خلال الجزء الأكبر من القرن الحادي والعشرين، حققت ألمانيا نجاحاً اقتصادياً تلو الآخر، إذ سيطرت على الأسواق العالمية للمنتجات الراقية مثل السيارات الفاخرة والآلات الصناعية، وباعت سلعاً كثيرة لبقية العالم حتى أن نصف الاقتصاد كان يعتمد على الصادرات.

جاءت الضربة الثانية من الصين الشريك التجاري الرئيسي لبرلين

وكانت الوظائف وفيرة، ونمت خزائن الحكومة المالية مع غرق دول أوروبية أخرى في الديون، وتم تأليف كتب حول ما يمكن أن تتعلمه الدول الأخرى من ألمانيا.

ولكن وكالة "أسوشيتد برس" تقول في تقرير لها إن ألمانيا أصبحت صاحبة أسوأ الاقتصادات المتقدمة أداءً في العالم، ويتوقع كل من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي انكماشها هذا العام.

وأثار الأداء الضعيف المفاجئ لأكبر اقتصاد في أوروبا موجة من الانتقادات والقلق والنقاش حول المضي قدماً.

وقال كريستيان كولمان، الرئيس التنفيذي لشركة الكيماويات الألمانية الكبرى Evonik Industries AG، إن ألمانيا تخاطر بـ "تراجع التصنيع"، لأن ارتفاع تكاليف الطاقة وتقاعس الحكومة عن حل المشكلات المزمنة الأخرى يهدد بإرسال مصانع جديدة ووظائف ذات رواتب عالية إلى أماكن أخرى.

رموز النجاح

من مكتبه في الطابق الحادي والعشرين في مدينة إيسن غرب ألمانيا، يشير كولمان إلى رموز النجاح السابقة عبر منطقة وادي الرور الصناعية التاريخية: مداخن مصانع المعادن، وأكوام النفايات العملاقة من مناجم الفحم المغلقة الآن، ومجمع ضخم للنفط التابع لشركة بريتيش بتروليوم.. المصفاة ومنشأة إنتاج المواد الكيميائية المترامية الأطراف التابعة لشركة إيفونيك. 

Germany went from envy of the world to the worst-performing major developed economy. What happened? https://t.co/iAE9a2afiR pic.twitter.com/b7s2AfKFwX

— Rodolfo TIM BETA (@RodolfoLemoss) September 19, 2023

وفي هذه الأيام، أصبحت منطقة التعدين السابقة، حيث كان غبار الفحم يسبب اسوداد الملابس المعلقة، إلى رمز لتحول الطاقة، حيث تنتشر توربينات الرياح والمساحات الخضراء.

وقال كولمان لوكالة أسوشيتد برس، إن فقدان الغاز الطبيعي الروسي الرخيص اللازم لتشغيل المصانع، "ألحق ضرراً مؤلماً بنموذج الأعمال في الاقتصاد الألماني.. نحن في وضع نتأثر فيه بشدة -نتضرر- بسبب عوامل خارجية".

وبعد أن قطعت روسيا معظم إمداداتها من الغاز عن الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى أزمة طاقة في الكتلة المكونة من 27 دولة والتي كانت تحصل على 40% من الوقود من موسكو، طلبت الحكومة الألمانية من شركة إيفونيك أن تبقي محطة الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي أنشئت في الستينيات تعمل بالطاقة الشمسية.. بضعة أشهر أطول.

وتتحول الشركة بعيداً عن المصنع  الذي تعمل مدخنته المكونة من 40 طابقاً على إنتاج المواد البلاستيكية والسلع الأخرى، إلى مولدين يعملان بالغاز يمكن تشغيلهما لاحقاً بالهيدروجين وسط خطط لتصبح محايدة للكربون بحلول عام 2030.

حلول مقترحة

ولفتت الوكالة  إلى أن أحد الحلول التي نوقشت بشدة هو وضع سقف تموله الحكومة على أسعار الكهرباء الصناعية، لمساعدة الاقتصاد على التحول إلى الطاقة المتجددة.

وقد واجه الاقتراح الذي قدمه نائب المستشار روبرت هابيك من حزب الخضر مقاومة من المستشار أولاف شولتز، وهو ديمقراطي اشتراكي وشريك في الائتلاف المؤيد لقطاع الأعمال الديمقراطيين الأحرار.. ويقول أنصار البيئة إن ذلك لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الاعتماد على الوقود الأحفوري.

ويؤيد كولمان ذلك، قائلاً: "لقد كانت القرارات السياسية الخاطئة هي التي أدت في المقام الأول إلى تطوير تكاليف الطاقة المرتفعة هذه وأثرت عليها، ولا يمكن الآن أن تتحمل الصناعة الألمانية والعمال الألمان الفاتورة".

ارتفع سعر الغاز إلى ضعف ما كان عليه في عام 2021 تقريباً، ما أضر بالشركات التي تحتاج إليه للحفاظ على الزجاج أو المعدن ساخناً ومنصهراً على مدار 24 ساعة يومياً، لصنع الزجاج والورق والطلاءات المعدنية المستخدمة في المباني والسيارات.

وجاءت الضربة الثانية من الصين، الشريك التجاري الرئيسي لبرلين والتي تعاني من تباطؤ بعد عدة عقود من النمو الاقتصادي القوي.

لقد كشفت هذه الصدمات الخارجية عن تصدعات في أساس ألمانيا تم تجاهلها خلال سنوات من النجاح، بما في ذلك التأخر في استخدام التكنولوجيا الرقمية في الحكومة والشركات، والعملية المطولة للحصول على الموافقة على مشاريع الطاقة المتجددة التي تشتد الحاجة إليها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني

إقرأ أيضاً:

اتفاقات تعاون مع تركيا والصين.. خطوات استراتيجية لتعزيز الاقتصاد السوري

شهدت سوريا في 2025 تحركات مهمة على صعيد التعاون الاقتصادي والطاقة، حيث أعلنت الحكومة عن سلسلة اتفاقيات استراتيجية مع تركيا والصين تهدف إلى إعادة إعمار البنية التحتية وتعزيز التعافي الاقتصادي بعد سنوات من النزاع.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، كشف وزير الطاقة السوري محمد البشير عن اتفاق جديد مع تركيا لمد خط أنابيب غاز بين البلدين، بالإضافة إلى استكمال الإجراءات الفنية لربط خط كهرباء بقدرة 400 كيلو فولت، مع توقع بدء تشغيل هذه المشاريع قبل نهاية العام.

وأوضح البشير أن هذا الربط سيحدث نقلة نوعية في تحسين واقع الكهرباء في سوريا، بينما أكد نظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار أن بلاده بدأت بالفعل تزويد سوريا بملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، ما يساهم في توليد نحو 1300 ميغاواط من الكهرباء.

كما لفت بيرقدار إلى استعداد الشركات التركية الكبرى للعودة والاستثمار مجددًا في سوريا، مشددًا على أن رفع العقوبات إلى جانب هذه المشاريع المشتركة يشكل حافزًا قويًا لجذب الاستثمارات الأجنبية.

على صعيد آخر، وقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية مذكرة تفاهم مع شركة Fidi Contracting الصينية لاستثمار مناطق حرة بمساحة تتجاوز مليون متر مربع في مدينتي حسياء بمحافظة حمص وعدرا بريف دمشق، وذلك لمدة 20 عامًا.

وتهدف المذكرة إلى إنشاء منطقة صناعية متكاملة تضم مصانع ومنشآت إنتاجية متخصصة تلبي متطلبات السوق المحلية والإقليمية، وتوفر مزايا عديدة للمستثمرين من إعفاءات ضريبية كاملة إلى حرية استخدام اليد العاملة وتحويل رؤوس الأموال الأجنبية.

وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة الهيئة الرامية إلى تنشيط المناطق الحرة وتعزيز جذب رؤوس الأموال الأجنبية، لخلق فرص عمل جديدة ونقل التكنولوجيا ورفع حجم التبادل التجاري عبر المنافذ البرية والبحرية.

كما تأتي هذه الاتفاقيات ضمن سياق أوسع تشهده سوريا بعد قرار الإدارة الأمريكية برفع العقوبات المفروضة على البلاد، إثر مناقشات مع السعودية وتركيا، وهو ما يفتح الباب أمام فرص أوسع للتعاون الإقليمي والدولي في مسارات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.

وتدعو الحكومة السورية المجتمع الدولي إلى دعم هذه الخطوات وتسهيل الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والتعدين والصناعة، لتسريع عملية التعافي الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين.

ويرتبط التعافي الاقتصادي السوري بشكل وثيق بتحسين قطاع الطاقة الذي يعاني من نقص حاد في الكهرباء والوقود، ما أثر على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وتعتمد سوريا بشكل كبير على استيراد الغاز والكهرباء، مما يجعلها في حاجة إلى شراكات استراتيجية مع دول الجوار، خصوصًا تركيا التي تمتلك بنية تحتية متقدمة في مجال الطاقة، إضافة إلى فرص استثمارية مع دول مثل الصين التي تملك خبرات واسعة في تطوير المناطق الحرة والصناعات الثقيلة.

قطر تستعد لتزويد لبنان بالغاز عبر سوريا مجاناً الصيف المقبل في خطوة لدعم الطاقة

أشارت صحيفة “المدن” إلى استعداد قطر لإيصال الغاز إلى لبنان عبر سوريا بشكل مجاني خلال الصيف المقبل، في إطار تنسيق بين البلدين، في مبادرة تهدف إلى دعم قطاع الطاقة اللبناني وتحقيق حل مستدام لأزمة الكهرباء.

وقالت الصحيفة إن الحكومة اللبنانية أظهرت مؤشرات إصلاحية مهمة تراهن عليها عدة دول صديقة للبلاد، ما يعزز فرص استئناف الدعم الدولي.

وأضافت أن هذه المبادرة القطرية ليست مفاجئة، بل تأتي استكمالاً لما تم طرحه في ديسمبر 2021، حين كشف وزير الطاقة اللبناني السابق وليد فيّاض عن محادثات بين لبنان وقطر حول إمداد الغاز عبر الأردن وسوريا.

وفي فبراير 2022، أكد وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي، خلال قمة الدول المصدرة للغاز، أن قطر تعمل على دعم لبنان بإمدادات طاقة طويلة الأمد باستخدام الغاز الطبيعي المسال، كما عرضت قطر بناء محطتين لإنتاج الكهرباء في لبنان، وأعلنت في نوفمبر 2023 عن استعدادها، بالشراكة مع شركة توتال الفرنسية، لتقديم ثلاثة معامل للطاقة البديلة بطاقة إنتاجية تقدر بنحو 500 ميغاوات، أي ما يعادل بين 25 و30% من حاجة لبنان للطاقة.

وأوضحت “المدن” أن المبادرة القطرية، في حال تنفيذها وتلقفها سريعاً من الجانب اللبناني، ستشكل خطوة أساسية نحو حل مستدام لأزمة الطاقة. في المقابل، يعتبر استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري حلاً مؤقتاً يعترضه العديد من العراقيل، من بينها استكمال الإصلاحات الداخلية في لبنان لضمان موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع، فضلاً عن هشاشة التمويل نفسه.

هذا وتقدم المبادرة القطرية المجانية مرونة غير متوفرة في مشروع الاستجرار من الأردن ومصر، ما يجعلها فرصة مهمة لتعزيز أمن الطاقة في لبنان.

مقالات مشابهة

  • «الاقتصاد» تناقش فرص التعاون مع قادة الأعمال في ألمانيا وأوروبا
  • ألمانيا تدعو حلفاء كييف إلى الرد بحزم على روسيا.. ماذا حدث؟
  • ألمانيا: نعمل على وقف الحرب المدمرة في غزة بأسرع وقت.. ماذا عن حل الدولتين؟
  • الرهوي: الحكومة ستعمل على تسهيل كل التحديات التي تواجه قطاعي الزراعة والثروة السمكية
  • نجاح المؤتمر العربي للإعلام… علامة فارقة ومسؤولية متجددة
  • زين.. قصة نجاح إقليمية تنبض من قلب الأردن
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • المتحدث باسم الحكومة الألمانية يكشف تفاصيل خاصة عن المساعدات التي سمح العدو الصهيوني بإدخالها إلى قطاع غزة
  • اتفاقات تعاون مع تركيا والصين.. خطوات استراتيجية لتعزيز الاقتصاد السوري
  • ألمانيا: المساعدات التي دخلت غزة قليلة جدا ومتأخرة