البوابة نيوز:
2025-12-04@03:22:50 GMT

مغامراتى مع العصا البيضاء!

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

 

 

لكل منا عصاه ترشده وتكفيه شر عمى العقل والروح فإن هو ألقاها قاده عماه إلى حتفه حتمًا.بين عشقى لتسلق أشجار الزيتون المعمرة فى ظلام الليل الحالك وقيادة السيارات وسط عتمة عيناى، إلى امتطاء عصاى البيضاء فى شوارع القاهرة المزدحمة، والقلم الذى أقبض عليه بعقلى وأذناى لممارسة عملى فى بلاط صاحبة الجلالة؛ تكمن مغامراتى الصغيرة والكبيرة.

مثل كثيرين مازال قلبى عالقًا ببعض أفلام الكرتون التى شاهدتها صغيرًا، ورغم تجاوزى الخمسين بعام ونصف العام، اقتنص بين الحين والحين قطعة من الزمن لأعاود مشاهدة مغامرات الفضاء (جريندايزر) ومغامرات سندباد، فلونة وغيرهم.

كانت اللغة العربية الفصيحة بنطقها السليم أول ما نتعلمه من تلك الأفلام، غير أنها كانت أيضًا تسقينا قيم الشجاعة والكرم والإقدام والصدق وحب المغامرة، أو بالأحرى تعلمنا منها أن الحياة كلها مغامرة محسوبة ومن لم يخضها باعتبارها كذلك فقد لذتها وكان من الخاسرين.

فى الـ15 من أكتوبر يحل اليوم العالمى للعصا البيضاء كرمزية تشير إلى المكفوفين حول العالم لنشر التوعية بما له من حقوق وما عليه من واجبات، وبما أننى كتبت الأسبوع الماضى فى هذه الزاوية عن بعض ذكرياتى فى سنة أولى فى مدرسة العميان (طه حسين للمكفوفين) وما تعلمته من دروس مضيئة فى ذلك العالم المظلم، أردت الكتابة هذه المرة عن مغامراتى مع العصا البيضاء والتى يتجاوز الإحساس بها ما يعترضنى من عراقيل وحفر وبالوعات وأرصفة مزدحمة وغير معبدة فى مدينة بحجم القاهرة فتلك أقل المغامرات أهمية وإن كان السهو والنسيان والخطأ معها قد يعنى خسارة الحياة، أو النزول ضيفًا فى مستشفى للعظام فى أحسن الأحوال.

أظن أن حب المغامرة بعقل يقظ وأذن مفتوحة صاحب الفضل الأكبر لأكون حتى الآن من الناجين؛ فالخوف إذا اعتراك صمّ أذنك وغمّ عقلك حينها فقط تسقط لمجرد تعثرك فى حجر صغير أو تصدمك سيارة مسرعة.

عندما وعيت فى سن التاسعة أن نور عينى ماضٍ فى سرعة الهاوى من قمة جبل، قررت ألا أتوقف عن ممارسة متعة تسلق أشجار النخل والزيتون الكبيرة والضخمة والتى تجاوز عمر بعضها الـ 150 عامًا وكان ذلك فى ضاحية عراضة فى مدينة طرابلس الليبية حيث كان يعمل أبى مدرسًا للغة العربية.

أدركت أن بصيص النور منطفىء لا محالة، صرت أتسلق أشجار الزيتون ليلًا حيث لا ضوء يأتى من أى مكان فى تلك المنطقة النائية آنذاك وكأنى أردت تنشيط ذاكرتى البصرية فى عتمة الليل حتى إذا حلت العتمة الأبدية لا يمنعنى مانع من هواية فى ليل أو نهار فكلاهما بات واحدًا بعد سنوات قليلة.

إلا أن باب المغامرة قد يقودك أحيانًا إلى الرعونة فتحلم بما هو مستحيل حتمًا؛ فى بداية عملى الصحفى فى جريدة العربى وكنت شابًا أرعن استهوتنى فكرة قيادة سيارة برفقة صاحبها.

وقع اختيارى على سيارة 128 لصديقى عبدالفتاح عبدالمنعم الكاتب الصحفى ومدير تحرير اليوم السابع حاليًا، لم يكن اختيارى لصاحب السيارة موفقًا -هكذا قلت حينها- وبسبب بقايا رعونة فى نفسى مازلت أقول ذلك.

ما أن قمت بتشغيل السيارة وبدأت فى التحرك بدأ عبدالفتاح فى الصراخ بدلًا من إرشادى بهدوء؛ صرخ بهيستيريا مجنونة (دوس فرامل) فما كان منى إلا الضغط بقوة على البنزين لأصطدم باكصدام سيارة فولكس قديمة كانت لمدير التحرير اللامع الأستاذ أحمد الغندور.

قوة هيكل السيارتين منع حدوث أضرار وحمدت الله أن السيارة المصدومة لصديق لكنى بالمناسبة قمت بعدها بقيادة سيارة صديقى الكاتب الصحفى محمد قنديل فى شوارع مدينة الشيخ زايد قبل أن تزدحم بسكانها، وكان قنديل هادئًا صاحب قلب قوى فانطلقت بالسيارة مسرعًا على الغيار الثالث بلغة السائقين ورجعت بالسيارة إلى الخلف وانعطفت يمينًا ويسارًا، كان اختيارى للرفيق المرشد صحيحًا.

الحقيقة لا يجوز لأعمى قيادة السيارة مهما كان يقظًا ومهما كانت أذناه قادرة على رؤية الأجسام التى تصدر أصواتًا، إنه أعمى بالنهاية ولو امتلك خبرة التعامل مع عجلة القيادة والفرامل وناقل الحركة (الفتيس) وإذا جعلته الظروف الحرجة قائدًا لسيارة فى لحظة ما، فعليه الاستعانة برفيق هادئ الأعصاب صلب المشاعر.

لكنى أصدقكم القول، أرى نفسى قائدًا ماهرًا للسيارات عندما أرى هذه الأيام عميان العقول صم الآذان يقودون سياراتهم إلى الهاوية السحيقة معتبرين أعينهم المفتوحة وعضلاتهم المفتولة أسبابًا كافية ليكونوا من الفائزين بالنجاة على طريق وعرة رغم كثرة حوادثهم واصطدامهم بصخور فى حجم الجبال، ما نفعتهم أعينهم وكانوا من الهالكين المهلكين.

لما عملت بالصحافة وأمسكت بالقلم شعرت وكأننى أمشى بعصاى البيضاء فى طريق ملغم بالحفر مليء بالحوائط والحواجز، لذا علي القبض على قلمى بعقل يقظ حتى لا يستغل أحدهم عماى فيدلس علي أو يضلنى وتعلمت أن يكون للمعلومة أكثر من مصدر وألا أتعجل حتى لا أسقط فى هوية الكذب أو السب والقذف.

أما أذناى فكانت ترشد القلم فى صياغة ما تيقن منه العقل بأسلوب صحفى جذاب ومقنع وذلك عبر خوضها غمار القراءة والإنصات لكل فنون الكتابة ولكل من يكتب قدر الاستطاعة.

السير بالعصا البيضاء يعلم الحذر والتأنى ويدرب الذاكرة ليس فقط على حفظ الشوارع والأماكن وإنما أيضًا على حفظ سلوك وردود أفعال من يشاركونك السير فى ذات الطريق راكبين أو مترجلين، لكنه يعلم أيضًا الأهم وهو إدراك استحالة ثبات الأشياء فى مكانها.

العصا البيضاء تجعلك حساسًا ليس فقط بالمشى على الدروب الصعبة وإنما أيضًا فى معاملتك للبشر، فبداخل كل إنسان مناطقه الوعرة وحفره السحيقة التى لا ينبغى الاقتراب منها وقلوب البشر متغيرة فما يمسى فيه قلب الإنسان ليس كما يصبح عليه.

العمى ليس بالأمر الهين الذى يمكن تجاوزه لكنك مضطر لخوض هذه المعركة باستمرار لتكون دائمًا على دراية بحقائق الواقع المتغير بطبيعته، لقد علمتنى العصا البيضاء أنى أصبح أعمى فقط عندما أتركها وأقود سيارة بيقين الجاهل، وعندما أظن أن ما لدى من أفكار وتصورات ومواقف حقائق مطلقة تمامًا كما الموت.

*كاتب صحفى

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

ترامب: من أمريكا أولاً… إلى أمريكا القلعة المنغلقة البيضاء!

منذ رئاسة دونالد ترامب الأولى عام 2017 ـ 2021 ـ وهو يكرر أن الآخرين وخاصة الحلفاء يستغلون ويسيئون إلى الولايات المتحدة. ولتدليل على ذلك، ضغط على الحلفاء في حلف الناتو لزيادة نسبة الميزانية المخصصة للدفاع ـ وتحمل المزيد من الأعباء. ما يقلق الحلفاء من التزام ترامب ويريح الخصوم من أمثال بوتين روسيا وكيم جونغ أون كوريا الشمالية. ترشح ترامب لرئاسة ثانية بانتقاده تساهل بايدن بالهجرة، وتعهد بجعل أمريكا آمنة وإعادة العظمة إليها. ببناء جدار عازل والحد من الهجرة الشرعية وغير الشرعية ـ (غير البيضاء) من دول فاشلة (أفريقيا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية) ـ وعزز تنامي الخطاب العنصري. خاصة داخل جماعته وحركة (MAGA) الموالية وقاعدته المحافظة الرئيسية. لعبت دورا مهما بفوزه بالرئاسة مرتين. بشعار(لنعد العظمة لأمريكا)-و»أمريكا أولاً».

والملفت أن اثنتين من زوجات ترامب الثلاث مهاجرتان. زوجته الحالية «ملينيا» مهاجرة من سلوفينيا. تُثار الكثير من الأسئلة على كيفية حصولها على الإقامة الدائمة وإحضار والديها وتجنيسهما؟! وزوجته الأولى إيفانا والدة أبنائه الكبار من أصل تشيكي! ووالديّ زوجة نائب الرئيس فانس ـ من أصل هندي مهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وكأن ترامب كان يتحين الفرصة للانقضاض على «الحلم الأمريكي»-فاستغل ترامب حادثة إطلاق النار من المهاجر الأفغاني رحمن الله لنكول الذي قاتل مع القوات الأمريكية في أفغانستان وخاصة مع القوات الخاصة ونفذ عمليات بإشراف وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) ضد طالبان في أفغانستان، وتم نقله مع آلاف الأفغان المتعاونين مع قوات الاحتلال الأمريكي إلى الولايات المتحدة عام 2021 ـ في رئاسة بايدن. ومُنح اللجوء هذا العام في رئاسة ترامب. وبرغم ذلك يلوم ترامب بايدن!! بعدما أطلق رحمن الله النار على عنصرين من الحرس الوطني على بعد أمتار من البيت الأبيض الأربعاء الجاري. وقتل مجندة من الحرس الوطني وأصاب عنصرا آخر بإصابات خطرة. كما أصيب بإصابة خطرة.

ليصب ترامب جام غضبه على نظام الهجرة، ويقوم بعقاب جماعي بوقف منح تأشيرات لحملة جوازات السفر الأفغانية. ويعلن وقفا بشكل دائم الهجرة من دول العالم الثالث». ويعلن بتغريدة حافلة بالعنصرية والتطاول على المهاجرين (غير البيض). لا يخفي ترامب أن المهاجرين غير البيض يشكلون عبئا يستنزف مقدرات أمريكا. وليسوا رصيداً يعزز التنوع ويستقطب المهارات والعقول والمبدعين من حول العالم لأول أمة ودولة أسست على أيدي مهاجرين. ويشكل شعبها خليطا من جميع الأعراق والأجناس والأديان والجنسيات. وهو ما قامت عليه أمريكا.

حتى ترامب نفسه من جهة جده لوالده كان مهاجراً من أصول ألمانية ـ ومن جهة والدته كانت مهاجرة اسكتلندية فقيرة.

يذكر أن عدد الأمريكيين المتجنسين الذين وُلدوا خارج الولايات المتحدة حسب الإحصاء السكاني الذي استشهد به ترامب يبلغ 53 مليون أمريكي متجنس، أي 1 من كل 7 أمريكيين. يساهمون بحوالي 10 تريليونات دولار أو ثلث الناتج السنوي الأمريكي ويدفعون مئات مليارات الدولارات من الضرائب. و20٪ من الأطباء في أمريكا وكذلك نسبة كبيرة من المهندسين خاصة في قطاع التكنولوجيا في السيلكون فالي معظمهم من الهند والمدراء التنفيذيين لكبرى الشركات الأمريكية مثل تسلا وغوغل وأبل ومن الفائزين بجوائز نوبل من المهاجرين العرب وغيرهم.
ترامب كان يستغل ذلك الحدث الأمني الخطير الذي لا يشك أنه يحرجه وإدارته وأجهزته الأمنية لأنه يشكل خرقا لسردية ترامب بأنه رجل الأمن الأول وحامي أمريكا من المهاجرين
وكأن الرئيس ترامب كان يستغل ذلك الحدث الأمني الخطير الذي لا يشك أنه يحرجه وإدارته وأجهزته الأمنية لأنه يشكل خرقا لسردية ترامب بأنه رجل الأمن الأول وحامي أمريكا من المهاجرين ـ ولذلك حاجج منذ الصيف الماضي لإرسال الحرس الوطني في ظاهرة غير مألوفة لفرض الأمن في العاصمة واشنطن والمدن الكبرى لحمايتها من العنف والعصابات. في تسييس واضح لأن تلك المدن والولايات المستهدفة من ترامب يقودها ديمقراطيون منتخبون في تلك المدن والولايات. مثل العاصمة واشنطن ولوس انجلس وشيكاغو ومدينة نيويورك. لذلك غرّد في منشور هاجم به الجميع وأعلن وقف هجرة المهاجرين بشكل دائم من دول العالم الثالث دون توضيح ؟ وكيف سيراجع ملفات هجرة وتجنيس ملايين الأمريكيين والمقيمين بطريقة شرعية؟ مع العلم أنه لا يحق للرئيس سحب الجنسية المتجنسين أو طردهم دون قرار المحاكم. وسبق وحاول ترامب وقف منح الجنسية الأمريكية للمواليد داخل الولايات المتحدة من والدين غير أمريكيين، وفشل دستوريا.

وهدد ترامب بأن إدارته ستُنهي كافة المساعدات الفدرالية لغير المواطنين. وانتقد سياسات الهجرة لأنها برأيه أدت لتآكل مكاسب أمريكا التكنولوجية والاجتماعية!! وهدد بطرد من لا يشكلون قيمة مضافة وكارهين لأمريكا! وستسحب الجنسية ممن يشكلون تهديدا للأمن الأمريكي، وسيطرد المقيمين الذين يهددون الأمن وينتقدون القيم الغربية!! وسيعيد النظر فيمن حصلوا على بطاقة الإقامة الدائمة. وسيوقف الامتيازات التي تُمنح للمهاجرين واللاجئين.

تحمل قرارات وتهديدات ترامب طابعا عنصريا متشددا، يستهدف الأقليات وشعوب العالم الثالث أو النامي-لأن مصطلح «العالم الثالث» بات من مخلفات الحرب الباردة». كما أنه غير واضح من يقصد بدول العالم الثالث؟-البعض يشير للدول الـ19 فرض ترامب حظرا كليا أو جزئيا على منح مواطنيها تأشيرات دخول-نصفها تقريبا دول عربية وذات أغلبية مسلمة: ليبيا والسودان واليمن والصومال. ودول ذات أغلبية مسلمة: أفغانستان-إيران-تشاد أريتريا وتركمانستان. ودول أخرى-فنزويلا-كوبا-هايتي-الكونغو الديمقراطية-غينيا الإستوائية-لاوس ومينامار.

ويحمل قرار الحظر طابعا منغلقا وإقصائيا. ويؤكد كيف يدفع ترامب أمريكا لتصبح في عهده ذات لون واحد-معظم المهاجرين من بيض جنوب أفريقيا. ما يكرس الطابع العنصري المنغلق ويجعل أمريكا داخل أسوار عزلة ذاتية. يقصي ويهمش الأقليات والسود والمهاجرين من دول العالم الثالث!! ما دفع جماعات حقوقية وتعنى بحقوق الإنسان للتنديد ورفض الخطوات بصفتها غير قانونية، التي هدد ترامب بتنفيذها.. وذلك ينهي ترامب التعددية والحلم الأمريكي لعشرات الملايين. ومعه مصدر الإلهام والإبداع والتطوير!!

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: المحادثات بين واشنطن وروسيا بشأن السلام في أوكرانيا "كانت مثمرة"
  • القبض على طرفي مشاجرة باستخدام الأسلحة البيضاء فى عابدين
  • وزير الصحة: الإمارات كانت ولا تزال داعمًا استراتيجياً لمصر
  • محمد منصور: فتنة ديسمبر كانت مخططة
  • مندوب فلسطين في الأمم المتحدة: غزة كانت ولا تزال جزءًا من الدولة الفلسطينية
  • تجربتي معها كانت صعبة.. أحمد فهمي: لم أكن بخيلا مع هنا الزاهد
  • تعلن محكمة البيضاء أن الأخ عبدالرحمن عبدالله الحميقاني تقدم بدعوى انحصار وراثة
  • عمرو موسى: يجب إعادة الانتخابات مهما كانت التكاليف
  • ترامب: من أمريكا أولاً… إلى أمريكا القلعة المنغلقة البيضاء!
  • تعلن محكمة البيضاء بأنه تقدم اليها عبدالرحمن الحميقاني بطلب إنحصار وراثة