لجريدة عمان:
2025-08-02@23:55:16 GMT

مختصون: دعم اجتماعي لنشر ثقافة الصحة النفسية

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

مختصون: دعم اجتماعي لنشر ثقافة الصحة النفسية

- مبادرات حوارية هادفة لتصحيح الأفكار المغلوطة

- ضغوطات العمل وعدم الشعور بالتقدير تزيد من احتمالية الإصابة

- ضرورة اتباع عادات إيجابية للوقاية من الأمراض النفسية

أشاد مختصون بالتطور الحاصل في سلطنة عمان في مجال تقديم خدمات الرعاية النفسية وما تشهده المدارس والكليات والشركات من مبادرات ومحاضرات وورش عمل وجهود توعوية تعزز نشر ثقافة الاهتمام بالصحة النفسية وتشجيع الاستشارات وتوفير المراكز والعيادات المختصة، مؤكدين ارتباطها بتقدم المجتمع وازدهاره؛ فالأشخاص المستقرون نفسيا أكثر قدرة على العطاء وتحمّل المسؤولية وتكوين علاقات اجتماعية مثمرة والنجاح في بيئة العمل، مشيرين إلى ارتباط ضغوطات الحياة بحدوث العديد من الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، كما تؤدي إلى العديد من الأعراض الجسدية.

ويقول الدكتور حمد بن ناصر السناوي، رئيس قسم الطب السلوكي بجامعة السلطان قابوس: الصحة النفسية كما عرَّفتها منظمة الصحة العالمية هي قدرة الشخص على التعامل مع ضغوط الحياة العادية وتحقيق طموحاته، والعمل الإيجابي والمثمر، والإسهام في بناء مجتمعه، لذا تعد الصحة النفسية اللبنة الأساسية لتقدُّم المجتمع وازدهاره؛ فالأفراد الذين يتمتعون بصحة نفسية سليمة أكثر قدرة على الإنتاج وتحقيق الاستقرار الذاتي لأنفسهم وللآخرين من حولهم، كما أن الصحة النفسية مرتبطة بالصحة الجسدية؛ فالدراسات الحديثة تشير إلى أن القلق والاكتئاب يزيدان من احتمال إصابة الفرد بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، كما أن الشعور بالضجر والإرهاق والضغط النفسي يؤدي إلى ما يُسمى بالأكل العاطفي عندما يتناول الفرد كميات كبيرة من الطعام الذي عادة ما يكون غنيا بالسعرات الحرارية مما يسبب السمنة وما يصاحبها من مضاعفات، كما أن الأشخاص المستقرين نفسيا أكثر قدرة على تكون علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين والتعاون في العمل لإنجاز المشاريع المختلفة، وعلى نطاق الأسرة فإن الأشخاص الذين نشأوا في بيئة أسرية مستقرة بعيدا عن العنف الأسري والخلافات الأسرية أكثر قدرة على التفوُّق والإبداع في الدراسة والعمل.

وحول آلية التعامل مع ضغوطات الحياة أوضح: تعد ضغوطات الحياة من العوامل الأساسية التي قد تؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث العديد من الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، كما تؤدي إلى العديد من الأعراض الجسدية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والإرهاق الشديد، وتتعدد أسباب هذه الضغوطات حسب الفئة العمرية والظروف الأسرية والاقتصادية، أما بالنسبة لفئة العاملين فنجد أن ضغوطات العمل عادة ما تكون في المقام الأول، وحسب الدراسات العالمية تؤثر ساعات العمل الطويلة، والتعامل بين الموظفين ومرؤوسيهم، والعوامل الاقتصادية، وعدم الشعور بالتقدير في مجال العمل، جميعها تزيد من احتمال الإصابة بالضغط النفسي، وهناك بعض الشركات تقوم بعقد دورات تدريبية عن التعامل مع الضغوطات النفسية لموظفيها مما يساعد على المناعة النفسية، كما يساعد أسلوب الإدارة المحفز الذي يشجع الموظف على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية وتوفير الحوافز لتنمية المهارات ومساعدة الموظف على تحقيق طموحاته، كما يستطيع الفرد تعلم بعض المهارات الأساسية مثل إدارة الوقت، وتنظيم الأولويات، ورسم حدود للتعامل مع الآخرين، واتباع نمط الحياة الصحي مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على ساعات كافية من النوم وتجنب التدخين؛ فهذه المهارات تساعد الفرد على التعامل مع الضغوطات النفسية.

تأثير إيجابي

وحول أهمية زيادة التوعية في المواضيع النفسية وما لها من تأثير إيجابي ينعكس تلقائيا على سلوكيات الفرد في المجتمع، أكد الدكتور: لا شك أن التوعية بأهمية الصحة النفسية من الأمور المهمة وسلطنة عمان تشهد حراكا في هذا الموضوع من قبل المؤسسات الصحية والأفراد سواء في وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة، كما توجد محاضرات وحلقات عمل في المدارس والكليات والشركات، وجميع هذه المبادرات تهدف إلى طرح الحوار عن الصحة النفسية وتصحيح الأفكار المغلوطة التي تعزز وصمة العار، كما أن استخدام التقنيات الحديثة مثل البودكاست الذي يستهدف فئة الشباب والمراهقين يساعد في توصيل الرسالة إلى مختلف شرائح المجتمع، كما تقوم كل من الرابطة العمانية للزهايمر والرابطة العمانية للطب النفسي بعقد الندوات المختلفة وبرامج التوعية في المجمعات التجارية التي تتيح للحضور التفاعل مع المختصين والحصول على المعلومات الموثوقة.

ويضيف: تساعد العادات الإيجابية مثل النوم الجيد وممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي في تحسين الصحة النفسية، كما تشير الدراسات الحديثة إلى أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمال الإصابة بالحالات النفسية المختلفة مثل القلق والاكتئاب خاصة عند المراهقين والشباب عندما يقوم المتصفح بمقارنة حياته مع المشاهير الذين يتابعهم والذين يبالغون في رسم الصورة المثالية لحياتهم وعلاقاتهم والبذخ الذي يعيشون فيه، كما يساعد المشي في الطبيعة واستنشاق الهواء الطلق وممارسة تمارين التأمل والاسترخاء في تحسين الصحة النفسية، ولا ننسى دور العلاقات الاجتماعية في تعزيز ثقة الفرد بنفسه وإشعاره بالحب والاحترام والتقدير ومنحه فرصة للفضفضة إذا ما شعر بالضيق في مواقف الحياة المختلفة.

وتابع: يعد تشجيع الناس على طلب الاستشارات النفسية وتوفير العيادات والمراكز التي توفر تلك الخدمات من الأمور المهمة خاصة في ظل ما يسمى بوصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي والتي تجعل بعض الأفراد يتجنبون الحصول على الاستشارة بسبب الخوف من وصفهم بالجنون أو بضعف الإيمان أو ضعف الشخصية، بينما يفسّر البعض الأمراض النفسية على أنها بسبب الحسد والجن والسحر وبالتالي يذهب إلى المشعوذين مما يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث إن التأخير في تشخيص وعلاج بعض الأمراض النفسية يجعل التحسن صعبا أو ربما يؤدي إلى الانتحار هو ما نلاحظه لدى مرض الاكتئاب الحاد والفصام ومرض ثنائي القطب.

أمان ووقاية

وفي السياق تقول خولة بنت خميس البهلانية، أخصائية نفسية: إن الصحة النفسية بستان زهور ذو أهمية كبيرة تؤثر بشكل شامل على حياة الفرد والمجتمع، لذا لا بد من الاهتمام بها لعدة أسباب أهمها أن الصحة النفسية الجيدة تقوم بتعزيز جودة الحياة، مما يعزز الإيجابية ويكون الفرد قادرا على التعامل بفعالية مع التحديات والضغوط اليومية.

ويعد الاهتمام بالصحة النفسية صمام أمان ووقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية، كما أن هناك ارتباطا وثيقا بين الصحة النفسية والجسدية فإن اختل التوازن النفسي يؤثر على الصحة الجسدية والعكس كذلك.

وحتى لا يتعرّض الشخص للأمراض النفسية أوضحت: يجب اتباع بعض الخطوات لتعزيز الصحة النفسية والوقاية من الأمراض النفسية منها رسم خطة تعلم إدارة وإتقان التحكم في التوتر مثل التنفس العميق والرياضة وغيرهما وذلك حتى تقل ضغوطات الحياة اليومية، والاهتمام في كيفية الحفاظ على علاقات اجتماعية قوية تخلّف الأمل والإيجابية على الصحة النفسية، ويجب وضع خطة لطريق مدروس واضح بالأهداف والتحديات للنفس بحيث يدفع النفس بالرضا والإنجاز الذي يجعل مرور النفسية في طريق التحسّن والرضا والسعادة والإيجابية، والمحافظة على نسمة النشاط الذهني وهوائها العليل في القراءة والألعاب التي تجذب الذكاء وتنمّي العقل، واتباع أسلوب مغناطيس الاسترخاء والاستمتاع الذي يحسّن المزاج والصحة النفسية، ويعزز التفكير الإيجابي ويحاول أن يقتلع الأفكار السلبية لتتم حراثة الأفكار الإيجابية وتنميتها.

وعن آلية التعامل مع ضغوطات الحياة ذكرت البهلانية: هناك بعض الخطوات والاستراتيجيات العامة التي تساعد في التعامل مع الضغوطات بترتيب الأولويات التي تركز على الأكثر أهمية في حياته الخاصة، ووضع خطة تقسيم الأهداف ومراحل تنفيذها، ويجب أن تجزأ المهمات الكبيرة ثم الصغيرة حتى يتم التحكم بها وإدارتها، وتعلم مهارة الرضا والقبول، كما يجب تقديم الراحة عن طريق الاستمتاع بكل الأنشطة التي تحبها النفس، ومعرفة الأصدقاء الذين يسعون للتخفيف عنك.

رفاه نفسي

أما الأخصائية النفسية ريان بنت راشد الغيثية فتقول: تأتي أهمية الصحة النفسية في أنها تُنشئ أفرادا مستقرين عاطفيا، مهذبين سلوكيا، مقتدرين فكريا، مع الأخذ بعين الاعتبار تكامل منظومة الأسرة في العمل على خلق نموذج سلوكي يحذيه الفرد تجاه مجتمعه لكي يصبح أكثر تماسكا وقوة، كما أن للصحة النفسية أهمية كبرى على الصعيد الاقتصادي والمجالات الإنتاجية، حيث إن الفرد المتمتّع بالصحة النفسية قابل على تحمّل المسؤولية وتفعيل طاقته للحد الأقصى من أجل الوطن، ناهيك عن حالة الرفاه النفسي التي تعتريك بمجرد إعادة جدولة الأمان النفسي في قائمة الأولويات وصرف الانتباه عن منغصات الحياة الدونية.

وعن الحد من تزايد الأمراض النفسية، أفادت: إن تعلم الفرد لآليات التعامل مع الضغوط يعد قرارا شخصيا، والكثير منا يقوم بتأهيل نفسه جسديا ويهمل تأهيل الجانب النفسي، وهذا ما أدى لكثرة تردد الاضطرابات النفسية على مسامع الجميع.

وإن اتخاذ قرار الخوض في غمار النفس يبدأ من الإيمان المُطلق بأهمية الخطوة والسعي المستمر خلف النتيجة المُرضية مهما تعددت العثرات وكثرت المحاولات. ثم بعد ذلك اعتناق مبدأ المناعة النفسية كدرع حصين للتصدي لأسوأ سيناريوهات الحياة المتوقعة مع الاحتفاظ بكم قليل من مشاعر الحزن والندم الفعّالة التي تبقي الإنسان متصلا مع إنسانيته.

وتضيف الغيثية: حتى يصبح الفرد قادرا على الإلمام الوافي لنهج التعامل مع الضغوط، لا بد أن يكون مقياس الحكم على ارتقائك النفسي هو (أنت) في الماضي و(أنت) في الحاضر بعد السعي؛ فلا مجال للأحكام الشخصية من الأيدي غير المختصة ولا وجود لباب المقارنات مع حالات الأفراد الأقرب لوضعك، فلكل منا حالة فريدة لا تشبه الأخرى، وإن معيار التفاضل بيننا هو السعي الدؤوب.

وتابعت في حديثها: نحنُ -كمختصين- نجاهد للوصول لأكبر عيّنة مستهدفة ممكنة من الأفراد المحتاجين للخدمة، ولا بد من تآزر المجتمع مع المختصين في المجال وهو ما نطمح إليه لتثمير ثقافة الصحة النفسية، وقد نرى توافد جهود الشباب بتنظيم الحلقات التعليمية، وتهيئة الأجواء المناسبة للعمل، وتشكيل فرق معنية بالصحة النفسية، وهو ما يملي علينا -نحن المختصين- بمسؤولية وأهمية تلبية الدعوة لهم بصدر رحب.

كما أن استغلال الفرد لخدمة الإرشاد النفسي في المؤسسات من مدارس، كليات، شركات ومستشفيات يعول عليه تكامل الإيجابية بين المختص والمجتمع الذي نطمح إليه، ولا يقل دورنا في مواقع التواصل الاجتماعي أهمية عما نقوم به في أرض الواقع، فهي وسيلة توجيه نفسي غير مباشر يستمدها المشاهد من فيديو توعوي، وخطة نمائية، وصورة تعليمية مقصودة أو من الجانب الآخر، نشر الأبحاث ومقالات أو بث عبارات وعي ذاتي غير مقصوده، كل ذلك من أجل الوصول لمعدل استفادة لجميع الفئات المهتمة وغير المهتمة بأخذ المحتوى المطروح.

وحول أهم الأساليب والعادات الإيجابية التي يمكن للشخص اكتسابها لتحسين صحته النفسية، أوضحت:عندما تتأمل حياتك بالمجمل، ستجد أحد الأساليب الصحية التي تمارسها من أجل سلامك النفسي على وجه الخصوص والبعض الآخر على وجه العموم؛ فهذه هي الفطرة السوية التي خلق الله بها الإنسان، وما عداها مُكتسب إما بالوراثة أو البيئة، وهو ما يعني أن القالب الذي خُلقت به مُهيأ لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العادات الإيجابية الواعية، والتي لا تحتاج لعمل مؤرق حتى تقوم بها، بداية من تمرين الامتنان الصباحي الذي تقوم فيه بإحصاء النعم التي تحفك يوميا وأنت موصد النظر عنها، انتقالا إلى المشي التأملي الذي تقوم فيه بمواعدة نفسك على نزهة وشاي تتقاسم أطراف الحديث مع الشجر، تلاطف الأرض التي خُلقت عليها، تُسلّم على المارة، وتبقي حواسك الخمس على اتصال مع العالم وكأن ما تقوم به هو أعظم انتصاراتك، مضيا إلى استقبالك الفتان لكل الإطراءات والمجاملات التي تحصل عليها من الغير ومثابرتك على تذكير الآخرين بمواطن جمالهم وقوتهم بصوت عال. ولا نصرف الفكر عن تدوينك بين الحين والآخر لمشاعرك، أفكارك وسلوكك، وحرصك على مراقبة نفسك، فإن اختصار رحلة الشفاء مع الذات هو "اعرف نفسك". وأخيرا لا تخجل من مقابلة مختص للوصاية لغاية الاستبصار وسبر الأغوار بطريقة احترافية تضمن لك أمانك النفسي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الأمراض النفسیة القلق والاکتئاب بالصحة النفسیة الصحة النفسیة أکثر قدرة على التعامل مع العدید من کما أن

إقرأ أيضاً:

معاريف: الأمراض النفسية للجنود وباء صامت يقوّض المجتمع الإسرائيلي

يلفت الكاتب والمحلل الإسرائيلي إفرايم غانور إلى أن الانفجارات وأصوات القصف التي اعتاد عليها الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة ليست سوى المقدمة لصدى آخر أشد وطأة، يتمثل في صرخات عشرات الآلاف من المصابين نفسيا من الجنود، والذين سيحملون آثار الحرب في ذاكرتهم وأجسادهم ما بقي لهم من عمر.

ويركز الكاتب، في مقال له بصحيفة معاريف، على ما يسمى بـ"اضطراب ما بعد الصدمة" كمرض نفسي متفاقم ينتشر بين الجنود الإسرائيليين بسبب خدمتهم العسكرية في غزة وارتكابهم للفظائع بحق المدنيين أو بسبب مواجهاتهم الصعبة مع مقاتلي المقاومة الفلسطينيين الذين يفاجئونهم من الأنفاق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: إسرائيل أصبحت دولة جرباء وهي تعيش انحطاطا غير مسبوقlist 2 of 2صحف عالمية: إسرائيل جوّعت سكان غزة عمدا وبموافقة الغربend of list

ويصف غانور هذا المرض بأنه "وباء صامت" يتسلل بهدوء إلى عمق المجتمع، وسيتجلى على نحو أكثر وضوحا وخطورة بعد توقف العمليات القتالية وهدوء أصوات المدافع.

ضغط نفسي غير مسبوق

ويشير الكاتب إلى أن كل حرب تخلف وراءها جنودا يعانون اضطرابات عقلية ونفسية متفاوتة، حتى بين المقاتلين الأكثر صلابة. في بعض الحالات، تلتئم الجروح النفسية بمرور الوقت، لكن في حالات أخرى تبقى ملازمة لصاحبها حتى وفاته. إلا أن ما يميز الحرب الجارية، كما يقول، أنها تشهد قتالا مستمرا منذ ما يقارب العامين في ظروف استثنائية.

ويقول غانور إن الجنود الإسرائيليين يخوضون في معظم الأحيان حرب عصابات ضد ما وصفه بعدو غير مرئي لا يعرفون من أين يخرج لهم ويهاجمهم، مضيفا أنه "في كثير من الحالات، يفعلون ذلك في قلب السكان المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، ويكون هؤلاء المقاتلون أكثر عرضة للصدمات ومشاكل الصحة العقلية من المقاتل الذي يحارب ضد جيش مفتوح ومنظم".

ويرى أن هذا النوع من القتال يختلف جذريا عن الحروب التقليدية التي خاضتها إسرائيل في الماضي ضد جيوش نظامية كالمصرية والسورية والأردنية، إذ  كانت نسبة الإصابات النفسية في تلك الحروب أقل بكثير مما هو عليه الحال اليوم في المواجهات مع حركات المقاومة، كحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة وحزب الله في لبنان.

إعلان

وبحسب المعطيات التي أوردها غانور، والتي سبق أن كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن أكثر من 10 آلاف جندي لا يزالون يعالجون من ردود الفعل العقلية واضطراب ما بعد الصدمة، فيما تم الاعتراف فقط بـ3769 جنديا على أنهم يتأقلمون مع اضطراب ما بعد الصدمة، ويتلقون علاجا متخصصا.

كما أشار في تقريره إلى أن عدد الجنود الجرحى والمعاقين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الآن وصل إلى 18500 جندي من الجيش وقوات الأمن، منهم آلاف يعانون من أضرار نفسية حادة معظمهم من فئة الشباب، لا سيما من صفوف الاحتياط.

ويشير الكاتب إلى أن الأخطر أن 45 جنديا أقدموا على الانتحار منذ بدء الحرب، وهو رقم يثير قلقا بالغا داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيلي على حد سواء.

ضعف الاستعداد المؤسسي

ويتساءل غانور بجدية: "هل أن الجيش الإسرائيلي، ودائرة إعادة التأهيل، مستعدون للتعامل مع هذه الأزمة الآخذة في التوسع؟"، فالتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة يتطلب ميزانيات ضخمة، وأطباء ومعالجين متخصصين قادرين على الاستجابة السريعة والفعالة، لكنه يشكك في أن الدولة ستتعامل مع الظاهرة بالجدية المطلوبة، خاصة في ظل تاريخ من الإهمال أو التقليل من شأنها.

ويضرب مثالاً على ذلك بقضية 4 جنود من لواء ناحال أعلنوا مؤخرا رفضهم العودة إلى القتال في قطاع غزة، نتيجة التجارب النفسية القاسية التي مروا بها خلال خوضهم المعارك لفترات طويلة. هنا يطرح سؤالا حرجا: هل يتم التعامل مع هؤلاء الجنود كمصابين بحاجة إلى علاج ودعم، أم كفارين من القتال يستحقون العقوبة والسجن؟

ويروي الكاتب من تجربته الشخصية في الماضي كمجند، يتعامل القادة العسكريون مع الجنود الذين يبدون علامات الانهيار النفسي بأسلوب قاسٍ وساخر، ويقللون من شأن معاناتهم ويدفعونهم إلى العودة إلى المعركة فورا، لكن في الحروب الحديثة.

وحسب الكاتب، فإن هذه المعضلة تصبح أكثر إلحاحا في ظل حقيقة أن تجاهل أو إساءة التعامل مع الجنود المصابين بصدمة نفسية قد يؤدي إلى نهايات مأساوية، كما حدث بالفعل في حالات انتحار لجنود لم يجدوا من يفهم معاناتهم أو يقدم لهم المساعدة المناسبة.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي طوّر قدرات كبيرة في مجال إخلاء الجرحى من ساحات القتال وعلاج الإصابات الجسدية بسرعة وفاعلية، فإن الكاتب يرى أن الوضع مختلف تماما على صعيد الإصابات النفسية. فلا توجد آليات فعالة لتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة مبكرا أو للتعامل معه بشكل شامل، ما يجعل الأزمة مفتوحة على احتمالات أكثر سوءا مع مرور الوقت.

ويخلص غانور إلى أن "الوباء الصامت" لاضطراب ما بعد الصدمة ليس مجرد قضية فردية تخص الجنود المصابين، بل هو تحدٍّ وطني يمس المجتمع الإسرائيلي بأسره، وسيترك بصماته العميقة على النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإسرائيل في السنوات المقبلة، إذا لم يتم التعامل معه كأولوية وطنية عاجلة.

مقالات مشابهة

  • تعرف على عادتين بسيطتين تحسنان صحتك النفسية
  • وزير الري: لدينا شح مائي في مصر.. ونصيب الفرد حوالي 500 متر مكعب
  • القبض على البلوجر علياء قمرون لنشر محتوى خادش
  • حسام موافي: التعلل بالحالة النفسية لا يبرر الوقوع في براثن المخدرات
  • الوصمة.. عائق أمام العلاج النفسي ومساع للتوعية بأهمية الدعم
  • أبرزها الميزان .. أبراج لديها ذكاء اجتماعي
  • خصائص وفضائل يوم الجمعة
  • معاريف: الأمراض النفسية للجنود وباء صامت يقوّض المجتمع الإسرائيلي
  • عمل الشرقية تعقد ندوات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بجامعة الزقازيق
  • بساط: شبكة الأمان الضرورية لتنمية مستدامة وسلام اجتماعي