حكم الثناء على الميت أثناء الدفن.. دار الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "ما حكم الشهادة للميت والثناء عليه عند دفنه؟ فإنه عند حضوري لدفن أحد الأموات، قام أحدُ المُشَيِّعِين بعد الانتهاء مِن دفن الميت متوجِّهًا إلى الناس، وسألهم: ما قولُكم في هذا الرجل؟ وبأيِّ شيءٍ تَشهَدُون له؟ فأَثْنَوْا عليه خيرًا، وشَهِدُوا له بالصلاح وأعمال الخير.
وأجابت دار الإفتاء، على السؤال، موضحة أن الله- سبحانه وتعالى- قد اختص الأمة المحمدية على غيرها مِن الأمم السابقة ليكونوا شهداء الله في أرضه في الحياة الدنيا، وعند البعث بعد الموت يوم القيامة، وهذا ما تواردت عليه النصوص الشرعية، كما أن الثناءَ على الميت والشهادةَ له بالخير عند دَفْنِهِ سُنَّةٌ مستَحَبةٌ أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وعَوَّل عليها، ونَصَّ العلماءُ على استحبابها، وأن ذلك يَنفعُ الميتَ ويَشفَع له، لا سيما إذا كانوا مِن أهل الفضل والصدق، فيغفر الله- عَزَّ وَجَلَّ- للميت بشهادتهم له.
وأشارت إلى أن الحاصل أنَّ ثناء الناس على الميت بالخير يَشفع له عند ربه، سواء كانت أعمالُهُ الظاهرةُ تقتضي هذا الثناء أو لا؛ لأن فَضْلَ الله أَوْسَعُ مِن أنْ يُحْجَرَ أو يُمْنَعَ عن أحدٍ مِن خَلْقِه، وأنَّ الله سبحانه وتعالى يَتفضل على عباده فيأخذ بشهادتهم الظاهرة وبما يَرَوْنَهُ مِن الصلاح على هذا الميت وإن كان يُبْطِنُ خلاف ما يُظهِر، فيغفر اللهُ له بهذه الشهادة.
واستشهدت بما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازةٍ فِينَا في بَنِي سَلِمَةَ، وأنا أَمْشِي إلى جَنْبِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رجلٌ: نِعْمَ المرءُ، ما عَلِمْنَا إنْ كان لَعَفِيفًا مُسلِمًا إنْ كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ؟»، قال: يا رسول الله، ذَاكَ بَدَا لَنَا، والله أَعْلَمُ بالسَّرَائِرِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجَبَتْ»، قال: وكنا معه في جنازةِ رجلٍ مِن بَنِي حارِثَةَ -أو مِن بَنِي عبد الأَشْهَلِ- فقال رجلٌ: بئس المرءُ، ما عَلِمْنَا إنْ كان لَفَظًّا غَلِيظًا إنْ كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ؟»، قال: يا رسول الله، الله أَعْلَمُ بالسَّرَائِرِ، فأما الذي بَدَا لَنَا منه فَذَاكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجَبَتْ»، ثم تَلَا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾. أخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (7/ 19، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح المختار أنه على عُمُومه وإطلاقه، وأنَّ كلَّ مسلم مات، فأَلْهَمَ اللهُ تعالى الناسَ أو مُعْظَمَهُمُ الثناءَ عليه، كان ذلك دليلًا على أنه مِن أهل الجنة، سواءٌ كانت أفعالُه تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعالُه تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خَطَرِ المشيئة، فإذا أَلْهَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الناسَ الثناءَ عليه، استَدْلَلْنَا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تَظهَر فائدةُ الثناء، وقولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجَبَتْ» وَ«أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ»، ولو كان لا يَنفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لَم يكن للثناء فائدةٌ، وقد أَثْبَتَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم له فائدةً] اهـ.
ذكر محاسن الميتوذكرت أن مِن أجل ذلك نَصَّ جماعةٌ مِن الأئمة على استحباب الثناء على الميت وذِكْرِهِ بالخير وإظهار ما كان منه مِن المَحَاسِنِ.
قال حُجَّةُ الإسلام الإمامُ الغَزَالِي في "إحياء علوم الدين" (4/ 493، ط. دار المعرفة): [ويُستحب الثناءُ على الميت، وألَّا يُذكَر إلا بالجميل] اهـ، وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 165، ط. دار الفكر): [ويُستحب الثناءُ على الميت وذِكْرُ مَحَاسِنِه] اهـ.
وقال الحافظ ابن حَجَرٍ العَسْقَلَانِي في "فتح الباري" (3/ 229، ط. دار المعرفة): [قوله: (باب ثناء الناس على الميت) أي: مشروعيته وجوازه مطلقًا، بخلاف الحي، فإنه منهيٌّ عنه إذا أفضى إلى الإطراء؛ خشيةً عليه مِن الزَّهْو، أشار إلى ذلك الزَّيْنُ بنُ المُنِيرِ] اهـ.
وتابعت: مِن ثَمَّ كان مِن المستحب للمسلم أن يَغْتَنِمَ ذلك الفضلَ ويُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ، فيَسْتَجْلِبَ الرحمةَ والمغفرةَ لأخيه المسلم بالشهادة له بالخير عند موته، وقد جاء في الحديث القدسي أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قال: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» أخرجه الأئمة: أحمد والطبراني في "المسند"، والدارمي في "السنن"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال القاضي عِيَاض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 172، ط. دار الوفاء): [وقوله: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» قيل: معناه: بالغُفرانِ له إذا استَغْفَرَني، والقبولِ إذا أَنَابَ إِلَيَّ، والإجابةِ إذا دَعَاني، والكفايةِ إذا استَكْفَاني؛ لأنَّ هذه الصفاتِ لا تَظهَر مِن العبد إلا إذا أَحْسَنَ ظَنَّهُ باللهِ وقَوِيَ يَقِينُهُ] اهـ.
وقال العلامة المُبَارَكْفُورِي في "تحفة الأحوذي" (7/ 53، ط. دار الكتب العلمية): [قَوْلُهُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» أي: أنا أُعَامِلُهُ على حسب ظَنِّهِ بي، وأَفْعَلُ به ما يَتَوَقَّعُهُ مني مِن خيرٍ أو شَرٍّ] اهـ.
وأضافت، أنه يُستحب أيضًا إذا انتهى المسلمُ مِن دفن أخيه المسلم أن يَحُثَّ الناسَ على ذِكْرِ ما كان في الميت مِن الخير والصلاح؛ ليكون ذلك شفاعةً له عند ربه، فتَعُمَّ الرحمةُ بين الخلق جميعًا، فإنَّ الرحيمَ مَن يَرْحَمُ غيرَه لا مَن لا يَرْحَمُ إلا نَفْسَه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ»، قلنا: كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله، قال: «لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ» أخرجه الأئمة: ابن المبارك في "الزهد"، وعَبدُ بنُ حُمَيْد في "المسند" واللفظ له، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد اختص الأمة المحمدية على غيرها مِن الأمم السابقة ليكونوا شهداء الله في أرضه في الحياة الدنيا، وعند البعث بعد الموت يوم القيامة، وهذا ما تواردت عليه النصوص الشرعية، كما أن الثناءَ على الميت والشهادةَ له بالخير عند دَفْنِهِ سُنَّةٌ مستَحَبةٌ أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وعَوَّل عليها، ونَصَّ العلماءُ على استحبابها، وأن ذلك يَنفعُ الميتَ ويَشفَع له، لا سيما إذا كانوا مِن أهل الفضل والصدق، فيغفر الله عَزَّ وَجَلَّ للميت بشهادتهم الظاهرة له.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدفن قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ه صلى الله علیه وآله وسلم سبحانه وتعالى دار الإفتاء ا رسول الله على المیت
إقرأ أيضاً:
ما حكم القنوت في صلاة الفجر وهل هو بدعة؟.. الإفتاء تجيب
قالت دار الإفتاء المصرية، إن حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر أنه سنة نبوية ثابتة قال بها أكثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار.
وذكرت دار الإفتاء في إجابتها على سؤال: ما حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر؟ أنهم استدلوا على ذلك بما جاء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. وقد أخذ بهذا الحديث المالكية والشافعية وهو المختار للفتوى.
وأكدت دار الإفتاء أنه لا ينبغي أن تكون مثل هذه المسائل مثارًا للخلاف والشقاق وإحداث فتنة بين المسلمين وتعكير أمر عبادتهم.
صيغة دعاء القنوت في صلاة الفجروعن صيغة دعاء القنوت في صلاة الفجر، فقد رُوي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنّه قال: "علَّمَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوِترِ أي في قُنوتِ الوتر اللَّهمَّ اهدني فيمن هَديتَ، وعافِني فيمن عافَيتَ، وتولَّني فيمَن تولَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أعطَيتَ، وقِني شرَّ ما قضيتَ، فإنَّكَ تَقضي ولا يُقضَى عليكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ مَن واليتَ، تبارَكْتَ ربَّنا وتعاليتَ".
كما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعاء القنوت دعاء آخر فيقول "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ برضاكَ من سخَطِك وبمعافاتِكَ من عُقوبتِكَ، وأعوذُ بِك منكَ، لا أُحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ".
وقت دعاء القنوتويستحب أن يقرأ المصلي دعاء القنوت بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة، ويعتبر القنوت سنة في صلاة الوتر، وذلك لجميع أيّام العام.
ويمكن ترديد دعاء القنوت بأكثر من صيغة متعددة ويستحب أن يقوله المصلي بقلب خاشع في أثناء صلاة قيام الليل وصيغة الدعاء هي أن يقول المصلي:
اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت. روى الشافعي ذلك عن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم