موقع النيلين:
2025-12-07@22:18:19 GMT

حسين خوجلي: لطائف من سودان 56

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

حسين خوجلي: لطائف من سودان 56


رغم كل الأحزان التي تعيشها بلادنا فأنا مُّصر أن يحارب هذا الشعب المناضل مأساته بالصبر والصلاة والدعابة، وأن يكون صف العرسان مماثلاً لصف الشهداء، وأن يتعانق هتاف الجلالات مع اغاريد العديل والزين. ومن بين اصطخاب الأحزان مرت بخاطري هذه اللطائف التي أصر على إرسالها مضاداً حيوياً ضد الغادرين الذين يحاولون ليل نهار زرع
الدموع والكآبة، ولكن هيهات.

١/ حكى لي أحد ظرفاء شندي بأن عمدة مشهور في إحدى قرى الجعليين أسلم الروح بعد نضالٍ طويل مع المرض، وكان الرجل كريماً شجاعاً (وصباح خير). قام إخوته بإعداد الجثمان الطاهر بكامل مقتضيات السنة من غسيل وحنوط وتكفين. وحين استعدوا لحمله على الأكتاف الواجفة نحو مثواه الأخير وسط تكبير الرجال وعويل النساء، همس ابنه الصغير بجذع في أذن عمه بأن والده حي لأنه رأى اصبع ابهامه يتحرك مراراً. فرد عليه عمه بحسم: ( شوف يا ولد بلا خيابة معاك؟ علي الطلاق أبوك دة كان قام هز بضراعاته برضه ندفنه، انت داير القبايل تشمت فينا وتقول الجعليين آخر الزمن بقوا ما بعرفوا الموت؟ وحكايات الجعليين في معاندة الحياة الرخوة تملأ اسفاراً ومكتبات.

٢/ حكى لي صديقٌ من الرفاق بأن الراحل محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي حين زار العراق ظل يتلقى دعوات من القيادات السودانية هناك بولائم علقت فيها عشرات الخرفان التي تربت ما بين الرصافة والجسر، وأصبحت المرارة وأم فتفت والسلات عند الرجل مثل الماء والهواء. وعندما هم بالمغادرة وتوسط مطار بغداد متوجهاً صوب الخرطوم الحبيبة همس في أذنه مرافقه قائلاً: يا أستاذ نقد الطيارة دي حتتأخر شويه، وبجوار المطار هنالك مطعم شهير بالمشويات فما رأيك في وجبة غداء؟ هنا ثار أستاذ نقد وعلى طريقة الدعابة التي اشتهر بها صاح في وجه الشاب بصوتٍ انتبه له جميع الحاضرين: حكايتكم شنو أيها النشامى، انتو بعثيين ولا جعليين؟

٣/ أما الحكاية الثالثة بعد حركة ديسمبر ٢٠١٨ يومها تنحى البشير حين أخطره الضباط الكبار بأنهم قد استولوا على السلطة، فقال الرجل في اعتداد: على بركة الله .. وابقوا على السودان عشرة، وأتم ركعاته في خشوع (وحدث ما حدث) وما زال العرضُ مستمراً.

قابلت بعد اعتقال الرئيس شاب على علمٍ واستقامة وكان إماماً لمسجد القيادة، سألته بفضول الصحفيين المطبوع عن ذكرياته مع البشير، فقال لي وقد كست وجهه سحابة حزن فسيح، الحديث يا أستاذ يطول، ولكن سأعترف لك بأمرين حتى نلتقي في متسع. (طيلة فترة واجبي إماماً بالمسجد ما أتيت صلاة الفجر قط إلا وجدت الرجل أمامي بالصف الأول، ولم يمر علينا اثنين أو خميس إلا كان الرجل صائماً).

وقد حرضتني هذه الشهادة الصادقة من قلب المأساة التي تعيشها بلادنا أن أرسل هذه البرقية للرجل في عليائه:

أخي الرئيس نحن سألناك أن تدعو حصرياً على القحاطة، ولكننا لم نسألك أن تدعو على الشعب السوداني.

حسين خوجلي

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

محمد شريف باشا.. الرجل الذي كتب دستور مصر الحديث

محمد شريف باشا، واحد من أعمدة السياسة المصرية في القرن التاسع عشر، وأحد الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ وطننا، ولد في فبراير 1826، بين إسطنبول والقاهرة حسب الروايات المختلفة، في بيت أصيل جمع بين العلم والسلطة.

حيث كان والده أحمد شريف باشا قاضيا وشيخ الإسلام في الآستانة، وعاش طفولته وهو محاط بالعلم والهيبة، مما غرس فيه قيم الوطنية والولاء لمصر منذ الصغر، ورغم أصله التركي، كانت مصر بالنسبة له أكثر من وطن، كانت حبه الأول وموطن رسالته السياسية والاجتماعية.

منذ نعومة أظافره، انخرط محمد شريف في مسار علمي وعسكري متميز، التحق بمدرسة الخانكة الحربية التي أنشأها محمد علي، وربطته الدراسة بصلة قوية بأسرة الخديوي، ما أتاح له فرصة نادرة للتعرف على صناع القرار منذ بداياته. 

لم يقتصر طموحه على مصر فقط، بل سافر إلى أوروبا ليكمل تعليمه، حيث درس في باريس وسان سير، والتحق بالجيش الفرنسي وتدرج في الرتب العسكرية، حاملا طموحا كبيرا لخدمة وطنه بمجرد عودته.

كانت حياته العملية مليئة بالتحديات والمناصب المهمة، فقد خدم في عهد محمد علي وأبناءه، وشارك في بعثات دبلوماسية لتمثيل مصر في المحافل الدولية، وفي الوقت نفسه كان يتفانى في العمل الداخلي، سواء كناطر للأحكام أو وزير للخارجية أو الداخلية، وساهم في بناء مؤسسات الدولة الحديثة. 

تميز شريف باشا بشجاعة نادرة في الدفاع عن استقلال مصر وكرامة مناصبه، ورفض الخضوع للضغوط الأجنبية، فكان الوزير المصري الوحيد الذي استقال حفاظا على هيبة منصبه عندما واجه ضغطا من لجنة التحقيق الأوروبية بشأن تسوية الدين العام.

تولى شريف باشا رئاسة الوزراء في مصر أربع مرات، وكل وزارة قادها كانت محطة هامة في بناء الدولة الحديثة، فقد أسس النظام الدستوري وأدخل مبدأ المسؤولية الوزارية أمام مجلس النواب، مؤسسا بذلك حجر الأساس للبرلمان المصري الحديث. 

لم يكتف بذلك، بل أسس المدارس والمعاهد، نظم التعليم، واهتم بتأهيل الموظفين، مؤكدا أن مصر تحتاج إلى رجال مثقفين ومدركين لأهمية القانون والمؤسسات. 

وقد أنشأ المدارس الهندسية، والمدرسة التجهيزية بالقاهرة، ومدرسة الحقوق، وأشرف على إصدار قوانين عسكرية لتحسين حياة الضباط والجنود، كلها خطوات عملية تعكس رؤيته الوطنية العميقة.

محمد شريف باشا لم يكن مجرد سياسي أو إداري ناجح، بل كان رمزا للوطنية والإخلاص لمصر، مقاوما لكل محاولات التدخل الأجنبي، محافظا على سيادة الوطن وكرامة الدولة. 

كان يرفض الانصياع لمطالب القوى الاستعمارية مهما كان الثمن، وكان دائما يضع مصلحة مصر فوق أي اعتبار شخصي أو سياسي، هذا الموقف جعله محل احترام وإعجاب الشعب المصري، الذي رأى فيه نموذجا للقائد الوطني الذي يجمع بين الشجاعة والإخلاص والتفاني في خدمة وطنه.

رغم كل نجاحاته، لم ينس محمد شريف الحياة الشخصية، فقد تزوج من ابنة قائده سليمان باشا الفرنساوي، وأنجب أولادا وحفيدات، ليترك إرثا عائليا راسخا إلى جانب إرثه السياسي والاجتماعي. 

وتوفي محمد شريف باشا في النمسا عام 1887، لكن محبته لمصر وأثره في تاريخها ظل حيا في قلوب المصريين، الذين شيعوه في القاهرة والإسكندرية تكريما لرجل قضى عمره في خدمة الوطن، يحمل لواء الوطنية والكرامة، ويترك للأجيال درسا خالدا في حب مصر والعمل من أجلها.

محمد شريف باشا، بكل بساطة، لم يكن مجرد رئيس وزراء أو سياسي، بل كان مثالا للوطنية الحقيقية، رجلا حمل على عاتقه بناء الدولة الحديثة، وتأسيس مؤسساتها، والدفاع عن استقلالها، مقدما نموذجا نادرا في التاريخ المصري، يجمع بين العقل، والإخلاص، والشجاعة، والحب العميق لمصر، ليظل اسمه مضيئا في سجل الوطنية المصرية إلى الأبد.

مقالات مشابهة

  • أعضاء لجنة التحكيم لمسابقة القرآن.. أستاذ التلاوة الأردني توفيق ضَمْرَة
  • مسؤولية الرجل عن صلاة أهل بيته من زوجة وأولاد.. الإفتاء توضح
  • مقترحات لبناء سودان جديد
  • الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية.. ما المقصود بها؟
  • علي جمعة: عدم العفاف يَسُدُّ بابَ استجابة الدعاء ويُوقِع الضغينةَ بين الناس
  • القبض على رجل مسن حاول شراء رضيعة في لويزيانا
  • استخدام علاجي جديد يعزز فرص السيطرة على الانسداد الرئوي في مصر
  • أستاذ علوم سياسية تُحذر من تداعيات حوادث الاعتداء على الأطفال في المدارس(فيديو)
  • محمد شريف باشا.. الرجل الذي كتب دستور مصر الحديث
  • حقيقة انتشار متحور جديد من فيروس كورونا.. متخصص يرد