خبير اقتصادي: الخصخصة طوق النجاة لأزمة مصر.. بشرط
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
سلط الخبير الاقتصادي، وليد أبو هلال، الضوء على الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر، في ظل تحذير وكالة فيتش، في 7 سبتمبر/أيلول الجاري، من خطر زيادة الالتزامات الأجنبية للقطاع المصرفي المصري بسبب تراكم طلبات الاستيراد، ومخاطر مغادرة حيازات المحافظ البلاد ونقص العملات الأجنبية، واصفا خصخصة الأصول العامة بأنها السبيل لحل تلك الأزمة.
وذكر أبو هلال، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن فيتش، منحت، بتقرير أصدرته في يوليو/تموز الماضي، البنك الأهلي المصري درجة "B"، مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو أقدم بنك في مصر، حيث يبلغ عمره 125 عامًا، وأكبر بنوكها، حيث يمثل حوالي 37% من إجمالي أصول البنوك المصرية مجتمعة، وحوالي 17 مليون عميل.
وأضاف أن البنك الأهلي المصري هو أهم دائن للحكومة وشركات القطاع العام (بالعملة المحلية)، إذ تشكل قروض تلك الجهات نحو 80% من قروض البنك.
وفي الوقت نفسه، خفضت وكالة التصنيف الائتماني، ستاندرد آند بورز، تصنيفها للاقتصاد المصري، ما أدى إلى انخفاض البلاد من "مستقر" إلى "سلبي"، وحذرت أيضًا من احتمال انخفاض التوقعات مجددا في الأشهر المقبلة.
كما أشارت الوكالة إلى أن إجراءات السياسة التي تنفذها السلطات المصرية قد لا تكون كافية لتحقيق استقرار سعر الصرف وجذب تدفقات العملات الأجنبية، وهي مطلوبة لتلبية احتياجات التمويل الخارجية المرتفعة.
وهنا يلفت أبو هلال إلى أن التصنيفات الائتمانية تلعب دوراً مهماً في قدرة الدولة على الاقتراض، حيث يعتمد المقرضون بشكل كبير على تقييمات هذه الوكالات قبل الاستثمار في بلد آخر.
وتتراوح التقييمات من الأعلى، AAA، إلى الأدنى، D، وقد حصلت مصر على تصنيف B، ما يجعلها "أكثر عرضة للظروف التجارية والمالية والاقتصادية المعاكسة"، وفقًا لوكالة ستاندرد آند بورز.
وفي السياق، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إن الضغوط الخارجية على اقتصاد البلاد، مثل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، كانت وراء التخفيض الأخير لتوقعات "ستاندرد آند بورز".
لكن أبو هلال يصف تبرير معيط بأنه "هش"، لأن الحرب أثرت في البداية على الاقتصاد المصري، مع ارتفاع أسعار القمح، إلا أن هذه الأسعار استقرت لاحقا.
ويعني التصنيف الائتماني الضعيف لمصر أن إقراض الحكومة يتسم بدرجة عالية من المضاربة، وهو أحد الأسباب التي تجعل القاهرة تواجه صعوبة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالحصول على تمويل خارجي، سواء من المنظمات الدولية أو حتى من حلفائها الخليجيين.
ونظراً للانخفاض الخطير في احتياطيات البنك المركزي المصري من العملات الأجنبية، تبحث الحكومة عن حلول قصيرة الأجل، بما في ذلك الاستمرار في الاقتراض.
وفي الشهر الماضي، احتفل المسؤولون ووسائل الإعلام المصرية بانضمام البلاد إلى كتلة بريكس، إذ تأمل القاهرة في الحصول على مصادر تمويل جديدة عبر بنك التنمية الجديد، التابع للكتلة.
اقرأ أيضاً
تصريحات السيسي حول الأزمة الاقتصادية والكهرباء تثير غضب المصريين.. ماذا قال؟
المنافسة العادلة
لكن القروض المحتملة، التي ستتمكن مصر من الحصول عليها، ستكون متواضعة مقارنة باحتياجاتها التمويلية الكبيرة، حسبما يرى أبو هلال، مضيفا: "في حين أن هناك فرصة جيدة لأن تتمكن مصر من جذب المستثمرين من دول بريكس الأخرى، مثل السعودية والإمارات والصين وحتى روسيا، إلا أنه يجب على النظام أولاً ضمان بيئة استثمارية جذابة".
وتابع: "يجب اتخاذ قرارات شجاعة لتحرير الاقتصاد من قبضة الحكومة والجيش، وبالتالي ضمان المنافسة العادلة للمستثمرين المحتملين".
ويرى أبو هلال أن الخصخصة هي حجر الزاوية في عملية التحرر الاقتصادي المصري، وخطوتها الأولى تتمثل في طرح الشركات المملوكة للدولة والجيش المصري للبيع، دون شروط مقيدة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي على أهمية أن إدارة عملية الخصخصة في مصر من قبل فريق من التكنوقراط المحترفين، الذين يمكن أن يضمنوا الشفافية والصفقات الدولية العادلة إلى حد ما، مع التأكد من عدم عودة الحكومة إلى نفس الصناعات كمنافس للمستثمرين الجدد.
وينوه أبو هلال إلى أن عملية الخصخصة ذات وجهين، الأول: بيع الشركات المملوكة للدولة لتمويل احتياطيات مصر من العملات الأجنبية؛ والثاني: تشجيع الاستثمار في القطاعات التي تميل إلى استنزاف هذه الاحتياطيات، مثل واردات الأدوية والحبوب، التي تستنزف مليارات الدولارات.
ومن الممكن أن تعمل مثل هذه الاستثمارات على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي المتواضع لمصر، والذي يمكن أن يرتفع حال أخذ الموارد البشرية والطبيعية للبلاد في الاعتبار.
وإضافة لذلك، يتعين على الحكومة المصرية أن تتوقف عن الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، وخاصة المشاريع الضخمة، التي لا تضيف أي قيمة في حين تستنزف احتياطيات البلاد المتبقية من العملات الأجنبية.
ويعلق أبو هلال، على ذلك مردفا: "لكم أن تتخيلوا لو تم إعادة توجيه المليارات التي أنفقت على مشاريع فاخرة لا طائل من ورائها نحو مبادرات ذات قيمة اجتماعية أعلى، لن يؤدي هذا إلى تعزيز احتياطيات مصر فحسب، بل سيعمل أيضًا على توظيف آلاف الشباب، الذين يكافحون حاليًا من أجل البقاء في ظل الفشل الاقتصادي المستمر".
اقرأ أيضاً
ستراتفور: الامتثال التدريجي لصندوق النقد السيناريو الأرجح لأزمة مصر الاقتصادية
المصدر | وليد أبو هلال/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر الأزمة الاقتصادية البنك الأهلي الجيش صندوق النقد العملات الأجنبیة أبو هلال مصر من
إقرأ أيضاً:
توقعات سعر الفائدة في اجتماع البنك المركزي الخميس المقبل.. خبير اقتصادي يكشف السيناريو الأقرب
يترقّب الشارع المصري اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، المقرر عقده الخميس المقبل، وسط توقعات متزايدة بأن تتجه اللجنة إلى تثبيت سعر الفائدة دون تغيير، بعد سلسلة من التحولات الداخلية والخارجية التي أثرت بشكل مباشر على المشهد المالي والنقدي في البلاد.
وفي هذا السياق، قدّم الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال، تحليلاً شاملًا للأسباب التي قد تدفع البنك المركزي إلى هذا القرار في ظل واقع اقتصادي معقد يتأثر بالتضخم المحلي، والتقلبات العالمية، والتوترات الجيوسياسية.
تضخم مرتفع وخفض سابق للفائدة
يرى الدكتور معن أن تثبيت سعر الفائدة بات قرارًا مرجحًا، خاصة بعد أن سجّل معدل التضخم السنوي في مايو 16.8%، مقارنة بـ13.9% في أبريل، وهو ما يعكس عودة موجة من الضغوط التضخمية. ورغم هذا الارتفاع، فإن البنك المركزي كان قد خفض الفائدة بنسبة 3.25% خلال اجتماعيه في أبريل ومايو، في محاولة لتحفيز النشاط الاقتصادي.
ويشير معن إلى أن التثبيت قد يكون خطوة في إطار دعم الاستقرار المالي وتجنب الضغط على تكلفة الاقتراض، خصوصًا أن هناك بعض التباطؤ النسبي في وتيرة ارتفاع الأسعار، ما قد يمنح صانعي القرار فسحة من الوقت للتقييم.
حرب إيران وإسرائيل وتداعيات غير منتهية
يضيف معن أن أحد العوامل المهمة التي تدفع نحو التثبيت هو الأثر المتواصل للصراع بين إيران وإسرائيل، حتى بعد توقف العمليات العسكرية، حيث ما تزال توابعه تفرض ضغوطًا على أسعار النفط والغاز والسلع الاستراتيجية.
مصر، باعتبارها دولة مستوردة للطاقة والحبوب الغذائية، تجد نفسها في مواجهة تكاليف متزايدة نتيجة لارتفاع أسعار الشحن، والتأمين، وتعطل سلاسل الإمداد، إضافة إلى استمرار حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، خاصة بعد اشتعال التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تعززها السياسات الحمائية والرسوم الجمركية المفروضة منذ عهد إدارة ترامب.
السياسات النقدية العالمية.. الفيدرالي الأمريكي نموذجًا
ويُبرز معن جانبًا آخر من الصورة، بالإشارة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قرر في اجتماعه الأخير خلال يونيو الماضي الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، في ظل المخاوف العالمية من الركود الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية.
ويرى أن هذا التوجه يخلق مناخًا داعمًا لنهج مماثل في مصر، خاصة في ظل الحرص على التحكم في توقعات التضخم وتفادي صدمة في الأسواق المالية.
الفائدة الحقيقية.. ورقة ضغط على المركزي
ورغم التحديات، يشير الدكتور معن إلى أن سعر الفائدة الحقيقي (أي سعر الفائدة بعد خصم معدل التضخم) لا يزال مرتفعًا، ما يعني أن هناك مساحة أمام "المركزي" لمزيد من الخفض. إلا أن الظروف غير المستقرة على الساحة العالمية قد تدفعه إلى الإبقاء على السياسة الحالية كإجراء احترازي.
ويُرجّح أن قرار التثبيت سيكون مرتبطًا في الأساس باستمرار الضغوط على كلفة الاستيراد، والنقل، والتأمين البحري، إلى جانب مؤشرات مستقبلية تُلمّح إلى احتمالات استمرار التضخم في المدى القريب.
في ضوء هذه الرؤية الاقتصادية المتكاملة، يبدو أن البنك المركزي المصري أمام موازنة دقيقة بين احتواء التضخم ودعم النمو الاقتصادي، وسط عالم يموج بالتقلبات والتوترات. القرار المتوقع بتثبيت سعر الفائدة لن يكون مجرد إجراء مالي، بل خطوة مدروسة ضمن سياسة أوسع تسعى لتحقيق الاستقرار النقدي في مواجهة رياح عاتية محلية ودولية.