يُعرض حاليا على منصة "برايم فيديو" فيلم "الدفن" (The Burial) الذي شهد مهرجان "تورونتو" السينمائي بدورته لعام 2023 عرضه السينمائي الأول، ثم عُرض بمهرجان "بالم سبرينغز" وفيه توج بجائزة أفضل إخراج.

الفيلم من بطولة كل من جيمي فوكس وتوم لي جونز في عودة قوية لكل منهما، الأول بسبب وعكة صحية ألمت به بشكل مفاجئ وغيبته عن الوعي لفترة طويلة، والثاني غاب عن الشاشة الكبيرة منذ 2020.

قصة حقيقية تحييها السينما

فيلم "الدفن" الذي حصل على تقييم 90% على موقع "روتن توماتوز"، مقتبس من مقالة نشرتها "ذا نيويوركر" عام 1999 تحت نفس العنوان للكاتب "جوناثان هار"، وكل من المقالة والفيلم يدوران حول قضية أحدثت ضجة كبيرة في الجنوب الأميركي.

يعرفنا الفيلم في البداية على بطليه، الأول "جيرمي أوكيف" الذي يقوم بدوره توم لي جونز، رجل في الـ75 من عمره، يمتلك دور جنائز متعددة في الجنوب الأميركي، وله 13 من الأولاد والبنات، كلهم متزوجون، وأنجبوا، ليصبح على رأس قبيلة قوامها أكثر من 70 فردا، ولا يحلم سوى بترك إرث مادي كبير لهم، يليق بعمره الذي قضاه في الاستثمار بالشركة التي ورثها عن والده منذ سنوات طويلة.

يظهر المحامي ذو الأصول الأفريقية "ويلي غاري" ويؤدي شخصيته جيمي فوكس، وهو رجل عصامي بدأ مسيرته نتاج العنصرية التي وقعت عليه عند رفض أحد ملاك المباني تسكينه بسبب بشرته السمراء، فيتوجه لدراسة القانون، ويعمل في المحاماة ليحقق ثروة طائلة، بالإضافة لحياة عائلية مستقرة.

يبدو حياة كل من جيرمي وويلي في مسارين متوازيين لا يمكن أن يتقاطعا، وذلك حتى يتم الاحتيال على جيرمي من إحدى الشركات العملاقة في مجال الجنائز، والتي تحاول إخراجه من السوق وإفلاسه حتى تستولي على عمله.

على الرغم من اختلاف عرق الرجلين، فإن كليهما من خلفية عصامية شريفة، حقق نجاحه بفضل مجهوده، وفي خندق واحد أمام القوى الرأسمالية والشركات التجارية الكبرى.

يبدو من أول وهلة فيلم "الدفن" كفيلم محاكمات عادي، ينتقد الرأسمالية التي تُخضع أصحاب المشاريع العائلية للشركات متعددة الجنسيات، وتستغل أموال الفقراء لتغذية شراهة رؤسائها من مالكي اليخوت والطائرات الخاصة، ولكن يتقاطع نقد الرأسمالية مع نقد آفة اجتماعية أخرى وهي العنصرية والتمييز على أساس العرق.

العديد من الأفلام التي مزجت العنصرية بثيمة المحاكم مثل "وقت للقتل" (A Time to Kill) في منتصف التسعينيات و"قتل طائر بريء" (To Kill a Mockingbird) سلطت الضوء على جهود المحامي الأبيض لتبرئة المتهم الأسمر من الجريمة، ولكن في فيلم "الدفن" العكس هو ما يحدث بالضبط، فالبطل ذو الأصول الأفريقية هو حامل لواء العدالة.

الحلم الأميركي الأسود

على مدار تاريخ السينما، تم إنتاج العديد من الأفلام التي تدور في أروقة المحاكم، وتعتمد بشكل أساسي على شخصيات المحامين التي تجذب المشاهدين لاتخاذ موقف من القضية المطروحة، ولكن فيلم "الدفن" قدّم هذا الموضوع بشكل مختلف، لأنه لم يهتم فقط بما يدور أمام القاضي، ولكن بالعلاقة التي تم نسجها بين المحامي وموكله، جيرمي وويلي.

استدعت هذه العلاقة الخروج من المحكمة التي جرت العادة في هذا النوع من الأفلام على التصوير فيها فقط، وهو ما فتح أمام الفيلم أفقا أوسع لاستعراض المدينة التي تقع في الجنوب الأميركي، ليبرز التصوير السينمائي الفرق بين الجانب الأبيض الثري من المدينة، والجانب الأسود الذي يعيش أفراده في فقر.

قدمت المخرجة ماجي بيتس المشاهد الافتتاحية في ضوء الشمس الساطع أثناء حفل تقيمه عائلة جيرمي، بينما ينتهي الفيلم في المناطق النائية المحيطة بالمدينة، حيث تعيش عائلة ويلي، وكذلك الأسر الفقيرة التي يتم استغلالها، وهنا تنخفض الإضاءة وتتركز على وجه الشخصيات التي تتحدث عن مأساتها، ليبرز هذا التضاد في الصورة باستخدام الإضاءة بين الطبقتين الاجتماعيتين، الأولى البيضاء الثرية تحيا ويتم تصويرها في النور، بينما الفقيرة تسود عالمها الظلمة.

لعبت الموسيقى التصويرية كذلك دورا في السرد ولم تكن مجرد عنصر مكمل، فالمحامي ذو الأصول الأفريقية يفتخر بالموسيقى التي ينتجها أفراد عرقه، والتي يمكن تمييزها بمجرد سماعها، تُظهر أهمية هذه الموسيقى والمغزى وراءها وضوحا في المشهد الذي يحكي فيه قصة طرده من المنزل الذي رغب في استئجاره.

واستخدمت فيه المخرجة أغنية "أشعر براحة" (Feels Good)، ثم تكرر استخدام نفس الأغنية في الفصل الأخير في الفيلم الذي شهد انتصار جيرمي، ولكن هذه المرة على لسان الأخير، ليقوم الرجل أبيض اللون باستعارة الموسيقى الخاصة بالمحامي الأسود كدليل على قوة العلاقة بينهما، وكذلك في استخدام الفن لتفتيت الحواجز بين الأبيض والأسود طالما يتحدان في مواجهة الرأسمالية.

اعتمد فيلم "الدفن" على أداء جيمي فوكس للشخصية التي تحمل تناقضاتها الخاصة، فهو رجل ناجح متباهٍ، يعشق الأضواء المسلطة عليه، ولكن في الوقت ذاته يحمل حسا اجتماعيا قويا يجعله يدافع عن المظلومين أيا كان لون بشرتهم، فتعالى عن العنصرية التي تعرض لها من أجل إنقاذ جيرمي الأبيض.

ولكن عانت كل الشخصيات الأخرى من التهميش بجوار شخصية "ويلي"، فعلى سبيل المثال لم يظهر أي من أبناء جيرمي كما لو أن والدهم لا يخوض معركة تعتمد عليها حياة الأسرة.

بينما تم إفراد مساحة محدودة للغاية لكل من زوجتي جيرمي وويلي ومحامية الخصم "مامي"، التي يحمل اسمها دلالات أوسع من مجرد كونه اسما تقليديا. فهو يحيل أذهان المشاهدين لأشهر شخصية حملت هذا الاسم في تاريخ السينما وهي "مامي" من فيلم "ذهب مع الريح" (Gone with the Wind).

تلك الشخصية التي عملت خادمة للعائلة الجنوبية خلال الحرب الأهلية، وظلت تناصرها، ويعتبرها النقاد حتى الآن مجرد "صورة نمطية" روّجها صناع الأفلام البيض للشخصيات السمراء، وهو الأمر الذي تقوم به أيضا محامية الخصم بهذا الفيلم، فهي تدافع عن رجل أبيض يسرق أموال الفقراء بكل أريحية.

فيلم "الدفن" عمل يبدو لأول وهلة تقليديا مثل أي فيلم تدور أحداثه في أروقة المحاكم، ولكن مخرجته أحدثت تغييرات بسيطة صنعت كل الفرق، فحوّلته إلى عمل يحمل قضايا كبيرة، ولكن في الوقت ذاته شديد التسلية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ولکن فی

إقرأ أيضاً:

وزيرتا البيئة والتنمية المحلية تعلنان التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت

أعلنت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت بمحافظة الجيزة وهو الأكبر من نوعه في مصر، وذلك في إطار خطة الدولة لتطوير البنية التحتية لمنظومة المخلفات البلدية الصلبة، وتنفيذ المرحلة الخامسة من مشروعات البنية الأساسية لمنظومة النظافة، ضمن التعاون المشترك بين وزارات التنمية المحلية والبيئة والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والهيئة العربية للتصنيع، حيث تم تسليمها رسميًا إلى محافظة الجيزة بحضور قيادات وزارتي التنمية المحلية والبيئة والمحافظة، من بينهم الأستاذ ياسر عبد الله، مساعد وزيرة البيئة لشؤون المخلفات والقائم بأعمال رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات والدكتور خالد قاسم، مساعد الوزيرة لشؤون البيئة والتنمية المجتمعية والمشرف العام على وحدة إدارة المخلفات، والأستاذ أحمد عاطف، مدير وحدة المخلفات الصلبة بوزارة التنمية المحلية، وممثلي الجهات الشريكة بالمشروع.

ومن جانبها أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد أن خلية الدفن الصحي التي تم تسليمها تُعد من أكبر خلايا الدفن على مستوى منطقة الشرق الأوسط، حيث تم إنشاؤها على مساحة 71 فدانًا، بالإضافة إلى تنفيذ عدد 2 بحيرة تبخير بمساحة إجمالية بلغت نحو 29،4 ألف متر مربع، وأضافت أن المشروع يتضمن تنفيذ شبكة طرق داخلية بمساحات تقدر بنحو 14 الف متر مربع، ومجموعة متكاملة من التجهيزات الفنية والتشغيلية تشمل عدد 1 مولد ولوحات توزيع كهربية، وشبكة حديثة لتجميع ونقل سائل الرشيح من الخلية إلى بحيرات التبخير، مكونة من خطين مواسير HDPE قطر ٩٠ مم.

وأوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد، أن خلية الدفن الصحي بشبرامنت تمثل نموذجًا متكاملًا للبنية التحتية البيئية الحديثة، حيث تم تنفيذها وفقًا لأعلى المعايير الفنية والبيئية المعتمدة، بما يضمن تحقيق الإدارة الآمنة والسليمة للمخلفات البلدية الصلبة، ويحد من المخاطر البيئية الناتجة عن التراكمات والمقالب العشوائية.

وأشارت د. ياسمين فؤاد إلى أن إنشاء خلية الدفن الصحي بشبرامنت، والمرافق التابعة لها، يسهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن الحرق العشوائي، والحد من غازات الاحتباس الحراري، وهو ما يتماشى مع التزامات مصر البيئية وتوجهاتها نحو دعم العمل المناخي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر،مشيرة إلى أن المشروع يأتي في إطار جهود الوزارة بالتنسيق مع الوزارات الشريكة لتعزيز قدرة المحافظات على تنفيذ الحلول المستدامة في إدارة المخلفات، ودعم خطط التخلص الآمن من النفايات.مؤكدة أن الوزارة تواصل العمل على تطوير المنظومة المتكاملة للمخلفات من خلال الدمج بين البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة، لتقديم خدمة فعالة تحافظ على الصحة العامة وتحسن جودة البيئة للمواطنين.

وأوضحت الدكتورة منال عوض، أن التكلفة الإجمالية لتنفيذ خلية الدفن الصحي بشبرامنت قد بلغت نحو 294 مليون جنيه، وتم تزويدها بعدد 2 طلمبة لرفع وضخ سائل الرشيح من الخلية الرئيسية إلى بحيرة التبخير، وشبكة مواسير دفع نفقي بعدد  7 خطوط لنقل سائل الرشيح، كما تم تنفيذ بئرين لمراقبة المياه الجوفية، كما يوجد بالمدفن العديد من التجهيزات اللازمة لعمليات التشغيل منها غرفة أمن، وغرفة للمولدات تحتوي على عدد 2 مولد كبير ولوحة توزيع  رئيسية، وأعمدة إنارة، وخزانات للمياه، بالإضافة إلى مبنى إداري رئيسي، وخزان وقود ومغسلة سيارات.

وأشارت وزيرة التنمية المحلية إلى أن محافظة الجيزة شهدت خلال السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في مشروعات تطوير منظومة إدارة المخلفات، حيث تم الانتهاء من رفع نحو 365 ألف طن من التراكمات التاريخية بمنطقة كعابيش بتكلفة بلغت 63 مليون جنيه، ويجري حاليًا تنفيذ مصنع شبرامنت لمعالجة وتدوير المخلفات البلدية الصلبة بتكلفة تُقدر بـ 495 مليون جنيه، وذلك في إطار جهود الدولة للتحول نحو الإدارة الرشيدة للمخلفات والاستفادة منها كأحد الموارد الاقتصادية.

وأضافت وزيرة التنمية المحلية أنه يجري كذلك تنفيذ عدد ٢ مدفن صحي بمركزي العياط وأطفيح بتكلفة إجمالية قدرها 125 مليون جنيه، كما تم تسليم معدات المحطة الوسيطة المتحركة بمركز البدرشين بقيمة 15 مليون جنيه، إلى جانب تنفيذ المرحلة الأولى من المدفن الصحي بمدينة شبرامنت بتكلفة بلغت 35 مليون جنيه، وأشارت إلي أن إجمالي الاستثمارات التي تم ضخها لتطوير المنظومة المتكاملة لإدارة المخلفات بمحافظة الجيزة بلغ نحو 1.25 مليار جنيه، في إطار استراتيجية الدولة لبناء منظومة وطنية فعالة ومستدامة، تسهم في تحسين مستوى النظافة العامة والخدمات البيئية المقدمة للمواطنين، وتعزز جهود الحفاظ على الصحة العامة والبيئة.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلادها.. وداد حمدي خادمة القلوب وسيدة الكوميديا الهادئة (تقرير)
  • بتكلفة 294 مليون جنيه.. التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت
  • وزيرتا البيئة والتنمية المحلية تعلنان التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت
  • تسليم خلية الدفن الصحي بشبرامنت بتكلفة 294 مليون جنيه لمحافظة لجيزة
  • مدير أعمال أحمد عامر يكشف تفاصيل وفاته وينفي شائعات الأزمة القلبية والمشرحة
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • فوربس: شركات التكنولوجيا الكبرى تعود لقيادة السوق ولكن بأي ثمن؟
  • البيت الأبيض: لن نرسل بعض الأسلحة التي تعهدنا بها لأوكرانيا
  • الأهلي يرغب في إعارة عبد القادر في الموسم المقبل.. ولكن
  • دواء جديد ينقص الوزن دون حقن ولكن هل يحافظ على الكتلة العضلية؟