مساندة قرار وزارة العمل مسؤولية وطنية لتعزيز التعمين
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
القرار الصادر عن وزارة العمل في شهر مايو من هذا العام، الذي يُلزم المؤسسات والشركات التي أكملت عاما من تاريخ تأسيسها بتعيين مواطن عماني واحد على الأقل، لاقى سيلا من الانتقادات على قنوات التواصل الاجتماعي. بيد أن القرار يأتي استكمالا للسياسات الوطنية الرامية لتنظيم سوق العمل وأيضا إيجاد مقترحات من أجل وضع حلول جذرية نحو تخفيض أعداد الباحثين عن العمل.
ولا يُفهم بأنني من المدافعين عن ذلك القرار حيث لا يوجد تضارب للمصالح قط. وإنما الفكرة بأنه ينبغي على أي كاتب أو ناقد أن يكون متوازنا في طرحه وقبل انتقاده لسياسة حكومية ما، يجب عليه أولا تمحيص الحقيقة دون انتقائية ودون تجاهل لأي جزء منها. وهذا ما حدث للقرار فتم تعاطيه من البعض خروجا عن الأهداف الوطنية التي صدر من أجلها، وهي إيجاد مبادرات ومقترحات مدروسة تُسهم في تعزيز التعمين بمنشآت وشركات القطاع الخاص وهذا مطلب ينشده جميع أفراد المجتمع.
أيضا قد لا يوجد حديث على المستوى الشعبي والاجتماعي إلا وتأتي مسألة الباحثين عن عمل، وهذا بحد ذاته أمر صحي لأنه يعطي انطباعا بأن أعداد الباحثين عن عمل مهما طال الزمن أو قصر هي قضية وطنية لا ينبغي السكوت عنها. كما أن الكل وأولهم الجهات الحكومية والمسؤولون عن ملف التوظيف يأملون بأن يكون هناك ثمة اختراق في هذا الموضوع؛ لأنه انعكاس لأدائهم الوظيفي والمؤسسي. كما أن السياسات التنظيمية لسوق العمل أيضا هي تراعي التوازن في القرارات الحكومية المتعلقة بالتعمين بين التطلعات الوطنية وبين عدم تضرر بيئة العمل بالشركات والمؤسسات، فهي تعطي مهلة من الوقت للتنفيذ وذلك من مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
وقد يكون لزامًا بأن تقوم الجهة المختصة عن العمل بتوجيه الشركات والمؤسسات نحو توظيف عماني واحد - على الأقل - وذلك لما أظهرت البيانات بأن جميع المنشآت الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بها تباين كبير في توظيف العمانيين مقابل العدد الأكبر في توظيف الوافدين. كما أن أعلى نسبة للتعمين بلغت (44%) في المنشآت الكبيرة وتقل تلك النسبة تدريجيا لتصل إلى الصفر في (245) ألف منشأة لا توظف أي مواطن عماني بينما في المقابل توظف ما يزيد على المليون من الوافدين.
من خلال الأرقام السابقة فإنه يتوقع في أي دولة كانت وفي أي جهة حكومية مختصة عن التوظيف، بأن تلجأ إلى قرارات صارمة لإعادة تنظيم سوق العمل. كما أن قرار العمل لم يأت بين عشية وضحاها فهناك مناشدات سابقة لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، ضمن القرارات الصادرة عن الندوات الوطنية والتوصيات من اللجان المختصة عن التشغيل، نحو إيلاء موضوع توظيف العمانيين الأهمية. بيد أن أغلب تلك الشركات والمؤسسات لم تكن لديها الرغبة في الالتزام بتحقيق النسب المحددة للتعمين وكانت تتحايل على القرارات وبالتالي، استمرار صعود أعداد الباحثين عن العمل من العمانيين واستمرار ارتفاع أعداد العمالة الوافدة هو نتيجة لذلك التحايل.
وإن كانت هناك من وقفة فإن وجود ما يزيد على مائتي ألف منشأة لا توظف مواطنا عمانيا لسنوات طويلة منذ إنشائها يطرح تساؤلات بعلاقة تلك المنشآت بما يعرف بالتجارة المستترة التي تمارسها العمالة الوافدة. تلك التجارة التي تنتج عن ممارسة الوافدين للأنشطة التجارية بأسماء عمانيين مقابل مبلغ شهري يتم دفعه لمالك المؤسسة أو الكفيل. تلك العمالة الوافدة أصبحت هي المسيطرة على إدارة تلك المنشآت والمؤسسات وهي من تجني الأرباح ولا يستفيد منها الاقتصاد الوطني، بمعنى لا توجد قيمة مضافة من تلك الممارسات التجارية. وهذا ليس خفيا على أحد، فهناك من العمالة الوافدة من يصرح علنا - أنا الأرباب - وبالتالي، يبقى المواطن الذي قام بتأسيس تلك المؤسسة كأوراق رسمية وتغطية قانونية من أجل ممارسة الأعمال.
ولعل أغلب المنتقدين لقرار العمل المتضمن إلزام المؤسسات والشركات تعيين عماني واحد على الأقل، بأنه سوف يلحق ضررا بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ولكن المسؤولين بها، نعتقد بأنهم يعطون هذه المسألة الأهمية القصوى. فمن غير الممكن أن تنشئ الحكومة هيئة مستقلة ترعى مصالح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتقدم لها كل سبل التمكين - وأن كان من يطمح في المزيد - ثم تأتي وزارة العمل وتتخذ قرارا ينسف تلك الجهود. بل نتوقع أيضا بأن القرارات الحكومية ذات الآثار الاقتصادية والاجتماعية تتم بالتنسيق والتواصل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة. وقد يكون ما أظهرته الآليات التنفيذية للقرار من إخضاع المنشآت وأصحاب السجلات من رواد الأعمال المتفرغين إلى دراسة حالة للتأكد من مساهمة تلك المؤسسات في القيمة المحلية المضافة دليلا على ذلك الاهتمام، وأن هناك مرونة تم منحها لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يتفرغ أصحابها لإدارتها.
وقد يكون الهدف من إلزام تسجيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحصول على بطاقة - ريادة - هو للاستفادة من التسهيلات والإعفاءات المرتبطة بها. مع التأكد من تفرغ أصحابها للعمل الريادي الحر ولا تتحول تلك المؤسسات والتي تقدم لها الدولة الكثير من الدعم لتكون بوابة عبور من أجل استبقاء العمالة غير العمانية لأجل غير مسمى. كما أن تراخي أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عدم تفرغهم لها تدريجيا يؤدي في النهاية إلى تحولها إلى نوع آخر من التجارة المستترة؛ لأن من يديرها ليسوا أصحابها الفعليين.
كما أن مساندة قرار العمل بإلزام المنشآت تعيين عماني واحد على الأقل، يتوافق مع ما أبداه الرأي العام من عدم رضاه من تضمين اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عمان والهند من حيث إن الأخيرة تشترط إلغاء شرط التعمين من بنود تلك الاتفاقية. ولكن ما ورد بالآليات التنفيذية للقرار، يتضح بأن جميع المؤسسات والشركات يجب أن تتم معاملتها بالتساوي مع التوجهات الوطنية للتعمين وذلك بإلزامها جميعا وفي مقدمتها شركات الاستثمار الأجنبي التي أكملت عاما منذ تأسيسها، بأن تقدم خطة تشغيل عماني واحد - على الأقل - إما بالتوظيف المباشر، أو بتقديم خطة واضحة تؤدي في النهاية إلى التعيين الفعلي.
ولتمكين انسيابية التطبيق السليم فإن وزارة العمل مطالبة بتسريع العمل بصندوق تنمية الموارد البشرية الذي تم النص عليه في قانون العمل، والذي يهدف إلى تمويل سياسات التشغيل والتمكين مع تأهيل العمالة الوطنية التي تحتاج إلى تدريب نوعي وتخصصي عالي الكفاءة. بحيث لا تكون هناك أدنى حجة لدى منشآت القطاع الخاص في عدم توفر الكفاءات الوطنية ذات المهارات العالية. وبالتالي نرى بأن، يترك القرار لكي يتفاعل مع الواقع في سوق العمل مع المتابعة والرقابة ورصد التحديات الناتجة عن سير التنفيذ والعمل على حلها لعل ذلك يفتح آفاقا جديدة نحو تعزيز التعمين في مؤسسات وشركات القطاع الخاص.
نختم بالقول بأنه في ظل استمرار عدم التوازن بين توظيف العمانيين والقوى العاملة الوافدة في مؤسسات القطاع الخاص فينبغي من الجميع مساندة الوزارة في قرارها الأخير المتمثل إلزام جميع المنشآت والشركات بتوظيف عماني - على الأقل - لأنها مسؤولية وطنية لتعزيز التعمين. كما نأمل من الوزارة بعدم التراجع في الآليات التنفيذية التي أعلنتها المتمثلة في تطبيق الحظر لمنشآت الاستثمار الأجنبي المخالفة لقراراتها، وأيضا الحظر الشامل للتراخيص الجديدة للمؤسسات الأخرى. ذلك الحظر الذي نأمل ألا يشمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يديرها رواد الأعمال والمتفرغون من العمانيين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات الصغیرة والمتوسطة العمالة الوافدة القطاع الخاص الباحثین عن وزارة العمل على الأقل کما أن
إقرأ أيضاً:
المملكة تدعو إلى تكاتف الجهود الدولية لتعزيز الشراكات والقدرة على مواجهة الجفاف حول العالم
سلطان المواش – الجزيرة
أكدت المملكة العربية السعودية ممثلةً بوزارة البيئة والمياه والزراعة، رئيس الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD COP16)، أهمية تعزيز التكامل بين الخطط الوطنية وجهود المجتمع الدولي لمواجهة الجفاف، عبر شراكات تركز على دعم الجاهزية، وتمكين المجتمعات، وتوسيع أدوات التنبؤ والاستجابة السريعة، بما يعكس التزامًا جماعيًا لمواجهة هذا التحدي العالمي.
كما شددت الرئاسة على أهمية إدماج إجراءات الاستعداد للجفاف ضمن الخطط الوطنية للدول المتأثرة، من خلال التحول من الاستجابة المتأخرة بعد وقوع الجفاف إلى الاستعداد الاستباقي قبل وقوعه، مما يسهم في التخفيف من آثاره المدمرة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.8 مليار شخص حول العالم يعانون من تبعات الجفاف، مما يتطلب تعزيز العمل الدولي المشترك وبناء شراكات فاعلة للتعامل مع هذا التحدي.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها الدكتور أسامة فقيها، وكيل الوزارة للبيئة، ومستشار معالي رئيس مؤتمر الأطراف، في ورشة العمل الدولية الخاصة بـ”شراكة الرياض العالمية للقدرة على مواجهة الجفاف”، التي عُقدت في مدينة كولون بجمهورية ألمانيا الاتحادية يومي 23 و24 يونيو الجاري.
وشهدت الورشة نقاشات مع ممثلي الدول والمنظمات الدولية حول الحوكمة للشراكة، وآليات الدعم الفني، وأولويات الدول المستفيدة في المرحلة المقبلة. وتم التأكيد على أهمية تطوير نموذج عملي يعزز من قدرة الدول على التكيف مع آثار الجفاف من خلال التعاون متعدد الأطراف.
وتأتي هذه المشاركة في إطار رئاسة المملكة للدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD COP16)، والتي شهدت إطلاق “شراكة الرياض العالمية للقدرة على مواجهة الجفاف” في ديسمبر 2024 بالرياض، كمبادرة دولية تسعى إلى إحداث نقلة في نهج العالم تجاه الجفاف، من خلال التحول من الاستجابة المتأخرة إلى الوقاية المبكرة والاستعداد المسبق.
وتُعد “شراكة الرياض العالمية للقدرة على مواجهة الجفاف” من المبادرات الرائدة على الساحة الدولية في مجال التكيف مع الجفاف، حيث تركز على معالجة أحد أبرز التحديات التي تهدد الأمن الغذائي، وتفاقم أزمات الهجرة، وتؤثر على استقرار المجتمعات. كما تعكس هذه المبادرة دور المملكة المتنامي في دفع العمل البيئي الدولي وتقديم حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة المخاطر المناخية.