ضحايا منسيون.. الاحترار العالمي يفاقم ظاهرة لاجئي المناخ
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
تتفاقم آثار تغير المناخ يوما بعد يوم مع تزايد النشاط البشري في قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة، وزيادة الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتي تنتجها هذه القطاعات، مما أدى إلى زيادة شدة وتواتر الظواهر الجوية المتطرفة، والمتمثلة بهطول الأمطار الغزيرة بشكل غير طبيعي، والجفاف طويل الأمد، والتصحر، والتدهور البيئي، وارتفاع مستوى سطح البحر.
كما أدى الاحترار العالمي إلى جعل الموارد الطبيعية المحدودة -مثل مياه الشرب- أكثر ندرة في أجزاء كثيرة من العالم، وتكافح المحاصيل الزراعية والماشية من أجل البقاء في ظروف مناخية حارة وجافة للغاية، أو شديدة البرودة والرطوبة.
وتدفع الكوارث الطبيعية والجفاف وغيرها من الأحداث المناخية، بأعداد متزايدة من السكان إلى الفرار من منازلهم، والنزوح إلى أماكن أكثر أمانا داخل بلدانهم الأصلية، أو حتى الهجرة وعبور الحدود الدولية، وهو ما اصطلح على تسميته "اللجوء المناخي" أو "الهجرة المناخية".
من هم لاجئو المناخ؟ظهر مصطلح "لاجئو المناخ" منذ عام 1985، عندما عرّف خبير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عصام الحناوي لاجئي البيئة بأنهم أولئك الأشخاص الذين أجبروا على ترك موطنهم الأصلي، مؤقتا أو بشكل دائم، بسبب الاضطراب البيئي الطبيعي أو الناجم عن تصرفات البشر، والذي يعرّض وجودهم للخطر، أو يؤثر بشكل خطير على سبل حياتهم.
واللاجئون بحسب تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هم الأشخاص الذين فروا من الحرب أو العنف أو الصراع أو الاضطهاد، وعبروا الحدود الدولية للعثور على الأمان في بلد آخر، وعرفت الاتفاقية العالمية للاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه "شخص غير قادر أو غير راغب في العودة إلى بلده الأصلي، بسبب خوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة، أو رأي سياسي".
لكن هذه التعريفات لا تأخذ في الاعتبار الأشخاص الذين يجب عليهم الفرار من الفيضانات أو الجفاف، أو ارتفاع منسوب مياه البحار، أو الأراضي ذات التربة شديدة الملوحة بحيث لا يمكن استغلالها في زراعة المحاصيل، وجميعها آثار تغير المناخ.
ضحايا منسيون
يرى فرانشيسكو جريللو، وهو زميل زائر في معهد الجامعة الأوروبية في مدينة فيسول الإيطالية، والأستاذ المشارك في مدرسة سانتانا العليا في مدينة بيزا الإيطالية، في حديث إلى "الجزيرة نت" أن الأمم المتحدة لا تزال تجهل وجود فئة تسمى "لاجئو المناخ"، فاللاجئون في الوقت الحالي هم نتيجة ظروف مختلفة، لا تتعلق بمشاكل الكوكب، لكن من الواضح تماما أنه إذا تجاوزت آثار تغير المناخ حدودها في بعض مناطق العالم، ستدفع بكثير من الأفراد نحو الهجرة، وهذا ما يحدث خصوصا مع ازدياد المعاناة المتعلقة بالزراعة، ومن ثم سيعاني الناس من الجوع.
وتتعرض الزراعة لتهديد كبير مع زيادة موجات الجفاف وتراجع الأراضي الزراعية ونقص المياه الحاد، بسبب تأثيرات تغير المناخ، إذ تنخفض غلة المحاصيل وتتراجع جودتها، ويتراجع بالتالي إنتاج الغذاء، كما تميل الأسعار إلى الارتفاع، مما يجعل الغذاء غير متاح للعديد من المجتمعات الفقيرة أو النازحة، ويمكن أن يكون انعدام الأمن الغذائي نتيجة مباشرة للكوارث أو الصراعات المرتبطة بالمناخ، ويمكن أن يكون أيضا سببا للتوترات الاجتماعية والعنف، مما يزيد من خطر حدوث نزوح جديد.
وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن الكوارث المرتبطة بتغير المناخ على مدى العقد الماضي، تسببت في حدوث ما متوسطه 21.5 مليون حالة نزوح جديدة كل عام، أي أكثر من ضعف عدد حالات النزوح الناجمة عن الصراع والعنف.
وبالإضافة إلى الكوارث الطبيعية الأكثر تواترا وشدة كأسباب مباشرة تدفع إلى النزوح القسري، فإن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم الدوافع الأخرى للنزوح، مثل تفاقم الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، ونقص المياه، وصعوبة الوصول إلى الموارد الطبيعية الأخرى التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية من أجل البقاء.
ويشكل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدا آخر، وعلى مدى الأعوام الـ30 الماضية، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية المعرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحر من 160 مليونا إلى 260 مليونا، 90% منهم يأتون من البلدان النامية الفقيرة والدول الجزرية الصغيرة.
ويشير سجل تهديدات النظام البيئي، الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام "آي إيه بي" (IEP)، وهو مركز أبحاث دولي أسترالي، إلى أن ما لا يقل عن 1.2 مليار شخص يمكن أن ينزحوا بسبب هذه التهديدات بحلول عام 2050.
استجابة أمميةيشير الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2018، بوضوح إلى أن أحد العوامل التي تسبب تحركات واسعة النطاق للأشخاص هي "الآثار السلبية لتغير المناخ والتدهور البيئي"، والتي تشمل الكوارث الطبيعية، والتصحر وتدهور الأراضي والجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر، وينص الاتفاق على حث الحكومات على حماية لاجئي المناخ في بلدان وصولهم وتأمين متطلباتهم الأساسية إذا لم يكن التكيف والعودة ممكنين في بلدانهم الأصلية
وقبل ذلك، في مارس/آذار 2018، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وثيقة ختامية ناقشت قضية حركة الأشخاص عبر الحدود الناجمة عن أزمات المناخ من منظور حماية حقوق الإنسان.
وأشارت الوثيقة إلى أن هناك كثيرا من الأشخاص الذين لا ينطبق عليهم تعريف “اللاجئين” من بين أولئك الذين يضطرون إلى الهجرة لمسافات طويلة وعبور الحدود بسبب التأثيرات المناخية، وأن النظام القانوني لحماية حقوقهم الإنسانية غير كاف، كما لا يتم تطبيق "مبدأ عدم الإعادة القسرية"، الذي ينص على أنه لا يجوز ترحيل الأشخاص الذين عبروا الحدود أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية ضد إرادتهم، وحثت الحكومات على دمج مفهوم احترام حقوق الإنسان في تخطيط وتنفيذ تدابير تغير المناخ، وإعادة التوطين كوسيلة للتكيف مع تغير المناخ.
قبل وقوع الكارثةيضيف الباحث الإيطالي فرانشيسكو جريللو للجزيرة نت أن تأثير اللجوء المناخي لا يتعلق فقط بأوروبا وحدها، بل يصل إلى باقي أنحاء العالم. ويرى جريللو أننا "بحاجة إلى الاستعداد، وليس فقط الجلوس وانتظار أن تطرق المشكلة أبوابنا، فحتى الآن لسنا قادرين على القيام بشيء تجاه المشكلة، ففي درنة، المدينة الليبية التي غمرها الفيضان، وأودى بحياة أكثر من 20 ألف شخص، إذ من المرجح أن ينزح 80 ألف شخص على الأقل، جميعهم مرشحون للوصول إلى أوروبا، كنا غير قادرين حتى على إرسال المساعدات بعد الكارثة، ما يجب علينا فعله بدلاً من ذلك هو أن نكون مسؤولين تجاه أنفسنا، إنها ليست مسؤولية أخلاقية فقط، بل هي مسؤوليتنا لمنع وقوع مثل هذه الكارثة".
ويرى جريللو أن التنبؤ الدقيق بالكوارث الطبيعية اعتمادا على التكنولوجيا، يمكن أن يجنبنا كارثة أخرى مثل كارثة ليبيا، كان يمكن تجنبها بسهولة، لكننا لم نفعل أي شي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکوارث الطبیعیة الأشخاص الذین للأمم المتحدة تغیر المناخ یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد العالمي بين الصعود الصيني والتراجع الأمريكي
في أيار/ مايو 2025، لم يعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين مجرد خلافات تجارية، بل تحول إلى مواجهة شاملة تشمل الاقتصاد، التكنولوجيا، والجغرافيا السياسية. فقد خفّضت الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية على الواردات الصينية من 145 في المئة إلى 30 في المئة، بينما خفّضت الصين تعريفاتها على السلع الأمريكية من 125 في المئة إلى 10 في المئة، في إطار هدنة تجارية مؤقتة لمدة 90 يوما تهدف إلى تهدئة التوترات. ورغم هذه الهدنة، لا تزال الأسباب الجذرية للصراع قائمة، مما يجعل من هذا التوتر أحد أبرز ملامح السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين.
خلفية الصراع
منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموا ملحوظا. وفقا لتقرير البنك الدولي، ارتفعت التجارة الثنائية من 100 مليار دولار في عام 2000 إلى أكثر من 600 مليار دولار في عام 2022. استفادت الشركات الأمريكية من العمالة الرخيصة في الصين، بينما استفادت الصين من الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا. لكن مع مرور الوقت، بدأت الولايات المتحدة تتهم الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية والتلاعب في سعر صرف اليوان. في عام 2017، بلغ العجز التجاري الأمريكي مع الصين 375 مليار دولار، مما زاد من حدة التوترات.
يتوقع المحللون أن يؤدي الصراع الحالي إلى فك ارتباط اقتصادي جزئي بين البلدين، مع توجه الصين لتعزيز شراكاتها في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية مع أكثر من 60 دولة
التصعيد المتبادل
مع وصول إدارة ترامب إلى الحكم، بدأت الولايات المتحدة في فرض تعريفات جمركية على السلع الصينية، مما دفع الصين للرد بإجراءات مماثلة. في عام 2018، فرضت الولايات المتحدة تعريفات على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار، مما أدى إلى رد صيني بتعريفات على سلع أمريكية بقيمة 110 مليار دولار. وفي عام 2025، تم التوصل إلى هدنة تجارية مؤقتة لمدة 90 يوما، خفّضت خلالها الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية على الواردات الصينية من 145 في المئة إلى 30 في المئة، بينما خفّضت الصين تعريفاتها على السلع الأمريكية من 125 في المئة إلى 10 في المئة.
تداعيات الحرب التجارية على الصين
تأثرت الصين سلبا بالحرب التجارية، حيث انخفضت صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 20 في المئة في عام 2023، مما أثر على قطاعات التكنولوجيا والإلكترونيات. ورغم ذلك، حافظت الصين على هدف نمو اقتصادي بنسبة 5 في المئة لعام 2025، مع زيادة الإنفاق الحكومي لتعزيز الطلب المحلي. ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.8 في المئة في عام 2025، مما يعكس التحديات المستمرة.
تداعيات الحرب التجارية على الولايات المتحدة
أدت التعريفات الجمركية إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما ساهم في ارتفاع التضخم. في عام 2024، بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 6.5 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ 40 عاما. كما شهدت الأسواق المالية الأمريكية تقلبات حادة، مما أثر على ثقة المستثمرين. ورغم الهدنة التجارية، لا تزال المخاوف قائمة بشأن تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد الأمريكي، حيث يتوقع العديد من المحللين أن يستمر العجز التجاري في الارتفاع.
الأبعاد الجيوسياسية
تُعتبر تايوان نقطة توتر رئيسية في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. فبينما تعتبر الصين تايوان جزءا من أراضيها، تدعم الولايات المتحدة تايوان سياسيا وعسكريا. في عام 2025، زادت التوترات في بحر الصين الجنوبي، مع تعزيز الصين لقدراتها العسكرية، حيث زادت ميزانيتها الدفاعية بنسبة 7 في المئة لتصل إلى 230 مليار دولار.
الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة يتجاوز كونه خلافا تجاريا عابرا، بل هو صراع على شكل النظام العالمي القادم. ومع تراجع لغة الحوار وتصاعد حدة العقوبات، يبقى العالم في ترقب لما ستؤول إليه هذه الحرب الاقتصادية، التي قد تعيد رسم خريطة القوى العالمية لعقود قادمة
كما شهدت العلاقات بين الصين وروسيا تقاربا كبيرا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 244.8 مليار دولار في عام 2024، مما يعكس تحالفا استراتيجيا متزايدا.
الرأي العام والتعبئة الوطنية
في الصين، تنامى الشعور القومي، مع انخفاض نسبة المؤيدين للتسوية مع الولايات المتحدة. ووفقا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "بيو" في عام 2024، فإن 70 في المئة من الصينيين يعتبرون الولايات المتحدة تهديدا. وفي الولايات المتحدة، تتزايد الانقسامات بشأن فعالية السياسات التجارية تجاه الصين، حيث أظهر استطلاع آخر أن 55 في المئة من الأمريكيين يؤيدون فرض مزيد من العقوبات على الصين.
الاستشراف المستقبلي
يتوقع المحللون أن يؤدي الصراع الحالي إلى فك ارتباط اقتصادي جزئي بين البلدين، مع توجه الصين لتعزيز شراكاتها في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية مع أكثر من 60 دولة. كما يشير بعض الخبراء إلى أن المواجهة الاقتصادية قد تكون مقدمة لمواجهة عسكرية محتملة حول تايوان، مع زيادة احتمال وقوع مواجهة عسكرية حقيقية خلال العقد القادم، حيث تتزايد الاستعدادات العسكرية من كلا الجانبين.
الصراع مستمر والعالم سيتغير
الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة يتجاوز كونه خلافا تجاريا عابرا، بل هو صراع على شكل النظام العالمي القادم. ومع تراجع لغة الحوار وتصاعد حدة العقوبات، يبقى العالم في ترقب لما ستؤول إليه هذه الحرب الاقتصادية، التي قد تعيد رسم خريطة القوى العالمية لعقود قادمة. إن فهم هذه الديناميكيات المعقدة سيكون ضروريا لصانعي السياسات والمحللين في جميع أنحاء العالم.