك دروس يندر أن تكون الذاكرة الشعبية عاجزة عن حفظها، حتى ساعة حساب.

*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري مقيم في باريس

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: كوارث زلازل سياسات المغرب ليبيا الكوارث الطبيعية تسونامي السيول إعصار دانيال الکوارث الطبیعیة بلا حدود

إقرأ أيضاً:

كارثة في سويسرا.. انهيار جليدي يدمر قرية بالكامل

أعلنت السلطات السويسرية أن قرية "بلاتن" الواقعة في وادي "لوتشنتال" بجنوب البلاد تعرضت لدمار شبه كامل، بعدما انهار جزء ضخم من نهر جليدي جبلي، ما تسبب في انزلاق طيني هائل دفن معظم القرية تحت أطنان من الطين والصخور والجليد، وفق تقرير نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية.

وأظهرت لقطات مصورة التقطت بواسطة طائرة مسيرة، بثها التلفزيون الوطني السويسري، مشهدًا كارثيًا لسهول واسعة من الطين والحطام تغمر أحياء كاملة من بلاتن، وتجرف معها مجرى نهر "لونزا" والغابات الجبلية المحيطة.

وقال ستيفان جانزر، رئيس الأمن في منطقة "فاليه" الجنوبية، لقناة كانال ٩ المحلية: "ما يمكنني تأكيده الآن أن نحو 90% من القرية دمرت أو غمرت. إنها كارثة كبرى حلت ببلاتن".

وكانت السلطات قد أصدرت أوامر بإخلاء القرية في 19 مايو، بعد رصد مؤشرات خطيرة على احتمال وقوع انهيار أرضي بسبب تصدعات في نهر "بيرتش" الجليدي، الواقع فوق القرية.

وبحسب البيان الرسمي لحكومة المنطقة، فقد تحققت أسوأ المخاوف بعد أن انفصل جزء كبير من النهر الجليدي، ما أدى إلى الانهيار الضخم.

وقال ماتياس بيلوَلد، رئيس بلدية بلاتن، في مؤتمر صحفي: "لقد فقدنا قريتنا. إنها الآن تحت الأنقاض.. لكننا سنعيد البناء".

وأكد ماتياس إبنر، المتحدث باسم السلطات المحلية في كانتون فاليه، أن شخصًا واحدًا ما زال في عداد المفقودين، مشيرًا إلى أن "كمية لا تصدق من الصخور والجليد انحدرت إلى الوادي".

وبحسب المشاهد المصورة، فقد دمرت العديد من المنازل الخشبية بالكامل، وانتشرت أنقاضها على سفوح الكتلة الأرضية المنهارة. 

وأوضحت السلطات أن البنية التحتية للقرية تعرضت لأضرار جسيمة، بينما لا تزال المخاطر قائمة، خصوصًا مع انسداد مجرى نهر "لونزا" بسبب الحطام، ما يثير احتمالات حدوث فيضانات لاحقة في حال تراكم المياه خلف الانهيار.

الرئيسة السويسرية كارين كيلر-سوتر عبرت عن تضامنها مع السكان، ووصفت ما حدث بأنه "مأساة فقدان الوطن". 

كما دعت أجهزة الطوارئ المواطنين إلى الابتعاد عن المنطقة بسبب "الخطورة الشديدة"، وتم إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى الوادي.

وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصور يوثق اللحظة المروعة لانهيار جزء من النهر الجليدي، حيث غطت سحابة ضخمة من الحطام والأتربة جانبًا من الجبل، بينما تدفقت الصخور والطين بسرعة نحو أطراف القرية.

تضم قرية بلاتن نحو 300 نسمة، وكانت مهددة منذ أسابيع، حيث رصد الجيولوجيون شقوقًا وتصدعات في الكتلة الجليدية. 

ومع تحذيرات متكررة، جرى إجلاء السكان قبل تسعة أيام فقط من وقوع الكارثة، الأمر الذي حال دون وقوع مجزرة بشرية.

طباعة شارك سويسرا انهيار جليدي الجارديان

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: المعركة في غزة استخباراتية بامتياز والمقاومة صامدة
  • ترامب يفقد صبره على نتنياهو.. تسونامي سياسي عالمي يهدد الاحتلال
  • زلزال يضرب سواحل شمال اليابان دون تحذيرات من موجات تسونامي
  • الطبيعة تغضب.. 4 كوارث في دول مختلفة ماذا يحدث؟
  • الجامعات العالمية تتسابق لاستقطاب الطلبة المتضررين من سياسات ترامب
  • مربيات في الظل.. كيف تهدد سياسات ترامب مستقبل قطاع رعاية الأطفال؟
  • الدكتوراه بامتياز للباحث إبراهيم زايد من جامعة صنعاء
  • سلسلة كوارث وأحداث مأساوية تهزّ العالم.. من تحطم طائرة عسكرية إلى انهيار جليدي مدمّر!
  • سنتخذ الإجراءات القانونية.. أول رد من الجامعة الحديثة بشأن وقوع مشاجرة
  • كارثة في سويسرا.. انهيار جليدي يدمر قرية بالكامل