لجريدة عمان:
2025-05-13@04:13:22 GMT

مجلس عُمان الذي ننشده

تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT

من نافلة القول التذكير بالمؤسسات البرلمانية واستعراض أعمالها وإنجازاتها خلال الفترة الماضية من عُمر الدولة العمانية الحديثة، إذ قطعت المؤسسات أشواطا في هذا المجال منذ منتصف التسعينيات وإلى الآن، ولسنا هنا بصدد تقييم التجربة أو الحكم عليها، وإنما محاولة طرح رأي آخر غايته ومبتغاه: تطوير العمل البرلماني في عُمان، فكلّ ما نسعى إليه جميعا هو العمل على بناء الوعي بقيمة المؤسسات والتعويل عليها لخدمة الوطن ومن عليه.

إذن ما الذي نحتاجه من مجلس عُمان خلال الفترة القادمة؟ يعلم الجميع أن المؤسسات الفاعلة هي المؤسسات النشطة التي تقدم الخطط والبرامج وكيفية تنفيذها وطرق تقييمها، وأهم ما يمكن أن تقدمه المؤسسة البرلمانية في المرحلة القادمة فكرتان أساسيتان هما الاقتصاد والسياسة، فالمطلوب في الوقت الراهن وجود خبراء في الاقتصاد وأساتذة في القانون يكيّفون القوانين والتشريعات التي تُذلل الصعوبات أمام المستثمر الوطني أو الأجنبي وتدفع بالمزيد من الفرص أمام الاستثمار وتكييف التشريعات للاتفاقيات الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة.

أما دور الاقتصاديين فإن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى كوادر وطنية شابّة قادرة على العطاء، وعلى تكوين لجان متعددة نشطة وفاعلة في مجالاتها، وتبعث أفكارا في تخصصاتها، وتعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى سلطنة عمان، وإيجاد فرص عمل وتسريع عجلات الإنتاج. إذا كان المجلس في فترات سابقة قد استفاد من خبرات المتقاعدين، فإن المرحلة الراهنة والمستقبلية تحتاج إلى خلية نحل من الطاقات البشرية الموجودة في القطاع العام والخاص، والذين يمكن انتدابهم لعضوية المجلس لمدة أربع سنوات قابلة للتمديد لمن أثبت قدرته في تقديم المشروعات الناجعة. أما المتقاعد الذي خدم عُمان فبالتأكيد قد حصل على مكافأته نظير جهده، وآن الأوان له للاستمتاع بوقته الحر بعيدا عن الالتزامات الإدارية والاجتماعات الدورية. وهذا ينسحب أيضا على المرشحين لمجلس الشورى الذين نأمل أن يُعاد النظر في شروط ترشحهم للمجلس، بحيث يكون المؤهل الجامعي أحد شروط الترشح، وكذلك ألا يكون المترشح متقاعدا؛ لكي يفسح المجال أمام الباحثين عن عمل وحاملي الشهادات لتجريب حظوظهم في العمل البرلماني.

إذن ما الذي دفعنا إلى طرح مثل هذا الموضوع؟ بالتأكيد إن مبعث طرح مثل هذه الأفكار هي الرؤى والاستراتيجيات الوطنية المُعلن عنها في سلطنة عمان وفي مقدمتها رؤية عُمان (2020-2040) ونظرا لأهمية الاستراتيجيات فإنها بحاجة إلى كوادر بشرية وطنية تعمل على تذليل الصعوبات وتسابق الزمن لتحقيق النتائج المرجوة، وندرك جميعا أن التغييرات الطارئة في العالم وخاصة في الجوانب الاقتصادية والبيئية والسياسية تتطلب كفاءات وطنية قادرة على تنفيذ الخطط المرسومة وحصد نتائجها، لذلك فإن وجود العناصر البشرية القادرة على العطاء والحلم بمستقبل أفضل لعُمان يُعد عنصرا جوهريا في تحقيق الأهداف، مما يعني أن العضو في مجلس الدولة منوط به مسؤوليات مغايرة ومختلفة عن الفترات الماضية، بمعنى أن العضو المُكرم في المجلس مطلوب منه جهد فكري وطاقة على صياغة الأنظمة واللوائح والتشريعات التي تُسرّع من تطور المؤسسات ودفعها إلى التناغم مع طموح المواطن.

لأجل عُمان ومستقبلها نقول بأن مجلس عُمان يحتاج إلى النُخب الفاعلة في المجتمع وفي أجهزة الدولة، وبالتأكيد فإن الأرض العُمانية ولاّدة والكوادر البشرية من الجنسين موجودة على هذه الأرض الطيبة، لهذا فإننا نتطلع إلى تمكين الكفاءات العمانية للإسهام في نهضة عُمان المتجددة من خلال المؤسسات القادرة على تطويع القوانين وتطويرها لمستقبل زاهر، فقوة الدولة تكمن في تشريعاتها وشرعتها وحكومتها وحوكمتها.

إن مجلس عُمان بحاجة إلى أن يضم كافة شرائح المجتمع وأصحاب المهن، والفاعلين في العمل الاجتماعي، وممثلين عن اتحاد العمال العماني وجمعيات المرأة العمانية، وبعض أصحاب الهمم، ونخبة المثقفين والكتّاب والمحامين، وممثلين عن الجمعيات المهنية وليس بالضرورة رؤساء تلك الجمعيات؛ لأن ذلك سيفرز رؤساء جمعيات لا يهمهم إلا عضوية المجلس. إن التحديات التي يفرضها الواقع تتطلب تظافر جهود الدولة والمواطن في العمل سويّا لأجل مستقبل يضمن الرخاء والرفاهية للشعب العماني.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

قرارات بلا حوكمة ذكية

 

 

سعيد بن سالم الكلباني **

في عصرٍ أصبحت فيه البيانات الضخمة (Big Data) العمود الفقري لصناعة القرار، لم تعد السياسات تُبنى على التوقعات أو التعميمات، وإنما على تحليل دقيق للبيانات المتوفرة والمتكاملة من مختلف الجهات.

البيانات الحكومية اليوم تشمل أنواعًا متعددة: بيانات وصفية Descriptive (عدد المؤسسات والموظفين ونوع النشاط)، وبيانات سلوكية Behavioral (نمط الأجور والدفع)، وبيانات مالية Financial (الإيرادات والمصروفات)، وبيانات جغرافية Location-Based (مثل توزع الأنشطة في المحافظات)، وكلها متاحة للحكومة من خلال منظومة إلكترونية مترابطة تشمل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة العمل، وجهاز الضرائب، والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ومركز البيانات الوطني (NDC).

الطرق الحديثة لاستخدام هذه البيانات تتعدى الجمع والاحتفاظ بها أو استخراج معلومات هزيلة منها بالجمع والطرح، إذ يمكن عبر أدوات الذكاء الاصطناعي ونماذج المحاكاة الاقتصادية وتعلم الآلة أن نرسم سيناريوهات متعددة لأي قرار قبل إصداره، ونقيس أثره على المدى القصير والطويل، ونحدد الشرائح المتضررة والمستفيدة بدقة. هذا ما يسمى بـ"الحوكمة الذكية"، أي تحويل البيانات إلى قرارات تراعي الواقع، وتبني المستقبل، وتقلل من الأثر السلبي غير المقصود. وقد أكدت دراسة العمري (2024) أن وجود فريق إستراتيجية بيانات ضخمة يضم مدير مشروع البيانات، وعالم البيانات، وخبير تحليل البيانات، وخبير العمليات، ومعماري النظم، يسهم في تحويل كتل البيانات إلى قرارات إدارية دقيقة وفعالة تتماشى مع حجم المنظمة وطبيعة هيكلها التنظيمي.

وكما ذكرنا في مقالنا السابق، جاء قرار وزارة العمل، بإلزام المؤسسات التجارية التي مرّ على تأسيسها أكثر من عام بتوظيف مواطن عُماني واحد خلال 30 يومًا، كمثال صارخ على غياب هذه الحوكمة الذكية. ورغم أن الهدف الظاهري نبيل، وهو تعزيز التعمين وتوفير فرص عمل، إلا أن غياب التحليل العميق لما تملكه الدولة من بيانات أدّى إلى إصدار قرار بعيد عن واقع السوق، خصوصًا المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر.

وبحسب بيانات هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن أكثر من 90% من المؤسسات المسجلة في سلطنة عُمان تقع ضمن هذه الفئة. وتشير إفصاحات جهاز الضرائب إلى أن عددًا كبيرًا من هذه المؤسسات لا يحقق أرباحًا شهرية تتجاوز 500 ريال عُماني؛ بل إن بعضها يُدار من قبل صاحب العمل فقط دون أي موظفين. ووفقًا لبيانات نظام حماية الأجور المشترك بين وزارة العمل والبنك المركزي العُماني، فإن آلاف الأنشطة تُدار بفرد واحد، ولا تظهر عليها مؤشرات نمو تسمح بالتوسع.

ومع كل هذا، جاء القرار بصيغة إلزامية عامة تطلب من كل مؤسسة أن توظف عُمانيًا واحدًا خلال شهر، دون النظر إلى حجم المؤسسة أو نشاطها أو ربحيتها أو قدرتها التشغيلية، وعلى كل من يريد التظلم التوجه إلى لجنة التظلمات. في المقابل، كان يمكن للوزارة أن تستخدم البيانات الضخمة المتوفرة لديها بشكل أكثر كفاءة. وكان يمكن تصنيف المؤسسات إلى ثلاث شرائح: القادرة على التوظيف فورًا، والمؤهلة للتوظيف بدعم جزئي، وغير المؤهلة مؤقتًا. وكان يمكن بناء نماذج استهداف ذكية، مع إدخال معايير كالإيراد السنوي، وعدد الأنشطة النشطة في السجل التجاري، وسجلات الضرائب، وحالة التوظيف في حماية الأجور؛ بل كان يمكن إشراك مركز البيانات الوطني ليُصدر تقارير محاكاة اقتصادية دقيقة تُقدَّم لصانعي القرار قبل أي إجراء.

ما حدث لم يكن غيابًا في البيانات، بل غيابًا في الإرادة المؤسسية لاستخدام هذه البيانات بشكل علمي. فبينما تتجه دول العالم إلى تحويل وزاراتها إلى وحدات تفكير مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتحليل الاستباقي، لا تزال بعض قراراتنا تُبنى على المراسلات والاجتماعات لا على مؤشرات الأداء والتوقعات. وقد أظهرت دراسة نوف بن جمعة (2023) أن اعتماد إدارة نظم البيانات الضخمة يُعد من أقوى أدوات دعم التميز المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي والتشغيلي المستند إلى الوقائع.

حين تكون البيانات موجودة، لكن القرار لا يعكسها، فنحن أمام فجوة ليست في التقنية؛ بل في الوعي الإداري الحديث بالاستفادة من البيانات الضخمة التي تعد كنزًا يُباع بالملايين لم يُقدَّر ثمنه بعد. وما لم يُعاد النظر في طريقة صنع القرارات نفسها، فإن أي نية طيبة قد تتحول إلى عبء اقتصادي لا يُحتمل.

اليوم.. نحتاجُ إلى قرارات لا تتحدث فقط عن الأهداف؛ بل تُجيد قراءة التفاصيل.. نحتاج إلى حكومة ذكية، لا فقط حكومة إلكترونية، والفارق بينهما هو ما يُميِّز قرارًا وطنيًا واعيًا من قرارات بلا حوكمة ذكية، تُدير كل هذه البيانات، بإنتاج قرارات شاملة ومُستدامة لكل فروع مصالح الوطن والمواطن.

** باحث دكتوراة في فلسفة الإدارة والقيادة

مقالات مشابهة

  • البديوي: قادة دول الخليج يولون العمل الإعلامي اهتمامًا خاصًا
  • قرارات بلا حوكمة ذكية
  • حاكم الشارقة يترأس اجتماع مجلس أمناء جامعة خورفكان
  • الحجازي: انتخابات برئاسة محايدة أو إشراف أممي قد تحل أزمة مجلس الدولة
  • مجلس وزاري يحول مساءلة أخنوش إلى مساءلة كتاب الدولة
  • لنقي: هناك مبادرة لحل أزمة مجلس الدولة تتبلور في إجراء انتخابات مبكرة لمكتب الرئاسة
  • أبوفايد: سطحية الليبيين ومحاباة اللافي للبرلمان عطلت مراسيم الرئاسي
  • العبيدي: توحيد “مجلس الدولة” بات قريبًا جدًا  
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • العبيدي: توحيد مجلس الدولة بات قريبًا.. وقرار المحكمة أو إعادة الانتخاب سيحسم الخلاف