معرض الشارقة الدولي للكتاب.. جلسة “الكتابة بعيدًا عن الأوطان”
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
اتفق عدد من الكُتّاب على ضرورة وضع مفاهيم جديدة تحدد سمات الكُتّاب البعيدين عن أوطانهم موضحين أن الشتات أو المنفى لم تعد قائمة كما كان في السابق نظرًا لتغيّر الكثير من الظروف أبرزها الثورة الرقمية التي نعيشها وظهور مجتمعات الجاليات العربية في الغرب.
جاء ذلك خلال جلسة بعنوان “الكتابة بعيدًا عن الأوطان” والتي عقدت ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ42 واستضافت كلاً من الأديب العماني الدكتور هلال الحجري والروائية السورية سمر يزبك والروائية العراقية بتول الخضيري والأديب اليمني الدكتور همدان دماج.
وقال الشاعر والباحث الدكتور هلال الحجري إن الدراسات العربية ربما تفضّل استخدام كلمة “المهجر” والتي يسميها البعض كتابات المنفى ففي العصر الحالي هناك مساق معين ندرّسه لطلابنا نسميه “أدب المهجر” ويتناول هجرة الكُتّاب العرب في مطلع القرن العشرين إلى الأمريكيتين وتشكَّل عنها أدب له سماته وخصائصه لكن المؤرخين للأدب قالوا إنها ظاهرة تاريخية توقفت.
وأضاف لهذا السبب تقول دراسة الشتات في الجامعات الأجنبية إن هذا الأدب مستمر طالما هناك منافي وكُتّاب تركوا أوطانهم أو اضطرتهم الظروف إلى الخروج منها مشيراً إلى أن مصطلح الشتات هو الأكثر شمولاً والأكثر دراسة بل أن هناك دراسات ثابتة في العلوم الأجنبية تسمى دراسات الشتات وهناك معهد متخصص باسم معهد الدراسات الدولية للشتات والعبور الثقافي تديره 4 جامعات دولية من جنسيات مختلفة بهدف دراسة التمثيل الثقافي والتمثيل الذاتي لشعوب من شتاتات مختلفة.
وأكدت الكاتبة والروائية سمر يزبك أن جميع المفاهيم التي كنا نتحدث عنها مسبقًا حول الهجرة أو الشتات أو أدب المنفى تمر بمرحلة تغيير كبير ولم نعد نتحدث عن المنفى كما في السابق بعد الثورة الرقمية وبالنسبة لي كعربية سورية الحديث عن الأوطان لكُتّاب مثلنا لا يحتم أي مقاربة من أي نوع للشعرية والغنائية والحنين كما الغالب لشعراء المهجر في الماضي.
وأضافت حتى المفهوم الجغرافي في فلسفة المكان تغير فلم تخرج نصوص في السنوات العشر الأخيرة ذات شعرية غنائية تتحدث عن المنفى كما في السابق ومن ثم نحن الآن في انتظار ولادة إنسانية جديدة بما فيها علاقتنا بالأدب والأوطان وتعريف مفاهيم أخلاقية وكذلك علاقتنا النفسية بمفهوم الكلمة وتأثيرها.
وأكد الأديب والكاتب همدان دماج أننا بحاجة اليوم إلى إعادة شرح مفاهيم الغربة والبعد عن الوطن فالجيل الحالي من الكتاب الذين يعيشون خارج أوطانهم الأصلية في الوطن المضيف لا يستطيعون أن يقارنوا بالأجيال السابقة من الكتاب أو المبدعين الذين هاجروا في فترات سابقة لافتا إلى أن التعاريف الكلاسيكية لمفهوم البعد والحنين والاغتراب بحاجة إلى إعادة تقييم لأن الظرف الذي نعيشه مختلف فالاغتراب لم يعد هو الاغتراب بالمعنى الكلاسيكي.
وأوضحت الكاتبة العراقية بتول الخضيري أن علاقتها باللغة العربية استغرقت وقتاً طويلاً لحين الوصول إلى الكتابة بسبب ضعف اللغة لديها في طفولتها لأنها لعائلة من رجال أعمال وأم اسكتلندية تتحدث الانجليزية فقط لافتة إلى أن والدها كان له دور مؤثر في تعلمها العربية عبر “الشعر العربي” كنت بالداخل بنت غريبة وبالخارج بنت عربية فلم أتخلص بسهولة من تلك الازدواجية لكني اكتشفت أخيرًا أن الوطن ليس مكانًا أذهب إليه لكنه شعور أصطحبه معي أينما أذهب.وام
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
في المنفى ظلّ لفلسطين.. خالد علي مصطفى شاعر الأرض والرمز
في العام 1948، نزح آلاف الفلسطينيين من قرى حيفا (مثلث الكرمل: إجزم ويازور وعين غزال وجبع وغيرها..) إلى عارة وعرعرة وجنين، وأقاموا خيامهم بين أشجار الزيتون والمشاعات، وحين زار المنطقة وفد عراقي رفيع المستوى، قرر استضافتهم في العراق، وتولى الجيش العراقي نقلهم معه، ريثما تنتهي الحرب في فلسطين.. وطالت الحرب وصاروا لاجئين..
ونشأ مجتمع فلسطيني في العراق، وتحديداً في البصرة وبغداد، تفاعل هذا المجتمع مع محيطه العراقي، وبرز في هذا المجتمع شخصيات سياسية واجتماعية وثقافية، وقد تناولنا في مقالات سابقة الروائي الشاعر جبرا إبراهيم جبرا والشاعر علي السرطاوي والشاعرة سلافة حجاوي..
أما الشاعر خالد علي مصطفى فقد تميّز بدوره النقدي والأكاديمي واندماجه في المشهد الثقافي العراقي من دون أن ينسى مشاعر المنفى والانتماء إلى جذوره الفلسطينية. فكان دوره رائداً في المشهدين العراقي والفلسطيني.
كان العراقيون قادة الشعر الحديث في منتصف القرن العشرين، مثل بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة وبلند الحيدري، وقد ظهرت بعدهم تيارات حداثية جديدة في العالم العربي، أمعنت في الحداثة متخطية شعر التفعيلة والمعاني الوجدانية إلى تيار مغرق في الرمزية. كان من ضمن هذا التيار في لبنان الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ. وفي العراق شارك الشاعر الفلسطيني خالد علي مصطفى في هذا التيار، حين وقّع مع الشعراء سامي مهدي وفاضل العزاوي وفوزي كريم "البيان الشعري" الصادر مع مجلة "شعر69"، والذي أثار بصدوره عام 1969 ضجة في الأوساط الثقافية آنذاك، وقد عاد شاعرنا لتوثيق التجربة وتفصيلها وتعميقها في كتابه النقدي اللاحق "شعراء البيان الشعري" عام 2015.
ترجمته وحياته
ولد الشاعر خالد علي مصطفى في قرية عين غزال قرب حيفا عام 1939. لجأ مع عائلته إلى العراق، حيث استقرّت في البصرة. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في البصرة، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة بغداد، قسم اللغة العربية ليتخرج عام 1962. بعد ذلك، واصل دراسته العليا ونال الماجستير في الأدب العربي حول موضوع "الشعر الفلسطيني الحديث بين عامي 1948 – 1970"، ثم شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد، ليعمل بعدها أستاذاً في الجامعة المستنصرية، حيث خرّج أجيالاً من الطلبة الذين برز بعضهم في عالم الأدب والشعر في العراق.
ويُعد مصطفى أحد أبرز الفلسطينيين الذين تفاعلوا في التيارات الأدبية والثقافية في العراق، وشكلوا جزءاً مهماً منه، من دون أن ينسوا شخصيتهم الفلسطينية، وجذورهم الوطنية، أحب بغداد فأبدع وحلم بحيفا فأوجع. حتى أطلق عليه أحد النقاد لقب "شاعر المنفى والهوية".
ومما يُحسب له، أن بعض شعراء الحداثة هربوا إليها تجنّباً للعروض والأوزان الشعرية، إلا أن مصطفى كان متقناً جيداً له، بل إنه كان يدرس مادة العروض والشعر الحديث في الجامعة.
دخل خالد علي مصطفى عالم الشعر الشعراء وبرز في الأوساط الثقافيّة مع إصداره مجموعته الشعرية الأولى "موتى على لائحة الانتظار" عام 1969، وفي العام نفسه وقّع على "البيان الشعري" وشارك في مجلة شعر69، ولمع اسمُهُ في المجتمع الثقافي العراقي، وزاد هذا الحضور وجوده في هيئة التدريس في الجامعة المستنصريّة ببغداد.
فضلاً عن أنه عمل في الصحافة الثقافيّة، كتابةً وتحريراً، وانضمّ إلى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين وإلى نقابة الصحافيين العراقيين والاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين.
توفي شاعرنا في العام 2019 في بغداد عن ثمانين عاماً.. تاركاً خلفه عدداً من المؤلفات ومدرسة شعرية اكتملت معالمها، أرادت للحداثة أن تكون ذات رسالة وطنية وقومية، وليس فقط كلمات رومانسية ووجدانية تحمل نفَساً من النرجسية.
ورغم موقف كاتب هذه السطور الشخصي والنقدي من الحداثة التي أغرقت في الرمزية والاستعارات، حتى نسيت الرموز الأصلية، إلا أنه لا يمكن إنكار دور شاعرنا الريادي في التيارات الأدبية العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً، ولا يمكن تغييب التشابه مع شعراء تيار النهضة المقاوم في فلسطين، والذي قاده محمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران..
مؤلفاته
ـ موتى على لائحة الانتظار، شعر، 1969.
ـ سفر الينابيع، شعر، 1973.
ـ البصرة ـ حيفا، شعر، 1975.
ـ الشعر الفلسطيني المعاصر، نقد، 1979.
ـ سورة الحب، شعر، 1980.
ـ الشعر الفلسطيني الحديث، نقد، 1986.
ـ شاعر من فلسطين: مطلق عبد الخالق، سيرة تحليلية، 1988.
ـ المعلقة الفلسطينية، شعر، 1989،
ـ غزل في الجحيم، شعر، 1993.
ـ من نصوص السيّاب الأدبية المترجَمة، تحرير، 2011.
نماذج من شعره
من الملاحظ غياب شعر خالد علي مصطفى عن الإنترنت لعدة أسباب، أهمها أنه قليل الاستخدام بسبب الإغراق في الرمزية، وأنه غير مُغنّى ومتداول بين رواد الإنترنت، وأنه مضى عليه أكثر من خمسين عاماً في الكتب الورقية التي لم يتم تفريغها في البرامج الالكترونية.
حكمة
من فجوةٍ في الغيمِ جاءَ هدهد
مرتعشٌ بحكمةِ الجبالِ
أخبرني أن النجوم فخ
تصطاد من حواصل الأحراش لؤلؤاً وبرتقال
وتشتري النيران من دلالة القمر
هناك نام الخلق في الحقائب
فتحتها ... لعل في بطونها مشاغب :
كانت فضاء أملساً
يسقط من أجنحة الجنادب !
شهید
لم تأخذ الأوراق من أحد،
لم تستعر حصاناً
من شفة مرخية في قدح الزبد
أنت أذنت أن تدير قهوة السهر
في من يحدقون في البذور.
كنت ترى برجك في ثمارهم
وتخسر المقامرين؛
كنت ترى عطرك في قطارهم
وتربح المسافرين.
فما الذي دعاك أن تجلس هادئاً وتبكي؟
- "أما ترونه أمامي؟"
حمّلني قنديله
وقال: "ليس للظلام أن يحجب عن وليدنا براقه!"
رأيته يمرق البطاقة،
ويحمل اللافتة الخضراء في اللافتة السوداء،
يعلم المياه كيف تصعد البئر إلى العرين،
ويمنع النواح من أن يرسل الحلوى إلى "جنين" .
سمعته يقول:
-"شرابنا، الليلة، أن نطلق في الشوارع الخيول"
أما ترونه أمامي ؟...
نسر الشتاء يحترق
نسر الربيع ينطلق
وقبلة الأطفال عش في طبق !
جرح
في البدء كانوا . في الختام كانوا.
والجرح جسر الزوبعه.
الجرح صومعه
والجرح منشار وصولجان
الجرح رمان على سبورة
والجرح في الصفوف مهرجان
الجرح حلبة
والجرح في مضمارها حصان!
كبرياء
لم أعط وجهي نجمة تغيب
أو قمراً ينام في جناح عندليب،
ولم أضع بريد الشمس في حقيبتي.
بقيت واقفاً أمام وجهي :
عيني ترى الزمان في زهرة أقحوان،
أذني تلمّ ضجة الأكوان
بهمسة مخفية في قعر أرخبيل
لكنما الظلال كاذبه
تسير فوق خيط مستحيل!
*شاعر وكاتب فلسطيني