الجزيرة:
2025-05-28@23:36:36 GMT

سد النهضة وحصة مصر المائية الاستعمارية.. ما المشكلة؟

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

سد النهضة وحصة مصر المائية الاستعمارية.. ما المشكلة؟

يتواصل الفشل لـ "المفاوضات الثلاثية" الجارية على مدار السنوات الثماني الماضية بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، والدائرة بين مصر والسودان (دولتي المصب)، وبين إثيوبيا (دولة منبع). وشهدت الساعات الأخيرة تبادلا للاتهامات بين مصر وإثيوبيا، على خلفية فشل الجولة الجديدة من هذه المفاوضات الثلاثية المُنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (يومي 23، 24 سبتمبر/ أيلول الجاري).

واستهجن بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية عقب المباحثات مطالبة مصر بحصة "استعمارية" من المياه، وتمسكها بما وصفه البيان بـ "معاهدة إقصائية تعود للحقبة الاستعمارية"، في إشارة إلى اتفاقيتي 1902 و1929، اللتين عقدتهما بريطانيا (دولة الاحتلال لمصر والسودان) وإثيوبيا بتحديد حصة مصر المائية، وإلزام إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات على النيل، من شأنها إعاقة تدفق النهر، إلا بموافقة مصر.

البيان الإثيوبي انتقد نهج الوفد المصري الذي يقوض "اتفاق إعلان المبادئ عام 2015″، الموقع في العاصمة السودانية (الخرطوم)، بين الدول الثلاث.

في المقابل، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن رفض مصر لسعي إثيوبيا لفرض الأمر الواقع على 100 مليون مصري، لافتا إلى معاناة مصر من نُدرة مائية، وعجز في احتياجاتها المائية يصل إلى 50%.

من جانبها، أكدت وزارة الموارد المائية المصرية رفض الجانب الإثيوبي لـ "الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية، دون الافتئات على حقوق دولتي المصب"، وذلك تراجعا عن توافقات سابقة. عليه، يمكن الجزم بأن الفشل هو المصير الحتمي للجولة القادمة من المباحثات بين الدول الثلاث المقرر انعقادها الشهر المقبل في العاصمة المصرية (القاهرة).

مصر لم تكن موفقة منذ البداية حين استبعدت خيار استخدام القوة العسكرية لضرب السد والحيلولة دون اكتماله، إذ إن "التلويح بالقوة" كان يمكنه ردع إثيوبيا، حتى دون استعمالها

توارث المعاهدات واتفاقيات الأنهار

تاريخيا، يرتبط المصريون بنهر النيل، فحياتهم لا تستقيم بدونه، قامت عليه حضاراتهم منذ القدم، فهو المصدر للعمران والخصوبة والري لـ "الأراضي الزراعية"، التي تشغل حيزا اقتصاديا كبيرا، كما للنيل استغلال سياحي يُدِر عوائد دولارية على البلاد، بما مفاده أن هذا النهر يقترن بالرزق الوفير والخير لـ "المصريين"، الذين يتمركز غالبيتهم على ضفافه أو بالقرب منها.

يبلغ طول نهر النيل 6670 كيلومترا، تنحدر مياهُه من "بحيرة فيكتوريا" للمياه العذبة، والممتدة بين أوغندا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا، وتبلغ مساحتها 69 ألف كيلومتر مربع.

تقطع المياه مسافة تزيد على 3 آلاف كيلومتر، انطلاقا من النيل الأزرق بمرتفعات إثيوبيا (بنسبة 85%)، حتى تصل إلى الحدود المصرية مرورا بدولة جنوب السودان، ثم السودان.

لماذا تتهم إثيوبيا الوفد المصري المفاوض بتقويض اتفاق المبادئ (الخرطوم- مارس/ آذار عام 2015)؟ تكمن المشكلة في إصرار إثيوبيا على اعتبار النيل، نهرا إثيوبيا خالصا، وشأنا خاصا بها، وهو ما ترفضه مصر، استنادا لـ "القانون الدولي"، الذي يُعده نهرا دوليا، ويعترف لها باتفاقيتي 1902 و1929، اللتين تحميان حقوق مصر المائية، عملا بمبدأ "توارث المعاهدات"، الذي يسري على اتفاقيات الأنهار.

سنوات الشُح المائي والجفاف الممتد

البادي من سياق البيانات والتلاسن الإعلامي بين مصر وإثيوبيا وجود خلافات مستمرة حول سبل مواجهة فترات الجفاف، والجفاف الممتد، والسنوات التي تكون فيها المياه شحيحة، نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي وافتقاده للمرونة، رغم أن بوادر الجفاف بدأت تظهر في السودان.

كما أن هناك تناقضا في تفسير بنود اتفاق المبادئ، فإثيوبيا تراه منفصلا عن الاتفاقيات السابقة التي تعتبرها استعمارية (1902 و1929). أما مصر، فتراه مكملا وإطارا حاكما للتفاوض، حول قواعد الملء والتشغيل للسد. الإثيوبيون يريدون التنصل نهائيا من هاتين الاتفاقيتين والخلاص منهما، كونهما -بحسب إثيوبيا- من نتاج الحقبة الاستعمارية، وانعقدتا دون إرادة منها، وهو ما لا تُقره القوانين الدولية كما سلف القول. بينما المصريون لا يملكون التنازل عنهما، كونهما السند لحقوقهم المائية في نهر النيل. لذا، فإن إثيوبيا منذ البداية اتخذت نهجا يعتمد على المناورات وشراء الوقت، وهو ما نجحت فيه، مقابل تراخي وليونة المفاوض المصري، أملا في تليين الموقف الإثيوبي، دون جدوى.

عندما كان التلويح بالخيار العسكري مطلوبا

لكن ما الخيارات المُتاحة أمام مصر للتعامل مع إثيوبيا، وإجبارها على المضي قُدما إلى اتفاق متوازن يحفظ الحقوق المائية المصرية؟

تقديري أن مصر لم تكن موفقة منذ البداية حين استبعدت خيار استخدام القوة العسكرية لضرب السد والحيلولة دون اكتماله. فالتلويح بالقوة كان يمكنه ردع إثيوبيا، حتى دون استعمالها، بل ربما يُغني عن استخدامها، إذا ما أدرك الخصم توفر الإرادة لاستخدامها.

استبعاد فكرة الخيار العسكري جاء صريحا وواضحا في بواكير الأزمة، وبدلا مما كانت تستهدفه مصر من مرونة وإبداء لحسن النية، وبناء الثقة والتعاون مع إثيوبيا، فإن الأخيرة قرأت الرسالة على نحو مُغاير، ووظفتها لصالحها على حساب الأمن المائي المصري.

الآن، تكتنف الخيار العسكري صعوبات جمة، فالهجوم عسكريا على السد لتدميره يُشكل خطرا شديدا على السودان، بما يشبه يوم القيامة، لمدينتي الخرطوم وأم درمان، وربما يمحوهما، بخلاف مخاطر أقل على مصر نتيجة الطوفان الذي سيتولد عن اندفاع المياه المخزنة خلفه والمفترض بلوغها 74 مليار متر مكعب.

لذا ينبغي التوقف فورا عن هذه المفاوضات العبثية التي لا طائل من ورائها، وثبت يقينيا عدم جدواها طوال السنوات الثماني الماضية. وقد يكون مناسبا إعلان مصر سحب توقيعها على اتفاق المبادئ، استنادا إلى عدم التزام إثيوبيا بمضمونه، مع البحث عن سيناريوهات وخطط أخرى أكثر نجاعة للتعامل مع إثيوبيا.

إن نهر النيل هو قضية وجود لمصر، وليس بوسعها التفريط في حصتها المائية تحت أي ظروف أو ضغوطات، وعليها أن تُعيد حساباتها وتختار آليات مختلفة وفعالة للتعاطي مع قضية سد النهضة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

توتر إقليمي.. تحذير مصري جديد حول سد النهضة الإثيوبي

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، إن الموقف من أزمة سد النهضة الإثيوبي قد يقود إلى توتر جديد في المنطقة، في ظل تصاعد الخلاف بين مصر وإثيوبيا وعدم التوصل إلى اتفاق.

وأضاف عبد العاطي خلال مشاركته في اليوم الثاني من منتدى قادة السياسات الذي تعقده غرفة التجارة الأمريكية في القاهرة، أن مصر تعمل على استمرار الاستقرار، مشيرا إلى العديد من نقاط التوتر في المنطقة من بينها ما يحدث في السودان والأوضاع في قطاع غزة.

وأوقفت مصر المحادثات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة قبل أكثر من عام تقريبا، بسبب تعنت أديس أبابا في المفاوضات، ومحاولاتها كسب الوقت لاستكمال أعمال السد.

ويعد سد النهضة الإثيوبي الذي بدأت إثيوبيا بناءه عام 2011 على النيل الأزرق أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا بطاقة إنتاجية تصل إلى 6,450 ميغاواط عند اكتماله، يهدف إلى توفير الكهرباء لنحو 60% من سكان إثيوبيا الذين يفتقرون إليها، إلى جانب تصدير الطاقة إلى دول الجوار مثل السودان وجيبوتي.

وتعتبر مصر التي تعتمد على النيل بنسبة تزيد عن 98% لتلبية احتياجاتها المائية السد تهديدا وجوديا لأمنها المائي، وتخشى القاهرة أن يؤدي ملء السد وتشغيله دون اتفاق ملزم إلى تقليص حصتها من المياه، مما قد يؤثر على الزراعة وإمدادات المياه الصالحة للشرب والاقتصاد بشكل عام.



وأواخر 2023، أعلنت إثيوبيا اكتمال المرحلة الرابعة والأخيرة من ملء خزان السد، مما أثار احتجاجات مصرية حادة، واصفة الخطوة بـ"غير القانونية"، كما أعربت مصر عن قلقها من أن إثيوبيا قد تستخدم السد لأغراض سياسية، مثل التحكم في تدفق المياه كأداة ضغط.

وتقول إثيوبيا، إن السد مشروع تنموي حيوي للقضاء على الفقر وتوفير الكهرباء لسكانها البالغ عددهم أكثر من 123 مليون نسمة، حيث يفتقر نصفهم تقريبًا إلى الكهرباء، وأكدت الحكومة الإثيوبية أن السد لن يتسبب في ضرر كبير للدول المشاطئة للنهر، وأنها ملتزمة بمبادئ الاستخدام العادل لمياه النيل وفقًا لإعلان المبادئ لعام 2015، ومع ذلك رفضت إثيوبيا التوقيع على اتفاقيات ملزمة قانونًا تحدد كيفية إدارة السد خلال فترات الجفاف.

وتوقفت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان في أواخر 2023 بسبب ما وصفته مصر بـ"تعنت إثيوبيا" ورفضها قبول حلول وسط تضمن مصالح الدول الثلاث.

مقالات مشابهة

  • رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس إثيوبيا بذكرى اليوم الوطني لبلاده
  • القيادة تهنئ رئيس جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده
  • القيادة تهنئ رئيس إثيوبيا بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده
  • تصاعد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا يُنذر بصدام جديد في القرن الأفريقي.. التفاصيل
  • والي النيل الأبيض:المسيرات التي يطلقها العدو نحو المرافق الإستراتيجية والخدمية لن تزيدنا إلا قوة ومنعة وتماسكا
  • سيدات الاتفاق يحصدن لقب دوري كرة اليد
  • هل تسبب سد النهضة في بطء دوران الأرض؟.. خبير يوضح
  • توتر إقليمي.. تحذير مصري جديد حول سد النهضة الإثيوبي
  • المئات يتظاهرون في إثيوبيا دعما لفلسطين.. لوحوا بأعلامها (شاهد)
  • التويجر: البعثة الأممية أوصلت المشكلة الليبية إلى طريق مسدود