السومرية نيوز – دوليات

في ظلّ العدوان الإسرائيلي على غزة، والمتسمر منذ 11 يوماً، لا تزال وسائل الإعلام الغربية -مثل "بي بي سي" و"الغارديان"- غارقة في انحيازها التام للسردية الإسرائيلية، ضاربةً عرض الحائط بمبادئ حرية التعبير والمعايير المهنية. وصحيح أننا اعتدنا على "الحياد المهني" الذي لا يشمل إسرائيل، لكن بعض وسائل الإعلام العالمية انتقلت -مع العدوان الحالي على غزة- من "معاقبة" الصحفي على مقالاته ومواقفه المعادية للاحتلال إلى محاسبته على نواياه، مع غضّ النظر عن جرائم إسرائيل.



فباتت تراقب تفاعل صحفييها على منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حدّ منعهم من وضع إشارة إعجاب على مواقف لا تناصر بالضرورة فلسطين، بل قد تُفسّر بأنها تأتي في هذا السياق.

ولا يريد الإعلام الغربي إلا التركيز على فكرة أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة جاء رداً على عملية "طوفان الأقصى"، متجاهلاً السياق التاريخي للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، منذ نكبة 1948.

وفي سياق هذا التوجّه الغربي الذي تدعمه وسائل الإعلام العالمية، لا بل تزايد عليه في بعض الأحيان، كانت بارزةً قرارات الفصل التي صدرت بحق صحفيين عرب قُطعت أرزاقهم بسبب تضامنهم مع أهالي غزة.

يأتي ذلك بالتزامن مع مطالباتٍ بفصل أساتذة جامعيين من مناصبهم الإدارية، والتشهير بطلابٍ؛ على خلفية إدانتهم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

"بي بي سي" تحقق مع 6 صحفيين عرب
أحالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (القسم العربي) 6 من صحفييها العرب في مكتبَي القاهرة وبيروت إلى التحقيق الإداري، بالتزامن مع إيقاف التعامل مع صحفية مستقلّة (فريلانسر)، بسبب ما سمته "نشاطهم المتحيّز لفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي".

شملت قائمة الصحفيين الذين أُحيلوا إلى التحقيق كلاً من: محمود شليب، وسلمى خطاب، وعمرو فكري، وسالي نبيل، وآية حسام (القاهرة)، والصحفيتين ندى عبد الصمد وسناء الخوري (بيروت).

وصل الأمر بـ"بي بي سي" إلى الطلب من الصحفيين إزالة "اللايك" الذي وضعوه على منشورات / Shutterstock ، ولم يُحقّق مع الزملاء حتى اللحظة، لكن إدارة "بي بي سي" أبلغتهم بتعليق مهامهم وبإخضاعهم للتحقيق الإداري، كما طلبت منهم إزالة منشوراتهم الداعمة لفلسطين أو الذامة لإسرائيل، وقد وصل الأمر إلى الطلب من بعضهم إزالة "اللايك" الذي وضعوه على منشورات معيّنة.

وفي حال كنتم تتساءلون: "هل يمكن لوسائل إعلام ضخمة بهذا الحجم -مثل "بي بي سي"- أن تلاحق موظفيها على وسائل التواصل الاجتماعي وتدقق في نشاطهم الافتراضي"، فالإجابة هي Canary Mission

ولمن لا يعرف، فإن Canary Mission عبارة عن شبكة اجتماعية من "المخبرين"، مهمتها التبليغ عن أي نشاط معارض للصهيونية والسياسة الأمريكية، ويأتي الصحفيون وأساتذة الجامعات، والطلاب على رأس قائمة المستهدفين.

وتنقل هذه الشبكة "لائحتها السوداء" إلى المعنيين، بهدف الإشهار أولاً، ثم إلحاق الضرر بمستقبلها المهني وفرصة حصولها على عملٍ، بهدف نشر الرعب ومنع الآخرين من التعبير عن الرأي المعادي لسياسات إسرائيل والولايات المتحدة.

عام 2018، أفاد موقع The Intercept بترحيل بعض المدافعين عن حقوق الفلسطينيين من إسرائيل، بعد استجوابهم بسبب ملفاتهم الشخصية في Canary Mission؛ وقد تم استجواب آخرين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI).

ومن الصعب إزالة ما قامت به "بي بي سي" من سياق انحيازها التام في دعم سردية الاحتلال الإسرائيلي والترويج لها، وهو الانحياز نفسه الذي كان سبباً لتقديم أحد مراسليها استقالته، بعد ظهر الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعبر صفحته الخاصة على فيسبوك، كتب بسام بونني، وهو مراسل الهيئة في شمال أفريقيا: "تقدّمت اليوم باستقالتي من هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي لما يحتمه عليّ ضميري المهني".

ممنوع الانحياز إلا إسرائيل
لطالما كان انتقاد إسرائيل يعرّض الصحفيين في الإعلام الغربي للمساءلة التي تصل في معظم الأحيان إلى حدّ الفصل من العمل وقطع رزقهم، كان آخرها إقالة صحيفة "الغارديان" البريطانية رسام الكاريكاتير ستيف بيل.

فُصل بيل من عمله بعد رحلة عمل امتدت 40 عاماً مع الصحيفة، بسبب كاريكاتير رسَمَهُ ينتقد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اعتبرته إدارة الصحيفة مسيئاً، لأنه يشبّه بينه وبين المرابي اليهودي شايلوك، بطل مسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير.

وقال ستيف بيل إنه أقيل من عمله بتهمة معاداة السامية، بعد أن رسم كاريكاتيراً ينتقد فيه ممارسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قطاع غزة. ويظهر الكاريكاتير نتنياهو يحمل مشرطاً يرسم به خريطة قطاع غزّة على بطنه، وهو يرتدي قفازات ملاكمة. وكُتب على الكاريكاتير "يا سكان غزة اخرجوا الآن".

من جهته، يتعرض الأكاديمي الفلسطيني جوزيف مسعد -المحاضر في كلية الدراسات العربية والسياسية بجامعة كولومبيا- لهجومٍ ودعواتٍ لعزله، بسبب مقالٍ نشره في موقع Electronic Intifada حول أحداث غزة الأخيرة.

في مقاله، يقول مسعد إن هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 باغت إسرائيل، وأثّر على مستقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعلى جهود الولايات المتحدة في مسألة التطبيع بين إسرائيل والحكومات العربية.

بعد المقال، ظهرت عريضة في جامعة كولومبيا تدعو إدارتها إلى طرد مسعد من منصبه في الجامعة، بحجة أنه "يتسامح ويدعم الإرهاب". واللافت أن خلف تنظيم وتنسيق العريضة تقف الطالبة مايا بلاتيك، التي تظهر سيرتها الذاتية أنها عملت مع الجيش الإسرائيلي ككاتبة محتوى.

بدورها، عاقبت شركة الطيران الكندية (Air Canada) أحد طيّاريها من أصول مصرية -ويُدعى مصطفى عزو- بالفصل النهائي من وظيفته، بسبب تضامنه مع فلسطين يوم الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من خلال ارتدائه علم فلسطين حول رقبته.

على أثر ذلك، تلقى حذف الطيار تهديداتٍ كثيرة دفعته إلى حذف جميع حساباته على مواقع التواصل. لكن منظمة "أوقفوا معاداة السامية" نشرت صورة عزو التي كان قد شاركها، وقالت إنه لن يشعر أي يهودي بالأمان وهو يطير مع "هذا المعادي للسامية".

فما كان من شركة الطيران الكندية إلا أن نشرت تغريدة على منصة "إكس"، تعلن من خلالها أنها قررت فصل الطيار عن عمله، قائلة: "نحن على علم بالمشاركات غير المقبولة التي قام بها طيار طيران كندا. نأخذ هذا الأمر على محمل الجد، وقد تم فصله من الخدمة، ونحن ندين بشدة العنف بجميع أشكاله".

في السياق نفسه، تتعرض 33 مجموعة طلابية من جامعة هارفارد للتشهير والترويع، بسبب بيانٍ مشترك صدر عنها يحمّل "النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن كل أعمال العنف الجارية" في غزة.

وقد جاء في البيان أن أحداث اليوم لم تحدث من فراغ، وأن "المسؤولين الإسرائيليين يَعدون بفتح أبواب الجحيم، وقد بدأت المذابح في غزة بالفعل" وأن "نظام الفصل العنصري هو الوحيد الذي يقع عليه اللوم".

وتعرض البيان، الذي أعدته لجنة التضامن مع فلسطين للطلاب الجامعيين في جامعة هارفارد، وشاركت في التوقيع عليه 33 منظمة طلابية أخرى في الجامعة يوم السبت 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023- لانتقادات كبيرة من مشرعين وأساتذة وطلاب.

واجهت خطوة المجموعات الطلابية ردود فعل عنيفة؛ فقد قالت منظمة غير ربحية محافظة إنها رتبت لعرض لوحات إعلانية افتراضية تحمل أسماء ووجوه الطلاب وصورهم، تحت لافتة كُتب عليها "معادون للسامية في جامعة هارفارد"، وُضعت على شاحنة تحركت داخل الجامعة بهدف فضح هؤلاء وترهيبهم وترهيب مناصريهم.

وعلى منصة "إكس"، طالب الملياردير بيل أكمان -الرئيس التنفيذي لأحد الصناديق في جامعة هارفارد بنشر أسماء الطلاب الموقعين، حتى يعرفونهم فلا يوظفونهم في المستقبل.

من ناحيةٍ أخرى، ترأست صحيفة Daily Mail البريطانية حملة ممنهجة ضدّ الطبيبة منة علوان التي ردت على رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عبر منصة "إكس"، وطالبته بأخذ جميع الإسرائيليين إلى بريطانيا، معلنةً أنه "سيكون فوزاً للجميع".

تعرّضت علوان لهجومٍ شرس، ما دفعها إلى حذف جميع حساباتها عبر مواقع التواصل، لكن صحيفة "ديلي ميل" قررت السير في مبدأ العقاب الجماعي، وخصصت مقالين كاملين عنها؛ مطالبةً بفصل الطبيبة من عملها لأنها "تدعم الوحشية".

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول 2023 جامعة هارفارد رئیس الوزراء فی جامعة بی بی سی

إقرأ أيضاً:

منظمة سويسرية تدعو للتحقيق في أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" التي ستوزع المساعدات بسبب شكوك في حيادها

طالبت منظمة "ترايال إنترناشيونال" غير الحكومية، في سويسرا، السلطات الفيدرالية بفتح تحقيق رسمي في أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، وهي منظمة أمريكية حديثة النشأة بدعم مباشر من واشنطن، تخطط لتولي إدارة توزيع المساعدات في غزة، رغم اعتراض الأمم المتحدة التي قالت إنها لا تستوفي شروط الحياد والنزاهة اعلان

وأعلنت المنظمة السويسرية أنها قدّمت في 20 أيار/مايو طلبًا إلى هيئة الرقابة الفيدرالية على المؤسسات، أعقبته في 21 أيار/مايو بطلب آخر إلى وزارة الخارجية السويسرية، للتحقق مما إذا كانت مؤسسة GHF تمتثل للقانون السويسري والقانون الإنساني الدولي، ولا سيما في ظل استخدامها المرتقب لشركتين أمنيتين أمريكيتين ضمن عملياتها الميدانية.

وقال فيليب غرانت، المدير التنفيذي لمنظمة ترايال إنترناشيونال، في تصريح لوكالة رويترز: "نحن نطلب من سويسرا أن تمارس التزامها الخاص بموجب اتفاقيات جنيف باحترام القانون الإنساني الدولي... هناك قضايا خطيرة للغاية على المحك".

كما طالبت المنظمة وزارة الخارجية السويسرية بتوضيح ما إذا كانت مؤسسة GHF قد حصلت على تصريح لاستخدام شركات أمن خاصة لتوزيع المساعدات، وما إذا كانت السلطات وافقت على هذه الإجراءات غير المسبوقة ضمن السياق الإنساني السويسري.

فلسطينيون يحاولون الحصول على وجبات من مطبخ مجتمعي في منطقة المواصي بخان يونس، غزة – الجمعة 23 أيار/مايو 2025.Abdel Kareem Hana/ APانتقادات أممية للمنظمة الجديدة

تواجه مؤسسة GHF انتقادات حادة من منظمات دولية، إذ أعربت الأمم المتحدة عن رفضها الخطة المعلنة لتوزيع المساعدات، معتبرة أنها "لا تستوفي شروط الحياد والنزاهة الإنسانية"، محذّرة من أنها "ستؤدي إلى مزيد من النزوح وتعرض آلاف المدنيين للخطر".

ورغم ذلك، تؤكد مؤسسة GHF أنها "تلتزم بصرامة بالمبادئ الإنسانية"، وتنفي أي نية في دعم عمليات نقل قسري للمدنيين. وذكرت المؤسسة أنها تأمل في بدء عملياتها في غزة قبل نهاية أيار/مايو الجاري، عقب محادثات مع مسؤولين إسرائيليين سمحت مؤقتًا باستئناف إدخال المساعدات، بانتظار إنشاء "مواقع توزيع آمنة" تشرف عليها فرق المؤسسة.

Relatedبينهم رضيع عمره أيام وطفل لم يتجاوز السنتين.. غارات إسرائيلية تقتل العشرات في غزةخطة المساعدات الأمريكية لغزة: ماذا نعرف عنها؟ ومن يتولى تنفيذها؟لا ماء ولا طعام.. آلاف الفلسطينيين يصارعون الجوع والعطش والخوف في قطاع غزة

وبحسب وثائق رسمية صادرة عنها، تستهدف المرحلة الأولى من خطة GHF إيصال المساعدات إلى 1.2 مليون فلسطيني، مع توسيع القدرة لاحقًا لتصل إلى أكثر من مليوني شخص.

وتشمل الخطة توزيع 300 مليون وجبة معلبة خلال التسعين يومًا الأولى، بتكلفة تُقدّر بـ1.30 دولار أمريكي للوجبة الواحدة، تغطي خدمات النقل والتخزين والتوزيع والأمن. كما تتضمن توفير مستلزمات النظافة والإمدادات الطبية عبر آليات مراقبة صارمة.

مساعدات "بالقطّارة"

تأتي هذه التطورات فيما لا تزال غزة تخوض معركة يومية من أجل البقاء، وسط تحذيرات متصاعدة من خطر المجاعة الواسعة النطاق. ورغم أن السلطات الإسرائيلية استأنفت مؤخرًا إدخال المساعدات إلى غزة بعد حصار دام 11 أسبوعًا، إلا أن الإمدادات تدخل إلى القطاع بـ"القطّارة"، فتبقى عاجزة بذلك عن تلبية الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة لسكان القطاع.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد وجّه انتقادات لاذعة إلى إسرائيل، مؤكدًا أن "شعب غزة يواجه خطر المجاعة والعالم يتفرّج"، داعيًا الدولة العبرية إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق.

فلسطينيون يحاولون الحصول على وجبات من مطبخ مجتمعي في منطقة المواصي بخان يونس، غزة – الجمعة 23 أيار/مايو 2025.Abdel Kareem Hana/ AP

وأفاد غوتيريش بأن إسرائيل سمحت فقط بدخول 50 شاحنة مساعدات، في وقت تنتظر فيه 400 شاحنة أخرى العبور إلى القطاع. وأكد أن هذا الرقم "ضئيل للغاية" ولا يلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات، مشددًا على ضرورة "تدفق كبير وثابت للإمدادات الإنسانية" لتفادي كارثة وشيكة.

ويحذر مسؤولون أمميون ومنظمات إغاثية من أن القطاع المحاصر يقف على مشارف "موت جماعي صامت"، ما لم يُسمح بدخول كميات كافية من الغذاء والدواء والوقود خلال الأيام المقبلة.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • منظمة سويسرية تدعو للتحقيق في أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" التي ستوزع المساعدات بسبب شكوك في حيادها
  • الدبلوماسي العاري.. من هو المبعوث الأممي توم فليتشر الذي يقف في وجه إسرائيل؟
  • قبيلة تقطع طريق رئيس في صلاح الدين بعد مقتل أحد أبنائها
  • طرد بروفيسور تركي من مجلة علمية أسسها بسبب دعمه فلسطين
  • أبرز الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثيين على إسرائيل عام 2025
  • فضيحة رقمية.. “مايكروسوفت” تحظر كلمة “فلسطين” وتلاحق موظفيها الداعمين لغزة
  • السفير الإسرائيلي في واشنطن: الفرنسيون على وشك إعلان 7 أكتوبر يوما لاستقلال فلسطين
  • مايكروسوف تحظر رسائل البريد التي تحتوي على كلمات فلسطين وغزة
  • أبرز مضامين اتفاقية الشراكة التي يهدد الاتحاد الأوروبي بمراجعتها مع إسرائيل
  • ميناء حيفا بوابة إسرائيل التي يتوعدها الحوثيون