السيناوى دائماً يحيا متجولاً فى أوجاع الوطن. ويقول جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر»: «أن تكون مصرياً يعنى شيئين فى وقت واحد.. أرض وشعب».
ونحن نقول الأرض فى سيناء مباركة والشعب مكافح صامد صبور وسقف طموحه مشروع.
ولا أبالغ أن الأرض مباركة وأنها لم تذكر فى الإنجيل والقرآن فقط، فقد ذُكرت فى التوراة فى سفر التثنية: «جاء الرب من سيناء وأشرق من سعير وتلألأ من جبل فيران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم».
ألم نقل إنها مباركة؟
والبشر طيبون خيرون فيهم إنسانية عالية.
ألم أقل إنهم يعيشون بين الألم والأمل، بين الدمعة والابتسامة، فالسيناوى يتألم لما يحدث لإخوته فى غزة، ويأمل أن يتمسك أهل غزة بأرضهم وهم متمسكون حتى لا يضيع وطنهم إلى ما لا نهاية.
ويدمع السيناوى لحرمان أطفال غزة والنساء والشيوخ من أبسط مقومات الحياة وهى الماء والغذاء والدواء ويعيشون فى سجن كبير يفرضه عليهم عدو متغطرس.
أما ابتسام السيناوى برغم ما يشعر به، فهو فخره بوطنه مصر وبقائدها، الذى حاول ويحاول أن يخترق حزام النار الذى فرضه العدو على أهل غزة فى عقاب جماعى.
وفخر السيناوى بقائده، الرئيس عبدالفتاح السيسى بمناداته دائماً بأن تكون سيناء مركزاً مهماً للحراك فى كل الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والتنموية والثقافية لأنه يعلم ما عانوه من إرهاب بغيض وعدو حوله يتربص بالوطن لينال منه ولكن.. هيهات.. هيهات، فأبجديات الصحراء تقول: الرمل لا ينام.
القيادة تعى ما معنى الدولة وما معنى بوابة مصر الشرقية والرئيسية ومدخلها كما يقول د. جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر».
إن سيناء بجدارة هى، ترومبيل مصر، ومدخل الغزاة وكذلك مدخل الحضارات. فمصر فى معظمها أفريقية وآسيوية فى أقلها مساحة. لكنها مهمة وخطيرة. ونحن نحافظ عليها بكل ما نملك لتكون درعاً فى وجه الأعداء وهو ما حدث فى شراكة السيناوى المقاوم مع الجيش والشرطة فى مكافحة الإرهاب بحنكة وصبر ومعرفة.
وبرغم ما أنفقته الدولة فى إعادة بناء سيناء وإعادة الوعى الذى كان موجوداً ولكن الإرهاب عطله.
أهذا هو سقف طموح السيناوى المشروع؟ لا.. وكلا.
إنه يريد أن تزداد وتيرة وخطوات التنمية المستدامة بمعنى تنمية بشرية، فالإنسان هو محور التنمية وتنمية اجتماعية بتكافل وكرامة وزيادة الزخم الموجود منها.
ورجال سيناء أصحاب الأعمال والأموال وهم كثر يؤمنون بأسلوب التشبيك المجتمعى، فالدولة مهما أنفقت لا تستطيع أن تبنى وحدها. والسيناوى عملى فقد قام القادرون معهم الدولة فى إعادة الإعمار بزراعة الزيتون وقد كانت حملة جيدة فى مجملها.
وكلنا يعلم أن برميل الزيت من الزيتون أغلى من برميل النفط. وهذه حقيقة يعلمها أهل المجال. ونستطيع بهذا الأسلوب أن نحول الفكرة القديمة بأن سيناء ممر وليست مقراً. ستكون سيناء بفضل الوعى والعمل مقراً آمناً.. سخاءً رخاءً.
ونقول فى النهاية: هل للثقافة دور فى التنمية وإعادة بناء الوعى بإدراك ما يحيط بنا من تحديات فحدودنا الجغرافية كلها مشتعلة أو على وشك الاشتعال. الثقافة هى الحصن الأخير من حصون هذه الأمة. فلابد من نشر ثقافة الإتقان والجودة.
ولأن الرؤوس الفارغة يتم ملؤها بأفكار شريرة، فلابد من تحقيق ديمقراطية الثقافة وهى تحتاج إلى صانع ثقافة مدرك واعٍ، وهذا يحدث أخيراً بزيادة الإنفاق على النشاط الثقافى بسيناء من قوافل أهل مصر التى نادى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للتعرف على سيناء من ربوع المعمورة. وقامت القيادة بتنفيذها على أرض الواقع وكذلك استضافة المؤتمرات الثقافية والاجتماعية والفنية وتحولنا بوعى من ثقافة التصوير إلى ثقافة التنوير.
والفيلسوف «كانط» يقول: الذين يقرأون لا ينهزمون، فالقراءة معرفة والمعرفة قوة.
وفى النهاية نقول إن التنمية الحقيقية الفاعلة تتحقق عن طريق إدخال تغيرات جذرية على البناء الثقافى الاجتماعى الذى تنشده التنمية.
ولابد من نشر الفكر التنويرى وتنمية المواهب ومحاصرة الفكر الظلامى بنشر المفاهيم الإبداعية المتطورة، وهذا ما تبنته الدولة فى محاربة الإرهاب.
أقول: أما آن الأوان لأن نرفع كلنا شعار «نكسب الشباب لنضمن المستقبل»؟
الله.. الوطن.. بالأمر
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: شمال سيناء التنمية سيناء أرض الفيروز
إقرأ أيضاً:
مثقف بدرجة فرّاش ونائب بدور بصمجي
هو فرّاش مدرسة قريتي الإعدادية، المثقف الذي كان من مؤيدي حزب التجمع، والذي سمعته مرارا وأنا في الصف الأول الإعدادي يدخل في نقاشات عميقة مع معلمين في المدرسة ويروج لحزب التجمع ويذكر أسماء قياداته، بل ويذكر أسماء قيادات الاتحاد السوفييتي وصفاتهم، ويروج لبرامج الحزب ويضع له لافتة، ويقول للجمع إنه "الوحيد الذي يؤمن بحقوق الفقراء"، بينما كان يروج آخرون لحزب الوفد كونه التاريخ والحاضر والمستقبل.
وعندما كنت وزملاء لي نخوض مسابقات أوائل الطلبة في الصف السادس الابتدائي، تعلمت على يد الأستاذ محمد السعيد بسيوني، هو من عائلة سياسية حتى اليوم ووالده كان عمدة قريتي في مرحلة سابقة، تعلمت منه الكثير عن تجربة مصر الحزبية الوليدة، وشرح لنا برنامج كل حزب، ولأنه بالطبع كان من أنصار الحزب الوطني الجديد الوليد في عهد أنور السادات، كان شديد التأثر بتجربته، ولكنه لم يغمطنا حقنا في المعرفة بتفاصيل كانت كبيرة علينا في عالم السياسة والأحزاب.
وكنت أنظر إليه بدهشة عندما يحدثنا عن أزمة لبنان، وفلسطين، وحرب العراق وإيران، والسياسة الدولية في كلمة لم ينطقها ولكني أدركتها لاحقا.
لكن الغريب عندي كانت هي ثقافة عمي حسن أبو فلفل -هو الآن حي يرزق أطال الله عمره- بينما هو شاب صغير وفرّاش لم يكمل تعليمه، ولكني فهمت أن مداد ثقافته تلك هو والده عمي فلفل وهو الفرّاش الأكبر سنا في مدرسة القرية الإعدادية، الرجل ذو الطول الفارع والوجه الأسمر والعيون الحمراء التي كانت تخيفني نظرة نحوها رغم هزاره المتواصل مع الجميع، فقد كان رجلا مثقفا هو الآخر، وقارئا يلبس نظارة معظمة، ورث عنه نجله القراءة والثقافة، وكان نجله الأكبر أحد خطباء مساجد قريتي الأفاضل.
كان عمي عبد المنعم أو فلفل -رحمه الله- كما كان يناديه الجميع، يحرص يوميا على شراء الجرائد اليومية، فهو له نسخة ثابتة يجلبها عمي سعيد، سائق خط أتوبيس شرق الدلتا من ميدان المطرية في القاهرة والمار بقريتي والعابر لقرى مراكز مشتول ومنيا القمح وبلبيس بمحافظة الشرقية، كل صباح، ففي العاشرة تماما كان موعد وصوله بالإمداد اليومي من الصحف لمعلمي وموظفي قريتنا، رزمة يومية متنوعة من الأهرام والأخبار والجمهورية.
كان لي منها نصيب وأنا في المرحلة الابتدائية، فكلما تجمع لدي 3 قروش كنت أحصل على جريدة تظل معي حتى أحصل على 3 قروش مثلها من جدي رحمه الله، وكان يفرح جدا الأستاذ حمدي عويس، الذي كان ينظم هذا الأمر ويشجعني ويعدني بمستقبل واعد، لم أره بعد يا أستاذ حمدي، الحمد لله.
الحديث هنا عن حزبي التجمع والوفد، وبعيدا عن أنني لا أنتمي لأي فكر قاما عليه يوما من الأيام، ولم أقتنع بأي قيادة لهما، إلا أنهما كانا في نهاية سبعينيات القرن الماضي وبداية الثمانينيات قبلة الشباب وحديث حتى أهل الريف غير المتعلمين قبل المتعلمين والمثقفين، وكيف هما اليوم، حيث تماهيا تماما مع كل سُلطة حتى صارا كقطع من الفلفل بارد المذاق لم يحالفه الحظ رغم تنازلاته عن خصائصه الحارة في الوصول إلى طبق سَلطة السُلطة.
والحديث هنا عن أي مرشح محتمل أو مؤكد لمجلسي الشيوخ والنواب القادمين في آب/ أغسطس وما تلاه، أو كل من يحاول الوصول لقوائم قلب البرلمان بجانب حزبي "مستقبل أسود غطيس كغراب قبيح فوق شجرة جرداء في خريف بلا وطن" و"الجبهة غير الوطنية للوطن المهدم".
سيادة المرشح المحتمل رجل بلا هوية ولا فكر ولا ثقافة ولا يملك واحدا من مليون من ثقافة الفراش عمي فلفل أو نضوج فكر نجله عمي حسن أبو فلفل، هو لا يملك غير "لوكشة" من المال جمعها من حيث يدري ولا نعلم، أعطاها لأولى الأمر ليسطروا اسمه بدرجة بصمجي، وتحت مهمة سيوكل بها مدة 5 سنوات لقاء أموال ومصالح وسكك تتفتح، وهي البصم مغمض العينين بدون غماء، ورفع اليد عالية بلا صوت أو نفس وبكاتم ذاتي وبلا كاتم صوت أو كمامة.
لو يعلم من يجرمون في حق الوطن أنهم بهذا الفعل يدمرون مستقبل أجيال وأجيال، عندما يبصمون دون قراءة، ويصوتون بلا صوت، فقط يومئون بالرؤوس ويشيرون بالأيدي وحتى بالأقدام لو طلبت بـ"الموافقة".
ولا ألومهم وحدهم، فليس لدينا جريدة واحدة تمنحنا رجلا آخر في ثقافة حسن أبو فلفل، ووالده عمي فلفل، أو في فكر ورؤية الأستاذ محمد أبو السعيد.