تأملات في قصيدة «الحطابون» للشاعر اليمني أحمد الفلاحي
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
ناظم ناصر القريشي
كل قصيدة هي حياة، والحياة طريق، والطريق يتجرد من معانيه ويتحول إلى ارتدادات على هامش القصيدة، تتألف مع مجازات موندريان التجريدية عبر مجال اللون والموسيقى، التي ستبدأ بكونشرتو البيانو والكمان، فتتدفق الصور وتتكاثف في حضورها المكتظ بسعته، في قصيدة «الحطابون» التي يقـدمها الشاعـر أحمد الفلاحي، عبر تكوينها التشكيلي المبتكر من الكلمات، فعبر الانفعال الحركي المتواتر، الذي يكفي لإثارة وجوده وبإيجازه الإيحائي البليغ، أن يدون فعل التمرد المنبثق من أشياء كثيرة، وتحقيق أثر على المتلقي، ففي افتتاحيته التصويرية وبإيقاعات بصرية، سنجد فعل الحركة يتملك الحطابين وفؤوسهم المصنوعة من الأشجار، أو مصنوعة من الأفكار، أو أشجار مصنوعة من الأفكار، مما يجعل هذه البناءات الشعرية وهي تتحقق بالكلمات بصيغه سينمائية، وقدرتها على تفعيل قيم التلقي، في مضارع حضورها :
جماعات جماعات
يهجرون القيعان،
ويذهبون إلى أعالي الجبال
الجبال التي لا تترك حصة الريح وحيدة
وإذا تخيلنا توزيعها الأوركسترالي، الذي يتبعه تصاعد شعوري صوتي وإيقاعي، يبدأ بالعنوان كعتبة أولى مكتظة بحضورها كأنها تحرس القصيدة، وتعطي ذلك الزخم بحماس، بهذا الإيقاع الحركي للموسيقى، الذي يستمد إيقاعها من حركة الحطابين وهم يهجرون القيعان جماعات، جماعات ويذهبون في حركة صعود الى أعالي الجبال، ومن ثم حركة الفؤوس على اعتبارها نوته فرعية للنوته الأصلية، من ثم الجبال لا تترك حصة الريح وحيدة، وهذا يجعلنا نتساءل أين تنمو الريح؟ وكيف تتماوج على شاشة القصيدة؟ وإلى أين تمضي مع الموسيقى وهي ترتل الهجر والصعود علوا وارتفاعا؟ وهل يكتفي الشاعر بأثر الريح وما توحي إليه؟ لكن الريح المتمردة والقلقة لا تقنع بكونشيرتو البيانو مع الكمان، بل تبحث عن العواصف وعنفوان الآلات الهوائية في أوركسترا الموسيقى، حتى تجسد حضورها كمرئيات مكثفة، وهناك نرى توجه الفعل الشعري إلى فكرة التجريد التي توحي بالتكعيب تأويلا، فاللغة الشعريه التكوينية متحوله ذاتيا، وهي كابتكار قصيدة بنسيج حيوي في لوحة تكعيبية، تتعاكس الخطوط فيها والنوايا، هذه الكلمات التي سنسمع من خلالها ديناميكية الحياة ودفقها وفيض الإبداع، وقوته الإيحائية، في وقت معلق بين الحركة والفكرة:
تسندها إلى معلم رياضيات
نسي معادلته التكاملية.
كيف لا ينساها
وهو الوحيد
من يشتغل على النهايات المتصلة؟
في التعليم الثانوي
لست بحاجة إلا للتفاضل
وزجاجة عطر ومبراة.
يقدم الشاعر الفلاحي مفهوما جديدا، لإدراك المعنى والتأويل، ففي المقطع التالي من القصيدة، سنجد أن فعل الشعر يتحرك روحياً، وفيزيائياً وكيميائياً بين دأب الحطاب الذي يبحث عن شجرة ويصافح فأسا، وكلمة يصافح هنا كأن الحطاب لم يلتق الفأس سابقا، لكن الرغبة هي التي منحته هذا التمني، وبين دأب الشجرة التي تحب أوراقها في الخريف، ونحن نعلم إن الأوراق تسقط في الخريف، فهذا الحب يقابله الوداع القاسي، في هذا التيه الشعري الذي يشبه إيقاعاً تراجيدياً، تتقاطع فيه الأفكار والرغبات مع الأماني، ولو تأملنا الفكرة في الكلمات ورسمناها، سنجد الخطوط التي لا تلتقي، والظلال التي ستنمو وتتكاثر عبر هذه الخطوط ، والأوراق المتساقطة، التي ستتقاطع في سقوطها مع كل هذا، بينما الحطاب الذي لم تكتمل فكرته في التفاضل والتكامل يلامس أمانيه وهو يصافح الفأس التي هي حلمه الأثير:
هكذا دأب الحطاب
يبحث عن شجرة
ويصافح فأسا
وهكذا دأب الشجرة
تحب ورقها
في الخريف.
ثم في دهشة الشعر تتسع القصيدة، وكثيراً من الحب يحيط بها مع مسحة حزن عميق، لتشمل الريح، ومدرس الرياضيات بخطوطه الشبحية ومنطقه الشعري، وأفكاره وهي تحاول أن تتكامل، لتستقر على أحلام كلود مونيه الزرقاء، ونحن نتتبع الريح وهي تأوي الى تشرين ونستمع الى الموسيقى الذهبية لسقوط الورقة، ويد القلب البيضاء المتوهجة في امتداداتها الروحية وهي ترفعها، ونحن نرقب الخاتمة في قلب عميق..
الحطابون
جماعات جماعات
يهجرون القيعان،
ويذهبون إلى أعالي الجبال
الجبال التي لا تترك حصة الريح وحيدة
تسندها إلى معلم رياضيات
نسي معادلته التكاملية.
كيف لا ينساها
وهو الوحيد
من يشتغل على النهايات المتصلة؟
في التعليم الثانوي
لست بحاجة إلا للتفاضل
وزجاجة عطر ومبراة.
هكذا دأب الحطاب
يبحث عن شجرة
ويصافح فأسا
وهكذا دأب الشجرة
تحب ورقها
في الخريف.
كلما آوت الريح الى تشرين
تقاذفت هي نحو قصب السبق
الورقة التي أسقطتها الشجرة
ترفعها يد القلب
أصحيح أن القلب أعمى؟
وهكذا طبعي
نهرت ذاكرتي
وأحببت الورقة
ووطني العرجون وأعانق الخريف
كاتب عراقي
المصدر: القدس العربي
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: القصيدة فی الخریف
إقرأ أيضاً:
جولة في الريف السويسري بين جبال الألب وساردونا التكتونية
لاكس – على ارتفاعات تكسوها الغيوم، تبدو مدينة لاكس جنوبي سويسرا كما لو أنها صفحة جديدة في دفتر الجغرافيا، حيث تتحول التضاريس إلى قصة، والصخور إلى سجل مفتوح لزمن سحيق صنع ملامح هذا الكوكب.
لا تبدو الرحلة مجرد فسحة سياحية، بل هي نافذة تطل على تاريخ الأرض بقدر ما تكشف عن حاضر الإنسان، ومشهد أشبه برحلة داخل كتاب علمي نابض بالحياة، فهذه المنطقة تعد تجسيدا للذاكرة العميقة للأرض، حيث لا تزال تنبض كل صخرة بماضيها، وترسّخ شعورا بأن الزمن ليس خطا مستقيما، بل طبقات ومنحدرات.
وبين الطريق إلى منطقة ساردونا التكتونية التي تحكي تاريخ ملايين السنين، ومزرعة "ألب ناغنز لاكس" التي تقدم تفاصيل وبساطة الريف السويسري، يجد الزائر نفسه أمام تجربة تتجاوز الحدود التقليدية للسياحة.
تعد منطقة ساردونا التكتونية شرقي سويسرا أحد أهم المواقع الجيولوجية في أوروبا، وربما في العالم، حيث تقدم رؤى فريدة حول تاريخ نشأة الجبال والوديان الألبية نسبة لجبال الألب.
فعلى امتداد خط صدع غلاروس، المعروف أيضا باسم "الخط السحري" والذي يمكن رؤيته من بعيد، اندفعت صخور يتراوح عمرها بين 250 و300 مليون سنة فوق صخور أحدث منها بكثير، بعضها لا يتجاوز عمره 35 إلى 50 مليون سنة، حيث تُعد هذه المنطقة ذات قيمة كبيرة للمدارس والباحثين، إذ تشهد على عمليات تكوين الجبال وحركة الصفائح التكتونية.
وعلى مدى أكثر من قرنين، دأب العلماء من جميع أنحاء العالم على دراسة عمليات تكوين الجبال، كاشفين بذلك أسرار تشكّلها في موقع ساردونا المدرج ضمن قائمة التراث العالمي.
وتبرز أهمية زيارة هذه المنطقة في كونها واحدة من 200 موقع فقط مُدرج ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي، ومن الناحية الجيولوجية تعتبر من أكثر المواقع تنوعا.
إعلانويضع هذا التكريم العالمي -الأرفع لمورد طبيعي- منطقة ساردونا في مصافّ مواقع تاريخية كبرى، مثل غراند كانيون بالولايات المتحدة الأميركية، وجزر غالاباغوس في الإكوادور، والحاجز المرجاني العظيم في أستراليا.
ولهذا السبب يُطلب من زوار ساردونا الالتزام بقواعد السلوك لضمان عدم تدمير هذه النظم البيئية الهشة، ومنها البقاء على مسار المشي الرسمي، وتجنب قطف أي نباتات، والتخييم في المواقع المخصصة لذلك فقط.
يوم بطيء على ارتفاع شاهق
على بعد مسافة قصيرة جدا من سارودنا الجيولوجية، تقع مزرعة "ألب ناغنز لاكس" التي تجمع بين بساطة الريف وشغف المغامرة وأجواء رومانسية جبلية ساحرة.
وفي هذا العالم الصغير البعيد عن إيقاع المدن، يمتزج صوت الريح بجلجلة الأجراس المعلقة في أعناق الأبقار، حيث تُصنع المنتجات المحلية بيد أصحاب المزرعة كما كانت تُصنع قبل عقود طويلة.
هنا، يمكن اكتشاف طريقة تحضير الجبن والزبدة، حيث يصل الحليب الطازج مباشرة من مصدره، أو بوسع الزائر المشي في المسارات المحيطة بالمزرعة للاستمتاع بالهواء النقي، أو تجربة الضيافة الريفية التي تجعلك جزءا من المكان، ولو لوقت قصير.
وتقول مديرة المزرعة أيلين للجزيرة نت إن العمل يبدأ من الساعة الثالثة والنصف صباحا وينتهي الثانية ظهرا، حيث يتم تجهيز حوالي 900 لتر من حليب الأبقار لصنع الجبن السويسري اللذيذ، وتشرح المتحدثة مراحل الإعداد قائلة "بعد وضع الحليب لمدة يوم كامل في قدر كبير مسخن بالبخار، تأتي المرحلة الثانية وهي حمام الملح ليكتسب الجبن مذاقه المالح".
ويمكن للزائر أيضا قضاء ليلة في نزل جبلي في المنطقة، يمكن الوصول إليه بواسطة التلفريك من فليمز القريبة من لاكس، أو تناول وجبة ساخنة في المطعم التابع له، أو الاسترخاء في الساونا وغيرها من الخيارات الترفيهية.
يُذكر أنه خلال موسم الشتاء، قد يزيد سعر الليلة الواحدة في النزل الجبلي عن 500 دولار لشخصين مع وجبة الفطور، نظرا لما يوفره من سهولة في الوصول إلى منحدرات التزلج.
تبلغ تكلفة الجولات الإرشادية في منطقة ساردونا التكتونية ما بين 25 و40 فرنكا سويسريا للشخص (28 إلى 45 دولارا)، كما يمكن للزوار دخول المسارات العامة بالمجان إذا فضلوا الاكتشاف الفردي.
وخلال الصيف الذي يمتد من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول، يمنح المكان وضوحا بصريا لا مثيل له، يجعل التجربة أقرب إلى درس حي في علم الأرض.
وعندما يأتي الشتاء يتغير المشهد في لاكس وما حولها بالكامل، إذ تصبح المنطقة واحدا من أشهر منتجعات التزلج في سويسرا، وبالإمكان الوصول إلى محيط ساردونا عبر التلفريك، الذي تتراوح تذكرته بين 20 و30 فرنكا (بين 23 و34 دولارا)، حسب الارتفاع والموسم، في حين تخضع بعض المسارات الجيولوجية للإغلاق بسبب تراكم الثلوج.
لكن الجو البارد والثلوج الكثيفة لا تحرم السائح من الاستمتاع برحلته، إذ توفر المنطقة مسارات للمشي على الثلج، ورحلات بانورامية تظهر الجبال عن قرب، أما في الأيام الصافية فيبقى الخط الجيولوجي مرئيا من بعض النقاط العالية.
أما بالنسبة لمزرعة "ألب ناغنز لاكس"، فتقدم وجهين مختلفين في كلا الموسمين، مما يجعل زيارتها جزءا أساسيا من الجولة. ففي الصيف تستقبل ضيوفها وسط المراعي الخضراء، وفي الشتاء تتحول إلى استراحة جبلية يقصدها المتزلجون لأخذ قسط من الراحة، أو تناول وجبة ريفية بسيطة بأسعار تتراوح بين 15 و30 فرنكا (ما بين 16 و34 دولارا).
إعلانوقد يكون هذا التبدل الموسمي هو ما يميز لاكس وضواحيها، إذ يمنح الصيف المسافر مساحة واسعة للتأمل في الطبيعة وتشكيلاتها في الهواء الطلق، أما الشتاء فيعيد إظهار الجبال في صورة أكثر صلابة وهدوءا وبياضا.