جريدة الوطن:
2025-05-26@03:09:22 GMT

رد الفعل العكسي

تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT

أظهرت المجازر الَّتي ترتكبها «إسرائيل» بحقِّ الفلسطينيِّين في قِطاع غزَّة تحوُّلًا مُهمَّا حَوْلَ العالَم لا يُمكِن إغفاله. صحيح أنَّ الاحتلال يقتل الفلسطينيِّين بشكلٍ شِبْه يومي تقريبًا ويهدم بيوتهم ويحرق زرعهم ويصادر أراضيهم لِيبنيَ عَلَيْها مستوطنات، لكنَّ الحرب الأخيرة فاقت كُلَّ البشاعات الإنسانيَّة على الإطلاق.

ورغم محاولة «إسرائيل» منذ البداية تقديم روايتها الَّتي تلقَّفَها الإعلام العالَمي بأنَّها حرب بَيْنَها وبَيْنَ حركة «حماس»، أي تحويل الصراع إلى ديني وترسيخ وصْفِ الإرهاب، إلَّا أنَّ تلك الرواية بدأت تفقد زخمها بالضَّبط كما يحدُث مع كثير من الكذب والتلفيق «الإسرائيلي» والغربي والَّذي تتلقَّفه أغْلَب وسائل إعلامنا للأسف وتُروِّج له عن قصد أو بِدُونِ وعيٍ. فمتابعة المظاهرات في مُدُن أوروبا وأميركا على مدى الأسابيع الماضية وتعليقات النَّاس هناك على مواقع التواصل تشير إلى تحوُّل يُشبه ردَّ الفعل العكسي على الخِطاب التلفيقي العنصري لسياسيِّين ووسائل الإعلام التقليديَّة.
مثال مُهمٌّ على ذلك ما شهدته بريطانيا، من مظاهرة في الأسبوع الأوَّل لمجازر غزَّة ضمَّت نَحْوَ مئة وسبعين ألفًا. وثارت ثائرة وزيرة الداخليَّة ـ وهي من أصْلٍ هندي وسبَقَ اتِّهامها بالكذب والبلطجة تجاه موظفيها ـ الَّتي أرادت معاقبة رئيس شُرطة العاصمة؛ لأنَّه سمح برفع الإعلام الفلسطينيَّة وشعارات مؤيِّدة للمقاومة الفلسطينيَّة. فخرجت في الأسبوع التَّالي مظاهرة تضمُّ أكثر من ثلاثمئة ألف، بَيْنَما خرج في مظاهرة الأسبوع الأخير نَحْوُ نصف مليون متظاهر بريطاني يُندِّدون بموقف حكومتهم المؤيَّد لـ»إسرائيل» ويدعون إلى وقف المجازر بحقِّ الفلسطينيِّين. وكُلَّما زادت تصريحات السِّياسيِّين، من رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير خارجيَّته (وكُلُّهم ليسوا بريطانيِّين أصليِّين، لذا يُزايدون على الإنجليز بأنْ يكُونُوا ملكيِّين أكثر من الملك)، كُلَّما زاد عدد البريطانيِّين المتعاطفين مع فلسطين والمنتقدين للاحتلال «الإسرائيلي» وممارساته.
ليس هذا فحسب، بل إنَّ تلك الموجة من التأييد الَّذي يقترب للعنصريَّة من قِبَل السِّياسيِّين في دوَل أوروبا كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لـ»إسرائيل» وما ترتكبه من عمليَّات تطهير عِرقي للفلسطينيِّين جعلت المتعاطفين تقليديًّا مع القضايا الإنسانيَّة الَّذي كانوا في البداية يخشون إظهار أصواتهم كَيْ لا يُتَّهموا بمعاداة السَّامية أو دعم حماس المصنَّفة «إرهابيًّا» هناك يخرجون عن صَمْتهم ويعلو صوتهم أكثر. وكُلَّما زادت وتيرة التحوُّل الشَّعبي والمزاج العامِّ بَيْنَ الجماهير، زادت عصبيَّة الحكومات وأعلنت عن فرض مزيدٍ من القيود على حُرِّيَّة التعبير، بل وحتَّى اللجوء لممارسات تقترب من الديكتاتوريات الَّتي طالما انتقدها الغرب. من ذلك ما تسعى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لِسَنِّه من قوانين تحدُّ من التعبير في الجامعات الأميركيَّة، تحت دعوى مزيَّفة بمواجهة «معاداة السَّامية»، نتيجة احتجاجات الطلاب المنتقدة لـ»إسرائيل». وبالطبع لا جدوى من القول بأنَّ انتقاد «إسرائيل» والوقوف بوجْهِ جرائمها الإنسانيَّة لا علاقة له بالسَّامية أو غيرها. فالسِّياسيون في الغرب كثير مِنْهم لا يختلف عن وزير الحرب «الإسرائيلي» يواف جالانت الَّذي وصف الفلسطينيِّين بأنَّهم «حيوانات».
صحيح أنَّ بعض وسائل الإعلام الرئيسة التقليديَّة في الغرب بدأت تتحوَّل قليلًا عن الترويج الدعائي للرواية الإسرائيليَّة، خصوصًا بعدما ورَّطتها «إسرائيل» في أكاذيب فاضحة مِثل فيديو ذبح الأطفال المُلفَّق وغيره، إلَّا أنَّ الموجة السَّائدة ما زالت تكاد تقترب من العنصريَّة في تناولها لِمَا يجري في غزَّة مِثلما حدَث في بداية الحرب الأوكرانيَّة العام الماضي. لا يقتصر الأمْرُ على الإعلام التقليدي، بل إنَّ بعض مواقع التواصل، مِثل فيسبوك، شدَّد القيود على نشْرِ أيِّ شيء يفضح جرائم «إسرائيل» أو يتعاطف مع الفلسطينيِّين. إلَّا أنَّ موقع «إكس» (تويتر سابقًا) أتاح مساحة أفضل للنَّشر وبثِّ المقاطع المصوَّرة والآراء من كُلِّ الاتِّجاهات عكس فيسبوك. ذلك التقييد والتشديد، والدعائيَّة الفجَّة من جانب وسائل الإعلام والتواصل وغيرها، بالإضافة إلى تصريحات السِّياسيِّين المؤيِّدة للاحتلال تزيد من ردِّ الفعل العكسي لأسباب عدَّة. أوَّلها أنَّ النَّاس العاديَّة غالبًا لا تثق بالسِّياسيِّين، لكنَّها تبحث عن الحقيقة في وسائل الإعلام ـ الَّتي أصبحت أكثر دوغمائيَّة من السِّياسيِّين في الغرب. وذلك ما يجعل بعض الأخبار والمعلومات القليلة عن جرائم «إسرائيل» بحقِّ الفلسطينيِّين تجد طريقها للنَّاس بشكلٍ أوسع، وتؤدِّي إلى زيادة الوعي بقضيَّة كادَتْ تُنسى رغم أنَّها أكبر سبَّة في جبَيْنَ الإنسانيَّة في التاريخ المعاصر.
من التحوُّلات المُهمَّة فعلًا، تلك الأصوات اليهوديَّة حَوْلَ العالَم الَّتي تزداد انتقادًا لـ»إسرائيل» وممارساتها وتعاطفًا مع الفلسطينيِّين. ولعلَّ حجم مظاهرات يهود أميركا، كما أظهرت مظاهرة بروكلين بنيويورك قَبْل أيَّام، أهمُّ مئة مرَّة من تصريحات قيادات «إسرائيل» وحلفائهم في واشنطن ولندن وغيرها. فموقف هؤلاء، الإنساني بالأساس، يدحض التزييف «الإسرائيلي» والغربي بأنَّ هذه «حرب دينيَّة». والحقيقة أنَّه من ردود الفعل العكسيَّة الَّتي ولدتها المجازر غير المسبوقة في غزَّة انهيار الجهود الَّتي استمرَّت لسنوات لوصْمِ المقاومة الفلسطينيَّة بالإرهاب. فكَمْ من المليارات أُنفِقت على جهود إعلاميَّة وسياسيَّة وقانونيَّة للقضاء على «القضيَّة الفلسطينيَّة نهائيًّا»، كما وصفها الرئيس المصري، بترسيخ وصْمَة الإرهاب على المقاومة. وفي ذلك بالتوازي تبرئة الاحتلال في فلسطين من جرائمه الَّتي تقترب من الإرهاب العنصري. وكان ذلك كُلُّه في سياق الدَّفع باتِّجاه مصالحات واتفاقيَّات تطبيع وحتَّى إمكان «استيعاب» «إسرائيل» في المنطقة كحليف. كُلُّ ذلك انكشف، وظهر حتَّى لهؤلاء الَّذين قادوا تلك الجهود أنَّ «حليفهم» المفترض لا يوثق به.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: وسائل الإعلام الإعلام ال لـ إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع الإنساني في السودان

 

مع استمرار الصراع في السودان، حذرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع الإنساني في البلاد.
وأوضح ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن تصاعد القتال في مناطق مختلفة عبر السودان يدفع المدنيين إلى الفرار من منازلهم إلى الملاجئ.

التغيير ــ وكالات

كما أضاف المتحدث، نقلا عن المنظمة الدولية للهجرة، أنه في ولاية غرب كردفان، أجبر تزايد انعدام الأمن ما يقرب من 47 ألف شخص على النزوح من بلدتي الخوي والنهود هذا الشهر.

وقال إن العديد من هؤلاء الأشخاص كانوا بالفعل نازحين داخليا، ويجبرون الآن على التنقل للمرة الثانية.
نزوح ألف شخص

وفي ولاية شمال دارفور، نزح حوالي ألف شخص من مخيم أبو شوك ومدينة الفاشر في الأسبوع الماضي وحده، مما رفع العدد الإجمالي للنازحين من هذين المكانين هذا الشهر إلى 6 آلاف شخص.

وذكر المتحدث أن شمال دارفور تستضيف ما يقدر بأكثر من 1.7 مليون نازح إجمالا.

ويؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تعميق الأزمة. وقال إن الأمم المتحدة قلقة أيضا من تصاعد حالات الكوليرا في بعض المناطق في ولاية الخرطوم.

وقال: “على الرغم من أن العاملين في المجال الإنساني يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة المحتاجين، فإننا نكرر الحاجة الملحة لمزيد من الوصول والتمويل المرن”.

كما أشار إلى أنه حتى الآن، لم يتم تلقي سوى 552 مليون دولار أميركي من التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية لهذا العام، والتي تتطلب 4.2 مليار دولار.

يذكر أن الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع أدت إلى كارثة إنسانية هائلة، إذ تسبب النزاع بسقوط عشرات آلاف القتلى، وتهجير أكثر من 13 مليون شخص بين نازح ولاجئ، فيما غرقت أنحاء عدة من البلاد في المجاعة، وفق تقديرات أممية.

الوسومالأمم المتحدة الخرطوم الكوليرا دارفور ستيفان دوجاريك

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يعلن رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل ويعمل على اعتراضه
  • عاجل | الجيش الإسرائيلي: رصدنا إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل
  • تعليق على «التواصل الاجتماعي» يكلف شاباً 70 ألف درهم
  • قيادي بـالمؤتمر: جرائم الاحتلال الإسرائيلي انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني
  • لموظفي خدمة العملاء .. الحبس و غرامة 5 آلاف جنيه حال القيام بهذا الفعل
  • الحبس 5 سنوات عقوبة البلطجة باستخدام أسلحة أو عصي طبقا للقانون
  • تفكيك نفوذ الإخوان المسلمين داخل الجيش السوداني: رؤية إصلاحية وردود الفعل المحتملة
  • كيف ستتأثر بنغلاديش من الممر الإنساني لميانمار؟
  • الأمم المتحدة تحذّر من تدهور الوضع الإنساني في السودان
  • الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع الإنساني في السودان