ليبيا ليست بعيدة.. ونحن الأهل
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
في الوقت الذي كنت أكتب فيه مقالة سابقة للتعاطف مع ضحايا زلزال المغرب (وربما كان الشعب الليبي حينها يتابع متعاطفا معي ضحايا كارثة زلزال المغرب وليس في حسبانه كارثة جديدة تهز الساحل في شرق ليبيا لنصير إلى قول شوقي: «إن المصائب يجمعن المصابينا») كانت كارثة طبيعية أخرى تمر بالشرق الليبي، هذه الكارثة هي العاصفة القوية التي ضربت الأسبوع الماضي ليبيا، وتسببت بانهيار سدين في مدينة درنة، أمطار العاصفة جرفت معها المدينة ببناها التحتية وبحطام جسورها وسدودها كما جرفت كثيرا من الجثث ضحايا العاصفة المدارية المتحولة إلى إعصار مدمر.
كانت البيوت المجاورة للبحر هي الأكثر ضررا بطبيعة الحال، لكن بيوت الأسر البعيدة كذلك تحولت إلى قبور لساكنيها، مع انخفاض الأمل في القدرة على الوصول للناجين، لتكون درنة الليبية مدينة منكوبة عالميا ترسل صيحات استغاثتها وتنتظر فرق الإنقاذ لانتشال ناجيها بعد طول انتظار، أو حتى انتشال ضحاياها ليطمئن الحي منهم إلى حياة أو موت كل عزيز مفقود بعلاج بعد نجاة، أو إكرام بدفن بعد موت، وفي الوقت ذاته تواجه فرق الإغاثة والإنقاذ صعوبة التعامل مع آلاف الجثث التي أعادتها الأمواج لليابسة أو تلك التي بدأت بالتحلل تحت الأنقاض بعد دمار الدور والمباني وإلقاء العاصفة بالقتلى في البحر.
بين تصريح وزير الصحة الليبي في أن عدد الوفيات ارتفع إلى 3252 بعد انتشال أكثر من 80 جثة جديدة، وتصريح الأمم المتحدة في تحديث لحصيلة ضحايا الفيضان في المدينة إلى 11.300 قتيل بين تلك التي تم انتشالها من تحت الأنقاض، أو تلك التي عثر عليها في البحر، وتوقعات كليهما في ارتفاع أعداد المتوقع من المفقودين الذين يزيد عددهم عن 10000 شخص، أقر نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني في تصريح لسكاي نيوز عربية يوم أمس أن الدولة الليبية لا تملك قدرات للتعامل مع كارثة درنة، وفي وقت سابق أعلنت مفوضية شؤون اللاجئين كذلك أن أعدادا كبيرة من النازحين في ليبيا بحاجة إلى مساعدة عاجلة.
عاصفة دانيال ليست جديدة لا كعاصفة ولا كمسمى فهي عاصفة شبيهة بالإعصار تحدث في البحر المتوسط، ترافقها رياح حلزونية تتشكل بسبب الموجة الاستوائية المدارية قبالة المحيط الأطلسي، وقد عرفت أول مرة في الثمانينيات، ثم في سبتمبر الجاري من عام 2023 ضربت عاصفة شبيهة بالإعصار اليونان وأطلقت الأرصاد الجوية اليونانية عليها اسم «دانيال» تيمنا بالعواصف التي مرت بسلام والتي حملت نفس الاسم من قبل، إلا أنها تحوّلت إلى إعصار شديد لا سيما مع وصولها إلى ليبيا حتى صنّف هذا الإعصار واحدا من أقوى الأعاصير الممطرة وأشدها في آخر 100 عام، ويعد أحد أشكال التغير المناخي المرعب الذي يضرب العالم وتزداد ضراوته عاما بعد عام.
ومع اختلاف خبراء الأرصاد الجوية على المسمى سواء كان عاصفة، أو عاصفة بخصائص شبه استوائية أو إعصارا فإن اليقين هو أنه كارثة بشرية مرّت بليبيا وأهلها مرورا ثقيلا، واليقين الآخر أننا في سلطنة عمان مررنا بكوارث طبيعية مشابهة في السنوات الأخيرة ندرك معها معنى مباغتة الطبيعة للإنسان، وتحول لحظات الأمان والدعة المألوفة إلى رعب وخوف مباغتين، وتراكمات لاحقة للحزن على كل فقد إنساني يسلمنا بعد هدوء انفعالاته إلى مستويات من الحزن الجمعي على البشر والنبات وحتى الجماد متمثلا في بيوت وأحياء وطرق كانت أمانا طويل المدى لأحبة وذكريات وكثير من القصص العالقة في الذاكرة، والتي ستكون قصة الإعصار أقواها أثرا وأطولها مدى لعمق ما حفرته في قلب الأرض وقلوب ساكنيها.
ولأن ليبيا منا ونحن منها -أرض عربية صمدت في وجه الكثير من التحديات التاريخية البعيدة الضاربة في أعماقه أو القريبة المعاصرة، ولأنها أقوى من أن تنكفئ أو تستسلم بقيت شامخة – فإننا واثقون هنا في سلطنة عمان بأنه ليس قضاء هيّنا، ولا خَيارا يُرَدُّ أو موعدا يؤجل فإننا على ثقة بأنهم قادرون على تجاوز هذه الأزمة وهذا الابتلاء إلى غد أفضل، وهذه الأحزان إلى تكافل اجتماعي ووحدة وطنية، وهذه الحالة من الصدمة والأسى إلى حالة من الوعي المضاعف والإدراك الحقيقي لمعنى وحدة الشعب ووحدة المصير، حفظ الله ليبيا وأهلها من كل شر وأمَّنَهم جميعا من كل حزنٍ أو خوفْ، وجنبهم وجنبنا كوارث الطبيعة وفواجع الدهر.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
معذرة الى أهل غزة
سالم بن نجيم البادي
معذرة يا أهل غزة، قلوبنا أضحت كالحجارة أو أشد قسوة. نراكم تموتون جوعًا ونحن أمة المليار مسلم، ولكننا غثاء كغثاء السيل، لا نستطيع أن نفعل شيئًا من أجل أن نمدكم بالطعام لأطفالكم الذين نشاهدهم يموتون من الجوع والعطش والخوف والنزوح والشتات، ونحن لا نحرّك ساكنًا. حتى إن بعضنا لم يعد يتابع أخباركم، لقد أصابنا التبلد في المشاعر بعد 600 يوم من الحرب المجنونة التي تحصد أرواحكم وتدمر أرضكم.
هذه حرب إبادة وانتقام أعمى وتطهير عرقي، نعلم ذلك، ولكننا نراقب بصمت.
من كان يظن أن نصمت كل هذا الصمت حيال موتكم وجوعكم ومشاهدتكم وأنتم تتزاحمون من أجل الحصول على حفنة من الطعام؟ من يصدق أننا سوف نخذلكم في موطن تحتاجون فيه إلى النصرة؟
أنتم تموتون ونحن نتفرج، أنتم تجوعون ونحن حتى ما عدنا نشعر بالخزي والعار والذل، وفي ديننا: "لا يؤمن من لم يهتم بأمر المسلمين"، وفي ديننا: "لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع"، وفي ديننا واجب علينا جميعًا نصرة إخواننا في الدين، وفي العروبة من النخوة والشهامة والشجاعة والمروءة، ومن أخلاق العرب إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، ومن الإنسانية أن يُغيث الإنسان أخاه في الإنسانية.
ولقد ثبت الآن أن العالم يلفه الزيف والادعاءات الكاذبة التي تتباكى على حقوق الإنسان والحضارة والمساواة والعدالة.
وصارت تعاليم الإسلام المتعلقة بحقوق المسلم تجاه أخيه المسلم مغيّبة، وأن الحديث عن العروبة صار من أحاديث الماضي.
وأن ما كنتم تأملونه من الساسة وأهل الحل والعقد، والقمم العربية والإسلامية، والجامعة العربية، أصبح وهمًا، والتعويل عليه سذاجة سافرة.
وحتى الشعوب العربية صارت خانعة، لا تتظاهر ولا تحتج، فقط الصمت والفرجة عليكم وأنتم تُقتلون وتموتون جوعًا وعطشًا وقهرًا وظلمًا، وحسرة من التخاذل العربي والإسلامي الغريب وغير المبرر.
وحتى أولئك الذين يتضامنون معكم من العرب والمسلمين، تضامنهم الخجول هذا لم يمنع عنكم الموت والجوع، وأن تحميل "حماس" مسؤولية ما حدث لكم هو قول زور وبهتان، ووسيلة هروب، وإلقاء المسؤولية على الآخرين، وتبرئة النفس، هو تخاذل وجبن، وأن الحديث عن الواقعية السياسية ومراعاة الواقع والتوازنات الإقليمية والدولية هو عذر أقبح من ذنب.
يا أهل غزة، نعتذر إليكم، فنحن إخوانكم العرب نحبكم، وتنفطر قلوبنا، ونبذل دموعًا غزيرة حين نشاهد أطفالكم يموتون من الجوع، لكننا ضعفاء ونشعر بالعجز التام عن نصرتكم، فاعذرونا... وسوف يأتي عيد الأضحى، وسوف نستعرض ملابسنا الجديدة وأكلاتنا الفاخرة، وسوف نُسرف في الفرح والاحتفالات، بينما أنتم تموتون من الجوع.
اعلموا أن العروبة ماتت، وإن أصابكم اليأس من إخوانكم العرب، وقطعتم حبل الرجاء منهم، فلا لوم عليكم، ولن أقول لكم: لا تيأسوا من العرب.
ولكم الله يا أهل غزة، وهو حسبكم ونِعم الوكيل.
نصركم الله وأيّدكم.