ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "ما حكم الشهادة للميت والثناء عليه عند دفنه؟ فإنه عند حضوري لدفن أحد الأموات، قام أحدُ المُشَيِّعِين بعد الانتهاء مِن دفن الميت متوجِّهًا إلى الناس، وسألهم: ما قولُكم في هذا الرجل؟ وبأيِّ شيءٍ تَشهَدُون له؟ فأَثْنَوْا عليه خيرًا، وشَهِدُوا له بالصلاح وأعمال الخير.

هل يجوز تقبيل الميت قبل الدفن ؟ دار الإفتاء تحدد الضوابط الشرعية هل الذهاب مع الميت في المنام يعني موت الرائي؟.. انتبه في حالتين حكم الثناء على الميت أثناء الدفن

وأجابت دار الإفتاء، على السؤال، موضحة أن الله- سبحانه وتعالى- قد اختص الأمة المحمدية على غيرها مِن الأمم السابقة ليكونوا شهداء الله في أرضه في الحياة الدنيا، وعند البعث بعد الموت يوم القيامة، وهذا ما تواردت عليه النصوص الشرعية، كما أن الثناءَ على الميت والشهادةَ له بالخير عند دَفْنِهِ سُنَّةٌ مستَحَبةٌ أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وعَوَّل عليها، ونَصَّ العلماءُ على استحبابها، وأن ذلك يَنفعُ الميتَ ويَشفَع له، لا سيما إذا كانوا مِن أهل الفضل والصدق، فيغفر الله- عَزَّ وَجَلَّ- للميت بشهادتهم له.

وأشارت إلى أن الحاصل أنَّ ثناء الناس على الميت بالخير يَشفع له عند ربه، سواء كانت أعمالُهُ الظاهرةُ تقتضي هذا الثناء أو لا؛ لأن فَضْلَ الله أَوْسَعُ مِن أنْ يُحْجَرَ أو يُمْنَعَ عن أحدٍ مِن خَلْقِه، وأنَّ الله سبحانه وتعالى يَتفضل على عباده فيأخذ بشهادتهم الظاهرة وبما يَرَوْنَهُ مِن الصلاح على هذا الميت وإن كان يُبْطِنُ خلاف ما يُظهِر، فيغفر اللهُ له بهذه الشهادة.

واستشهدت بما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازةٍ فِينَا في بَنِي سَلِمَةَ، وأنا أَمْشِي إلى جَنْبِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رجلٌ: نِعْمَ المرءُ، ما عَلِمْنَا إنْ كان لَعَفِيفًا مُسلِمًا إنْ كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ؟»، قال: يا رسول الله، ذَاكَ بَدَا لَنَا، والله أَعْلَمُ بالسَّرَائِرِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجَبَتْ»، قال: وكنا معه في جنازةِ رجلٍ مِن بَنِي حارِثَةَ -أو مِن بَنِي عبد الأَشْهَلِ- فقال رجلٌ: بئس المرءُ، ما عَلِمْنَا إنْ كان لَفَظًّا غَلِيظًا إنْ كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ؟»، قال: يا رسول الله، الله أَعْلَمُ بالسَّرَائِرِ، فأما الذي بَدَا لَنَا منه فَذَاكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجَبَتْ»، ثم تَلَا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾. أخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك" وصححه.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (7/ 19، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح المختار أنه على عُمُومه وإطلاقه، وأنَّ كلَّ مسلم مات، فأَلْهَمَ اللهُ تعالى الناسَ أو مُعْظَمَهُمُ الثناءَ عليه، كان ذلك دليلًا على أنه مِن أهل الجنة، سواءٌ كانت أفعالُه تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعالُه تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خَطَرِ المشيئة، فإذا أَلْهَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الناسَ الثناءَ عليه، استَدْلَلْنَا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تَظهَر فائدةُ الثناء، وقولُه صلى الله عليه وآله وسلم: «وَجَبَتْ» وَ«أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ»، ولو كان لا يَنفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لَم يكن للثناء فائدةٌ، وقد أَثْبَتَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم له فائدةً] اهـ.

ذكر محاسن الميت

وذكرت أن مِن أجل ذلك نَصَّ جماعةٌ مِن الأئمة على استحباب الثناء على الميت وذِكْرِهِ بالخير وإظهار ما كان منه مِن المَحَاسِنِ.

قال حُجَّةُ الإسلام الإمامُ الغَزَالِي في "إحياء علوم الدين" (4/ 493، ط. دار المعرفة): [ويُستحب الثناءُ على الميت، وألَّا يُذكَر إلا بالجميل] اهـ، وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 165، ط. دار الفكر): [ويُستحب الثناءُ على الميت وذِكْرُ مَحَاسِنِه] اهـ.

وقال الحافظ ابن حَجَرٍ العَسْقَلَانِي في "فتح الباري" (3/ 229، ط. دار المعرفة): [قوله: (باب ثناء الناس على الميت) أي: مشروعيته وجوازه مطلقًا، بخلاف الحي، فإنه منهيٌّ عنه إذا أفضى إلى الإطراء؛ خشيةً عليه مِن الزَّهْو، أشار إلى ذلك الزَّيْنُ بنُ المُنِيرِ] اهـ.

وتابعت: مِن ثَمَّ كان مِن المستحب للمسلم أن يَغْتَنِمَ ذلك الفضلَ ويُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ، فيَسْتَجْلِبَ الرحمةَ والمغفرةَ لأخيه المسلم بالشهادة له بالخير عند موته، وقد جاء في الحديث القدسي أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قال: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» أخرجه الأئمة: أحمد والطبراني في "المسند"، والدارمي في "السنن"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

قال القاضي عِيَاض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 172، ط. دار الوفاء): [وقوله: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» قيل: معناه: بالغُفرانِ له إذا استَغْفَرَني، والقبولِ إذا أَنَابَ إِلَيَّ، والإجابةِ إذا دَعَاني، والكفايةِ إذا استَكْفَاني؛ لأنَّ هذه الصفاتِ لا تَظهَر مِن العبد إلا إذا أَحْسَنَ ظَنَّهُ باللهِ وقَوِيَ يَقِينُهُ] اهـ.

وقال العلامة المُبَارَكْفُورِي في "تحفة الأحوذي" (7/ 53، ط. دار الكتب العلمية): [قَوْلُهُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» أي: أنا أُعَامِلُهُ على حسب ظَنِّهِ بي، وأَفْعَلُ به ما يَتَوَقَّعُهُ مني مِن خيرٍ أو شَرٍّ] اهـ.

وأضافت، أنه يُستحب أيضًا إذا انتهى المسلمُ مِن دفن أخيه المسلم أن يَحُثَّ الناسَ على ذِكْرِ ما كان في الميت مِن الخير والصلاح؛ ليكون ذلك شفاعةً له عند ربه، فتَعُمَّ الرحمةُ بين الخلق جميعًا، فإنَّ الرحيمَ مَن يَرْحَمُ غيرَه لا مَن لا يَرْحَمُ إلا نَفْسَه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ»، قلنا: كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله، قال: «لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ» أخرجه الأئمة: ابن المبارك في "الزهد"، وعَبدُ بنُ حُمَيْد في "المسند" واللفظ له، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد اختص الأمة المحمدية على غيرها مِن الأمم السابقة ليكونوا شهداء الله في أرضه في الحياة الدنيا، وعند البعث بعد الموت يوم القيامة، وهذا ما تواردت عليه النصوص الشرعية، كما أن الثناءَ على الميت والشهادةَ له بالخير عند دَفْنِهِ سُنَّةٌ مستَحَبةٌ أقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وعَوَّل عليها، ونَصَّ العلماءُ على استحبابها، وأن ذلك يَنفعُ الميتَ ويَشفَع له، لا سيما إذا كانوا مِن أهل الفضل والصدق، فيغفر الله عَزَّ وَجَلَّ للميت بشهادتهم الظاهرة له.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدفن قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ه صلى الله علیه وآله وسلم سبحانه وتعالى دار الإفتاء ا رسول الله على المیت

إقرأ أيضاً:

أيهما أفضل القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء؟

قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية، أن الإنفاق على الفقراء والمحتاجين والتصدق عليهم وشراء ما يلزمهم من غذاء وملابس، أفضل من أداء عمرة التطوع، مؤكدة أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده على فعل الخير.

الإفتاء: الانفاق على الفقراء افضل من عمرة التطوع

وأضافت دار الإفتاء: الانفاق على الفقراء افضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة في توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضي بأن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم في مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية.

وتابعت: كما أن العمرة من أفضل العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لِمَا فيها من تكفيرِ الذنوب وإجابة الدعوات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّة» متفق عليه.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/ 117- 118، ط. إحياء التراث العربي): [هذا ظاهرٌ في فضيلة العمرة، وأنها مكفرةٌ للخطايا الواقعة بين العمرتين] اهـ.

وأوضحت: والعمرة سُنَّةٌ مؤكدةٌ في العمرِ مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو مندوب، وهو ما ذهب إليه الحنفية -في الصحيح من مذهبهم- والمالكية، والشافعية في قولٍ، والحنابلة في روايةٍ، وهو المختار للفتوى. يُنظر: "البناية" للإمام بدر الدين العَيْني الحنفي (4/ 461، ط. دار الكتب العلمية).

وعن الأفضلية بين عمرة التطوع والانفاق على الفقراء، قالت: أحب النفقة إلى الله تعالى ما كانت أنفعَ للناس وأجدى في إصلاح أحوالهم؛ فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الأعمال إلى الله تعالى، فقال: «مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُورًا؛ إِمَّا أَنْ أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَإِمَّا قَضَى عَنْهُ دَيْنًا، وَإِمَّا يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا أَوْ تَجَاوَزَ عَنْ مُعْسِرٍ؛ ظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لِتَثَبُّتِ حَاجَتِهِ ثَبَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ، وَلَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ مَعَ أَخِيهِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِي هَذَا شَهْرَيْنِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ»أخرجه الحاكم في "المستدرك".

وعن السيدة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ في المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]. أخرجه الترمذي في "السنن".

مقالات مشابهة

  • حكم قراءة القرآن الكريم بصورة جماعية
  • مِنْ خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في جَسَدِه الشريف
  • دعاء وذكر النبي في الحر الشديد وارتفاع درجات الحرارة هذه الأيام
  • أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. «الإفتاء» توضح تفسير الحديث
  • أثر سماع الفحش من القول على أجر الصوم.. مفتي الديار يجيب
  • حكم التحايل بالزواج العرفي من أجل الحصول على المعاش
  • هل تكرار أداء العمرة عن أكثر من شخص جائز شرعًا.. الإفتاء تجيب
  • الإفتاء توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة
  • أيهما أفضل القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء؟
  • هل الموت يوم الجمعة وليلتها من علامات حسن الخاتمة؟