حضرمي يوحِّد اليمنيين في باريس
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
أخيرا، وصل رنين الخلخال الحضرمي برقصة "الهبيش" إلى باريس، هذا الرنين الموسيقي الذي يعود إلى قبل الميلاد حيث كانت الرقصات بمثابة طقوس تَقَرُّب للمعبود اليمني القديم (سين)، فعلى مسرح "موغادور" الشهير تجمّع اليمنيون من مختلف المدن الأوروبية، ومعهم محبو اليمن من الأوروبيين، ليشاهدوا ويسمعوا الأوركسترا الحضرمية التي اشتهرت منذ أربع سنوات بتقديمها التراث الموسيقي اليمني في حفلة شهيرة بكوالالمبور وأخرى في القاهرة.
بدا اليمنيون بحاجة إلى من يأخذهم إلى فضاء آخر خارج المتاهة والدوّامة التي يعيشونها منذ تسع سنوات فوّحدتهم أغاني الدان القادمة من سواحل الشرق في حضرموت ومواويل الساحل الغربي في تهامة، وصولا إلى الغناء الصنعاني الذي يمتدّ عمره إلى مئات السنين، هذا الغناء الذي ألّف عنه الباحث الأنثروبولوجي جان لامبير كتابا بعنوان "طبّ النفوس".
قدّمت الأوركسترا الحضرمية، وهذا اسمها، عشرة مقاطع موسيقية استمدتها من التراث اليمني القديم وأبرزها أغنية "يحي عمر قال قف يا زين" للشاعر اليافعي يحي عمر التي يزيد عمرها على مئتين وخمسين سنة إضافة إلى أغاني "الملالة الزبيرية" في تعز، بمشاركة فنّانين متميزين مثل حسين محب وعبّود خواجة وخالد الصنعاني، مع عازفين ومؤدين عُرفوا في حفلات سابقة كعازف العود هيثم الحضرمي وعازف المزمار عبدالله جمعان إضافة إلى عشرات العازفين من الفرنسيين والعرب.
في الأعمال المقدّمة مساء الإثنين في باريس، وما سبقها من حفلات في مدن أخرى، بدا قائد الأوركسترا محمّد القحوم وكأنّه لم يرد دغدغة مشاعر اليمنيين، الذين يعانون آلام الفرقة والشتات، وإنّما إيقاظها، إيقاظ المشاعر الموّحدة.
وإذ اختلطت البهجة بالأشجان والحسرة على اليمن الذي كان، لم يستطع اليمنيون التقيّد بتقاليد الاحتفال الأوركسترالي، والتي تقتضي عدم التفاعل مع المقاطع أثناء أدائها والاكتفاء بالتصفيق في الختام، فظهروا، كعادتهم في التعامل مع فنونهم الشعبية، في حال انفعال استدعى التصفيق والزغردة وطقطقات الأصابع أيضا.
وهنا يمكن أن نشير إلى أن ما تقدّمه الأوركسترا لا يصنّف ضمن النمط الكلاسيكي الموسيقي إذ لا يلتزم بالقواعد السيمفونية الكلاسكية وإنما يصنّف، حسب قول القحوم، ضمن نطاق "الموسيقى العالمية"، إذ يرى أنّ ما يقومون به هو تقديم "مقطوعات موسيقية مستوحاة من ألوان تراثية مصاغة في قالب أوركسترالي".
ولهذا تستخدم الفرقة في أدائها آلات موسيقية شعبية مثل "المِزْمَار" و"الطبلة" و"التَنَك" و"السمسمية" و"القُنْبُوس" أو "الطُربي"، وهي آلة تشبه العود ولها أربعة أوتار، إلى جانب الآلات الموسيقية الحديثة.
الفرقة التي يرعاها منذ نشأتها رجل الأعمال السعودي من أصول يمنية الشيخ عبدالله بقشان، عبر مؤسسة حضرموت للثقافة، تحاول، كما هو واضح، أن تبقى على بعد مسافة من كل الفرقاء اليمنيين، وهي بذلك تعيد الاعتبار لمجد الأغنية اليمنية التي ظلّت تُسمع في كلّ جهات اليمن متجاوزة الحدود السياسية والأيديولوجية الضيّقة، بل إنّ أثرها امتدّ ليشمل مختلف مناطق الخليج العربي عبر شيوخ الطرب اليمني الذين ظلّت أعمالهم مرجعا لكل طُلاّب الفنّ منذ منتصف القرن الماضي.
وها هي الأنغام اليمنية تُعزف بمشاركة موسيقيين من فرنسا حيث صارت موسيقى الشعوب وتقاليدها من اهتمام علم الموسيقى الذي كان محصورا على النطاق الأوروبي، إذ برهن اكتظاظ المسرح الباريسي باليمنيين والأوروبيين على أنّ الموسيقى تستطيع أن تصل مهما تعدّدت إيقاعاتها ومهما عبّرت عن بيئة محلّية لها جمالياتها الخاصة.
لا أعرف ما الذي ستفعله الموسيقى بعد الحفل بهؤلاء الذين جاءوا يتلّمسون فيها وطنا ضاع في الصراعات، وهل سيكتفون بالحسرات والندب وهو أثر أوّلي، كما بدا لي، أم أنّهم سيفتحون الأسئلة عن مستقبل اليمن الذي غادروه لعلّهم يجدون بعض حلول أو أفق مختلف.
المؤكّد، مع هذا الجمع، أنّ العواطف فاقت احتمال المعنى حتى وإن ظلّت في نطاق المناجاة الواصفة للحال مستعيدة حسرات امرئ القيس وهو يطل علىدَمُّون حضرموت:
"تَطاولَ اللّيل علينا دَمُّونْ
دَمُّونُ إنَّا مَعْشَرٌ يمانُونْ
وإنّنا لأَهلِنا مُحِبُّونْ".
⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار حضرمي يوحِّد اليمنيين في باريس إصابة الاعب ”روبرت ليفاندوفيكى” بإلتواء فى الكاحل حملة استنفار حوثية عقب ظهور جماعة إيرانية جديدة... 5 نصائح تساعد على علاج حموضة المعدة في... مقالات حضرمي يوحِّد اليمنيين في باريس عمي طويل العمر ! بعد إعترافات العماد.. أحمد سيف لن يحل ورطة... اللعنة حينما لا ينفع معها السلاح وحده اخترنا لك أفضل الأطعمة لتقوية البصر والوقاية من أمراض العيون صينيون يحتفلون بحفل زفاف يمني ويؤدون رقصات البرع... مغترب يمني يفوز بـ”100 ألف ريال سعودي” خلال... حشود بشرية هائلة في ذمار تطالب بإعدام قيادي... الأكثر قراءةً أفضل الأطعمة لتقوية البصر والوقاية من أمراض العيون صينيون يحتفلون بحفل زفاف يمني ويؤدون رقصات البرع... مغترب يمني يفوز بـ”100 ألف ريال سعودي” خلال... حشود بشرية هائلة في ذمار تطالب بإعدام قيادي... شاهد .. صراخ نساء يمنيات تم اقتحام منزلهن... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni elzmannews الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023⇡ ×Header×Footer
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: فی باریس
إقرأ أيضاً:
قمة شرم الشيخ: حظوظ صنع السلام وتحدياته
تنعقد قمة شرم الشيخ في أعقاب اتفاق مبدئي على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، بوساطة كل من مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، وبمباركة وحضور أكثر من عشرين دولة، ومنظمات دولية في مقدمتها الأمم المتحدة. وإن التئام القمة يوم الاثنين (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2025)، يأتي تتويجا لحرب إبادة حقيقية ارتكبتها إسرائيل في حق غزة، ضدا عن القانون الدولي، ومبادئه وقواعده، وأمام العالم برمته، ودون اكتراث بردود فعل المجتمعات العالمية، بمختلف فئاتها، ولغاتها، وأديانها.
يُستنتج من الوثائق والتصريحات المعلنة حول قمة شرم الشيخ والأهداف التي تروم تحقيقها، أن غايتها بناء سلام شامل ومستدام للنزاع الإسرائيلي والفلسطيني، ولمنطقة الشرق الأوسط برمتها، وهو السلام الذي وصفه صانع الخطة، الرئيس ترامب، بأن سيفتح صفحة جديدة في العالم وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، بل إنه أطلق العنان لخياله ليتصور تحول منطقة أنهكتها النزاعات منذ عقود، ودمرتها حروب إسرائيل المتتالية، إلى فضاء للعيش المشترك والأمن والاستقرار الدائمين.
سيكون من السابق لأوانه تقييم مخرجات القمة، لأن ذلك لن يتأتى إلا بعد أن تنهي أشغالها، وتعلن عن نتائج مداولات أطرافها الأساسية، بيد أن في الإمكان، وفي ضوء السياقات التي تحكم التئام القمة، تحليل ما يمكن للقمة تحقيقه، وما يُحتمل عدم تحقيقه، على الأقل في الزمن المنظور.
ففي باب الممكن تحقيقه، يمكن التمييز بين ثلاثة مشاهد لما ستسفر عنه قمة شرم الشيخ في سيرورة صنع السلام:
يمكن وسم المشهد الأول بسيناريو النجاح الجزئي في صنع السلام، بعيدا عن أن يكون مستداما. لذلك، يُتوقع أن يسمح هذا المشهد الوسط بمصفوفة من الإنجازات على أرض الواقع، من قبيل توقيع اتفاق إطلاق النار، مع آليات محدودة للمتابعة، كما قد يتيح إمكانية ادخال الإغاثة وإعادة ترميم البنى التحتية المدمرة، وتيسير عودة المهجرين من القطاع إلى مساكنهم. والحال أن هذا المشهد لا يمتلك مقومات القوة والاستمرار في الزمن، إذ تُحيط به العديد التهديدات والمخاطر، ومنها عدم الالتزام بروح الاتفاق وبنوده كاملة، والمساومة والمراوغة من أجل تعطيله وخرق تطبيقه في الممارسة.
يتعلق المشهد الثاني بسيناريو تحقيق سلام أوسع أو اتفاق طويل الأمد، وهو من الخيارات المأمولة والمطلوبة، غير أنه مشروط باحترام الأطراف لالتزاماتها، وضغط الدول الكبرى الحاضرة على استمرار احترام نتائج القمة وبنود اتفاقاتها. ثم إن سيناريو صنع سلام دائم يتطلب تمويلا بالغ الكلفة، تتكفل به الدول المشاركة والمنظمات الدولية والإقليمية ذات العلاقة المباشرة، كما يتوجب على الدول العربية ذات الرخاء المالي تحمل كلفة إنجاح خطة صنع السلام الدائم. لذلك، إن تحقق هذا السيناريو، وإن كانت توقعاته منخفضة، سيعم الأمن والسلام والاستقرار في فلسطين ومنطقة الشرق الأوط.
يخص المشهد الثالث سيناريو الفشل أو التراجع بعد التوقيع على الاتفاق، وهو أسوأ مشهد يمكن أن تؤول إليه قمة شرم الشيخ. فجوهر هذا السيناريو يكمن في أن أطراف المفوضات قد لا توقع على الاتفاق، أو قد توقع عليه ولكن سرعان ما تنكث بالتزاماتها، وفي مقدمتها وقف إطلاق النار، فتعود إلى الحرب من جديد. وهو ما يُحتمل أن تفعله إسرائيل، وقد فعلته أكثر من مرة تحت ذرائع مختلفة.
إلى جانب ذلك، وبغض النظر عن المشهد الذي سيتحقق على أرض الواقع، ثمة مصفوفة من التحديات والمعوقات تلفّ مسار الاتفاق ومآله. فمنها، تحدي الرقابة على وقف إطلاق النار، ومن يقوم بالإشراف عليه، وما هي القدرات العملية التي بحوزته كي يضمن تنفيذه في الممارسة؟ وهل الأطراف بكاملها تلتزم بتنفيذ إيقاف إطلاق النار؟ والواقع أن اتفاقا بلا تنفيذ مجرد كلام على ورق ليس إلا.
تلعب مشاركة جميع الأطراف في القمة وفي الإلزام بنتائجها دورا محوريا في صنع السلام الدائم، وتخلف أي طرف، لا سيما منها الأساسية في الصراع، يعرض صنع السلام لعائق كبير، ويحول بينه وبين التحقق في أرض الواقع. لذلك، وعلى الرغم من معرفة ما إذا كانت كل من إسرائيل وحماس ستشاركان في القمة، فإن حضورهما واتفاقهما على النتائج، سيمهد الطريق أمام بناء سلام دائم.
إلى جانب هذا، ثمة تحديات أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بالتمويل والإعمار وإعادة الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة، الذي دُمر بالكامل، ويحتاج بناؤه من جديد إلى مبالغ مالية هائلة، قدّرتها الدراسات الأولية بعشرات المليارات من الدولارات. ثم إن وُجد ممولون من المنطقة العربية ومن خارجها، من يضمن حُسن صرف هذه التمويلات في مكانها الصحيح، وما هي الجهة أو الجهات القادرة على ذلك؟ يُضاف إلى هذا أن نجاح خطة القمة في صنع السلام، يحتاج إلى قدر معقول من التوازن الإقليمي والدولي، لتمكين الاتفاق من السير بنجاح نحو التطبيق والاستقرار في التطبيق. فرعاية الوليات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية الوازنة إقليميا ضرورة لجعل الاتفاق ممكنا وميسرا في التنفيذ، وكل تراجع من هذه القوى سيعرض الاتفاق إلى الانكفاء على نفسه، ويفتح الباب لأطراف لنكث التزاماتها.
تحتاج قمة الشيخ إلى إرادة دولية صادقة ومصرة على النجاح، كما تحتاج إلى اقتناع أطراف الصراع بأن الأفق السالك لقضية فلسطين وحروب الإبادة التي تعرضت لها تاريخيا، يكمن في صنع سلام دائم وعادل، يرجع الحقوق لأصحابها، أي يمكّن الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وبلداتهم للعيش بكرامة فوق أرضهم التاريخية.