لجريدة عمان:
2025-05-21@12:40:39 GMT

جمال عبد الناصر.. سباقٌ مع الموت

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

بين السادس عشر والسابع والعشرين من سبتمبر عام 1970، نشب صراع دموي في الأردن بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. فبعد أن فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية بعد احتلالها من قبل إسرائيل عام 1967، نقل الفدائيون الفلسطينيون قواعدهم إلى الأردن، وصعّدوا هجماتهم على إسرائيل والأراضي المحتلة، فتطور الأمر إلى معركة واسعة مع القوات الإسرائيلية في بلدة الكرامة الأردنية على طول الحدود مع الضفة الغربية، ممّا أدى إلى زيادة الدعم العربي للمقاتلين الفلسطينيين في الأردن؛ لكن مع نمو قوة منظمة التحرير في الأردن، بدأت المناوشات بين الجانبين بعدما اتهم الأردن منظمة التحرير الفلسطينية بأنها أصبحت دولة داخل الدولة، فنشبت مواجهات عنيفة بينهما، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت عملية اختطاف خمس طائرات مدنية من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أجبرت ثلاثا منها على الهبوط في صحراء الزرقاء، وفجّرت الجبهة الطائرات مباشرة بعد إخلائها من مئات الركاب، واحتجزت العشرات كرهائن، فأمر الملك حسين الجيش الأردني بالتحرك، فحاصر المدن التي تتواجد بها منظمة التحرير بما في ذلك عمّان وإربد، وبدأ قصف الفدائيين الذين تمركزوا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالمدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات، وسقط في القتال نحو ثلاثة آلاف مقاتل فلسطيني وجندي أردني - حسب التقديرات الأردنية - بينما قدرت منظمة التحرير الفلسطينية عدد القتلى بعشرات الآلاف.

تحرك الزعيم جمال عبد الناصر لوضع حد لإراقة الدماء. وبعد عشرة أيام من القتال الدامي وُقّع اتفاق وقف إطلاق النار في القمة العربية التي عُقدت في القاهرة في السابع والعشرين من سبتمبر عام 1970، وأطلق سراح آخر الرهائن الذين احتجزتهم الجبهة الشعبية بعد يومين، وكان هذا الاتفاق هو آخر ما أنجزه عبد الناصر قبل رحيله في الثامن والعشرين من سبتمبر.

في ذلك اليوم كنتُ في الثامنة من عمري، ولا أذكر تفاصيل أحداث «أيلول الأسود»، لكني أذكر تمامًا يوم الرحيل الحزين، ومظاهر الحزن التي عمت العالم، ومنها تلك القرية النائية التي كنا نعيش فيها شمال تنزانيا، حيث أقام العرب والمسلمون مجالس العزاء حزنًا على رحيل الرجل، الذي رأوا فيه الأمل.

روى الراحل محمد حسنين هيكل، وقائع الرحيل في كتابيه «عبد الناصر والعالم»، و «الطريق إلى رمضان»، وفيهما وصفٌ دقيق لتفاصيل ما حدث في اللحظات التي تلت مؤتمر القمّة الذي دعا إليه عبد الناصر، كما أنّ السيدة تحية كاظم حرم الرئيس روت اللحظات الأخيرة في كتابها «ذكرياتٌ معه»؛ ففي سبتمبر 1970، قَطَعَ عبد الناصر إجازته الطبية الإجبارية في مدينة مطروح، وعاد ليعمل على حقن الدماء العربية، فدعا إلى مؤتمر القمّة العربية، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. وظلّ عبد الناصر يُردِّد طوال يوميّ 27 و28 سبتمبر: «إننا في سباق مع الموت»، ولم يكن يُدرِك أنّ السباق مع الموت ليس بين الفلسطينيين والأردنيين فقط، وإنما كان بينه شخصيًا والموت؛ فقد سابق الرجل الموت فأنهى آخر مهمة في حياته، وهي حقن دماء العرب، بالتوقيع على اتفاق بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية ينهي القتال بينهما، بعد ماراثون طويل من المفاوضات، وقصة أقرب إلى قصص الأفلام، عن نقل عرفات من عمّان إلى القاهرة.

على أرض المطار، وبينما كان عبد الناصر ينتظر تحرّك طائرة الشيخ صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت، شعر بألمٍ في صدره، وراح العَرَق يتصبَّب منه بغزارةٍ، فطلب سيارته إلى حيث كان يقف لأنه لا يستطيع أن يسير بنفسه إليها كما هي عادته. وفي السيارة طلب من سكرتيره محمد أحمد أن يُبلغ طبيبه الدكتور الصاوي حبيب بالحضور إلى البيت. كانت الأسرة كلها في انتظاره، وأحسوا أنه متعب، ولكنه وقف وسطهم دقيقة يتحدث فيها مع حفيديه هالة وجمال، ثم توجه إلى غرفة نومه، وارتدى بيجامة بيضاء مخططة بخطوط زرقاء، ودخل إلى سريره، ويجيء الدكتور الصاوي، ويشعر منذ أول لحظة أنّ هناك طارئا خطيرًا.. ويخرج من الغرفة ليتصل بمحمد أحمد، ويطلب منه استدعاء الطبيبين منصور فايز وزكي الرملي، ويعود إلى الغرفة، ليبدأ محاولاته لوقف الطارئ الخطر. كان تشخيصه على الفور أنّ هناك جلطة في الشريان الأمامي للقلب، وبما أنّ الجلطة السابقة في سبتمبر من العام الماضي قد أثرت في الشريان الخلفي، إذن فالموقف دقيق وحرج. ويصل الطبيب منصور فايز، وعند وصوله، تحس قرينة الرئيس أنّ هناك شيئًا غير عادي باعتبار منصور طبيب القلب الخاص للرئيس، كانت طوال الوقت واقفة تنتظر في قاعة الجلوس التي تجتمع فيها الأسرة، اقتربت منه - والقلق يشد ملامحها - لتقول له: «لا تؤاخذني، لا أقصد إساءة، ولكن مجيئك يقلقني، أنت تجيء عندما يكون هناك شيء غير عادي»، طمأنها ودخل الغرفة، وبعد قليل لحقه الدكتور زكي الرملي، وكان التشخيص واحدا، فيما كانت الإسعافات التي بدأها الدكتور الصاوي مستمرة، وكان الرئيس متنبهًا إلى كلّ ما يجري، وحوالي الساعة الخامسة، بدأ الأمل يقوى، إذ انتظم النبض وعادت ضربات القلب إلى طبيعتها، واستراح الأطباء، والتقطوا أنفاسهم وهم بجواره، وهو يراقبهم بابتسامة هادئة على شفتيه. كانت الساعة الخامسة إلا خمس دقائق بالضبط، وقال له الدكتور منصور: «الرئيس في حاجة إلى إجازة طويلة»، رد الرئيس: «كنت أريد أن أذهب إلى الجبهة قبل الإجازة، هل أستطيع أن أذهب وأرى «أولادنا» هناك قبل أيّ إجازة». قال الدكتور: «ذلك سوف يكون صعبًا».

همّ الرئيس من فراشه ومدّ يده إلى جهاز راديو بجانبه وفتحه، يريد أن يسمع نشرة أخبار الساعة الخامسة من إذاعة القاهرة. وبينما اللحن المميز لنشرة الأخبار من إذاعة القاهرة ينساب في الغرفة، ويبدد بعض الشيء جوها المشحون بالطارئ الخطر، خرج الدكتور منصور من الغرفة وطمأن زوجة الرئيس بأنه بخير؛ لكن في غرفة النوم، كان المشهد يتغير بسرعة لم تكن متوقعة. استمع الرئيس إلى مقدمة نشرة الأخبار ثم قال: «لم أجد فيها الخبر الذي كنتُ أتوقع أن أسمعه»، ولم يقل شيئًا عن الخبر، وتقدم منه الدكتور الصاوي قائلا: «ألا تستريح سيادتك.. إنك فتحت جهاز الراديو ثم قفلته ولا داعي لأيّ مجهود الآن». عاد الرئيس يتمدد تمامًا على فراشه، ويقول بالحرف: «لا يا صاوي... الحمد لله... دلوقت أنا استريحت»، ولم يفرغ الدكتور الصاوي من عبارة يقول فيها: «الحمد لله يا فندم...»، ونظرُه مركز على الرئيس، حتى وجده يغمض عينيه ثم وجد يده تنزل من فوق صدره، حيث كان وضعها، وتستقر بجواره. بعدها لم يشعر عبد الناصر بشيء.

يقول هيكل الذي روى اللحظات الأخيرة: «دخلت زوجة الرئيس إلى الغرفة المشحونة بالجلال والحزن.. لا يمكن لأحد أن يصف أحزانها المتوهجة كالجمر المشتعل، أمسكت يده تقبلها وتناديه، وسمعت أحد الباكين يقول: الرئيس.. الرئيس، والتفتت تقول: «لا تقولوا الرئيس، قولوا إنه جمال عبد الناصر وكفى. سيبقى بالنسبة لي وللناس كلهم جمال عبد الناصر»، ثم انحنت عليه تقبل يده مرة أخرى وهي تقول: «لم يكن لي في الدنيا سواه، ولا أريد في الدنيا غيره، ولا أطلب شيئا إلا أن أذهب إلى جواره حيث يكون». واستدار كلّ من في الغرفة خارجين، تاركين لها اللحظة الأخيرة وحدها معه. وعندما جاءت السيارة لنقل جثمانه إلى قصر القبة، كانت في وداعه حتى الباب، وكانت كلمتها المشبوبة باللهب الحزين والسيارة تمضي به: «حتى بعد أن مات أخذوه مني، لم يتركوه لي». سرى نبأ الوفاة المفاجئة كعاصفة برق ورعد وزلزال، فقالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل عند سماعها الخبر: «من الذي أطلق هذه النكتة السخيفة»؟

لقد حقن عبد الناصر - في آخر عمل له في حياته - دماء الفلسطينيين والأردنيين، ونجح في الحفاظ على قوَّة منظمة التحرير الفلسطينية وضمان استمرار عملها، تجسيدًا لنضال الشعب الفلسطيني، لكن لم تمض سوى إحدى عشرة سنة من رحيله إلا وتشتت الفدائيون الفلسطينيون في المنافي العربية والصحاري المقفرة، بعد أن غزت إسرائيل لبنان عام 1982، والذين لا يُعرف مصيرهم الآن، لأنهم فقدوا من ناصرهم وأيدهم، وانتهت منظمة التحرير الفلسطينية.. وسكر القوم بخدعة السلام الزائف، فأصبح الكيان الإسرائيلي يسرح ويمرح في الوطن العربي، وما كان عيبًا أصبح شيئًا عاديًا، وتكالبت الأمم على الأمة العربية من كلّ حدب وصوب، فانهارت الدولة الوطنية في أكثر من قُطر عربي، والدور آت على الكل - وهذه حقيقة أقر بها العرب أم أنكروا - فيما سيطر المال على مقادير الأوطان، فكان سببًا في التدمير بدلا من التعمير.

ورغم مرور ثلاثة وخمسين عامًا على الحدث، إلا أنّ الأشراف من أبناء الأمة يستذكرون الزعيم جمال عبد الناصر في ذكرى رحيله، ولو لم يكن له غير إيجابية حقن دماء العرب في ذلك اليوم لكفاه ذلك.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منظمة التحریر الفلسطینیة جمال عبد الناصر

إقرأ أيضاً:

وقائعُ موتٍ حُليٍّ جديدْ

بقلم : وجيه عباس ..

“إلى “شاهول” سبحتنا المُفَضَّض، موفق محمد،
بعد أن قطع خيط سبحتنا بفقده”

لُذْ بالترابِ ودعْ ثيابَ الماءِ
يا أيها المسكونُ بالأخطاءِ
أنْ جئتَ في الوطنِ العراقِ خطيئةٌ
وجريمةٌ لوكنتَ في الفقراءِ
وَدَع النوارسَ تتَّقيكَ لأنَّها
سَكَنتكَ بالحنِّاءِ دونَ حياءِ
اَسْكِتْ صداكَ بها فأنتَ مُخيَّرٌ
وسواكَ فيهِ مُسَيَّرُ الأصداءِ
هيِّأ لنفسك حفرةً لتلمَّها
كانتْ وكنتَ موزَّعَ الأنحاءِ
وَتَوقَّ من صَخَبِ الكؤوسِ وحزنِها
فلأنك المنفيُّ في الأسماءِ
دعْ بعضَ ظلِّكَ يستفيقُ من الظما
لتقومَ فيكَ حكايةُ الغرباءِ

ياناطقاً بالموتِ بعضَ ضجيجِهِ
وَمُسَرْبَلاً بالصمتِ والبأساءِ
الميِّتون وأنتَ أعرفُ بالذي
نطقَ الشهادةَ من فمِ الشُهَداءِ
الموتُ دون أصابعٍ، كيف استطالَ
وقام يحملُ غربةَ الشعراءِ؟!
كنتَ اللصيقَ وكانَ يفخرُ أنَّهُ
بيديك كان يُعدُّ في الطُلَقاءِ
لكنما “كاسرت” كأسك بالذي
أغوتكَ فيهِ خديعةُ الإمضاءِ

أوقِدْ شموعَكَ في الغيابِ سحابةً
فلسوفَ تمطرُ غيمةَ الضرّاءِ
للحزنِ مئذنةٌ وأنت” بلالُهاً”
لو ساقَطتْكَ مآذنُ”الفيحاءِ”
وَتَملَّ وجهَكَ دونَها، فلأنَّكَ
الساعي بأقصاها إلى النُدَماءِ
ماجئتَ من أقصى المدينةِ راكضاً
قَدَماكَ فيها أوَّلُ الأشياءِ
كنْ ثابتاً، فكؤوسُ كفِّكَ أينعتْ
وَجَرتْ على شفتيكَ بالصهباءِ
لا كارعاً دَمَكَ الغريبَ ضلالةً
دَمُكَ الذي يسعى بلا أبناءِ
تلك المقابرُ أولَدَتْكَ غُيابةً
والجُبُّ ذا وطنٌ من الأشلاءِ
غاضتْ عظامُ بنيك بين ترابِها
فإذا القيامةُ دونما إمضاءِ
دَفَنتكَ حيّاً بين كلِّ ضلوعِها
عَجباً تُعَدُّ بها من البُعَداء!

يارافضيَّ الحزنِ توخزُ بطنَهُ
بالموجعات وأنتَ عنهُ النائي
فيسيلُ أنهاراً بُكاكَ بموطنٍ
يا أيُّها البكّاءُ دون بكاءِ
يا أيها الموجوعُ بين أراملٍ
لبستْ ثيابًكَ في رثاءِ الماءِ
الناسُ يوجعُهم بُكاك بعالَمٍ
أعمى يراك بمقلةٍ عمياءِ
لا” بيت أحزانٍ” يَلُمُّكَ حاسراً
لِيَقيكَ حتى أعينَ السُفَهاءِ
ها أنت وحدَكَ تستفيضُ عشائراً
في الحزنِ حتى آخر الزعماءِ
وتعودُ وحدك تستريح إلى
كوبٍ يعاقرُكَ الأسى ومساءِ

ها أنت تبحثُ عنكَ بين وجوهِهم
فلأنَّ وجهَكَ قسمةُ الغُرماءِ
من يدَّعيكَ لسوفَ يقطعُ كفَّكَ اليمنى لتشرقَ باليد العسراءِ
أو ينكُرنَّكَ سوف يقتلُ أمَّةً
جَعَلتْكَ رايتَها على الأعداءِ
حتى حيادُكَ لستَ تبصرُ ظلَّهُ
فلِأنَّ ظهرَكَ لم يكن لوراءِ
ماذا ستخسرُ أو ستربحُ قائلاً
إلا الذي آمنتَ دون رياءِ
ستقولُ إنِّي…يا لِإِنَّكَ متخمٌ
وأَناة غيرِكَ فيك بعضَ هراءِ
قُلْها…تَقُلْكَ…فللضلوعِ مواقدٌ
أسجرتَها بمدامعٍ ودماءِ
كُنْ ثأر حزنِكَ في الزمان وإنَّما
الباقي هناك سلالةُ البؤساءِ
القانعون بِذُلِّهِم والمُدَّعون
وهم بها في الثقل بعضُ إماءِ
كُنْها…تَكُنْكَ ووقدُ حرفِكَ جمرةٌ
أشعلْ بها قبساً من البغضاءِ
الأبيضان ضميرُ روحك والطِلى
ويداكَ فيها كاليدِ البيضاءِ

أنعى إليكَ، وماعليك رثائي ياصوتَ هذي الناس في البأساءِ
إني أواسي الناسَ فيكَ لأنَّهم موتى، وأنتَ الحيُّ في الشُفعاءِ
الموتُ أولَدَكَ الحياةَ وربَّما ميتٌ يواري سوأةَ الأحياءِ
ياحاملاً في الناسِ نعشَ ترابِهِ ليقولَ فيهم مايقولُ الرائي
وَيُكَذِّبونَ عيونَهم لكنَّني
حدَّ اليقين أراكَ في الظلماءِ
الموتُ أترعَ بالشرابِ كؤوسَهُ
وظِماكَ أن تغشاهُ في الجُلساءِ
ومددت كفَّكَ تستظلُ من الظما
ورضيت أن تروى بغير عناءِ
أنتَ استرحت من الحياة وعبئِها
ورضيتَ موتَك في بيوت الداءِ
وتركتنا نحن اليتامى دونها
مُتَوزِّعين بدولة الفقراءِ
أمرِرْ يديك على الرؤوس وقل لهم
كونوا من الفقراءِ لا الأمراءِ
الفقرُ فيك خلافةٌ أورثتَها
وذممت فيها الحكمَ في الخلفاءِ
ورضيتَ أن تحيا بفقرك شاعراً
لا حاكماً بدويلة الإفتاءِ

كُنْ أنت من هال الترابَ على الثرى
لينامَ ليلته بدون غطاءِ
حَمَلوكَ؟! بل حَمَلَتْكَ روحُك إنها
كانت على التابوتِ بعضَ عزاءِ
وَبَكوكَ؟ أنت أبو البكاء بحلَّةٍ فارقتها وحملتَ حرف الحاءِ
تركوكَ؟! عدتَ إلى عزائِكَ مُفرداً
ووقفت تتلو سورةَ الإسراءِ
يابضعةً رفعتكَ طوداً شامخاً
وَكَأَنْ وَقَفْتَ بها على “سيناءِ”

الآن يسخرُ فيك موتُكَ واقفاً وَكَأنَّكَ الموعودُ بالإبقاءِ
وكَأنَّكَ الباقي وغيرُك راحلٌ
وَكَأنْ رضيتَ قيامةَ العنقاءِ
وَكَأنَّ موتَكَ غربةٌ ورضيتَها
لتعود تسقي النهرَ بعضَ ظِماءِ
كالنهر يجري ساجداً لكنَّما
لمَّت أصابعُهُ الضفافَ بماءِ
الآن تنتحبُ الضفافُ كأنَّها
أمٌّ تدرُّ عليكَ بالأثداءِ
تابوتُكَ المرفوعُ قاربُها الذي
أوصى الشراعَ عليك بالإغفاءِ
فَغَفوتَ، كان الموتُ صاحبُك الذي
في الحان يكرعُ خمرَهُ بإناءِ
ورحلتما، والموت صاحبُك الذي
أغراك فيه الشيبُ بالآباءِ
ولأنتَ زائرُه الأخير ثمالةً
أبقيتَها لقصيدة خرساءِ
أدري بأنَّك لم تقلها مَرَّةً
وغِناك أن فارقْتَها بغناءِ
هي سفرةٌ، سترى المهودَ حكايةً
وصغارُها وقفٌ على الإيماءِ
سترى وَليدَكَ والذين فقدتهم
سأراك تمحو صفحة الإنشاءِ
وتعودُ تكتبُ ماتراه بإصبعٍ
والريقُ ألفُكَ تقتفيه بباءِ
كُنها قصيدتك التي بك آمنتْ
فقصيدُ موتِكَ بُلغةُ الحكماءِ
ستقولُ إني لم أمتْ، وأجبتُ في
وَلَدي النداءَ لرؤية الأبناءِ
لي في المقابر مجلسٌ ورواية
كالنايِ يوقظُني بغير نداءِ
لي معشرٌ والموتُ فرَّق شملَهم
الآن يجمعُنا على الغبراءِ

وجيه عباس

مقالات مشابهة

  • مراسل سانا: انتخاب رافع بجبوج رئيساً لاتحاد كرة اليد وحسان جزار نائباً لرئيس الاتحاد ودانا دهان أميناً للسر وأحمد محاميد أميناً للصندوق في أول انتخابات رياضية بعد التحرير، وبحضور المندوب الدولي والآسيوي المكلف بالإشراف على انتخابات الاتحاد السوري لكرة الي
  • جمال شعبان يكشف كواليس نجاته من حادث سير مروع.. وصل إلى حافة الموت
  • نجاة الدكتور جمال شعبان من حادث سير.. «دعاء الفقراء كان الحارس الأمين»
  • السر عند أسيرة سابقة... لماذا اغتالت إسرائيل أحمد سرحان
  • جمال الكشكي: كلمة الرئيس السيسي في قمة بغداد جرس إنذار للمنطقة والإقليم
  • مجانا حتى الخميس.. عرض الوصل على مسرح قصر ثقافة الزعيم بأسيوط
  • بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
  • ألوية الناصر: استشهاد القائد أحمد سرحان بعد إفشاله عملية إسرائيلية خاصة
  • وقائعُ موتٍ حُليٍّ جديدْ
  • سحب الجنسية الكويتية من الملحن فهد الناصر