ماكرون يزور إسرائيل للدفع باتجاه هدنة إنسانية
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
يتوجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء إلى إسرائيل، في مرحلة حساسة من صراعها مع حركة حماس حاملاً معه مقترحات وداعياً إلى هدنة إنسانية رغم الهجوم البري الوشيك على غزة.
وقال مستشاروه إنه بالإضافة إلى إبدائه التضامن مع إسرائيل، يريد ماكرون تقديم "مقترحات عملية قدر الإمكان" لمنع التصعيد وإطلاق سراح الرهائن وضمان أمن إسرائيل والعمل على تحقيق حل الدولتين.وصعد الرئيس الفرنسي من لهجته الحماسية قبل الزيارة قائلاً للصحفيين إنه لن يسافر إلى المنطقة إلا إذا كان يعتقد أن الزيارة ستكون "مفيدة".
ورفض أحد مستشاري ماكرون توضيح ماهية تلك المقترحات مكتفياً في مؤتمر صحفي بقول إن هناك ما يمكن القيام به حتى لا تشعر إسرائيل بأنها وحيدة في حربها ضد "الإرهاب".
بايدن: لا وقف لإطلاق النار في غزة قبل الإفراج عن الرهائنhttps://t.co/1k1CxKwVJC
— 24.ae (@20fourMedia) October 23, 2023وسيلتقي ماكرون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ وزعيمي تيار الوسط بيني غانتس ويائير لابيد من المعارضة.
وعلى الرغم من أنه أجرى اتصالات هاتفية وتحدث مع قادة إسرائيل ومصر والسعودية وإيران وقطر بعد الهجوم الذي شنه مسلحو حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، فإن زيارته تأتي متأخرة وبعد أيام من زيارات نظرائه في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
ويبدو أن قدرة ماكرون على التأثير فيما يتعلق بتطورات الأحداث في المنطقة صارت الآن محدودة بسبب ما يقول بعض المحللين إنه تحول نحو خط أنجلو أمريكي أكثر تأييداً لإسرائيل، على النقيض من النهج الديجولي الفرنسي المميز تقليدياً والأكثر تأييداً للعرب.
وقال كريم إميل بيطار خبير السياسة الخارجية بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، وهو مركز أبحاث فرنسي، لرويترز إن القوة الناعمة لفرنسا جنوبي البحر المتوسط تلاشت إلى حد كبير.
وأضاف بيطار، وهو مقيم في بيروت، "لدينا انطباع بأن لا شيء يميز فرنسا عن الدول الغربية الأخرى الآن بخلاف ما كان عليه الحال تاريخيا، وهو أمر صادم للرأي العام في العالم العربي".
وقال إن قرار الحكومة الفرنسية بفرض حظر شامل على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في فرنسا، قبل أن تبطله المحاكم، هو أحد أسباب فقدان ماكرون لتأثيره في العالم العربي.
ويشكك مسؤولون فرنسيون في فكرة أن سياسة ماكرون متحيزة ويقولون إن ماكرون يشدد باستمرار على حقوق الفلسطينيين وحل الدولتين. وقال مستشار ماكرون "إنه هدف لم تحيد عنه فرنسا مطلقاً".
وقال مسؤولون فرنسيون إن ماكرون سيلتقي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس "على الأرجح"، كما أنه سيتوقف في واحدة أو أكثر من العواصم العربية في المنطقة.
#أمريكا تنصح إسرائيل بإرجاء الهجوم البري على غزة https://t.co/zvAtzPH3qK
— 24.ae (@20fourMedia) October 23, 2023لكن ماكرون مقيد أيضاً بسبب تعرضه لضغوط شديدة في فرنسا وحقيقة أن عددا من المواطنين الفرنسيين ما زالوا محتجزين على الأرجح رهائن لدى حماس.
وقُتل 30 مواطناً فرنسياً خلال هجوم حماس على إسرائيل، ولا يزال سبعة آخرون في عداد المفقودين. وظهر أحدهم في تسجيل مصور نشرته حماس، لكن مصير الستة الآخرين لا يزال مجهولاً.
وتعهد ماكرون في حديث أذاعه التلفزيون الفرنسي بأن فرنسا "لن تتخلى عن أي من أبنائها" في غزة. وقال للصحفيين إنه يأمل في أن تساعد الوساطة القطرية في إطلاق سراح الرهائن.
وسيكون لزيارة ماكرون صدى خاصاً أيضاً في الداخل حيث تعيش الجاليات المسلمة واليهودية الكبيرة في فرنسا حالة من التوتر بعد مقتل معلم على يد أحد المتشددين الإسلاميين، والذي ربطه المسؤولون الفرنسيون بالأحداث في غزة.
كما سيتعين على الرئيس الفرنسي التحسب لكل ما يصدر عنه خلال جولته في المنطقة لأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أدى في كثير من الأحيان إلى إثارة التوتر في بلاده، كما أن المعارضة الفرنسية المنقسمة على استعداد لاستغلال أي خطأ قد يقع فيه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل إيمانويل ماكرون
إقرأ أيضاً:
هدنة الـ 60 يومًا.. هل يُمكن لغزة التنفس أخيرًا؟
غزة «عُمان»- بهاء طباسي: في غزة، لا تُقاس الليالي بساعاتها، بل بعدد الغارات التي تمرّ، وعدد الأرواح التي تُزهق، وعدد الأطفال الذين ينامون خائفين من ألا يستيقظوا. لكن في إحدى تلك الليالي الممتدة بالصمت المفخخ، انتشر خبر كسر جدار الصدمة: الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يقترب من إعلان هدنة وشيكة في القطاع.
ومض الهدوء ليست هذه الهدنة الأولى التي تُطرح، ولكنها تحمل طابعًا غير مسبوق، من حيث الرعاية المباشرة من واشنطن، والآلية الزمنية المحددة بستين يومًا، والأبعاد الإنسانية والسياسية التي تلتف حولها. لوهلة، بدا أن العالم توقف ليتأمل غزة لا كأرض للموت، بل كأرض للفرصة.
المقترح الذي تنوي واشنطن إعلانه رسميًا بعد غدٍ الاثنين، يأتي وسط تصاعد غير مسبوق في الدمار والخسائر البشرية، وهو محاولة لإعادة ضبط إيقاع الكارثة المستمرة منذ أكثر من عشرين شهرًا. ومع ذلك، تتزاحم الأسئلة في الشارع الغزي قبل النخب: هل هي هدنة حقيقية أم مجرّد استراحة أخرى في مذبحة طويلة؟
في هذا التقرير، ترصد «عُمان» تفاصيل المقترح الأمريكي، والمواقف المتباينة بين إسرائيل وحماس، ونستعرض ملامح التفاؤل الحذر بين أبناء غزة، من خلال شهادات حيّة ومواقف سياسية وآراء تحليلية قد ترسم ملامح الأيام القادمة.
تفاصيل المقترح
يستند مقترح هدنة الستين يومًا، الذي من المتوقع أن يعلن عنه ترمب شخصيًا، إلى مجموعة من البنود المتداخلة التي تهدف إلى تثبيت تهدئة أولية يمكن البناء عليها لاحقًا.
أبرز هذه البنود هو الإفراج عن عشرة محتجزين إسرائيليين في اليوم الأول من الهدنة، بالتزامن مع انسحاب جزئي لقوات الاحتلال من مناطق شمال قطاع غزة. في اليوم السابع، يتم تسليم جثامين خمسة من المحتجزين، يليها انسحابات إضافية من الجنوب.
المقترح يُلزم إسرائيل بتقديم قوائم واضحة بالأسرى الفلسطينيين المعتقلين منذ 7 أكتوبر 2023، في حين تتعهد حركة حماس بتقديم معلومات شاملة حول بقية المحتجزين في اليوم العاشر، سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا.
المهم في هذا المقترح ليس فقط بنوده، بل التوقيت، واللهجة التي رافقته. إذ بدا واضحًا أن الولايات المتحدة، عبر ترمب، تحاول استعادة زمام المبادرة بعد أشهر من صمت دولي مريب.
كما تضمن المقترح بنودًا حول إدخال المساعدات الإنسانية وفقًا لاتفاق يناير السابق، بمشاركة الأمم المتحدة والهلال الأحمر، ما يعيد فتح نافذة الأمل للمدنيين في غزة.
الاتفاق لا يُلزم إسرائيل بوقف دائم للحرب، لكنه يفتح الباب أمام مفاوضات خلال فترة الهدنة، وسط ضمانات من مصر وقطر والولايات المتحدة لتسيير هذه العملية السياسية الحساسة.
تهديدات صلبة
ما إن أعلن ترمب مقترحه عبر منصته «تروث سوشيال» حتى خرج بنيامين نتنياهو بتصريحات نارية لا تخلو من التناقض. قال بحدة: «لن تكون هناك حماس. لن تكون هناك حماسستان. لقد انتهى الأمر».
لكن خلف هذه اللهجة التصعيدية، تقبع مواقف أكثر مرونة من بعض أعضاء الحكومة الأمنية المصغرة في إسرائيل، ممن يدركون أن استمرار الحرب دون مخرج سياسي قد يُكلف تل أبيب أكثر مما يمنحها.
كما أن الجناح الأمني الإسرائيلي بدأ يظهر مؤشرات قبول بالمقترح، خصوصًا مع وعود الولايات المتحدة بإبقاء حماس تحت الضغط خلال الهدنة، واستمرار المفاوضات بشأن صفقة التبادل النهائية.
المعضلة الأساسية التي تواجه نتنياهو هي حكومته اليمينية المتطرفة، التي ترى في أي هدنة تنازلًا لحماس، حتى ولو كان مؤقتًا. شخصيات مثل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش يهددان بإسقاط الحكومة إذا تم تمرير الاتفاق.
إلا أن الضغوط الدولية، والخسائر الإسرائيلية المتصاعدة في غزة، قد تدفع نتنياهو للتفكير بجدية في القبول المؤقت، على أمل إعادة التموضع لاحقًا.
حماس والمشاورات من جانبها، لم تصدر حماس ردًا نهائيًا بعد، لكنها أصدرت سلسلة بيانات مساء الخميس الماضي، تؤكد فيها أنها تتعامل مع المقترح بمسؤولية، وتُجري مشاورات وطنية مع الفصائل الفلسطينية كافة.
قالت في بيان رسمي: «إننا نتعامل بمسؤولية عالية، ونُجري مشاورات وطنية لمناقشة ما وصلنا من مقترحات الإخوة الوسطاء من أجل الوصول لاتفاق يضمن إنهاء العدوان وتحقيق الانسحاب وإغاثة شعبنا بصورة عاجلة في قطاع غزة».
وبين السطور، يُفهم أن الحركة لا ترفض المقترح من حيث المبدأ، لكنها ترفض غموض بعض بنوده، خاصة ما يتعلق بعدم وضوح الالتزام الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من قطاع غزة وإنهاء الحرب بعد انتهاء الهدنة.
لكن تحت الضغط الشعبي المتصاعد، ونداءات العائلات المنكوبة، قد تجد حماس نفسها مضطرة للقبول، على الأقل لالتقاط الأنفاس، وترتيب أوراقها العسكرية والإنسانية.
أمل حذر داخل شوارع غزة المنهكة، يتداول السكان الخبر بهمس فيه من التمني بقدر ما فيه من الحذر.
قال محمد أبو ظاهر، أب لخمسة أطفال من مخيم النصيرات: «نسمع عن هدنة جديدة، لكن قلوبنا لا تطاوعنا أن نصدق قبل أن نرى السماء بلا طائرات. كل مرة يعدونا، ثم تعود القذائف أقسى».
وتضيف سناء الكحلوت، أرملة من رفح: «بيتي لم يبقَ منه سوى باب صدئ، ومع ذلك أحلم أن أرجع إليه. الهدنة فرصة لزيارة القبور، لاحتضان بعض الذكريات، لشراء الخبز دون خوف».
ويقول فادي المدهون، شاب فقد شقيقه الأصغر قبل أسبوع: «الهدنة؟ نسمعها كثيرًا، ونفقد أكثر. لا أمل دون ضمانات، لا حياة دون كرامة. تعبنا من الانتظار تحت الردم».
وفي مستشفى الشفاء، تحكي الممرضة نجلاء يوسف: «كل هدنة مؤقتة نأمل منها أن تمنحنا دقائق لالتقاط الأنفاس. الجرائم لا تُمحى، لكنها تؤجل، ونحن نحتاج لهذا التأجيل لنضمد الأرواح».
أما المعلم محمود الشيخ خليل، فيقول: «ضاعت المدارس والتلاميذ، لكن في كل هدنة نعيد فتح دفتر الأمل. التعليم هو معركتنا الباقية، ولو تحت شجرة محترقة».
ويتحدث محمد أبو ليلى، شاب ينتظر السفر للعلاج: «كل دقيقة فرق في حياتي. لو توقفت الحرب فقط لأسبوع، ربما ألحق بعلاج ينقذني. هدنة! هي نجاتي».
وتتابع إيمان عبدالعال، أم لثلاثة أطفال، حديثها من حي الشجاعية: «نعيش على فتات الأمل، وإن جاءت الهدنة، فسنشرب الماء دون أن نحسب كم تبقى منه. لا نريد سوى الحياة».
ويقول الحاج سليمان حمودة من بيت لاهيا: «بلغت من العمر أرذله، ورأيت ثلاث حروب، لكن ما يجري اليوم هو إبادة. الهدنة ليست هبة، بل استراحة مقاتل مدني».
وتختم الشهادات أم أحمد البطنيجي من دير البلح، وهي تبكي طفلها المصاب: «أحمله بين يدي كل يوم إلى مستشفى شهداء الأقصى، وعيناي تبحثان عن سكون. الهدنة تعني أن أراه يلعب دون نزيف».
تهدئة أم فخ وسط الدخان المتصاعد من نوافذ غزة؟ وبين الهمسات المتداولة في ممرات السياسة الدولية، بدأ المحللون الفلسطينيون يتناولون مقترح هدنة الستين يومًا بمزيج من الحذر والاستفهام. فالمبادرة التي جاءت على لسان ترمب لم تهبط في فراغ، بل جاءت بعد 20 شهرًا من حرب إبادة إسرائيلية أكلت الأخضر واليابس، واستنزفت الجميع: الغزيين، والإسرائيليين، والمجتمع الدولي.
بعضهم يرى أن المقترح يمثل لحظة ضغط أمريكية على إسرائيل، هدفها ليس السلام بل إعادة ترتيب الكفة السياسية في الشرق الأوسط. آخرون يرون فيه فرصة ضيقة، لكنها واقعية، أمام حماس للنجاة من الانهيار الإنساني في القطاع. وهناك من يقرأه كفخ سياسي محكم، يفتقر إلى أي ضمانات فعلية.
يرى الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، أن المقترح الأمريكي الأخير يمثل تحولًا في موقف واشنطن، ويعكس ضغطًا سياسيًا جديدًا على إسرائيل أكثر من كونه مبادرة عادلة للطرفين. وقال في تصريح لـ«عُمان»: «المقترح يهدف إلى تهدئة الوضع مؤقتًا لصالح إعادة ترتيب الأوراق، وليس لإنهاء الحرب فعليًا».
أما المحلل السياسي طلال عوكل، فيرى أن حماس قد لا تجد خيارًا سوى القبول، موضحًا: «الوضع الإنساني في غزة كارثي، وأي فرصة لوقف النار، حتى لو محدودة، ستكون مقبولة شعبيًا، ما يُصعّب على الحركة رفضها».
من جانبه، قال المحلل إياد جودة: إن الغموض في المقترح قد يؤدي إلى تعقيد إضافي: «عدم وضوح الالتزامات الإسرائيلية، خصوصًا في مسألة الانسحاب، قد يجعل من المقترح فخًا سياسيًا لحماس».
أما أستاذ العلوم السياسية هاني المصري، فرأى أن الأطراف الدولية باتت تدرك أن استمرار الحرب غير مجدٍ، قائلاً: «المطلوب الآن ليس فقط تهدئة، بل انتقال حقيقي نحو حل سياسي شامل، وهذا لن يتحقق بمقترحات جزئية».
و يبدو أن غزة أمام مفترق طرق جديد. بين الرغبة الشعبية في وقف حمام الدم، وضبابية النوايا الإسرائيلية، وغموض الوسطاء، يبقى الأمل معلقًا بخيط رفيع.
مقترح هدنة الستين يومًا، وإن كان يحمل بصيص رجاء، إلا أنه مرهون بإرادة سياسية متقلبة، وقدرة الفصائل الفلسطينية على انتزاع شروط تضمن الحد الأدنى من الكرامة والسيادة.
ربما تكون هذه الهدنة فرصة، لكنها أيضًا اختبار. اختبار للإنسان، قبل أن يكون اختبارًا للسياسة.