محرومون من العلاج.. حكايات معاناة أصحاب الأمراض المزمنة في غزة
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
اشتدت الحرب على أهالي غزة، وتضاعفت أعداد الجرحى والشهداء، في ظل استمرار استهداف المدنيين في منازلهم من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأوشك النظام الطبي في القطاع المحتل على الانهيار، وسط تحذيرات من عواقب كارثة إنسانية قد تقع في حال عدم إدخال المساعدات.
أمام تكدس المستشفيات بالمصابين ذوي الإصابات المعقدة، تعجز المستشفيات في غزة الآن، عن توفير الخدمات الطبية الأخرى لأصحاب الأمراض المزمنة، منهم مرضى الفشل الكلوي، الذي يحتاجون إلى جلسات غسيل الكلى أكثر من مرة في الأسبوع الواحد، وتأخر المريض عن الانتظام في الجلسات الدورية تؤدي إلى مخاطر صحية كبيرة قد تصل إلى الوفاة.
بعد أنّ استهدف الاحتلال منزلها، اضطرت «آمال المسارعي» مريضة فشل كلوي، بقطاع غزة، إلى اللجوء إلى أحد المدارس التابعة للأونروا بصحبة أسرتها للاحتماء بداخلها، ومنذ نحو خمسة أيام لم تتمكن من إجراء جلسة الغسيل الكلوي التي تخضع لها يومًا بعد يوم في الأسبوع الواحد، بحسب روايتها لـ«الوطن»، وذلك بسبب امتلاء المستشفيات بالجرحي وعجز الطواقم الطبية عن تلبية احتياجات أصحاب الأمراض المزمنة الأخرى.
تحاول الأم الغزاوية الامتناع عن تناول «شربة ماء نظيفة» للحفاظ على صحتها، إذ يحذر الأطباء مرضى الفشل الكلوي من كثرة شرب الماء، حسب وصفها.
ويحتاج مرضى الفشل الكلوي إلى نظام غذائي صحي، بالتوازي مع جلسات الغسيل الكلوي، وفي ظل الحصار الذي فرضه الاحتلال على القطاع المحتل، يعانى المرضى وكبار السن خاصة من مخاطر كبيرة قد تودي بحياتهم.
ليس فقط مرضى الفشل الكلوي الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات الطبية بالمستشفيات داخل قطاع غزة، وإنما كافة أصحاب الأمراض المزمنة، حيث تكدس المصابين والجرحى داخل المستشفيات أمام نقص حاد في الأدوات والإمكانيات الطبية، حتى عجزت الطواقم الطبية عن تقديم أي خدمات إلا لإنقاذ الجرحى.
«جمال بعلوشة» يعاني من ضعف في عضلة القلب ويحتاج إلى متابعة دورية مع الطبيب المعالج له كلما داهمته الأزمة القلبية، إلا أن القصف المستمر وتدهور النظام الصحي في غزة منعه عن المتابعة والكشف في الأيام الماضية، مشددًا: «كل شئ تدمر في الحي بتاعنا ما في حياة آدمية، معرضين للموت في أي لحظة حتى العلاج حرمونا منه»، بحسب روايته لـ«الوطن».
استسلم العجوز السبعيني للواقع الصعب، في ظل انهيار النظام الصحي بالقطاع المحتل، وحسب وصفه، ترك مصيره لله، «اللي بيصير بيصير ما باليد حيلة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: غزة قطاع غزة الفشل الكلوي الامراض المزمنة فلسطين مرضى الفشل الکلوی الأمراض المزمنة
إقرأ أيضاً:
أمهات فلسطينيات على خطّ الانتظار.. حكايات الفراق في زمن الحرب
غزة "عمان "د.حكمت المصري:
أمهات فلسطينيات عالقات خارج غزة بعد سفر للعلاج أو النجاة المؤقتة، يعشن أمومة عبر الشاشات، ويواجهن "فقدًا غامضًا" بلا أفق للعودة، وبدون اعتراف قانوني.
لم يخترن الرحيل، ولم يُمنحن حق العودة. آلاف الأمهات الفلسطينيات وجدن أنفسهن، منذ أكثر من عامين، خارج قطاع غزة، بعدما خرجن للعلاج أو لمرافقة أطفال مصابين، أو فرارًا من موتٍ محدق، ليعلقن في منفى قسري طويل، تاركات أطفالهن يكبرون بعيدًا عن صدورهن، ويتحوّلن إلى أمهات بالهاتف: بالصوت دون اللمس، وبالصورة دون الحضن.
تمتلئ قلوبهن بالخوف والانتظار، يلاحقن نشرات الأخبار بلا انقطاع، ويتلقين مقاطع الجنازات التي يرسلها الأقارب كأنه قدر يومي. يرين الفقدان يتراكم على الشاشات، وجوه تُدفن دون وداع، وبيوتًا تنهار أمام أعينهن، بينما العجز يطبق على صدورهن في منافي لا يعرفن متى تنتهي.
"أطلب صور أحفادي كي لا أنسى ملامحهم"، تلخص السيدة ليلى أبو شدق (53 عامًا) بهذه العبارة مأساة نسيان قسري تعيشه منذ أكثر من عامين، بعد سفرها إلى مصر قبل اندلاع الحرب بأيام، لعلاج ابنها أمين الذي يعاني من إعاقة جسدية منذ الولادة.
تقول ليلى: "خرجت للعلاج، ولم أكن أعلم أن الحرب ستغلق كل الأبواب خلفي. أعيش خوفًا دائمًا على أولادي وأحفادي في غزة، يتنقلون من نزوح إلى نزوح، بينما أراقب نشرات الأخبار على مدار الساعة. استشهد أخي زياد، وعمي، وأكثر من ثلاثين شخصًا من العائلة. لم أودّع أحدًا، رأيت جنازاتهم فقط عبر الهاتف".
وتتابع: "بيتي في بيت لاهيا دُمر بالكامل، والمدينة باتت تحت الاحتلال، لكنني رغم ذلك سأتجه إلى غزة فور فتح معبر رفح البري. نار الشوق أقسى من كل شيء".
شاشة بدل الحضن
الفراق هنا ليس حدثًا عابرًا، بل حالة ممتدة تُقاس بعدد المكالمات الفائتة، وبالمسافة بين قلبين لم يختارا الفراق. تتحوّل مكالمات الفيديو إلى طقس يومي مرهق، مليء بالدموع، لا يخفف الشوق بل يضاعفه.
ليلى واحدة من مئات الأمهات اللواتي أُغلق المعبر دون عودتهن. من بينهن أريج كيلاني (39 عامًا)، التي خرجت في بداية الحرب لمرافقة شقيقتها المصابة بالسرطان، وتركَت أطفالها في غزة مع والدهم.
تقول أريج: "كنت أعتقد أن الحرب ستنتهي سريعًا. اليوم مضى أكثر من عامين ولا أستطيع العودة. أشتاق لأطفالي حدّ الألم. ابني الصغير يطلب مني العودة في كل اتصال، ثم يشيح بنظره عن الهاتف، ثم يغلق الخط".
وتضيف: "كنت أشتري لهم الألعاب والملابس للسنة القادمة وأقول: سنعود قريبًا. اليوم صغرت الملابس وكبروا هم بعيدًا عني، يعانون من النزوح والأمراض والعوز، أعلم أن وجودي بينهم كان ضروريًا، ولكن الله لن ينساهم".
فقدان مضاعف
لم يكن الوضع أقل قسوة لدى الدكتورة آمال موسى (55 عامًا)، التي رافقت أختها للعلاج خارج غزة ووجدت نفسها مجبرة على ترك عملها وأبنائها. تقول: "كنت بين نارين، إما ترك أختي التي كانت بين الموت والحياة، وإما ترك أولادي تحت القصف. توقعت سفرًا لشهر أو اثنين، لكنه تحوّل إلى عامين من الغياب. ابني اجتاز الثانوية العامة وكنت أتمنى أن أكون بجانبه، لكن المعبر كان أقسى من كل أمنياتي".
"فقد غامض" وجرح غير مرئي
تصف الأخصائية النفسية الدكتورة نفوذ أبو سعدة هذه الحالة بأنها "فقد غامض"، حيث يكون الشخص حيًا لكنه غائب جسديًا ومكسور نفسيًا. وتوضح أن هذا النوع من الفقد من أكثر أنواع الصدمات تعقيدًا، خاصة لدى الأطفال، بسبب غياب الأم في بيئة مشبعة بالخطر والنزوح والخوف.
وتقول: "الطفل لا يستطيع تفسير سبب غياب والدته، ما يؤدي إلى مشاعر هجران، قلق مزمن، وتراجع في الإحساس بالأمان. هنا يصبح دور الأسرة الممتدة - الجدة والعمة والخالة - حاسمًا في تخفيف العبء النفسي عبر الاحتواء".
وتشير إلى أن تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) يؤكد أن النزوح القسري والفصل الأسري يضاعفان معدلات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة. كما أظهرت دراسة نشرت في مجلة European Child & Adolescent Psychiatry أن الأطفال المتأثرين بالفصل القسري يعانون من آثار طويلة الأمد على صحتهم النفسية والسلوك الاجتماعي.
وفي السياق ذاته، تؤكد كل من اليونيسف واليونسكو أن برامج الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتأثرين بالنزاعات ضرورة إنسانية ملحّة، وأن "الأمان النفسي" شرط أساسي لأي تعافٍ لاحق.
فراغ قانوني... وألم بلا توصيف
لا تُصنّف هؤلاء النساء ضمن إطار قانوني واضح: لسن لاجئات، ولا نازحات، ولا مسافرات باختيارهن. هن أمهات عالقات خارج الزمن والجغرافيا، بلا حماية قانونية ولا برامج دعم متخصصة، فيما تبقى معاناتهن خارج الإحصاءات.
الحرب تقتل الأمومة مرتين
لم تكتفِ الحرب بتحويل الأطفال إلى أيتام، بل جعلت الأمهات أحياءً بلا أمومة. عن هذا النوع من الفقد نكتب، عن أم ترى ابنها يكبر من وراء شاشة، وتخشى أن ينتهي بها الأمر غريبة في قلبه.