الناصري يتهم المجلس الرئاسي بـ"الفشل" ويدعو لعدم الاستجابة للضغوط التي تنتقص من "الوحدة" أو تهدد "السيادة
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
دعا التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري إلى رفض الضغوط التي تنتقص من الوحدة وتهدد السيادة الوطنية، داعيًا في الوقت ذاته إلى تشكيل جبهة شعبية وقانونية للدفاع عن الثورة والجمهورية.
جاء ذلك في البيان الختامي للأمانة العامة للتنظيم الناصري، الصادر عن اجتماعها الذي انعقد في العاصمة المؤقتة عدن خلال الفترة بين 6 الى 9 أكتوبر الجاري.
وفي البيان استنكرت الأمانة العامة التناقضات التي تطرأ بين مؤسسات الحكم، بسبب فشل مجلس القيادة الرئاسي في أن يكون إطارا لوحدة الإرادة السياسية، وإدارة المشاريع السياسية المتباينة بأكبر قدر من المسؤولية والانضباط، وحذرت من استمرار هذه التناقضات والاختلالات، ودعت إلى سرعة معالجتها وفق أحكام الدستور والقوانين واللوائح النافذة.
ورحب التنظيم الناصري بالجهود المبذولة للوصول إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، الا انه حذر من أن تستمر المفاوضات بشكل ثنائي بين الرياض والحوثيين، بعيدا عن الحكومة المعترف بها دوليا، ودون إشراك للأحزاب والمكونات السياسية بلا استثناء وكذلك تجاهل إشراك النساء والشباب، وفقا للمرجعيات المتوافق عليها، وقال ان ذلك التجاهل سيفضي -حتما - إلى اتفاقات لا تخدم مستقبل اليمن بل وتنتقص من سيادته، وتفرط بحقوق اليمنيين.
وجدد التنظيم الناصري التأكيد على تمسكه بخيار الحوار وصولا إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، مذكرا بإدانته اللجوء للحرب العسكرية والتدخل الأجنبي اللذين لم يسفر عنهما غير تدمير البلاد والعباد، فضلا عن أن إساءة الشرعية إدارة الأزمة، وكذلك تناقضات دول التحالف، أدت جميعها - إلى تحول اليمن إلى دولة فاشلة مفتتة، وبؤرة موبوءة حاضنة للنعرات المذهبية والعرقية والجهوية.
كما جددت الأمانة العامة للتنظيم الناصري تأكيدها على مبدأ الشراكة والتوافق بين المكونات السياسية والمجتمعية بعيدا عن الذاتية المقيتة، وحرصا على الوحدة الوطنية، وصيانة للسلم الاجتماعي.
وفي هذا الصدد دعا التنظيم الناصري شركاء العملية السياسية إلى عدم الاستجابة لأية ضغوط تمارسها قوى إقليمية أو دولية، تنتقص من الوحدة، أو تهدد السيادة الوطنية على كامل الجغرافيا اليمنية، أو تمس استقلال القرار اليمني السياسي والاقتصادي.
وقال التنظيم إن الأوضاع المأساوية التي نجمت عن الانقلاب والحرب، وعجز الشرعية والمجتمع الدولي عن إدارة الأزمة وحسم الحرب، وإحلال السلام لمصلحة شعبنا، كان السبب في تفاقم الأزمة السياسية التي تفرعت منها عديد أزمات اقتصادية واجتماعية مركبة - مخلفة ضحايا بعضها سقط بفعل نيران المتقاتلين، والبعض الآخر وهو الأكبر سقط بفعل المجاعة التي وصلت إلى حد البؤس.
وطالب التنظيم الناصري، جميع الأطراف بمن فيهم المجتمع الدولي التعاون لإجراء ترتيبات مستعجلة تفضي بإطلاق مرتبات الموظفين المنقطعة، لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وانتشاله من حالة الركود.
وقال إن ذلك يتطلب إعادة ترتيب أوضاع البنك المركزي، وتحديد مجلس إدارة له من خبراء متخصصين ومحايدين حتى لا يخضع البنك لإرادة أي من أطراف الصراع، وعلى أن يتم الاتفاق على آلية لتوريد كل الإيرادات السيادية إلى فروع البنك المركزي في المحافظات، ليتولى مجلس الإدارة توزيعها على المحافظات بناء على معايير متوافق عليها وما تحدده الموازنة العامة للدولة، ومتطلبات خطط التنمية.
كما أكد التنظيم على ضرورة تخفيف الأعباء الضريبية عن المواطنين، والقضاء على الجبايات غير القانونية المستحدثة، التي تضاعف من المعاناة وزيادة أعباء المعيشة على المواطنين. وقدمت الأمانة العامة للتنظيم الناصري من استعراضها للوضع السياسي الداخلي، حلا من شقين يساعدان على الوصول إلى حل ناجع للأزمة؛ الشق الأول يتمثل بضرورة إزالة التناقضات بين مكونات الشرعية، كمقدمة لاصطفاف سياسي للمكونات الحزبية والمجتمعية باتجاه إقامة نموذج جاذب ورائد لدولة قادرة على القضاء على أسباب الأزمة والمتسببين بها.
وهذا الشق أيا كانت ضرورته الملحة، فإنه يتطلب توفر الشق الثاني، وهو اصطفاف شعبي مساند للاصطفاف السياسي، ممثلا بكل القوى المدنية والمجتمعية على امتداد الساحة اليمنية، للمساهمة في خلق وعي وطني لرفض استمرار الحرب، ومقاومة السلوك الميليشاوي المرتكز على التمييز العنصري والمذهبي والجهوي والمناطقي، وكذلك المطالبة بعودة كافة الهيئات الحكومية إلى البلاد، وأداء مهامها من الداخل والضغط من أجل بناء جيش وطني احترافي وجهاز أمني قائم على أسس علمية، شريطة أن يكون ولاؤهما لله وللوطن، بحيث تحل تلكما المؤسستان محل الميليشيات وتتوليان استلام الأسلحة منها، عبر لجنة عسكرية مكونة من عسكريين وطنيين محايدين.
ودعا التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري إلى تشكيل جبهة شعبية وقانونية للدفاع عن الثورة والجمهورية والعمل على رفع دعوى قضائية ضد المتسببين بارتكاب جريمة الاعتداء على علم الجمهورية اليمنية، ورافعيه، خلال احتفالات الشعب اليمني بالعيد الـ61 لثورة الـ26 سبتمبر المجيدة في صنعاء والمحافظات اليمنية، والعمل على الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من الشباب العزل والمتسلحين فقط بحبهم لثورتهم وجمهوريتهم. وعلى الصعيد العربي، حيت الأمانة العامة للتنظيم الناصري، البطولات التي تسطرها المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في معركة (طوفان الأقصى)
واعتبرت ذلك امتداد لنضال أهلنا في فلسطين المستمر ضد العدو الصهيوني، على الرغم من إمكانياته المتواضعة والتجاهل المتعمد من قبل النظام العربي الرسمي، مقابل الإمكانيات من الأسلحة المتطورة لدى العدو الصهيوني، الذي يحظى بإمدادات مستمرة لأحدث الأسلحة، فضلا عن الإسناد السياسي والمعنوي من قبل قوى الاستعمار. وقال البيان ان ما يجري هذه الأيام في فلسطين، يجب أن يكون محفزا للجماهير العربية للضغط على أنظمتها الرسمية لوقف كل إجراءات ومظاهر التطبيع مع العدو الصهيوني، الذي يرتكب المجازر الوحشية ضد أهلنا الصامدين في فلسطين.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: الأمانة العامة
إقرأ أيضاً:
كيف تحولت عدن اليمنية من مدينة نابضة بالحياة إلى غارقة في الظلام والأزمات؟
يجد سكان العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، جنوبي البلاد، أنفسهم محاصرين في أزمات متراكمة، حيث تغرق المحافظة الساحلية التي كانت يوما نابضة بالحياة في ظلام دامس، وبلا ماء جراء توقف شبكة المياه وسط طفح المجاري في الشوارع، وهو ما يثير علامات استفهام وأسئلة عدة بشأن هذا الانهيار وكيف وصلت عدن إلى هذا الحال؟
يأتي ذلك على وقع انهيار اقتصادي مخيف وتراجع حاد وغير مسبوق في سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي حول عدن المعروفة بـ"ثغر اليمن الباسم" إلى مدينة غارقة في الأزمات منذ 10 سنوات على استعادتها من سيطرة جماعة "أنصار الله" الحوثيين 2015.
ووصلت مدة انقطاع التيار الكهربائي في عدن، إلى ما يزيد عن 11 ساعة يوميا، وفق مصادر محلية، وسط عجز رسمي لمعالجة هذه الأزمة التي أرقت سكان العاصمة المؤقتة.
عدن التي تتخذ منها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، مقرا لها، إلا أنها ترزح تحت هيمنة وتحكم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكل بدعم إماراتي أوساط 2017 ـ إداريا وأمنيا وعسكريا، وسط حضور شكلي للحكومة.
وعلى وقع الانهيار الشامل في الأوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية، بدأ سكان العاصمة المؤقتة، عدن، في الخروج للمطالبة بتحسين الأوضاع ووقف تدهور الخدمات الأساسية من كهرباء وماء، فضلا عن انهيار سعر صرف الريال اليمني الذي تجاوز مؤخرا، حاجز الـ 2700 ريالا لكل دولار أمريكي.
إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرفع شعار انفصال جنوب البلاد عن شمالها، دفع بتشكيلاته الأمنية والعسكرية إلى الشوارع ومدن العاصمة عدن، لقمع التظاهرات المطالبة بمعالجة الانهيارات الشاملة في الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
ونظرا للمعالجة الأمنية التي انتهجها المجلس الانتقالي المتحكم بعدن ضد حركة الاحتجاجات الشعبية انكفأ شباب ورجال عدن عن الخروج للاحتجاج خشية الاعتقال. الأمر الذي دفع نساءها إلى الخروج والاحتشاد في تظاهرات متوالية، رغم حالة الانتشار الأمني والعسكري الواسع للتشكيلات التابعة للانتقالي، في رسالة أرادت النساء العدنيات إيصالها بأن "الوضع لم يعد يحتمل".
وقد هتفت النساء في التظاهرات التي شهدتها عدن في الأسابيع الماضية، بهتافات مناهضة لسلطات المجلس الانتقالي التي تدير العاصمة، وأخرى ضد الحكومة والمجلس الرئاسي برئاسة، رشاد العليمي. كما لم تقتصر الهتافات على الحكومة والانتقالي بل تجاوزتها إلى المطالبة برحيل التحالف العربي الذي تقودها السعودية بالشراكة مع الإمارات.
ومنذ استعادة السيطرة على عدن في يوليو/تموز 2015، انتظر اليمنيون أن تتحول هذه المدينة التي تحررت مبكرا من سطوة الحوثيين عام 2015، إلى نموذج من بين محافظات البلاد تهوي إليها الأفئدة وتنجذب إليها الاستثمارات وتتطور بناها التحتية، إلا أن هوت في قاع سحيق من الأزمات، يقول سكان محليون، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام تساؤل مهم عمن يتحمل مسؤولية هذا الواقع الأليم والكارثي التي تعيشه العاصمة المؤقتة للبلاد في ظل محاولة هروب مختلف الأطراف اليمنية وإلقاء اللوم على الأخر؟
ابتزاز وتجاذبات
وفي السياق، قال الكاتب والصحفي اليمني، صلاح السقلدي إن وضع عدن البائس ومعها بالطبع باقي المحافظات ماهو إلا "نتيجة منطقية ومتوقعة تعكس حالة التباينات السياسية والتجاذبات الحادة داخل الحكومة والرئاسة".
وأضاف السقلدي في حديث خاص لـ"عربي21" أن هذا الحال المضطرب ألقى بظلاله الكئيبة على الوضع الخدمي والمعيشي حيث يتحمل المواطن وحده قسوة وتبعات هذا الوضع المريع بعد أن أصبح مكشوف الظهر يتوجع بصمت.
وبعد أن صار موضوع الخدمات، يتابع السقلدي "ورقة ابتزاز ومساومات سياسية بين توليفة الحكومة والرئاسة" وهو ما يعني بالضرورة فشلا صريحا في تقديم نموذجا ناجحا ومغرٍ يقتدى به في المحافظات الأخرى وبالذات الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وأشار إلى أنه على الصعيد السياسي فإن لهذا الوضع ضحاياه السياسيين أيضا.
وقال : "فبالإضافة إلى أن هذا الوضع يصب سياسيا بمصلحة الحوثيين ويقوض الشرعية فإن القضية الجنوبية برغم شراكة المجلس الانتقالي الجنوبي بهذه الحكومة وفي الرئاسة إلا أنها أصبحت خارج الأجندة المحلية وتم وضعه على رف النسيان والإهمال بعد أن تم إنهاك المواطن والنخب الجنوبية بضروريات حياتهم من مأكل ومشرب وغاز طبخ وكهرباء، وبالتالي أدار المواطن والنخب ظهورهم مرغمين للجانب السياسي لقضيتهم".
وبحسب الكاتب السقلدي وهو مقرب من المجلس الانتقالي الجنوبي فإن هكذا وضع متدهور بائس لا يمكن أن يكون نموذجا يحتذى به، كما أنه وضع طارد ليس فقط لرؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية بل للرأسمال المحلي.
وقال أيضا، إن "غياب البنية التحتية واستشراء الفساد ورخاوة القضاء وتفشي داء الجبايات وحق الحماية وارتفاع سعر الدولار الجمركي وتعقيدات الجمارك وغيرها من الأسقام كلها جعلت من المدينة بيئة موحشة ومنفرة لأي جهود استثمارية واقتصادية وخدمية.
الحكومة والانتقالي والتحالف
وحمل الصحفي السقلدي مسؤولية ما أعتبره "كل هذا السوء" بدرجة أساسية "الحكومة والرئاسة"، وبدرجة أكثر "المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره القوة المسيطرة والحاكمة الفعلية لعدن".
كما أوضح أن التحالف بقيادة الرياض يتحمل مسؤولية كبيرة كذلك بصناعة هذا الوضع"، وقال إن التحالف لديه كثير من الإمكانيات وأوراق الضغط والمساعدة والوسائل التي ستعمل على انتشال الأوضاع سواء بتقديم دعم مادي ومالي أو برفع العصا بوجه الرئاسة والحكومة"، على حد قوله
وأكد الكاتب اليمني على أن الفشل الجاري بالنهاية لن يقيد على هذه القوى وحدها بل سيكون للتحالف نصيبا وافرا من اللوم إذا ظل الحال كما هو في تدحرج مستمر نحو الفشل والتمزق والضياع.
يشكو ويقمع
وبشأن المسيرات الاحتجاجية وسياسات التعامل معها أمنيا، قال إن المسيرات بدأت وما تزال وستظل تتوسع ما بقيت الأوضاع على حالها من السوء.
وهاجم السقلدي المجلس الانتقالي الذي قال إنه "يشكو من شركائه في الحكومة والرئاسة بأنهم يقفون خلف هذا التدهور ويعيقون جهوده لانتشال الأوضاع"، بينما يظهر نفسه خصما للمواطن المسحوق وأداة قمع ومنع للتظاهرات الاحتجاجية بدلا من الوقوف معه.
وعبر عن غرابته من أن "يشكو الانتقالي من هذه القوى، ثم يمنع الناس من التظاهر ضدها بل ويقمهم ويشدد الخناق عليهم في الساحات".
ودعا السقلدي في ختام حديثه إلى "الوقوف مع المواطن لانتزاع حقوقه المشروعة بدلا عن قمعه"، مؤكدا أن من يقوم بذلك فهو "شريك في المأساة التي يعيشها الناس".
وسجل الريال اليمني انخفاضًا في قيمته خلال مايو/أيار بنسبة 33 بالمئة مقارنة بالعام السابق، و5% مقارنة بشهر أبريل/نيسان، وفق ما ذكرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الأسبوع الماضي.
وأرجعت المنظمة ذلك إلى "تناقص الاحتياطي من النقد الأجنبي في مناطق الحكومة، وتوقف تصدير النفط والغاز منذ أبريل 2022".
عدن ساحة صراع
من جانبه، قال الباحث اليمني في القانون والعلاقات الدولية، عبدالله الهندي إنه منذ تحريرها في يوليو 2015، كان يفترض أن تتحول عدن إلى نموذج لبقية المحافظات، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك، مضيفا أن السبب الجوهري لا يعود فقط إلى غياب الدولة المركزية أو استمرار الحرب، بل إلى تحول عدن إلى ساحة صراع نفوذ بين قوى متعددة: "التحالف (الإمارات والسعودية)، الحكومة الشرعية (المعترف بها دولياً)، والمجلس الانتقالي الجنوبي".
وتابع الهندي حديثه لـ"عربي21" بأن عدن أصبحت فعلياً مدينة بلا سلطة موحدة، وكل طرف يملك جزءاً من القرار دون أن يتحمل كامل المسؤولية، مما أنتج وضعاً إدارياً وأمنياً هجيناً لا يسمح فيه لأي طرف ببناء مؤسسات حقيقية أو تقديم خدمات مستقرة.
وتابع"والنتيجة كانت مدينة تنهار بسبب غياب الحوكمة، وتآكل البنية التحتية، والفساد، وانعدام الرؤية"، وهو ما يعني أن عدن لم تُمنح فرصة لأن تنهض، كونها تحوّلت إلى رمز للتنازع لا مركزًا للبناء.
ووفق الباحث اليمني فإن عدن كانت في قلب صراع القوى الإقليمية والمحلية، ويمكن فهم ما جرى لعدن من خلال قراءة ثلاثة مستويات متداخلة الأول" سياسي وعنوانه غياب الدولة وحضور المشاريع المتضاربة".
وقال إن عدن تحررت سياسيا، لكنها عانت إداريًا بسبب انكفاء الحكومة الشرعية على ذاتها، واكتفائها بالتموضع في الرياض بدل إدارة البلاد من عاصمتها المؤقتة.
يأتي ذلك، في الوقت الذي كانت الإمارات تدفع باتجاه ترسيخ قوى محلية موالية لها، على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما أنتج تعددًا في مراكز القرار، وصراعًا على الشرعية، مما عطّل المؤسسات وتسبب بانهيار الخدمات الأساسية, حسبما ذكره المتحدث ذاته.
تفكيك مؤسسات الدولة
أما المستوى الثاني فيتركز بحسب الهندي في "المستوى الإداري" المتمثل "بتفكيك مؤسسات الدولة دون بديل".
وقال إنه بعد تحرير عدن من قبضة الحوثيين لم تُفعّل مؤسسات الدولة كما ينبغي، بل تم تهميشها أو استبدالها بكيانات موازية غير خاضعة للمساءلة أو للمحاسبة.
وأضاف أن المهام الأمنية والإدارية أوكلت لتشكيلات مسلحة غير موحدة الهوى والمرجعية...وذلك ما جعل عدن مدينة بلا إدارة واضحة، ولا مركزية في القرار، وأدّى إلى تراكم الأزمات وانعدام القدرة على الاستجابة.
شلل البنى التحتية
وأبرز الباحث اليمني في القانون الدولي المستوى الثالث المتمثل بـ"المستوى الخدمي" الذي يعني "شلل البنى التحتية وتفكك دورة الحياة".
ولفت إلى أن النتيجة المباشرة لهذا الانقسام كانت واضحة من خلال "انقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم، رغم وجود محطات ومحاولات دولية للدعم وانهيار شبكة الصرف الصحي، ما أدى إلى انتشار الأوبئة إضافة إلى انفجار الأسعار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وسط غياب أي سياسة اقتصادية فاعلة أو آلية ضبط للأسواق".
وبالتالي، يقول الباحث الهندي إن عدن لم تُعطَ فرصة لتنهض، لأنها بقيت رهينة لتجاذبات الفاعلين بدل أن تكون ساحة للبناء.
من يتحمل المسؤولية؟
وردا على سؤال من يتحمل مسؤولية واقع عدن الكارثي، يرى الباحث اليمني الهندي أن المسؤولية مشتركة في ظل مشهد معقد تشهده عدن وكثرة الأطراف المتدخلة في مصيرها ولكنها غير متساوية، موضحا أن كل الأطراف الحاضرة في المشهد لم تكن فاعلة بنفس الدرجة، ولا كل طرف ساهم بنفس القدر في إيصال المدينة إلى ما هي عليه.
وقال إن الحكومة الشرعية تتحمل قسطًا من المسؤولية عنما آلت إليه المدينة، بفعل "فشلها في بسط سيادتها على الأرض بعد التحرير، ورضاها بالتموضع في الخارج بدل ممارسة وظائفها من الداخل".
كما حمل الباحث اليمني أيضا، "المجلس الانتقالي الجنوبي" القسط الأكبر من المسؤولية، وقال إنه "رغم امتلاكه لزمام السيطرة الفعلية على عدن منذ أغسطس 2019، إلا أن حضوره في المدينة لم يُترجم إلى نموذج حكم محلي ناجح، بل انحصر في ممارسة السلطة بمنطق الغلبة والسيطرة، لا بمنطق الدولة والإدارة ".
وتابع بأن المجلس اعتمد في إدارته للمدينة على أدوات غير مؤسسية، قائمة على الولاءات الشخصية والهياكل القبلية، لا على الكفاءة أو التخطيط المؤسسي، ما أنتج سلطة منغلقة على ذاتها، غير قادرة على تقديم حلول للأزمات المتراكمة.
انقسامات ودور سلبي
كما حمل التحالف وخصوصا دولة الإمارات جزءا من المسؤولية عن أوضاع عدن وقال إن أبوظبي التي هيمنت ميدانيا على الأرض في عدن، وأصبحت لاعب ذو تأثير لا يمكن تجاهله، "عملت على تكريس الانقسامات من خلال دعم كيانات موازية للسلطة، وخلق مراكز نفوذ غير خاضعة لمؤسسات الدولة".
ولم يغفل الباحث اليمني دور السعودية قائلا : "لا يمكن إغفال الدور السلبي الذي لعبته السعودية في التماهي مع ما يحصل، فيما يشبه توزيعًا للنفوذ داخل اليمن ".
مأزق سياسي
وبشأن قمع المسيرات الاحتجاجية على الأوضاع بعدن من قبل المجلس الانتقالي قال إنه لا يمكن تفسير سلوك المجلس الانتقالي في قمع الاحتجاجات السلمية في عدن بمعزل عن المأزق السياسي الذي يواجهه، والذي ينبع أساسا من طبيعة شرعيته الهشة التي لم تُؤسس على قاعدة صلبة منذ البداية، وهو ما يمكن تسميته بـ"مازق التأسيس السياسي".
ومضى قائلا : "فالمجلس، الذي استمد شرعيته جزئيًا من ادعائه تمثيل الإرادة الشعبية الجنوبية عبر المظاهرات، يواجه تحديًا جوهريًا يتمثل في فقدان الثقة الحقيقية من قِبل قطاعات واسعة من السكان الذين يطالبون بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية ".
وأكد على أن تضارب خطاب المجلس بين الترويج لتمثيله الشعبي من جهة، وقمعه للمطالبات السلمية لا يعكس فقط "هشاشة شرعية المجلس"، بل يشير أيضًا إلى "اعتماده المتزايد على القوة الأمنية كآلية للحفاظ على سلطته، بدلاً من بناء قاعدة دعم اجتماعي حقيقية عبر الحوار والسياسات التنموية".
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشفت منظمة الصحة العالمية عن تسجيل أكثر من 3900حالة إصابة بحمى الضنك"، و 14 حالة وفاة في إبريل/ نيسان من العام الجاري، في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة لحج المحاذية لها من جهة الشمال.