تونس تفسر سبب امتناعها عن دعم قرار الهدنة في غزة
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
أصدرت وزارة الخارجية التونسية، ليل الجمعة السبت، بيانا تفسر فيه سبب امتناعها عن التصويت لمصلحة مشروع قرار عربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى هدنة إنسانية وفورية ودائمة في الحرب ببين إسرائيل وحركة حماس.
وقالت الخارجية التونسية في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إنها صوّتت بالامتناع عن التصويت، "لأن الوضع الخطير في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة (.
وأضافت "أن القرار رغم أنه يطلب تسهيل دخول المساعدات الإنسانية ومنع التهجير القسري، غير أنه أغفل عددا من المسائل المهمة".
وعددت الخارجية التونسية هذه المسائل:
"غياب الإدانة الصريحة والقوية لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال". "عدم المطالبة بمحاسبة المحتل على جرائمه". "عدم المطالبة بشكل واضح بالوقف الفوري للعدوان". "علاوة على مساواته بين الجلاد والضحية".وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت مساء الجمعة قرارا غير ملزم أيده على وقع التصفيق 120 عضوا وعارضه 14، فيما امتنع 45 عن التصويت، من أصل 193 عضوا في الجمعية العامة.
وكان من بين الدول الممتنعة عن التصويت تونس والعراق، الذي قال إن الأمر يعود إلى مشكلة تقنية.
وطلب القرار الذي أعده الأردن، باسم المجموعة العربية التي تضم 22 بلدا، "هدنة إنسانية فورية دائمة ومتواصلة تقود إلى وقف للعمليات العسكرية".
وكانت الصيغة السابقة للقرار تطالب بـ"وقف فوري لإطلاق النار".
وفشلت محاولة بقيادة كندا لتعديل القرار ليشمل رفضا وتنديدا "بهجمات حماس الإرهابية... واحتجازها للرهائن" في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة، إذ حصدت 88 صوتا مؤيدا، فيما اعترض 55 وامتنع 23 عن التصويت.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات الخارجية التونسية فيسبوك غزة الأراضي الفلسطينية المحتلة أخبار تونس الجمعية العامة الحرب على غزة الخارجية التونسية فيسبوك غزة الأراضي الفلسطينية المحتلة أخبار تونس عن التصویت
إقرأ أيضاً:
مقاربة مختلفة للمسألة الطائفية في تونس
في الوقت الذي تحوّل فيه "تصحيح المسار" تدريجيا إلى تعبيرة من تعبيرات الأزمة البنيوية التي تعاني منها البلاد بسبب الخيارات التأسيسية للدولة-الأمة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، يبدو أن تداعيات طوفان الأقصى، رغم ما تحمله من فرصة للتقريب بين جناحي الأمة وتجاوز التسييجات الطائفية التراثية، قد تحوّلت إلى مناسبة جديدة لتأجيج الصراعات الهوياتية في تونس على أساس الموقف مما يُسمّى بـ"تشييع" الفضاء السني، أي تغيير الهوية الجماعية -الحقيقية أو المتخيلة- للفضاء المالكي الأشعري وربطه -تحت غطاء المقاومة والممانعة- بالمحور الإيراني. وقد أعاد السجال العمومي في هذه المسألة طرح قضايا "المشترك الوطني" و"الحرية الدينية" ووضعية "الأقليات"، وعلاقة تونس سلطةً ومعارضةً بالمحاور الإقليمية واستراتيجياتها المتباينة للتحكم في القرار السيادي، وكذلك رهانات "الإسلام السياسي الشيعي" وعلاقته بالنخب الحداثية من جهة وبممثلي الإسلام السياسي السني من جهة ثانية.
لفهم "المسألة الطائفية" في تونس قد يكون علينا أن نتخذ مسافة نقدية من أمرين: أولا، الإحصائيات الخاصة بديانات سكان البلاد، تلك الإحصائيات التي تظهر أن حوالي 99 في المائة من السكان هم مسلمون سنّة -مالكية أشعرية- ثانيا، مواقف النخب الحداثية من "الحرية الدينية" لأن استقراء تلك المواقف ومقاربتها من منظور تاريخي لا من منظور آني يظهر أنها ليست مواقف مبدئية، بل هي مواقف براغماتية لا علاقة لها بأي مرجعية حقوقية صلبة، وبكل تلك الترسانة المفهومية الحداثية التي تُستعمل لإضفاء الشرعية على الخطابات "الحداثية" بمختلف سردياتها الأيديولوجية.
إذا كان التخويف من "الطائفية" وشيطنتها أمرا مفهوما في السرديات السلطوية "المشرقية" التي انتمى الكثير من رموزها العلمانيين إلى الأقليات الطائفية (مثل الأقلية السنية في العراق أو الأقلية العلوية في سوريا)، فكيف يمكن أن نفهم استعمال الدولة التونسية في لحظتيها الدستورية والتجمعية (أي خلال حكم الراحل بورقيبة والمخلوع بن علي) لهذا "الوصم" رغم أن تونس -على الأقل من الناحية النظرية- متجانسة من الناحية الطائفية أو المذهبية؟
فمفهوم "الطائفية" لم يدخل المجال التداولي التونسي إلا منذ سنة 1981 عندما أصدر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة المنشور عدد 108، والذي حظر بمقتضاه "الحجاب" داخل المؤسسات الحكومية باعتباره زيا طائفيا. ثم جاءت العديد من التشريعات الأخرى (مثل القانون عدد 102 لسنة 1986، ومنشور وزارة شؤون المرأة والأسرة لسنة 2008 ومنشور وزارة التعليم العالي لسنة 2009) لتؤكد هذا الخيار باعتباره "سياسة دولة" لا ترتبط ارتباطا آليا بأية تهديدات سياسية جدية.
إننا لا نطرح على أنفسنا هذا المقال إعادة كتابة التاريخ السياسي لتونس من منظور "الضحايا" لا من منظور السلطة، فهذا أمر لا تفي به دراسة فما بالك بمقال، ولكننا لن نجانب الصواب معرفيا وسياسيا إذا ما طرحنا السؤال التالي: إذا كان التخويف من "الطائفية" وشيطنتها أمرا مفهوما في السرديات السلطوية "المشرقية" التي انتمى الكثير من رموزها العلمانيين إلى الأقليات الطائفية (مثل الأقلية السنية في العراق أو الأقلية العلوية في سوريا)، فكيف يمكن أن نفهم استعمال الدولة التونسية في لحظتيها الدستورية والتجمعية (أي خلال حكم الراحل بورقيبة والمخلوع بن علي) لهذا "الوصم" رغم أن تونس -على الأقل من الناحية النظرية- متجانسة من الناحية الطائفية أو المذهبية؟
قد يكون من السهل أن نرد استهداف الدولة لمظاهر التدين غير التقليدية -أي غير المعترف بها رسميا- إلى تخوّفها من انتشار بعض التعبيرات المرئية التي تناقض خياراتها "التحديثية" للفضاء العام، تلك الخيارات التي تحركت في مرحلة الاستعمار غير المباشر ضد الموروث الديني "العالم" (أي المؤسسة الزيتونية) ثم وجدت نفسها أمام سردية دينية معارضة (الاتجاه الإسلامي)، وهي سردية لا ترتبط بالزيتونة ولكنها تمثل تهديدا جديا للسلطة ولخياراتها التغريبية. ولكننا نرى أن الموقف من "الإسلاميين" لا يجب أن ينفصل عن المواقف السابقة من جميع أشكال التمرد العلماني على ثالوث الزعيم- الحزب- الدولة. فالدولة-الأمة التي تأسست على لائكية فرنسية "مشوّهة" قد تحولت إلى "ديانة وضعية"، وتحولت السلطة إلى الجهة الوحيدة المؤهلة لتحديد معنى التدين "الصحيح" بالإضافة إلى احتكار معنى "الوطنية".
ولذلك فإن وصم "الطائفية" الذي سلطته الدولة على كل مظاهر التدين المعارضة للتدين الرسمي/القانوني ليس في جوهره إلا تعبيرا عن تمثل السلطة نفسها؛ باعتبارها المتحدث باسم "دين الأمة" الذي ارتضاه لها الزعيم بفهمه "المقاصدي" للإسلام، أما العلمانيون فهم "خونة" أو "غير وطنيين" لأنهم ينطلقون من مرجعيات غير دينية ولكنها مرجعيات "مُهرطقة" قد انحرفت عن المعاني "الصحيحة" للوطنية. وهي معان لا يمكن أن يجسدها إلا الزعيم ولا يستطيع رعايتها والدفاع عنها إلا أجهزته الأيديولوجية والأمنية، بالتعاون مع "المجتمع المدني" الملحق وظيفيا بالنظام (مثل المنظمات النسوية والإعلام والنقابات والجامعات والفضاءات الثقافية وغيرها).
رغم العلمنة الظاهرية للنظام التونسي، فإنه قد ظل أسير الفكر الديني على الأقل من جهة فهمه للحقيقة الاجتماعية. فالحقيقة "واحدة" وهي متقدمة على أي حوار جماعي ولا تعقبه، وهي بالتالي لا تقبل المساءلة والمراجعة والنقض. و"الزعيم" لا يدعي النبوة ولكنه معصوم مثل النبي أو على الأقل "محفوظ" مثل الصحابة، و"الحزب الحاكم" هو الفرقة الناجية وهو على "الصراط المستقيم"، أما خصومه فإنهم على ضلال، وهو ضلال تجب مواجهته بالمعجم المناسب لكل طرف. فالإسلامي هو "طائفي" أي يُمثل بدعة/ هرطقة تنازع الحق الذي تحتكره الدولة، وهو يفرّق "الأمة" (الأمة التونسية)، أما العلماني فهو ضال، ويمكن مواجهة ضلاله بمفردات حداثية تناسب مرجعيته الأيديولوجية الحداثية: هو لا وطني/ خائن/ عميل/ فاسد.. الخ.
بعد الثورة الإيرانية كان الإسلاميون التونسيون أكبر المستبشرين بها، بينما تراوحت مواقف النخب الحداثية بين الإعجاب بثورة أطاحت بأكبر عميل للإمبريالية في المشرق؛ وبين التخوف من تداعيات النموذج الإيراني على تونس من جهة تهديد الحريات الفردية والجماعية ومن جهة دعم الحركات الإسلامية "المتطرفة". وقد دفع الإسلاميون كلفة موقفهم من إيران بصور مختلفة، ولم يكن لقب "الخمينيين" الذي ألصق بهم إلا وجها من وجوه "العنف الرمزي" الممهد/ المشرّع لما سيعقبه من عنف مادي. وقد يذهب البعض إلى أن اعتبار الحجاب زيا طائفيا لا ينفصل عن سياسات السلطة لاحتواء تداعيات الثورة الإيرانية على الواقع التونسي، وهو تأويل ممكن، بحيث نؤول المنشور 108 باعتباره محاولة سلطوية لاستثمار المشترك "السني" -كما فرضته الدولة عبر ما يسمى بـ"تحديث الخطاب الديني"- في مواجهة "الحجاب"؛ لا باعتباره فريضة شرعية "سُنّية"، بل باعتباره لباسا مرتبطا بـ"الطائفة الشيعية".
بصرف النظر عن الأسباب التي دفعت بالدولة "البورقيبية" إلى إصدار المنشور عدد 108، وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت بالمخلوع إلى استصحاب تلك السياسة رغم انفكاك العلاقة بين الحجاب وبين الالتزام السياسي، أي تحوّل الحجاب إلى خيار جمالي أو عُرفي لا علاقة له بأي مشروع سياسي معارض، فإن قضية الحجاب تطرح قضايا تتجاوز المسألة الدينية بمختلف قضاياها الفرعية، فهو يظهر طبيعة العلاقة اللامتكافئة بين السلطات المختلفة داخل الدولة. وآية ذلك أن المحكمة الإدارية قد حكمت سنة 2006 بعدم دستورية المنشور عدد 108 وكل القوانين المماثلة، ولكن الدولة ضربت بذلك الحكم عرض الحائط وظلت تمارس سياسة التمييز والإقصاء على أساس "الهوية". وهو ما لم تستطع الثورة ولا إلغاء المرسوم سيئ الذكر من لدن السلطة الانتقالية تغييره إلا بصورة سطحية، فقد ظلت أغلب أجهزة الدولة وأذرعها الوظيفية في الإعلام والنقابات والمجتمع المدني تعتبر أن النموذج الأمثل للمواطن/المواطنة هو ما جاء في ما أسمته وزارة التعليم العالي بـ"النظام الداخلي" المنظم لعمل مؤسساتها سنة 2009، أي "ذقن محلوق ورأس مكشوف وهندام محترم"، أي ذلك النموذج الطارد لما كان يسمى بـ"الخميني" أو "الخوانجي" قبل الثورة، وما زال يسمى بعدها بـ"المتطرف" أو "الرجعي" أو "الإخوانجي" مع إسقاط وصم "الخميني".
يمكن للمراقب للشأن التونسي أن يلاحظ أن أغلب المدافعين عن الحرية الدينية للشيعة هم من النخب الحداثية، بينما يبدي الإسلاميون تخوفا كبيرا من المخاطر التي تهدد "الهوية الدينية" للشعب. وعلينا هنا أن نستحضر ما ورد أعلاه من ضرورة اتخاذ مسافة نقدية من موقف النخب الحداثية من الحريات الدينية، أي موقفهم المدافع عن حق الشيعة التونسيين في التعبير عن معتقداتهم وممارسة طقوسهم، كما ينبغي عدم الاطمئنان إلى الإحصائيات الخاصة بدين الأغلبية وبناء سردية سياسية على أساس التجانس "المتخيل"، كما هو دأب حركات الإسلام السياسي.
فتاريخ النخب الحداثية يُظهر أنهم في الأغلب الأعم على دين الدولة، أي على ذلك الفهم للدين الذي ينحصر فيه الإسلام في مستوى أنثربولوجي أو ثقافي عام. كما يُظهر تاريخهم أنهم لم يكونوا يوما مع حرية المعتقد أو مع إشراك الدين في إدارة الفضاء العام، على الأقل في المستوى القيمي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المراهقين والشباب الذين تُظهر كل الإحصائيات انحرافهم أخلاقيا وهشاشتهم تعليميا.
لن يكون إذكاء الصراع على أساس طائفي إلا حجبا جديدا لتلك الانقسامات العميقة التي يعمل طرفها الأقوى (المركّب الجهوي- الأمني- المالي) على جعل نفسه خارج دائرة الصراع بتغذية "الضغائن المقدسة" بين ضحاياه، ليبقى هو دائما "الجهة التحكيمية" أو مرجع المعنى "الوطني" أو الضامن للاستقرار الاجتماعي كيفما جرت الأمور داخل النخب أو بين عموم المواطنين
أما الإسلاميون فإنهم يقعون في خطأين نتيجة اعتمادهم على الإحصائيات الخاصة بهوية التونسيين: أولا يظنون أن السردية السياسية التي يقدمونها تعبر عن الهوية الجماعية المالكية- الأشعرية- الجُنيدية، كما استقرت في الدرس الزيتوني، وهو أمر لا يمكن التسليم لهم به؛ ثانيا يظنون أن التونسي عندما يعرّف نفسه باعتباره "سنيا" فإنه يقيم ذلك التعريف على أسس قوية ومتجانسة بين أغلب التونسيين، وهو أمر لا يمكن التسليم به أيضا. فغياب مرجعية دينية عليا ومعترف بها من التونسيين، وكذلك عدم ثقة المواطنين بالخطاب الرسمي وعدم تماهيهم مع خطابات المعارضة "الدينية"، كل ذلك يجعل إدارتهم لهويتهم الفردية وتمثلهم للهوية الجماعية أمرا غير مطابق لكل السرديات السلطوية والمعارضة التي تدعي الحديث باسمه.
ختاما، فإننا لن نقول بأن طرح المسألة الشيعية في تونس هو وجه من وجوه استراتيجيات الإلهاء، ولكننا نقول بأن تضخم القضايا الهوياتية هو مظهر من مظاهر غياب المشترك الوطني المتجاوز للتضامنات التقليدية الحاكمة للاجتماع في مرحلة ما قبل الدولة الحديثة. فالطائفية هي بمعنى من المعاني تغطية عن الانقسامات الحقيقية التي حكمت ومازالت تحكم الدولة-الأمة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا. فتونس منقسمة جهويا وطبقيا وفئويا بصورة لم يستطع الانتقال الديمقراطي ولا تصحيح المسار تعديلها جوهريا، وهي خاضعة لأقليات ريعية- زبونية- أيديولوجية تمثل النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي ولمشروع إعادة تدوير التخلف والتبعية بواجهات سياسية مختلفة. ولن يكون إذكاء الصراع على أساس طائفي إلا حجبا جديدا لتلك الانقسامات العميقة التي يعمل طرفها الأقوى (المركّب الجهوي- الأمني- المالي) على جعل نفسه خارج دائرة الصراع بتغذية "الضغائن المقدسة" بين ضحاياه، ليبقى هو دائما "الجهة التحكيمية" أو مرجع المعنى "الوطني" أو الضامن للاستقرار الاجتماعي كيفما جرت الأمور داخل النخب أو بين عموم المواطنين.
x.com/adel_arabi21