هل أصبحت فكرة إفتتاح محل تجاري فكرة سيئة؟
وفي ظل إتساع نطاق التجارة أونلاين ، هل من الأفضل الدخول إلى عالم التجارة عن طريق التجارة أونلاين ، أم أن الطريقة التقليدية في إفتتاح وتجّهيز محل تجاري هي الأفضل؟
كان هذا محور نقاش ساخن بين إثنين في أحد اللقاءات في إحدى المناسبات:الأول خاض تجربة مريرة في إفتتاح مقهى،إذْ لم تكد تمرّ سوى تسعه أشهر ،حتّى قام بإغلاقه بعد أن تكبّد خسائر فادحة، بينما كان الآخر يحاول أن يثنيه عن فكرته وأن يتجه الى تجارة
الانترنت، مؤكداً من واقع التجربة، أن الانترنت أثّر على أداء الكثير من الشركات ، ما حدا بها إلى تقليص حجمها المكتبي إلى أكثر من النصف ، وتوجيه موظفيها ل “العمل عن بعد”.
من وجهة نظري الشخصية ،أرى أن الشخص الذي خاض تجربة إفتتاح المقهى وقام بإغلاقه بعد أن تكبّد خسائر فادحة،لم يدرس السوق جيّداً قبل الدخول إليه، ما يؤكد أن توجيه الأفراد للدخول إلى عالم التجارة عبر الانترنت ،أمرٌ يستحق التفكير،آخذين في عين الاعتبار أن التجارة الإلكترونية وتنفيذ كل ما يتصل بعمليات بيع وشراء السلع والبضائع والخدمات عبر الإنترنت، قد دخلت إلى حياتنا اليومية وأصبحت ذات ارتباط وثيق بثورة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات.
حول هذا الموضوع والفرق بين الإثنين، يؤكد رجل الأعمال “عمر زينهم”، لدى استماعي له مؤخراً عبر حلقة بودكاست،على سهولة البدء بالتجارة عن طريق الأونلاين بسبب قلِّة التكاليف والمخاطر، على العكس من تكاليف إفتتاح محل تجاري باهظة الثمن بالنسبة للشخص المبتدئ إذا ما أخذنا في عين الاعتبار رواتب العمال والموظفين وتكاليف إيجار المحل والخدمات والديكور وفواتير الكهرباء، وما إلى ذلك من مصاريف قد تضاف إليها غرامات!
لذا يرى أن من الأفضل كبداية، أن يبدأ الشخص بأي نشاط تجاري أونلاين أو عبر أحد التطبيقات، قبل أن يفكر في إفتتاح محل تجاري، وبهذا يكون قد درس السوق بشكل أفضل، واستطاع جمع المال الكافي لبدء المشروع بدلاً من أخذ قرض من البنك ،فضلاً عن أن من ميزة بدء النشاط أونلاين ،أن يعطي الفرصة أيضاً لتسّويق العلامة التجارية أو المنتج،عندها فقط يمكن دراسة فكرة إفتتاح محل تجاري.
إن أخذ قرض بنكي لافتتاح محل تجاري كخطوة أولى ،سينتهي في الغالب بفشل المشروع نظراً لأنه بدأ بالديون ، وسوف تمرّ سنوات طويلة قبل أن يجني صاحبه الأرباح ، بينما المبتدئ في عالم الأعمال لا يقوى على الصبروهو يرى الديون تتراكم ، وفي الغالب لن ينتظر السنة التي يجني فيها الأرباح ، فينسحب من المشروع من باب تقليل الخسائر، وهذا حدث مع كثيرين أعرفهم.
في المقابل ،هناك الكثير من المحلات التجارية الناجحة التي جنت ثمارها سريعاً ، فضلاً عن نقطة إيجابية تتمثّل في أن المحلات التجارية تستطيع العمل أيضاً أونلاين ،وبهذا تفتح قنوات دخل تغطي مصاريفها التشغيلية ،كما أن هناك الكثير من المستهلكين الذين يفضِّلون تجربة المنتج بأنفسهم والتفاعل وجهاً لوجه مع البائعين، على العكس ممّن يتاجرون عبر أونلاين.
أنا هنا أنصح المبتدئين بعدم خوض تجربة إفتتاح مشروع بالديون، لأن هذه الطريقة هي التي ستقود إلى فشل المشروع ، والأمر كله أولاً وأخيراً رهن بتوفيق الله عزّ وجلّ .
أتمنى أن أعرف رأي القارئ العزيز أيُّهما يفضِّل:الدخول إلى عالم التجارة عن طريق الأونلاين ، أو إفتتاح وتجّهيز محل تجاري وفقاً للطريقة التقليدية؟
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: عن طریق
إقرأ أيضاً:
فضاء المعرفة المعاصر
يظن الكثير أن الصراع الذي يحدث في العالم اليوم هو صراع سياسي واقتصادي قائم على مرتكزات وأسس قديمة، وقد غفل الكل عن حركة الكون وحركة المعرفة وتبدل علاقات الإنتاج وأدوات الإنتاج .
عالم اليوم عالم مختلف وقد تبدلت فيه كل عوامل الصراع القديمة، فالحياة أصبحت عبارة عن خوارزميات، وأصبح الإنسان العامل فائضاً عن حاجة سوق العمل في العالم الجديد، وأصبحت الخوارزميات تقوم مقامه في إدارة الحياة، والسوق، وفي إدارة كل الشؤون العامة، سواء كانت اقتصادية، أم اجتماعية، أم ثقافية، وحتى الأمنية والعسكرية، وها نحن اليوم نلج إلى عصر الذكاء الاصطناعي الذي يعطل ما تبقى للإنسان من قدرات إبداعية ظلت بمنأى عن الخوارزميات في السنين الخوالي.
لا يمكن للإنسان اليوم أن يعيش في الأطر الاقتصادية والثقافية والاجتماعية القديمة، وإذا لم تتفاعل الشعوب والمجتمعات مع المستوى الحضاري والثقافي والمعرفي الجديد فإنها تكتب على نفسها الفناء من حيث تظن الصلاح والرشاد، فالعصر الجديد هو عصر المعرفة، وعصر اقتصاد المعرفة، وعصر صراع المعرفة، وعصر المعلومات والابتكارات التي يؤسس فناؤها لجديد أفضل، فالصراع قائم على فناء القائم لأفضلية الجديد، وعلى احتكار المعلومات ليكون السوق متاحا لها، والتنافس في السوق الحر تديره المعرفة.
ففي عالم اليوم تحتل المعلومات مكان الصدارة من جدول الاهتمامات، إذ تعاظمت أهميتها بفعل التطورات التقنية والاتصالية وما نجم عن كل ذلك من وفرة المعلومات، وسهولة الاستخدام والتوظيف، في عالم أصبح مفتوحا دون حدود، ودون هويات محلية، فالعولمة كادت أن تجعل منه قرية صغيرة ذات تجانس وتقارب ثقافي، حيث كادت الفوارق أن تذوب، وتداخلت المصالح، وانفتحت الأسواق العالمية، ونشطت التجارة الحرة، وأصبح من الميسور للفرد أن يتجول في الأسواق العالمية من مكانه، ويجري عملية الشراء والتحويل وهو في مكانه دون أن يتحرك .
هذ الواقع الجديد أفرز تنافسا دوليا، فكل طرف يسعى وراء تطوير معلوماته ومنتجه التقني حتى يسيطر على السوق العالمية من خلال توسيع دائرة الخدمات التقنية وتطويرها، الأمر الذي ترك المستهلك في حالة ذهول وملاحقة للتطورات المتسارعة التي فرضتها ضرورات التنافس بين الشركات الدولية .
وتبعا لذلك تشتعل حرب المعلومات بين الدول التي تريد فرض سيطرتها على الفضاء الكوني لضمان مصالح شركاتها من صناع المعلومات، وفكرة المعلومات أضحت اليوم مصطلحا دالا على الصراع الوجودي السياسي والاقتصادي في عالم متحرك في فضاء المعرفة المتسارعة، وقد انتقل الصراع بين الأمم والشعوب من أفواه البنادق إلى تطبيقات الكمبيوترات والأجهزة الحديثة، وفي أبسط تعريف لحرب المعلومات هو القول: ” أنها الطريقة الأفضل لاستثمار نظم المعلومات لتحقيق حالة من التفوق على الآخر، وفرض الخطاب الموجه اليه بعد إضعاف آليات دفاعه المعلوماتية، وإفشال خططه المعتمدة على صناعة المعلومات وطرق معالجتها فكريا وفنيا، بغية استخدامها للتأثير في الجمهور وتغيير قناعاته أو توجيه سلوكه بما يتناسب والأهداف المرسومة لكل طرف ” .
في عالمنا المعاصر تغيرت أسس ومحاور القوة الاقتصادية للأمم والشعوب، فالأمم التي بدأت بالقوة البخارية، ها هي تحط الرحال عند الاقتصاد المعرفي منذ عام 1990م، وهو العام الذي شهد انهيار المنظومة الاشتراكية، وتفردت أمريكا بقيادة العالم .
ومنذ عام 1990م وليومنا هذا “ اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الحواسيب والأجهزة الإلكترونية على القوة الاقتصادية للدول، وأصبح يُطلق على الدول المُخترعة والمطورة لأنظمة الحواسيب والمعلومات بالدول ذات الاقتصاد المعرفي، بمعنى أصبح الاقتصاد المعرفي هو أحد أهم المعايير الأساسية المحددة لتطور الدول وتقدمها، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وغير أولئك هم الدول الرئيسية في هذا المجال، الذي بات يشكل القوة الاقتصادية في عصرنا الحالي، والذي يتصف بانخفاض تكلفته الإنتاجية وتراكم أرباحه الهائلة مع مرور الوقت، على العكس من الأفرع الاقتصادية الأخرى التي قد تنخفض تكلفتها الإنتاجية، ولكن تنخفض أرباحها لاكتفاء السوق منها بعد فترة من الزمن “ .
يقول خبراء الاقتصاد: إن المثير للاهتمام هو ما يحدث الآن “ فبينما تمثل تقنية المعلومات إلى حد كبير المحرك الدافع لعصر المعرفة، فإن الجزء الأعظم من الابتكارات في المستقبل التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي ليس من المرجح أن تكون ناتجة من التقنيات والمنتجات القادمة من المعامل بل من تطبيقاتها خارج المختبرات، كما أن الأنشطة والأعمال التي يشارك بها الأفراد، سواء كانوا مستهلكين أو مقدمين للخدمات، سوف تكون ذات أهمية خاصة، وهذا يعني أن فرصاً أكبر من أجل الابتكارات والإنتاجية، وخلق فرص العمل، والنمو الاقتصادي يمكن الآن تحقيقها من خلال تطبيق التقدم الهائل في تقنية المعلومات والإنترنت، والتقنيات متناهية الصغر لمعالجة مشكلات سوق العمل والمجتمع عموما، في مجالات الصناعة، والرعاية الصحية والتمويل، ووسائل الإعلام. ولا شك في أن الاستثمار في أسواق تقنية المعلومات سيكون جوهر الاقتصاد القائم على المعرفة”.
فالمعرفة انبثق عنها اقتصاد المعرفة وهو الفاعل في عالم اليوم وعلى أبعادها تم بناء اقتصاديات قائمة على المعرفة، وهي اقتصاديات تحقق التنمية المستدامة في ظل تبدل الموارد الفاعلة في النمو والتنمية والوعي بالمحيط والتموج المعرفي والحضاري، ما يجعلنا عناصر فاعلة متأثرة ومؤثرة ومن المعيب الاستمرار تحت طائلة التأثر فقط .