تتزايد أعداد الموتى في أوساط المصابين بالأمراض المزمنة بشكل مقلق في السودان؛ حيث تجسد مأساة انعدام الأدوية المنقذة للحياة واحدة من أقبح أوجه الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم منذ أكثر من 160 يوما.
وحذرت منظمات وهيئات محلية ودولية من كارثة إنسانية كبيرة بسبب نقص الدواء في أوساط العالقين بمناطق القتال في ظل الإغلاق الكامل للصيدليات والمراكز الصحية في عدد من مناطق مدن العاصمة الثلاثة - الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري التي تعاني بعض أحيائها السكنية من عزلة تامة.



ويقول علي الحاج إن أسرته فشلت على مدى 10 أيام في الحصول على أي منفذ لتوفير حبوب الضغط والسكري لوالدهم، مما أدى إلى وفاته.

ويوضح الحاج "نفدت الأدوية من أبي البالغ من العمر أكثر من 80 عاما وساءت صحته بشكل كبير، لكن القصف المستمر حول بيتنا في منطقة وسط ام درمان منعنا من الوصول إلى أي صيدلية أو مستشفى".

وفي الواقع يموت يوميا العشرات من العالقين في مناطق القتال في الخرطوم بسبب نقص الدواء، أو عدم القدرة على الوصول للمستشفيات.

وحسب مصادر طبية، فإن عدد الذين فقدوا حياتهم بسبل عدم تلقي العلاج ونقص الدواء يفوق عدد قتلى الحرب البالغ نحو 5 آلاف حتى الآن.

وفي حين تعمل المستشفيات والمراكز الصحية بأقل من 10 في المئة من طاقتها؛ أجبرت الحرب أكثر من 2800 صيدلية مسجلة بالعاصمة على إغلاق أبوابها، وتعمل فقط أقل من 50 صيدلية في ظل ظروف أمنية معقدة.

وتوقفت 41 من شركات الأدوية وأكثر من 90 في المئة من مصانع الأدوية عن العمل تماما منذ اندلاع الحرب.

واعترف وزير الصحة بوجود شح في غسلات الكلى وأدوية الأمراض المزمنة؛ لكن الكاتب الصحفي مصعب برير رأى أن هذا النقص الخطير ناجم عن قصور في ملف خطة الطوارئ الصحية للحرب.

وقالت عدد من لجان الطوارئ بالأحياء إن الأوضاع الإنسانية تتفاقم أكثر بسبب شح الخدمات الطبية والاسعافية للمصابين؛ مشيرة إلى أن المتطوعين وأطقم غرفة الطوارئ والكوادر الطبية يواجهون صعوبات كبيرة في الدخول للأحياء السكنية المحاصرة وتقديم المساعدة بسبب القصف العشوائي والاستهداف وعمليات السلب والنهب والاعتقالات المستمرة.

ويواجه الكثير من السكان أيضا صعوبات في توفير المال اللازم لتغطية تكاليف الدواء خصوصا مع انخفاض دخل الأسر بنحو 60 في المائة، وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 70 في المئة.

وتتسع رقعة المناطق المحاصرة بالقتال بشكل كبير؛ حيث التحقت خلال الأسابيع الأخيرة المزيد من المناطق بالأحياء الأخرى التي أفرغ بعضها تماما منذ بداية الحرب كأحياء المطار والعمارات والمعمورة والصحافات والكلاكلات وجبرة والشجرة في الخرطوم ومعظم أحياء الخرطوم بحري.

كما تعيش معظم احياء العاصمة انقطاعا كاملا للتيار الكهربائي بسبب الدمار الكبير الذي لحق بشبكات الكهرباء جراء الحرب؛ وسط مخاوف من انهيار كامل للنظام الصحي في ظل تفشي الوبائيات.

وفي حين يعجز معظم السكان عن شراء احتياجاتهم اليومية بعد أن أجبرهم القصف على البقاء في بيوتهم؛ يعانى المرضى من انقطاع الخدمات الطبية بسبب إغلاق الصيدليات وعدم قدرة العديد من أفراد الكوادر الصحية على الوصول إلى المستشفيات.

وزاد من حجم معاناة المرضى النقص الكبير في الدم والأدوية والمحاليل الطبية خصوصا بالنسبة لمرض الكلى والسرطان.

وناشدت نقابة أطباء السودان؛ مرارا؛ طرفي القتال بضرورة فتح ممرات آمنة للوصول الى الخدمات الصحية، لكن تلك المناشدات لم تلق استجابة حتى الآن.

وفي ظل إغلاق أكثر من 95 في المئة من الصيدليات في العاصمة اكتظت وسائط التواصل الاجتماعي بنداءات الاستغاثة التي تطلب جرعة أنسولين أو أدوية ضغط او جرعة لمريض قلب؛ لكن معظم تلك النداءات لم تنجح بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة.  

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: فی المئة أکثر من

إقرأ أيضاً:

الخرطوم ترد على واشنطن: لا أدلة على استخدام أسلحة كيميائية والتحقيق جارٍ بشفافية

في كلمة رسمية أمام المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، جدد السودان تمسكه باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، مشدداً على رفضه المطلق لاستخدام هذه الأسلحة في أي ظرف كان، ومؤكداً التزامه الكامل بتعهداته الدولية في هذا الشأن.

الوفد السوداني الذي ألقى الكلمة يوم الأربعاء الماضي خلال الدورة الـ109 للمجلس، أشار إلى أن الاتفاقية أصبحت جزءاً من المنظومة القانونية الوطنية السودانية، ما يعزز موقف الخرطوم في مواجهة المزاعم الأميركية الأخيرة بشأن استخدام أسلحة كيميائية في الصراع الدائر مع قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.

وقال الوفد، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السودانية (سونا)، إن الحكومة تتعامل بجدية وشفافية مع هذه المزاعم، وقد شرعت في تشكيل لجنة وطنية تضم الجهات المختصة للتحقيق في الموضوع، فور الحصول على المعلومات الفنية الضرورية.

وأكد أن الخرطوم بدأت بالفعل اتصالات فنية مع الجانب الأميركي الذي أبدى استعداده لتزويد السودان بالبيانات والتفاصيل التي استندت إليها واشنطن في توجيه اتهاماتها، مشدداً على أهمية الاطلاع على الأسس التي بُنيت عليها هذه المزاعم لضمان التعامل الموضوعي والعادل معها.

وفي ختام كلمته، دعا الوفد السوداني إلى إتاحة الفرصة لمسار التعاون الفني الجاري، معلناً استعداد السودان الكامل للعمل المشترك مع المنظمة وجميع الدول الأعضاء، بما يعزز الجهود الدولية لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية، ودعم الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

ضغوط دولية وعقوبات أميركية

تأتي تصريحات السودان في ظل ضغوط متزايدة بعد دخول عقوبات أميركية حيّز التنفيذ أواخر يونيو الماضي، شملت تقييد صادرات ومبيعات الأسلحة والتمويل للحكومة السودانية، وسط اتهامات باستخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين في مناطق الاشتباك.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد دعت الحكومة السودانية صراحة إلى وقف أي استخدام لهذه الأسلحة المحرّمة، مع التأكيد على أن بعض الإجراءات العقابية قد تُخفف لاحقاً لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي، مع استمرار السماح بوصول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والطبية.

ويشهد السودان منذ منتصف أبريل 2023 حرباً دامية بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لا سيما في العاصمة الخرطوم ومناطق متفرقة في دارفور وولايات أخرى، ورغم محاولات الوساطة العربية والدولية، فشلت كافة الجهود في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وسط تصاعد مقلق في عدد الضحايا والانتهاكات، وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في السودان بأنها واحدة من الأسوأ عالمياً، مع نزوح ملايين المدنيين، ودمار واسع في البنى التحتية، وانهيار اقتصادي متسارع يفاقم معاناة السكان.

رئيس وزراء السودان يتوعد بكسر حصار الفاشر: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام جريمة حرب مكتملة الأركان

توعد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، مساء الجمعة، باتخاذ إجراءات سياسية ودبلوماسية وإنسانية عاجلة لفك الحصار الخانق المفروض على مدينة الفاشر، مؤكداً أن الحكومة “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الجريمة البشعة التي تُرتكب بحق ملايين المدنيين العزل في عاصمة شمال دارفور”.

وفي بيان رسمي، وصف إدريس الوضع في الفاشر بأنه “كارثة إنسانية متفاقمة”، موجهاً اتهامات مباشرة لقوات الدعم السريع، التي قال إنها تفرض “حصاراً غاشماً وغير إنساني” يرقى إلى ابتزاز جماعي وتجويع ممنهج هو من أبشع جرائم العصر الحديث.

وأعرب إدريس عن تضامنه الكامل مع المدنيين الصامدين في الفاشر، وخصّ بالتحية النساء والشيوخ والأطفال، الذين “أثبتوا للأسرة الدولية أن الكرامة الإنسانية لا تُقهر، رغم وحشية الحصار والممارسات التي تفتقر إلى أدنى درجات الأخلاق والرحمة”.

كما أشاد بـ”الدور البطولي” الذي تقوم به القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في الدفاع عن المدينة، مؤكداً أن ما يجري في الفاشر يتجاوز كونه أزمة إنسانية ليبلغ حدّ “جريمة كبرى” تُرتكب على مرأى ومسمع العالم.

وأكد رئيس الوزراء أن حكومته ستوظف كل الوسائل السياسية والدبلوماسية المتاحة، بالتعاون مع المنظمات الدولية، لفتح الممرات الإنسانية وتأمين إيصال الإغاثة العاجلة، مطالباً المجتمع الدولي بالتحرك العاجل “لكسر دائرة الصمت المخزي”، وعدم الاكتفاء بالبيانات الضعيفة.

وأشار إدريس إلى أن قوات الدعم السريع رفضت تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2736، رغم موافقة الحكومة السودانية ورئيس مجلس السيادة على الهدنة المقترحة من الأمم المتحدة، مما يكشف “الجهة التي تعيق وصول المساعدات وتتحمل مسؤولية تجويع وترويع المدنيين”.

ولفت البيان إلى تعمد تدمير المستشفيات عبر هجمات بالطائرات المسيّرة، مما أدى إلى شلل شبه كامل في النظام الصحي داخل المدينة، مهدداً حياة مئات الآلاف من المدنيين، وسط انقطاع مستمر في المياه والكهرباء وندرة في الغذاء والدواء.

وختم إدريس بيانه بالتحذير من عواقب السكوت الدولي على الجرائم المرتكبة في الفاشر، مطالباً بتحرك حاسم “لوقف تصفية المدنيين الفارين من جحيم الحصار”، ومحملاً المجتمع الدولي المسؤولية الأخلاقية والقانونية تجاه هذه الجريمة المتواصلة.

مقالات مشابهة

  • مدن سودانية تنهض من رماد الحرب والخرطوم تتراجع
  • الخرطوم ترد على واشنطن: لا أدلة على استخدام أسلحة كيميائية والتحقيق جارٍ بشفافية
  • “شل شل شل كب لي جالون”.. تعود من جديد إلى الخرطوم
  • الجوع يهدد أطفال السودان بـ«وفيات جماعية»
  • بعد تحريرها من التمرد.. الخرطوم بانتظار سكانها المهجرين
  • الأمم المتحدة تخصص 5 ملايين دولار لمكافحة تفشي الكوليرا في السودان
  • جامعة الخرطوم لصناعة التظلم
  • ما مصير أخصائيي العلوم الصحية؟.. تعديلات قانون المهن الطبية تجيب
  • الكشف عن مدينة أثرية عمرها أكثر من 3000 عام في بيرو
  • القمح مقابل الولاء.. كييف تطلق أولى قذائفها الناعمة على الخرطوم