في محاولة لتقويم مسار العمليَّة الاتِّصاليَّة والتوقُّف عِند منحنياتها في شبكة التواصل الاجتماعي، حدَّد مؤلِّف كتاب (الحتميَّة الاتِّصاليَّة ـ التحدِّيات والفرص) أستاذ الإعلام الدكتور عبد الرزاق الدليمي العام 1971 إيذانًا ببدء مرحلة تجربة التواصل بَيْنَ جهازَيْنِ حاسوبيَّيْنِ عَبْرَ شبكة التواصل الاجتماعي من خلال أوَّل رسالة عن طريق البريد الإلكتروني.
وشهد العام 1994إنشاء العديد من هذه الشبكات؛ باعتبارها أصبحت ظاهرة حتميَّة اتِّصاليَّة في حياة الجمهور استقطبت عددًا هائلًا من المهتمِّين بمعرفة ما يَدُور من حَوْلِها، وهو الأمْرُ الذي فسَّره المؤلِّف على أنَّه نزعة إنسانيَّة للتواصل مع الغير عَبْرَ وسائل الاتِّصال التي سهَّلت هذا التواصل وعدَّته حاجة إنسانيَّة تتطوَّر مع مرور الزمن.
وتكمن أهمِّية شبكات التواصل؛ كونها تؤدِّي دَوْرًا مُهمًّا في الكثير مِنْها تمنح الإنسان الفرصة للتعبير عن نَفْسِه ومزاج اهتماماته، فضلًا عن مشاركة أفكاره ومشاعره مع مَن يشاطره ذات الاهتمام والأفكار.
والمؤلِّف هو شخصيَّة إعلاميَّة عراقيَّة معروفة وأستاذ الإعلام الرقمي، وصدرت له عشرات الكتب التي أغنت المكتبة العربيَّة في عِلم الإعلام وتقنيَّاته، ووثَّقت محطَّاته في مسار جهده المهني والإعلامي وحتَّى السِّياسي.
وحاول الدليمي عَبْرَ خمسة فصول احتواها الكتاب أن يضعَ المهتمِّين في مسار التحدِّيات والفرص التي تواجهها وسائل التواصل الاجتماعي؛ باعتبارها حتميَّة لا بُدَّ من ملاقاتها والتعايش مع منحنياتها؛ كونها مثَّلت عصرًا جديدًا في مسار البَشَريَّة وتطوّر البحث عن مشتركاتها. كما يقول المؤلِّف إنَّها حتميَّة لأنَّها تؤسِّس لصفحة مُشرقة ومتطوِّرة لعلاقة الإنسان مع غيره عَبْرَ حتميَّة الاتِّصال عَبْرَ شبكات الاتِّصال وديمومتها والمزايا التي تُحقِّقها لخدمة البَشَريَّة جمعاء. وعِندما يتوقف المؤلِّف عِند الحاجة لمسايرة العهد الجديد واشتراطاته، فإنَّه بذات الوقت يفتح الآفاق عَبْرَ رؤيته ومؤلَّفاته للجمهور الذي وجد في العصر الرقمي الذي يسعى الدليمي إلى فتح أبوابه لِيكونَ متاحًا للمتعاطين مع هذا العصر من دُونِ تردُّد أو خوف.
من هذا الإحساس بتحوُّل العالَم إلى قرية صغيرة، يجيب المؤلِّف على عدَّة تساؤلات حَوْلَ إضاءة الحتميَّة الاتِّصاليَّة بأذرعها المتنوِّعة لهذا العالَم المليء بالصراعات والمشاكل وسُبل استخدام هذه الحتميَّة في تجسير الهُوَّة بَيْنَ هؤلاء بما يُعزِّز سُبل الحوار والتفاهم؛ جرَّاء ما تُقدِّمه وسائل التواصل الاجتماعي من مزايا لتسهيل مهمَّة تجاوز محدِّدات الانغلاق وسدِّ الأبواب.
لقَدْ قلبَت موازين وسائل التواصل الاجتماعي اشتراطات التطوُّر التي طرأت على الإنترنت، وأسهمَتْ في فتح الأبواب وتسهيل الوصول إلى المعلومة والتواصل مع الآخرين بكُلِّ سهولةٍ ويُسرٍ.
إنَّ نظريَّة الحتميَّة الاتِّصاليَّة هي من أهمِّ مخرجات العصر الحديث؛ لأنَّها نتاج الثورة الانفجاريَّة والمعلوماتية وما نتج عَنْها من أفكار وممارسات فتحت باب الاجتهاد والرصد للظواهر الاتِّصاليَّة التي رافقت مراحلها، وهو ما سلَّط الضوء عَلَيْه المؤلِّف الذي يشير إلى الأهمِّية المتزايدة التي يُمكِن تسميتها بالحتميَّة الاتِّصاليَّة ولشبكات التواصل الاجتماعي في حياة البَشَر وحاجاته.
وعلى الرغم من أنَّ الحتميَّة الاتِّصاليَّة فتحت الأبواب مشرعة لمستخدمي تقنيَّاتها وما أضافته للبَشَريَّة من موجبات جديدة، فإنَّ الذَّكاء الاصطناعي هو الآخر سيضيف لهذه الحتميَّة أُفقًا رحبًا ربَّما مجهولًا قَدْ يقلبُ موازين واشتراطات كانت سائدة وكيفيَّة التعاطي مع مسار جديد في حياة الإنسان الذي تحاول (الأتمتة) الجديدة إلى إلغاء أدوار وموجبات استهدفها الذَّكاء الاصطناعي.
أحمد صبري
كاتب عراقي
a_ahmed213@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی ة الات
إقرأ أيضاً:
اللواء عصام خضر يكتب: رحلة العائلة المقدسة في مصر.. مسار مقدس يمتد عبر التاريخ
عبر صفحات التاريخ، تتجلى مصر كملاذ آمن للأنبياء والقديسين، وعلى رأس هذه القصص الخالدة تأتي رحلة العائلة المقدسة. حينما هربت السيدة العذراء مريم والسيد المسيح الطفل والقديس يوسف النجار من بطش الملك هيرودس، كانت مصر وجهتهم، فاحتضنتهم أرضها الطيبة ورسمت خطاهم على جغرافيتها المقدسة، لتتحول رحلتهم إلى مسار روحاني يعبر القلوب قبل أن يجوب الأماكن..
لم تترك الدولة المصرية هذا الإرث حبيس الخرائط والكتب، بل حولته إلى مشروع قومي بقيادة السيد الدكتور / أسامة الجوهري – مساعد رئيس الوزراء ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصريالذي أنشأ فريقًا متخصصا لرسم خريطة الرحلة بدقة علمية وتقنية فائقة.
إدراكًا للأهمية التاريخية والسياحية لمسار العائلة المقدسة واحياءها بتقنيات عصرية تلامس عين وقلب الزائر، بفضل جهود دولة طموحة تعمل على تحويل التراث إلى تجربة مرئية تفاعلية. والأمر الأكثر إبهارًا هو التصوير البانورامي الذي نفذه الفريق عمل متخصص إداريا للقيام بأعمال التصوير بالإضافة الي التعليق الصوتي باللغتين من داخل مركز معلومات مجلس الوزراء بالتعاون مع هيئة تنشيط السياحة والذي يسمح للعالم كله بزيارة مواقع الرحلة افتراضيا وكأنهم يسيرون بين أشجار المطرية المعجزة أو داخل كهوف وادي النطرون.، وجبل الطير، بالإضافة إلى نقاط بارزة في منطقة الدلتا والبئر الاثري بتل بسطا الشرقية وقدم السيد المسيح بكنيسة السيدة مريم العذراء بسخا كفر الشيخ و الماجور الاثري بسمنود الغربية. هذه التقنية لا تحفظ التفاصيل المعمارية والدينية فحسب، بل تعيد بناء المشهد التاريخي بتفاصيله الحية من إضاءة الشمس إلى نسيج الجدران. كما يتم حاليا التصوير البانورامي و3Dلمنطقة الفرما شرق بورسعيد كأحد النقاط الأساسية والاولي للمسار.
بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس عيد العائلة المقدسة والمناولة الاحتفالية بالمطرية
احتفالية كبرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة بكنائس زويلة الأثرية .. الأحد
القومى للترجمة يحتفل بيوم رحلة العائلة المقدسة فى مصر وخصومات 25%
مدبولي: نشجع القطاع الخاص على الاستثمار في مسار العائلة المقدسة
مع الاعتراف الدولي بمسار العائلة المقدسة كأحد المسارات الروحانية الهامة، تتبنى مصر رؤية متطورة لجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. فإلى جانب الترميم المستمر للمواقع التاريخية، تساهم التكنولوجيا الحديثة، كالتصوير البانورامي، في تقديم تجربة سياحية تفاعلية تتيح للزوار التعرف على الأماكن المقدسة وكأنهم يسيرون في أروقتها بأنفسهم.
تبقى رحلة العائلة المقدسة شاهدًا على احتضان مصر للأديان والتاريخ، وتظل محطاتها رمزًا للسلام والمحبة. ومع جهود الدولة في الترويج لمسارها المقدس باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية، يفتح التاريخ أبوابه مجددًا أمام العالم، ليشهد الجميع على مكانة مصر الفريدة كأرض للحضارات، وملاذ للأنبياء.
اليوم، يمكنك أن تقف على أعتاب دير المحرق في أسيوط، تلمس الحجارة التي ربما اقامت عليها العائلة المقدسة، ثم ترفع هاتفك لترى عبر تقنية الواقع الافتراضي كيف كانت الرحلة قبل قرون.. هذه هي مصر: حكاية لا تنتهي، تصنعها أياد مصرية بقلوب عامرة بالإيمان والانتماء.
مصر التي نحب.. ترسم المستقبل بجذورها رحلة العائلة المقدسة في مصر لم تعد مجرد ذكرى بل أصبحت نموذجا لكيفية تحويل الإرث الإنساني إلى قوة ناعمة تجمع بين الهوية والابتكار.: "ان مصر ليست وطنا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا". وهذا المشروع خير دليل على أن الدولة لا تبني المستقبل إلا بجذور راسخة في أرض الماضي.